مقدمة
يستخدم مصطلح ‘المدن المختلطة’ على نطاق واسع في إسرائيل لوصف حالة عمرانية تحتل فيها الجماعات العربية واليهودية النطاق العمراني ذاته. بيد أن تفحصا نقديا دقيقا يسائل ويشكك في هذا المصطلح الذي يعيد إلى الأذهان الاندماج والعضوية المتبادلة والمشتركة في المجتمع، في حين أن الواقع خلافي ومثير للجدل. ذلك أن الفصل الحيزي والذهني الواضح قائم بين العرب واليهود في إسرائيل بصورة تتشابه والحالات القومية العرقية الأخرى. وبالتالي فإن وجود ‘الفضاءات المختلطة’ أمر استثنائي ولا طوعي أيضا، لا بل هو ناجم في الواقع عن عملية تاريخية تم في غضونها تهويد المناطق التي تقوم عليها إسرائيل بما فيها المدن التي كانت فلسطينية في السابق وبعمق شديد.
يركز هذا البحث بالاستناد على مفاهيم وتصورات هنري لوفيفر حول إنتاج الفضاء (لوفيفر 1991)، على حالة واحدة – مدينة اللد المختلطة. سأطرح من خلال هذا المنظور النظري نتائج واكتشافات بحث ميداني أجري في المدينة ما بين 1999 و2003، حيث تُبرز هذه النتائج آليات الإسكان وتوفير البنى التحتية غير الرسمية، و”المعكوسية الاستراتيجية” (بحسب فوكو في بيرشل وآخرون، 1991:5) للعلاقات السلطوية، والصراع من أجل الهوية المتبدي في احتجاج المجتمع الفلسطيني في هذه المدينة. كما أقوم من خلال هذا البحث بتسليط الأضواء على الطرق التي يُعبَّر من خلالها عن الصراع الاجتماعي عبر تحليل الفضاء المتصور؛ والفضاء المدرك؛ والفضاء المعاش؛ ساعيا بهذا إلى إعادة صياغة وتعبير فعل المناهضة والمقاومة العمرانية، وتوكيد دور الاحتجاج الفضائي كنمط بديل للمقاومة الاجتماعية، حيث تتميز المقاومة الاجتماعية وتتسم بمبادرات ذاتية تعكس حاجات فردية واجتماعية تتحدى مصالح المتنفذين في السلطة، وتنبني هذه الأفعال على شبكات مشاعية قائمة تحدد بالرغم من عشوائيتها، حدود سيطرة الدولة على أولئك المعارضين لهيمنتها. إلا أنِّ هذا الشكل من أشكال الاحتجاج – كما سأطرح – لا يعكس بالضرورة مقاومة واعية، إنما هو في الواقع ينتجها، وبهذا يمتلك كمونا مدمرا.
سأبدأ البحث بوصف العمليات الاجتماعية-السياسية والديموغرافية التي شكلت الفضاء المدرك في اللُّد، ثم أطرح في القسم الذي يليه الفضاء المتصور، ودور المخططين والتخطيط على وجه الدقة، في تحويل شكل ومعنى مدينة اللِّد الفلسطينية إلى مدينة ‘اللُد المختلطة’. وأبحث أخيرا في الفضاء المعاش – أي تأثير مثل هذه العمليات على المعنى الرمزي للمدينة بالنسبة لسكانها الفلسطينيين.
المشتمل أو المراقبة العمرانية Urban Panopticism
أسعى في هذا الجزء إلى وصف الفضاء المدرك، أي على سبيل المثال المشهد الطبيعي الحقيقي والملموس والطريقة التي نظم بها، بما في ذلك الاستخدام الوظيفي للفضاء والبنى التحتية والبيئة المبنية – أي العناصر التي تشكل تجاربنا الحيزية (لوفيفر 1991؛ يعقوبي 2003أ؛ 2003 ج). وكي أتمكن من القيام بذلك، سأحلل الطرق التي تحولت مدينة اللِد الفلسطينية بفعلها إلى ‘مدينة اللُّد المختلطة’. وسوف أطرح تحديدا الديناميكية الفضائية والديموغرافية في المدينة منذ 1948، متتبعا التغيرات في الخطاب السياسي والعام المصاحب لها. ينحصر جدلي في كون سياسة السيطرة الديموغرافية والفضائية في المدينة خلال فترة الإدارة العسكرية قد خلفت تأثيرا قويا وملحوظا، وقد استُخدِمَت كأساس للمراقبة المتواصلة للسكان العرب. كما سأعطي في الفقرات التالية لمحة موجزة عن الخلفية الفضائية-التاريخية.
تقع اللُّد على حافة السهل الساحلي [لإسرائيل]، وقد تطورت حول ملتقى طرق من الغرب إلى الشرق (يافا-القدس) ومن الجنوب إلى الشمال (مصر-سوريا-لبنان). وهنالك وفرة من الدلائل التاريخية عن النشاطات التجارية في المنطقة، حيث بني أول خط للسكة الحديد يصل إلى اللد في وقت مبكر من عام 1892. وقد احتل الانكليز المدينة عام 1917 واستثمروا في تطويرها بشكل موسع؛ بما في ذلك بناء محطة للقطار، وتجديد وتوسيع خطوط السكة الحديد، وإنشاء مطار. أعلنت مدينة اللد عاصمة لمنطقتها عام 1920، وسجلت دائرة الإحصاء لدى الانتداب البريطاني تعدادا سكانيا يبلغ 8103، ويشتمل على 7166 من المسلمين، و926 من المسيحيين و11 يهوديا عام 1922؛ في حين قدرت اللجنة الأنجلو-أمريكية عدد السكان عام 1944 بـ 16،780 نسمة بما فيهم 2،000 مسيحي (يعقوبي 2003أ؛ فاكارت 1977).
لقد كان عام 1948 نقطة تحول في تاريخ اللُّد كما هو بالنسبة للعديد من المدن والقرى الفلسطينية، حيث احتلت القوات الإسرائيلية المدينة التي كان مخططا لها أن تكون جزءا من الدولة العربية بحسب مقررات الأمم المتحدة للتقسيم عام 1947. وقد قتل في العملية داني التي شنتها القوات الإسرائيلية على المدينة 250 فلسطينيا، كما فر ما يقارب 20،000 من السكان أو أجبروا على الرحيل قسرا عن المدينة على يد القوات الإسرائيلية. بيد أن الحاجة إلى عمالة محددة مثل قطاع السكة الحديد في اللد، كان الدافع الرئيسي وراء السماح لـ 1،030 فلسطيني بالبقاء في المدينة، (أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، تقرير الإدارة العسكرية، 10 تشرين الأول/أكتوبر 1948، 1860/50-31).
خلقت إقامة دولة إسرائيل وحرب عام 1948 واقعا جديدا في المدينة. فعندما احتُلت اللد، قامت الإدارة العسكرية بادئ الأمر بجمع ما تبقى من السكان الفلسطينيين في حظيرة مسيجة بالأسلاك الشائكة مشكلة بذلك الخطوة الأولى في سياسة المشتمل أو الرقابة العمرانية (Ponepticon). وقد اشتُق مفهوم المشتمل أو الرقابة العمرانية من أعمال فوكو،[1] الذي فهم الفضاء على أنه عنصر حاسم في تفسير العلاقات السلطوية، فضلا عن كون الفضاء العمراني الحديث كما يستشف من كلمات فوكو، ‘مختبر للسلطة’ (فوكو 1977:204). وقد تحرى فوكو في هذا السياق خصائص مؤسسات المراقبة المشتملية التي لم يعد من حاجة فيها للقضبان والأغلال والأقفال الثقيلة:
“كل ما يلزم هو وضوح وجلاء الفجوات وترتيب الفتحات. ويمكن استبدال ثقل ‘بيوت الأمن’ القديمة بعمارتها الشبيهة بالقلاع بالهندسة الاقتصادية البسيطة لبيت اليقين” (فوكو 1977:362).
إلا أن فوكو نفسه قد طور هذه الموضوعة بأبعد من تحليل الشكل المعماري، حيث يصف – بناء على هذا النسق الفكري – المشتمل على أنه يعكس ويرمز إلى موقع الأجساد في الفضاء والتراتبية الهرمية للسلطة حيثما يُفرَض شكل معين من السلوك (فوكو 1977: 364).
أن تبنّي وجهة النظر هذه يركز على المشتمل كـ “تقنية سياسية،”[2] وقد استخدمت الاشتمالية العمرانية في اللد بعد عام 1948، كوسيلة للمراقبة المتواصلة المطردة، عبر آليات السيطرة المباشرة وغير المباشرة على الفلسطينيين الذين تم اعتبارهم الأعداء (بشير 1999؛ روحانا وغانم 1999؛ بشارة 1993). وقد تضمنت هذه السياسة واشتملت على ترحيل مئات العمالة الفلسطينية من الجليل للعمل في الكروم المهجورة داخل وحوالي اللد. وقد سكن أولئك العمال في المنطقة العربية المطوقة ولم يسمح لهم بالبقاء في المدينة في نهاية الموسم الزراعي (أرشيف بن غوريون، 9837-27/8/48؛ أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، تقرير الإدارة العسكرية، 10 تشرين الأول/أكتوبر – 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1948، 1860/50-31).
لقد كانت قوات الأمن الجسم الرئيس المنسق للعلاقات بين الفلسطينيين والحكام الإسرائيليين. حيث تبين الوثائق المؤرشفة بأن هذه القوات كانت تمتلك السيطرة الكلية على مسلك الفلسطينيين بما في ذلك تحركاتهم وحقهم في العمل (أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، 1860/50-31، 1860/50-32). وتجدر الملاحظة بأن المسلك السياسي اللائق للأفراد الفلسطينيين تجاه السلطة الإسرائيلية الحاكمة كان عاملا حاسما في اكتساب هذه الحقوق (بشارة 1993).
وقد دعم الخطاب الإسرائيلي العام هذا النهج وذلك بتشييده صورة سلبية لمن تبقى من العرب، حيث يلوم رئيس الوزراء بن غوريون ويوبخ الفلسطينيين في إسرائيل على دعمهم للدول العربية المحيطة، في حين يدعي الرئيس بن تزفي بأن الفلسطينيين كانوا يسعون لإكمال مشروع هتلر (بنزيمان ومنصور 1992). وهكذا أصبح الفلسطينيون المتبقون في اللد بلا حول ولا قوة؛ حيث جرى تشويه وتقويض ثقافتهم الحضرية فضلا عن هويتهم الجمعية، وقياداتهم. فكما ذكر في ذلك الحين أنهم كانوا مجتمعا متشظ عاجز عن تهديد الهيمنة اليهودية (أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، تقرير الإدارة العسكرية، 10 تشرين الأول/أكتوبر 1948، 1860/50-31.)
انتهت السلطة الإدارية العسكرية في اللد في نيسان/أبريل 1949 (أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، إنتهاء الإدارة العسكرية في الرملة واللد ويافو، 23 حزيران 1949، 1860/50-31)، مع استمرار الإجماع المتعلق بضرورة السيطرة والتحكم في السكان الفلسطينيين في المدينة، حيث بقيت كل سمة من سمات حياتهم خاضعة للمراقبة. وقد حاول اللاجئون الفلسطينيون في الفترة الأولى التي تلت الحرب التسلل ومعاودة الاستقرار في بيوتهم المهجورة في اللد، في حين اشتمل رد فعل السلطات على عمليات عسكرية ضدهم فضلا عن توطين مكثف للمهاجرين اليهود – المزراحي (اليهود الشرقيين) منهم على وجه الخصوص (أرشيف [جيش الدفاع الإسرائيلي]، تقرير الإدارة العسكرية 23 كانون الأول/ديسمبر 1948، و11كانون الثاني/يناير 1949، 1860/50-31).[3] وقد جرى توطين 126،000 يهودي (66 بالمائة) من أصل 190،000 من القادمين الجدد إلى إسرائيل عام 1949 في البيوت الفلسطينية المهجورة في المدن ‘المختلطة’ بما فيها اللد (موريس 2000: 263).
ولكن بالرغم من عمليات التهويد المكثفة الساعية إلى السيطرة على التوازن الرقمي بين اليهود والفلسطينيين، إلا أن عملية هجرة داخلية مستمرة ونمو طبيعي قد أثرا على التوازن العرقي، إذ تبين المعطيات المستقاة من أرقام الإحصاءات الرسمية بأن السكان الفلسطينيين قد تزايدوا خلال العقد المنصرم من 9 إلى ما يربو على 20 بالمائة في حين تقلص عدد السكان اليهود من 91 إلى أقل من 80 بالمائة.[4] سأتتبع الأحداث التاريخية التي قوضت ما يلوح بأنه عملية تهويد سحرية محكمة للتمكن من فهم واستيعاب هذه التغيرات.
بالإضافة إلى الفلسطينيين الذين بقوا في اللد بعد 1948، استقرت موجات من اللاجئين الفلسطينيين من الداخل في المدينة منذ الخمسينيات معيدة بذلك تنسيق الملامح الاجتماعية للمدينة ومقدمة طبقات ديموغرافية أكثر تعقيدا. وقد تضمنت أحد أهم المجموعات المسيطرة عائلات من قرى منطقة سهل سارونا أعيد توطينها في اللد كجزء من اتفاقية مع السلطات الإسرائيلية بعد أن صودرت أراضيها الأصلية وعوضت كل عائلة بقطعة أرض جديدة تقارب 10 بالمائة من ممتلكاتها الأصلية. إلا أن حالة هذه العائلات استثنائية وفريدة من حيث أنها تمتلك أراضيها بخلاف باقي المجموعات الفلسطينية في المدينة.[5]
وقد جرى توطين عائلات بدوية في المناطق الشمالية من اللد في فترة الستينيات كجزء من الخطة الإسرائيلية الرسمية، وذلك في مناطق سكة الحديد، وتم دمجهم في الاقتصاد الإسرائيلي كعمالة رخيصة. كما جذب موقع اللد – قربها من حاضرة تل أبيب – مجموعات أخرى من الهجرة الداخلية الفلسطينية احتل البعض منها بصورة غير مشروعة منازل خاوية مهجورة في المدينة ومهدمة جزئيا في الغالب.
هنالك مجموعة أخرى من الفلسطينيين جرى توطينها من قبل السلطات وهم ‘المتعاونون أو العملاء’ – من فلسطينيي مناطق قطاع غزة والضفة الغربية اللتين احتلتهما إسرائيل عام 1967، حيث اضطرت السلطات إلى نقل هذه العائلات من قراها وبلداتها الأصلية التي كانت حياتها فيها معرضة للخطر بعد تعاون أولئك الفلسطينيون مع السلطات الأمنية الإسرائيلية ليعتبروا بالتالي عملاء من جانب باقي الفلسطينيين، وعوضتهم بإسكان في حي الوردة يشمل 50 وحدة سكنية مبنية على أراضي الدولة.
يجسد هذا الدفق الديموغرافي توترات سياسية وثقافية واقتصادية معبر عنها حيزيا، فكما يبين الشكل 1 تظهر المدينة نمطا للفصل العنصري[6] يسيطر فيه الفلسطينيون على منطقتين في اللد وهي الأجزاء الغربية والشمالية.

الشكل 1 السكان اليهود والعرب في اللد
تشكل هذه المناطق التي تعتبر موئل الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين الفضاء المدرك. وتفتقر هذه المناطق للبنيات التحتية الأساسية، حيث يبين مسح إحصائي لـ 500 منزل لأسر فلسطينية في المدينة أن 30 بالمائة منها غير مرتبط بشبكة المجاري، كما تذمر 49 بالمائة واشتكوا من مشاكل تتعلق بالرطوبة، ويعاني 43 بالمائة من دلف مياه الأمطار، و29 بالمائة من مشاكل في الإنشاء والبناء، كما صنفت 28 بالمائة من المنازل للهدم، في حين تستخدم 26 بالمائة منها للسكنى مع كونها غير مكتملة البناء (تقرير بروكدايل 1997).
أضف إلى ذلك أن هذه الأحياء تتميز بما عرَّفته السلطات على أنه بناء مكثف غير قانوني. وبناء على ما وجدته يعيش 50 بالمائة من السكان الفلسطينيين في المدينة في مبان ‘غير قانونية’ تشكل أوسع نشاط معماري غير رسمي داخل المدن غير العربية في إسرائيل. وقد أصبح الفضاء المدرك للأحياء والمناطق الفلسطينية إشارات ودالات تشكل صورة السكان العرب في اللد، حيث يُقدَم العرب في الإعلام ليس ‘كالعدو العربي’ فحسب، ولكن ‘كخطر اجتماعي’ وكمصدر رئيس للنشاطات غير المشروعة من مثل الجريمة والاتجار بالمخدرات[7] كما يفهم من تقرير البلدية:
“تشكل الأقليات في اللد 20 بالمائة من السكان، في الوقت الذي يصل تورطهم ومشاركتهم في النشاطات الإجرامية إلى 60 بالمائة” (تقرير بلدية اللد 2000).
ولكن يلزم القيام ببعض التوضيحات فيما يتعلق بهذا التصريح، حيث يعتبر التقرير أولا أن البناء غير القانوني هو الفعل الإجرامي الرئيس. إلا أنه لا يشير إلى أن ذلك ناجم عن سياسة الهندسة الديموغرافية التي لا تلبي وتستجيب للاحتياجات السكنية لمواطني المدينة من الفلسطينيين، فكما ينوه على سبيل المثال، مكسيم ليفي الذي كان رئيسا للبلدية في الماضي:
فيما يتعلق بالسمات والخصائص الديموغرافية الخاصة بالمدينة […] يجدر مراعاة الحلول غير المألوفة وذلك للعمل في اتجاه تفريق وبعثرة السكان خارج المدينة ووقف الاجتياح السكاني اللاشرعي كليا في المستقبل … إن مشكلة السكان الفلسطينيين – كما ذكر آنفا – خطير وملح ويستدعي حلا شاملا وفوريا (بلدية اللد ووزارة البناء والإسكان 1987 – التشديد مضاف).
بيد أن رد فعل السكان العرب تجاه هذا الموقف لا يتماشى وأهداف صناع القرار، بل هم في الواقع يناضلون من أجل الحصول على حقوقهم بالسكن بناء على وصف أحد الفلسطينيين الذين تمت مقابلتهم:
“أنا عالق بين دائرتين من التحيز والتمييز، الأولى هي الدائرة القومية التي تعتبرني وتعاملني على أني “مشكلة”، والثانية هي دائرة البلدية، وهنا يصبح الأمر أسوأ من حيث تأثيره على حياتي اليومية – فالتمييز على هذا المستوى كلي وعميق، فحقوقي الأساسية منقوصة، حقي في المسكن وحقي في الحصول على تعليم لائق لأطفالي، جميع هذه الخدمات تتوفر عن طريق البلدية ونحن نناضل للحصول عليها. ما أود قوله أنه لا يوجد مبادرات تخطيطية من أجل العرب في اللد، ولعلنا محظوظون إذ ربما لو وجد أي قدر من التخطيط لما استطعنا الانتفاض ضده ولأمكن السلطات من أن تدَّعي التخطيط من أجلنا … إن هذا الانقطاع الكلي وهذا التجاهل المطبق لاحتياجاتنا إنما يشكل دافعا لنا” (مقابلة مع أ. م. 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2000).
في الحقيقة لم تتغير السياسة نحو المواطنين الفلسطينيين في اللد على مر السنوات، فما زالوا هم ‘الأعداء’ – الخاضعون للإقصاء والاستبعاد الاجتماعي والحيزي.
لقد وصل إلى اللد في غضون العقدين الماضيين العديد من المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفييتي سابقا على وجه التحديد، وباتوا يشكلون 25 بالمائة من سكان المدينة حاليا مشكلين بذلك الجيل الثاني من أدوات التهويد. يطرح تقرير بلدية اللد لعام (2000) خصائص المدينة الديموغرافية على أنها قضية جوهرية، مدعيا أن النمو والتزايد النسبي للسكان اليهود مبني على الهجرة فيما يتزايد العرب تزايدا طبيعيا كما يبدو في مقابلة الناطق الرسمي باسم بلدية اللد:
“الحمد لله! إن ما أنقذنا ديموغرافيا بالفعل هي الهجرة المكثفة لـ 15،000 – 16،000 من القادمين الجدد إلى اللد” (مقابلة مع ج. شطريت، الناطق الرسمي باسم بلدية اللد، 1 تشرين الأول/أكتوبر 2000).
ومع ذلك يجدر التنويه هنا بأن المهاجرين الروس الجدد إلى المدينة ليسوا جميعا من اليهود، إذ أن حوالي 30 بالمائة من القادمين الجدد إلى إسرائيل في آخر موجة هجرة كانوا من غير اليهود الذين تمكنوا من الاستيطان في إسرائيل استنادا إلى قانون العودة.[8] يدور الجدل في هذا السياق أنه بالرغم من التناقض بين الطبيعة اليهودية لإسرائيل والمهاجرين الأداتيين من غير اليهود، فإن هذه الهجرة تخدم أهداف الهندسة الديموغرافية وتشكل إسرائيل بالتالي كـ “دولة غير عربية” (لوستيك 1999).
إن التنظيم الفضائي للمدينة ليس بعملية عضوية أو طبيعية تعكس الفوارق الاقتصادية وحدها فحسب، بل هي مدمجة في مواضع عمرانية غير متساوية تعكس العلاقات السلطوية فضائيا (قارن بول 1987؛ بيتش 1996). إن ميادين المعارك المفصولة عنصريا هذه هي المواقع التي يجري فيها الصراع “على الحق في المدينة” (لوفيفر 1996)، ومن ثم فإن تفهم أنماط الفصل في المساكن والنشاطات الاجتماعية والحياة اليومية يرتبط بإحكام بتحليل علاقات السلطة والقوة بين الأقلية-الأكثرية. وقد سعيت في هذا القسم لأن أذهب بعيدا متجاوزا الجدل الدائر حول ما إذا كان الفصل العنصري مفروض من قبل الآخرين أو حصيلة دوافع ومصالح الجماعة. إن مثل هذا الانقسام التحليلي الثنائي يقلص من تعقيد الواقع، إذ عدا عن كون الفصل العنصري ظاهرة مناطقية فإنه يأطر الأعراف الاجتماعية ويبني صورة ‘الآخر’.
لهذا لا يمكن في هذا السياق اعتبار الفضاء المدرك في اللد على أنه حيادي؛ فهو يضعف بشكل منهجي الحراك والتعبئة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في اللد. ونظرا للفصل العرقي فإن عددا ملحوظا منهم يعاني من بيئة اجتماعية بات الفقر فيها والجريمة والبطالة هي العرف السائد فيما التدهور الاجتماعي والمادي وفشل التعليم هو المهيمن. لذلك فإن تأثير العزل على الفلسطينيين بنيوي وليس فرديا، فهو يتجاوز قدرة أي فرد على خلق تغيير في حياته/حياتها وفقا للحوافز الشخصية أو الانجازات الخاصة.
تدمير العمران التقليدي
“…تغيرت اللد من مدينة عربية مهملة وغير مطورة إلى مدينة بتعداد سكاني [يهودي] يبلغ 16،000 … باتت اللد بشوارعها النظيفة والبيئة الخضراء والإدارة المنظمة … مثالا حيا للقوة الدينامية للشعب اليهودي” (تقرير بلدية اللد 1952).
إن المشهد العمراني الواقعي والملموس للد يعكس كما أشرت في القسم السابق، العمليات الاجتماعية-السياسية في المدينة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن إحدى الأدوات الفعالة في تحويل المدينة الفلسطينية إلى “مدينة عبرية”[9] هو جهاز التخطيط. هنا نلحظ أهمية فكرة لوفيفر عن الفضاء المدرك لعلاقتها بالنهج الذي يتمثل فيه المحترفون من أمثال المخططين والمعماريين الفضاء. ذلك أن هذا الفضاء المتخيل هو حصيلة عمليات أبستمولوجية معرفية لا يمكن اعتبارها مستقلة بمعزل عن السياق الاجتماعي-السياسي (لوفيفر 1991).[10]
سأتابع مجادلا بأنه لا يمكن اعتبار البيئة المبنية في اللد مجرد أداة تقنية لتنظيم الفضاء، بل هي تعكس وتنتج وتعيد إنتاج العلاقات السلطوية كما هو الحال مع التمثيلات الثقافية الأخرى. يتبع هذا الجدل تحليل نقدي للخطاب[11] المتعلق بالنسيج العمراني منذ حرب 1948 ومرورا بالخطط الرئيسة من الخمسينيات والتسعينيات مركزا على التغيرات الحقيقية التي تمت في البيئة المبنية فضلا عن المحتويات والمعاني المتجسدة طي الخطاب التخطيطي.[12] إن تعرية الأبعاد الخطابية للمجال المهني الاحترافي كما أطرح – هو مفتاح لفهم الديناميات الفضائية للمدينة فضلا عن أجندتها الأيديولوجية التي غالبا ما تُهمَل في أدبيات العلاقات العمرانية الإثنية.
بدأ تحويل المدينة الفلسطينية إلى ‘مدينة عبرية’ مع إقامة دولة إسرائيل، وذلك بتوظيف آلية مزدوجة عبَّرت عن مشروع استيطاني كولونيالي واقعي وملموس، وبناء رمزي لوعي قومي جمعي مبني على الانتماء الإثني. وأقترح تعريف الفعل المادي لهذه العملية على أنه تدمير للعمران التقليدي والذي طرح خطابيا في ظل مقاربة من التخطيط العلمي المعني عقلانيا وموضوعيا ‘بالصالح العام’. سوى أن هذه المقاربة استدعت في الغالب دمارا واسعا ومكثفا للبيئة الفلسطينية المبنية القائمة، وهو عمل بُرِّر على أنه جزء من التطور العملي باتجاه الحداثة.
بيد أني سأبين بأن الاستبدال الكلي للمشهد العمراني العربي كان أمرا مستحيلا، ويعود ذلك إلى كل من الظروف السياسية والديموغرافية التي جرت مناقشتها في القسم السابق، كما نجم أيضا عن تطوير مقاربة خلافية مثيرة للجدل نحو البيئة الأصلية المبنية، حيث سيتم طرح هذه المقاربة بالاستعانة بالخطاب الاستشراقي الذي فتح منظورا جديدا لفهم الثقافات كنتاج للسيطرة الاجتماعية (سعيد 1978). حيث تبين كيف بنى المجتمع الاستيطاني اليهودي حسه المتخيل للمكان في الوقت الذي شوه ومسخ فيه مضمون ومعنى العامية المحلية محولا إياها إلى موضوع انتماء ‘محلي’ و‘أصيل’ سوى أنه انتماء ‘غير عربي’.
لقد منعت حرب 1948 تاريخيا إنجاز الخطة الجديدة للّد الانتدابية والتي صممها المهندس المعماري أوتو بولشيك بروح المدينة الحديقة.[13] وقد شددت خطة بولتشيك المشابهة للخطة السالفة التي وضعها المهندس المعماري المعروف كليفورد هوليداي،[14] على الحفاظ على قلب المدينة القديم وتشييد أجزائها الحديثة جنبا إلى جنب مع الأجزاء التاريخية.
ففي حين جرى طرد غالبية السكان العرب وحشد من تبقى منهم في مناطق منفصلة، جرت عمليات هدم واسع ومكثف للمناطق المبنية على يد الجيش الإسرائيلي، وغالبا ما كانت تتم في ظل الأوامر الحكومية المباشرة وأحيانا كحصيلة لمبادرة عسكرية. بيد أن الهدم الكامل للمدينة الفلسطينية لم يكن واقعيا، حيث تطلب تدفق المهاجرين اليهود مخزونا من المساكن، كما استدعت نوايا بعض اللاجئين الفلسطينيين بالتسلل عودة إلى منازلهم رد فعل نشط على هيئة توطين القادمين اليهود الجدد في تلك المنازل كحماة للحدود. وقد كان تهويد اللد مشابها لغيره من الاستيطان في المناطق الحدودية – مشروعا قوميا بأولوية قصوى، مفضيا عام 1950 لأن يشكل الفلسطينيون 9 بالمائة فقط من سكان المدينة البالغ تعدادهم 12،100 وأما البقية فمن اليهود.
إن تركيبة [سكان اللد اليهود] متنوعة وتتميز بخصائص كيبوتس جاليوت[15]: فأصل 50 بالمائة منهم من بولندا ورومانيا وبلغاريا، بينما الـ 50 بالمائة المتبقون فمن المغرب وتونس وتركيا والعراق. بيد أن المدينة ما زالت بعد مرور سبعة أعوام على تأسيسها كمدينة عبرانية مستقلة أبعد ما تكون عن كيان عمراني متجانس ومندمج خلع عنه رداءه الشتاتي، حيث ما زالت التجمعات [اليهودية] المختلفة تحافظ على عاداتها وتقاليدها، الواقع الذي يمنع أي تطوير صحي مرغوب. (غاليلي، جريدة “عالهمشمار،” 17 أيار 1954).
يتفحص النقد الوارد هنا طورا جوهريا داخل الخطاب الصهيوني يهدف إلى خلق مجتمع حديث متكتل في فضاء قديم-جديد – أي ‘المدينة العبرانية.’
فضلا عن كونه يستخدم ما تبقى من العمارة الأصلية كرمز ليس للمشهد العدو المروع فحسب، بل أيضا للأصول المزراحية الشتاتية للمهاجرين اليهود:
“بينما يسير المرء في غيتو سكنى ويراقب أسلوب الحياة المتدهور والمتفسخ لسكانه الذين يعيشون في منازل معتمة وأقبية تفتقر إلى التمديدات الصحية الأساسية … ينتاب المرء شعور بأن لا شيء قد تغير في حياة أولئك الناس الذين نقلوا من غيتوات المغرب المعروفة والمظلمة” (غاليلي، صحيفة “عالهمشمار،” 17 أيار 1954).
وللمفارقة حُددت “الأدوات” – اليهود الشرقيون المنفذون لمشروع التهويد بشكل رئيس – على أنهم سبب تخلف المدينة. فقد استقطبت سياسات الهجرة لدى السلطات الإسرائيلية إلى المدينة الكثير من المشاكل الاجتماعية والإعاشية معا كما يعرفها زفاي إتزكوفيتش رئيس بلدية اللد بعد مرور عشرون عاما:
كل واحد [من المهاجرين اليهود] يحتل بيتا من الممتلكات المهجورة… وعوضا عن البحث عن حلول لإعادة تأهيل المدينة العربية المهملة كمثل إنشاء مصانع جديدة، فإن السوخنوت [الوكالة اليهودية] والحكومة تكثفان وتركزان في المدينة الحالات المعتمدة على الإعاشة من كافة أرجاء البلاد (أرشيف بلدية اللد 1972).
ما هو المشهد العمراني الذي يجب خلقه في مدينة اللد كي يحل مكان البيئة العربية المبنية والشتاتية المتخلفة؟ كان الجواب على السؤال واضحا في حينه ويتعلق بمشروع التحديث الذي مثل النكران والرفض الأيديولوجي للماضي والحاضر المشرقيين. لقد ربط الخطاب الإسرائيلي العام بإصرار خصائص “الغيتو المظلم” بالعلل الاجتماعية التي يمكن شفاؤها إذا ما تحسنت الشروط المادية:
[…] لن يحيى أولئك المقيمون في بلوكات المنازل الحديثة بسلام مع سكان الغيتوات… فدعونا ننجز قرار الخبراء والمهندسين المتعلق بضرورة هدم كافة هذه المنطقة كي ننظف القذارة الاجتماعية (غاليلي، صحيفة “عالهمشمار“، 17 أيار 1954).
لقد كانت بلوكات المنازل المذكورة أعلاه حصيلة الخطة الرئيسة الإسرائيلية الأولى التي استهلت عام 1954 وجرت الموافقة عليها عام 1958، حيث أيد المهندس المعماري مشيل بار مبادئ التخطيط الحداثي. وقد بنيت خطة العمران الجديدة على نهج وتوجه تخطيطي حداثوي، بينما يبدي حزامها من الفضاءات العامة المفتوحة ونظام المواصلات الفعال اغترابا ونفورا تاما عن المشهد العربي القائم:
“من الضروري إعداد خطة عمرانية مفصلة لا تمت بصلة للأبنية القائمة” (بلدية اللد 1952).
كان نموذج بار الحداثي متناغما ومنسجما مع أيديولوجية المجتمع اليهودي الاستيطاني. ففي حين كانت آراء بولتشيك وهوليداي الاستشراقية تؤيد إعادة بناء وترميم مدينة اللد القديمة كانت طموحات بار تميل إلى تبديل نسيج اللد العمراني العربي باسم الحداثة.
“علينا نقل سكان الخرائب [المدينة القديمة] تدريجيا إلى أحزمة سكنية جديدة، أما المناطق التي يتم إخلاؤها فيحول جزء منها إلى أحياء سكنية بتخطيط جديد، وتخصص الغالبية المتبقية لإقامة مبان عامة وفضاءات عامة مفتوحة تلبي احتياجات السكان المحيطين بها.” (أرشيف بلدية اللد 1972).
من الجدير بالذكر في هذا السياق ادعاء ساندركوك بأن المخططين الحداثيين هم “سارقو الذاكرة.” فهم “يعتنقون أيديولوجية التنمية كتقدم” وبذلك “قتلوا مجتمعات بأكملها بإخلائها وردم بيوتها” (ساندركوك 1998: 208). ويصح هذا الجدل في حالة مدينة اللد، بالرغم من أن التركيز على مشروع التحديث سيكون جزئيا متحيزا، حيث أن التحديث ليس مفهوما مستقلا بل هو مرتبط بقوة مع غيره من الأيديولوجيات. وكما هو موضح أعلاه فقد جرى تبرير فعل التخطيط – كما هو الحال مع غيره من الممارسات الكولونيالية – على أنه أكثر تمدنا من استخدام السكان الأصليين للفضاء (كينغ 1990).
لم يقدم التدمير العمراني كعمل عدائي وإنما كفعل باتجاه الحداثة، وبالتالي جرى استغلال التأويل الحداثوي للمدينة وسكانها كأساس معنوي وأخلاقي لجعلهم خاضعين للرقابة والسيطرة، إذ أنه بدون بناء ‘الآخر’ على أنه العدو الأقل تمدنا لن يكون هناك من مبرر للسيطرة عليه. وقد وسمت هذه المقاربة العقد الأول من تأسيس اللد الإسرائيلية كما وكررت مرة أخرى بعد مرور 20 عاما:
“لقد استلمنا المدينة مهجورة ومتخلفة وقذرة، بلا كهرباء ولا نظام صرف صحي ولا تمديدات مياه جارية ولا أرصفة أو شوارع. أما الشوارع ومنها الشارع الرئيسي على وجه الخصوص، فقد كانت عبارة عن أزقة بائسة. وكي تتمكن من بناء مدينة تحتاج لبنّائي مدن من الطراز الأول، وكي تعيد تأهيل مدينة متخلفة يلزمك نوايا طيبة وطاقة ومبادرة والأهم من كل ذلك – المال… فتم تعبيد الشوارع والأرصفة في كافة أنحاء المدينة لتصبح الأماكن المهملة مصقولة جيدا والميادين البائسة مزدهرة” (زفي إتزكوفيتش، رئيس بلدية اللد، أرشيف بلدية اللد 1972).
يطرح هذا الاقتباس الآليات المتراكبة التي أنتجت مشهدية اللد العمرانية؛ مقاربة حداثوية للنظافة والتخطيط، ومفهوم للمدينة اليهودية الإثنية التي استبدلت القذارة والتخلف.
وضعت خطة بار العمرانية في اعتبارها بقاء بعض المباني الدينية في الجزء القديم من المدينة، إلا أن وظيفتها الأصلية التي كانت تعتبر جزءا من الحياة العامة للمدينة الفلسطينية لم تعد صالحة في أعين المخططين. وهنا أصبح للتصميم العمراني دوره الخاص في احتجاز الفضاء والذاكرة ضمن قيود الأطر اليهودية والغربية والحداثية المهيمنة:
“ستبقى المؤسسات الدينية والمباني الخاصة داخل الحدائق العامة [المخططة حديثا]، وإذا ما تم إخلاؤها فستستخدم كمتاحف ومعارض إضافة إلى نزل للفنانين، حيث سيجد الفنانون المناخ الخاص ملهم للإبداع. وقد نفكر بالإبقاء على بعض الأزقة المتميزة بمبان خاصة كتذكارات من الماضي” (أرشيف بلدية اللد 1952).
كانت معظم المدينة العربية قد هدمت بحلول السبعينيات مخلفة فجوة تدعى “حديقة هاشالوم“، وهو الاسم العبري لحديقة السلام. تابع المخططون – أي “أطباء الفضاء” (لوفيفر 1969:99) – التزامهم الأيديولوجي بمداواة الفضاء المشرقي. فاستخدم التدمير العمراني كوسيلة وغاية بحد ذاته في آن معا، متيحا باسم التحديث والتجديد الاستعمار المادي للد، ومحولا رمزيا حس اللد بالمكان.
بينما خضعت اللد لتحولات عمرانية هائلة بُدأت بسماع أصوات جديدة؛ أصوات دعت إلى الحفاظ على الإرث المعماري للد. فقامت البلدية المحلية بتنظيم مؤتمر حول هذه القضية عام 1992 جرى التعبير فيه عن هذا التبدل الواضح في النظرة إلى الأهمية التاريخية للآثار المتبقية، حيث اعتبر الحفاظ على البيئة الأصلية المبنية للد مصدر للجذب السياحي بالدرجة الأولى، وبذلك جدد المؤتمر طرح هذه المقاربة التي سبق للمخطط مشيل بار أن طرحها قبل أربعون عاما:
[…] نستطيع أن نرمم هذه المنطقة بحيث تنافس يافا القديمة بغاية السهولة: بالمتاحف والمعارض ودكاكين السياح والمراكز الفنية (“ألتيرنيتيفا” – صحيفة محلية، 9 تشرين الأول/أكتوبر 1992).
لقد انتُقد هذا المنحى في مدن أخرى من العالم (بوير 1996) بادعاء أنه يمثل وجهة نظر المحترفين البيض من الطبقة الوسطى الذين يركزون على إزالة الصبغة السياسية عن عملية التخطيط. فيقيِّم هذا المنحى المدن بحسب موقعها ومكانتها من إعادة بناء رأس المال المعولم الذي بات يسيطر على التصميم العمراني اليوم. ولكن فيما يتعلق بالتحول الجلي نحو المشهدية العربية للد، أقترح وجوب النظر إلى تجاريتها ضمن سياق الخطاب المعماري الذي ساد في إسرائيل في الستينيات، والذي سيطر عليه توق إلى تحديد ‘التجذر العميق’ وإقليمية قومية محلية. فقد كانت هذه عملية جدلية تبنت المشهد الأصلي كموضع إلهام من جهة، في حين أقصت ‘الآخر المروع’ من جهة أخرى.
وما هذا المنحى المتبدل الواضح نحو الحفاظ على النسيج العمراني العربي إلا شكلا آخر من أشكال السيطرة، يخبئ خلفه ترويض المشهد والزمان والفضاء كوسائل لبناء الحس الجمعي بالانتماء ‘البدئي’ ويحيل رجوعا إلى ‘وجود أصيل’، كما سأبين في الفقرات التالية.
وظفت اللجنة الإسرائيلية للحفاظ على المواقع سعادية مندل أحد المعماريين المتقدمين في مجال الحفاظ على العمران في إسرائيل عام 1990، وذلك لإعداد خطة حفاظ رئيسة لمدينة اللد. وقد كانت التوجهات نحو السياحة هي المحور الأساس في خطته:
“تهدف بلدية اللد لإعادة المدينة إلى درب السياحة وتقديم المواقع التاريخية فيها للزوار من إسرائيل ومن الخارج. تتطلب هذه المواقع إعادة تأهيل لاستكشافها وتحويلها إلى مواقع سياحية جذابة” (خطة الحفاظ الرئيسة 1991).
بيد أن هذه المهمة تطلبت إعادة قراءة تاريخ المدينة وإعادة تشكيل الذاكرة كما يشير المهندس المعماري ذاته:
“…لقد توصلت إلى بعض الاستنتاجات في نهاية العملية… فأخبرت رئيس البلدية مكسيم ليفي بأن هذا مشروع للحفاظ والسياحة فضلا عن كونه مشروعا تثقيفيا. فهناك أناس في اللد يبلغون الخمسين من العمر ومن حقهم أن يعرفوا ما إذا كانت اللد قد احتلت أم حررت… وأنا لا أستخدم مثل هذه المصطلحات “احتلال” و”تحرير” مصادفة واعتباطا، بل إن موقفي واضح من هذه الرواية، فأنا أعلم بأن أميك إزراييل قد احتلت، وقد اشترت الصهيونية الأراضي هناك من ملاكها العرب واستوطنت هناك – هذا يعتبر احتلالا أنيقا إذا ما أردت تسميته، وأنا لا أدعي بأنه عادل، سوى أن أنيق هو أكثر مصطلح بريء يمكنني استخدامه. ثم اندلعت حرب التحرير وتم احتلال اللد – وكان هذا أقل أناقة… وأطروحتي هي أن في اللد فضاء لكل منهم ومنا” (مقابلة مع سعادية مندل، 20 أيلول/سبتمبر 2000).
نُشر عمل مندل في تقرير مفصل قدم تاريخ المدينة بالتسلسل الزمني مبينا كل حقبة وشواهدها المركزية التي يتوجب الحفاظ عليها. إنها رحلة عبر الزمن تستهل بالعصور النيوليثية والحديدية والرومانية والبيزنطية والفترة العربية المبكرة والحروب الصليبية وأزمنة المماليك والعثمانيين والانتداب البريطاني وتنتهي بالفترة التي تبدأ من 1948 وحتى زماننا هذا.
تصف هذه الوثيقة خصائص وشواهد كل حقبة بالرغم من أن نصها الضمني يتعامل مع إعادة بناء السردية التاريخية للمدينة، حيث يتضح هذا عبر مثالين بارزين. يذكر النص حين يصف الانتقال من الفترة البيزنطية إلى العربية المبكرة عملية التشويه العمراني التي ميزت الفتح الإسلامي مُنَوِّها بأن المدينة “قد دمرت على يد المسلمين وأخذت حجارتها لبناء مدينة الرملة،” في حين يتجاهل النص الدمار شبه الكلي الذي أحاق باللد في روايته لفترة 1948 وما تلاها، وتفسر الظروف “العقلانية” تهويدها بعد الانتهاء من “تحرير” المدينة:
“احتل [جيش الدفاع الإسرائيلي] اللد في 11 تموز 1948 كجزء من “عملية داني” وأعيد لها اسمها العبراني – لُّد – وشغل القادمون الجدد إلى الوطن المساكن المهجورة مستغلين بشكل فعال مخزون المنازل القائمة.”
من الجلي أن الجهود المبذولة ‘لترويض’ ذاكرة وشواهد المدينة تخدم بناء الهوية الإسرائيلية الجمعية التي أطرتها السردية الصهيونية بادعاء أن الشعب اليهودي قد عاد إلى ‘أرض بلا شعب’ في بانتظار ‘شعب بلا أرض.’ ولكن بما أن اللد هي ‘مدينة مختلطة’ تتشكل من كل من المواطنين اليهود والعرب فإن التعويل على فكرة الأرض الفارغة إشكالي؛ فبالرغم من ماضيها الذي شُوِّه ما زالت المدينة تحتوي على كل من الخصائص المعمارية العربية والسكان العرب. وقد كان مندل واعيا لهذا الأمر، فمع أنه يعلن التزامه بالصهيونية سوى أنه يسعى جاهدا لمنح معنى أوسع لخطته الرئيسة:
عندما جئت على ذكر مبنى معصرة الزيتون العائدة لعائلة حسونة[16] طُلب مني السكوت عن هذه القضية. فقلت بأني أود أن تشغل عائلة حسونة المعصرة العتيقة فما من سبب يمنعها من ذلك… فكل مبنى عربي وجدناه كان مدمرا، لقد خدع اليهود أنفسهم – ظننا أن بمقدورنا المحو … ولكن ما زال كل شيء حيا وقد حاولت أن أعبر عن ذلك في الخطة الرئيسة (مقابلة أجريت مع سعادية مندل في 20 أيلول/سبتمبر 2000).
ولكن كما يشير رابينوفتز (1993) فإن أي إشارة للتركة والإرث الثقافي غير اليهودي يعتبر إشكاليا للأكثرية اليهودية، حيث أن التسليم ‘بماضي الآخر’ قد يكشف الهوية الأخرى المنافسة للهوية الصهيونية. وفي الحقيقة لم يكتب لخطة مندل الانجاز وتُركت خرائب العرب في المدينة لتختفي ‘بفعل الطبيعة.’
إن أحد المشاريع الوحيدة التي تم إنجازها في الحفاظ على النسيج العمراني للد هو صيانة مبنى عربي في مركز المدينة، فقد تم تجديد المبنى كي يصبح مكاتب لرئيس بلدية اللد، حيث كانت المكاتب والوظائف التمثيلية للبلدية قائمة في مبنى حداثي حتى ذلك الحين. وقد ترجم التحول الجلي نحو المشهد العربي في انتقال رمزي لقادة المدينة إلى بيت قديم يقع في نهاية محور مرئي. ذلك البيت الذي كان يوما جزء من نسيج عمراني أصبح ‘نصبا’ مزاحا في غير محله، بحيث شُوِّه نسقه التقليدي النموذجي، وحركته الهرمية في الفضاء من الخاص إلى العام فضلا عن مدخله الطقسي الشعائري أيضا – حيث باتت ترحب لافته مزخرفة عليها اقتباس من إرميا بأولئك المتوجهين إلى المبنى: “فيرجع الأبناء إلى تخمهم” (إرميا 31:17).
فمن هم أولئك الأبناء الذين يرجعون إلى تخمهم؟ يبدو أن مكاتب رئيس بلدية اللد تأتي ضمن مقاربة ناقشها الخطاب الاستشراقي في ما يخص المعارض العالمية (متشيل 1998؛ كرينسون 1999)، حيث افترض أن تخلق الأشياء المصطنعة في هذه المعروضات انطباعا بالنظام وبالمدينة الأصيلة والتسلسل العلمي؛ مما يوحي بدوره بتنظيم معين للمعرفة. لقد كانت ‘المجموعة التاريخية’ للد التي اقترحها المهندس المعماري في خطة الحفاظ الرئيسة عبارة عن متوالية من الحكايات رتبت بحيث تقدم الواقع المعاصر على أنه استمرار طولي طبيعي للماضي. وتعتبر هذه النقطة – في سياق اللد التي كانت مدينة فلسطينية سابقا، مركزية ورئيسة في فهم إعادة بناء السردية التاريخية التي تطرح استمرارا تاريخيا طوليا للاستيطان اليهودي في المدينة كما صرح رئيس البلدية وقت إعداد الخطة:
“عبر مئات السنين وخلال عصور مختلفة منذ الفترة الكنعانية… كانت اللد هي المكان الوحيد في العالم الذي تواجدت فيه مستوطنة عبرية” (خطة الحفاظ الرئيسية 1991).
كتلخيص لهذا المقطع الذي عالج الفضاء المدرك وإسهامه في إنتاج المشهد العمراني، أُلفت النظر إلى أن لعملية التخطيط بحد ذاتها خطابيا وعمليا دورا مميزا في ‘تسويغ وعقلنة’ علاقات القوة. فإنتاج الفضاء العمراني هو حقا عملية مستمرة تشتمل على أيديولوجيا مهيمنة وعلاقات اجتماعية سياسية، تنبني في حالة اللد على عمليتين متبادلتين؛ التهويد من ناحية ومحو العروبة من ناحية أخرى. وهذا يستدعي المعارف ‘العلمية’ لتسهم في ما عرفه سعيد على أنه “الصراع على الجغرافيا،” إذ أن هذا الصراع كما يلحظ سعيد صراعا معقدا من حيث أنه “لا يدور حول الجند والمدافع فحسب، بل يدور حول الأفكار والأشكال والصور والتخيلات أيضا” (سعيد 1993:6).
يعتبر إسهام الممارسات الحيزية من مثل العمارة والتخطيط والتصميم العمراني مهمة في هذا السياق؛ إذ هي تنظم الأيديولوجيات التي تخدمها داخل خطابها الاحترافي من جهة، في حين تبدل البيئة المبنية والشكل والفضاء العمراني من جهة أخرى. وتكمن قوتها فعليا في تأثيرها ‘الذي لا يُساءل’ في تأطير التجربة اليومية والمعاني المتراكمة التي يمكن من ثم فك رموزها من خلال تحليل الخطابات التي تُنتَج داخلها.
وأخيرا فإن عمليات التخطيط في اللد مرئية وإن لم يكن بالطرق التي قصدها المخططون تماما. فقد كان من المستحيل تحقيق رؤيا الفضاء الحداثي الذي يرحب بالقادمين الجدد في السنوات الأولى، ويعود ذلك بالأساس لكون مخزون المنازل الفلسطينية قد استخدم لإسكان المهاجرين اليهود. بيد أنه على الرغم من دمار المشهد الأصلي، فإن البناء الكثيف غير الرسمي للأحياء الفلسطينية في اللد يناقض المشهد العمراني اليتوبي ويؤشر على كون مناطق شاسعة من المدينة عربية، وكما تشير صحيفة رائجة للمهاجرين الروس:
[…] بنى العرب قبل ردح من الزمن بيتا ضخما على بقعة كرستها البلدية لتأسيس متنزها عاما ووجد فيها علماء الآثار بقايا معصرة نبيذ يهودية عتيقة… ولكن بدلا من المتنزه العام يشيد بيت عربي وبمحاذاته إسطبل وحظيرة مواش. عوضا عن السياح والسكان لا يزور هنا سوى الخيول والأغنام، فيما يصغي سكان الحي [اليهود] إلى صخب الحيوانات أثناء الليل ويشمون الروائح “العطرة” (صحيفة فيستي، 9 أيار/مايو 2002- الأصل بالروسية).
السردية العمرانية (المضادة)
شكل الصراع القومي-العرقي المشهد العمراني في اللد عبر السنوات كما جرى البحث في الأقسام السابقة. وقد تجسد ذلك في سياسة السلطات التخطيطية من ‘الأعلى إلى الأسفل’ من جهة ومن مبادرات السكان الفلسطينيين من ‘الأسفل إلى الأعلى’ على هيئة بناء غير رسمي من الجهة الأخرى. سوف أبين في هذا القسم أن التوتر السياسي-الحيزي هو في لب بناء المعنى فضلا عن حس الانتماء والهوية بين السكان الفلسطينيين. حيث سيتمفصل هذا الادعاء في تحليل الفضاء المعاش الذي يجسد الصور والرموز والأفكار المتداعية ‘للشاغلين’ الذين يمنحون المعنى للفضاء.
لقد اخترت في هذا القسم مقابلة معمقة في الصميم مع حنان، امرأة من السكان العرب في منتصف الأربعين من العمر وتقطن في “حي يهودي” مخدَّم جيدا من أحياء الطبقة الوسطى. أما السؤال الذي سيبحث من خلال هذا السرد فهو بأي طرق تؤثر العمليات التي يجري بحثها هنا على بناء هويات أولئك السكان من غير المشمولين في المجموعة المسيطرة، وكيف تشكل هذه الهويات – بدورها – الفضاء العمراني رمزيا. غير أني لا أدعي بأن تأويلاتي هي تمثيلات للواقع لا جدال فيها، بل أقترح بأن الفضاء المعاش كما ينعكس في سردية حنان إنما يشكل بعدا مضافا يتحدى ويتفحص نقديا الحقائق ‘الموضوعية’.
برغم طلبي من حنان وصف حياتها اليومية في اللد، سوى أنها فضلت أن تفتتح المقابلة بأحد الموضوعات الرئيسة التي انبنت سرديتها حولها: ألا وهي البيت. يتكرس الجزء الأول من المقابلة لهذه الموضوعة وقد استهلته بقولها: “في اللد هذا هو بيتنا الثالث.” بالطبع أشار العديد من الباحثين إلى أهمية الفضاء المنزلي الذي هو توسيع وامتداد للذات (كارستن وهيو جونز 1995)، بالإضافة لكونه مصدرا جوهريا في تشكيل الهوية (كوهين 1982). بيد أني أفترض أن البيت الشخصي في سردية حنان يجسد معنى رمزيا أيضا يوظف كـ ‘وعاء’ حامل للسردية الفلسطينية الجمعية كما يبين المثال التالي:
[…] منذ البيت الأول الذي كان لجدي، وقد كانت خمسة بيوت بحسب عدد الأشقاء في العائلة… أما البيت الثاني الذي عشنا فيه فقد كان ملكا لعائلة فلسطينية طردت إلى الأردن عام 1948 ثم عادت لزيارة بيتها بينما نحن نقيم فيه.
تقوم حنان فعليا بتعداد البيوت التي تنقلت عائلتها إليها ذاكرة حقيقة أن “البيت الثاني” كان ملكا للاجئين فلسطينيين، إضافة إلى أن تعداد البيوت المختلفة هو نمط يخدم التسييس الجمعي لسرديتها أيضا مشددا على حقيقة كونها عملية مستمرة مفروضة من جانب العلاقات السلطوية القائمة في المدينة، إذ أن تدهور الأحياء العربية في اللد هي التي أجبرت عائلتها على الرحيل إلى حي آخر: “لذلك قلنا بأنه آن أوان الرحيل وكنا نبحث عن مكان نرتحل إليه، أجل كنا نبحث عن مكان نرتحل إليه.”
إن تكرار الفعل “نرحل”[17] يرتبط بالنزعة الذهنية لحنان الناجمة عن الإقامة في أماكن منغلقة منعزلة حيث يلوح مرة أخرى في إشارتها إلى بيتها وحيها الحاليين:
هنا الجميع يغلق الأبواب على نفسه… البيوت منعزلة ومرتبة في صفوف مستقيمة […] أكره أن أخرج، إذ كلما غادرت المنزل أواجه بحرب، أواجه بحرب.
لم تكن هذه الصورة السلبية متوقعة حيث أن حنان تسكن أحد أفضل أحياء اللد على الرغم من أنها العائلة العربية الوحيدة المقيمة هناك. والاستعارة الفضائية المجازية بحد ذاتها ــ “الخطوط المستقيمة” و”البيوت المنعزلة” قد طُرحت خلال المقابلة كنقيض لبيئة سكن الطفولة والتي هيمن عليها السكان الفلسطينيون:
الكثير من البيوت والكثير من الأشجار والكثير من الأطفال يلعبون، البيوت مصممة في دوائر والجميع يخرجون ويجتمعون ويضحكون، الكثير من المرح … والنساء المسنات يراقبن من النوافذ.
إن صورة “الدوائر” هنا لا تمت بصلة للواقع المادي لحيها الماضي، بل هي طريقة لترميز المشاعر الجمعية المشاعية كما هي باستخدام أسماء الجمع أيضا (الكثير من المنازل، والأشجار إلخ) والدلالات الإيجابية (“المرح” و”يجتمعون” إلخ). تقدم هذه السردية منظورا نستالجيا لماضي حنان، ولكن مرة أخرى لا يشتمل هذا على الذكريات الشخصية وحدها فحسب، ولكن على المشاعر والعواطف الفلسطينية الجمعية نحو المدينة كما تشير:
قبل خمسون عاما كانت المدن [الفلسطينية] في هذه المناطق شيئا مهما ومحترما ومعروفا بحق، مدن مثقفين، إلا أنـهم دمروا المدن، دمروها بكل بساطة. اللد مدينة بالاسم فقط سوى أنها من وجهة نظر ثقافية لم تعد مدينة بل أصبحت مكب نفايات.
إن فقدان الماضي المجيد والصورة السلبية الحالية للفضاء العمراني الذي “ليس سوى مكب نفايات” مسيَّسة إلى أبعد الحدود من خلال التشديد على “هم” – أي الإسرائيليين – الذين “دمروا” المدينة. فضلا عن أنها تنتقد السياسات التخطيطية للسلطات، حيث تذكر خلال المقابلة “الجانب المظلم من التخطيط” (يفتاحئيل 1994) الذي يهدف إلى إحكام السيطرة على السكان العرب وتجميعهم في غيتوهات:
لقد صمم مشروع الإسكان الجديد كمصيدة ولم يرد أحد الانتقال إليه، هل تعرف تلك الرسومات لمصائد الجرذان؟ إنه هكذا.
تبرز الديناميات الحيزية والديموغرافية المطروحة في هذه الورقة في سردية حنان حين تستخدم استعارة أخرى تدل على ‘القذارة’:
غادر اليهود المنطقة تدريجيا، وهدمت السلطات والمطورون منازلهم القديمة، ولم يبق إلا العرب ليعيشوا وحدهم هناك وأصبحت الأحياء مثل ركام من النفايات.
يقع وراء هذا الوصف أحد أهم الموضوعات في هذه السردية ألا وهو المعكوسية الرمزية للعلاقات السلطوية، فبينما يركز الخطاب الإسرائيلي العام على العرب كسبب رئيس لتدهور المدينة، تكرر حنان وأكثر من مرة أن السكان اليهود هم السبب معبرة عن حس بالانتماء ومعيدة بناء الوقائع من خلال ‘صناعة الآخر’:
[…] من هم اللداويون الحقيقيون؟ وصل اليهود إلى كافة أرجاء البلاد، حسنا [تضحك] إنما لماذا أرسلوا كل المهاجرين اليهود المساكين إلى اللد؟ إنهم لم يسهموا بشي، بل هم وراء تدهور المدينة.
ثم يتلخص هذا الادعاء أكثر حين تعكس حنان رمزيا ‘المعلومة الشائعة’ المتعلقة بمدينة من هي اللد:
يترك اليهود المدينة، يتركون المدينة، يتركون المدينة… ليس هناك حس بالانتماء في الجانب اليهودي، بينما أعتقد بوجود حس الانتماء في الجانب العربي. أنا على سبيل المثال لدي ما يكفي من المال لشراء بيت في مكان آخر، ولكن حسنا، هذه مدينتي.
تستخدم حنان حسها بالانتماء كسردية مضادة لسياسات ‘الأعلى-إلى الأسفل’، مع أن الرواية التالية تؤكد أن قدرتها “على شراء بيت في مكان آخر” ليست بالمهمة السهلة في مدينة مبنية على الفصل العنصري:
سأروي لك قصة، عندما جئنا لشراء هذا البيت كنا نقف في الخارج ونتحدث لمالكة البيت السابقة، وفجأة قالت: أخفضوا أصواتكم! حتى لا يتعرف عليكم الناس هنا مع أنكم مسيحيون، فأجبتها: يمكنك أن تخبريهم بأعلى صوتك أني أقدم لهم معروفا بموافقتي على السكنى هنا.
خلاصة هذا القسم هو ما ستبوح به حنان حول هويتها المقاومة[18]، وهي نتاج مضاد للصراع العرقي-القومي القائم والمستمر، ففضلا عن حسها العمراني بالانتماء وبالإشارة إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الأوسع تحيل إلى فضاء متخيل يرتبط بهويتها القومية:
ترفض المؤسسة قبول حقنا بأن نكون فلسطينيين وذلك لكوننا نحن [مواطني إسرائيل الفلسطينيين] هنا وهم [الفلسطينيون في السلطة الفلسطينية] هناك، فقط بسبب الظروف التي جعلتنا عالقين هنا وجعلتهم عالقين في منطقة مختلفة، فلا تقبل المؤسسة تماهينا مع إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين. ما معنى التماهي معهم؟ إنها ليست مسألة تماهٍ، فهم نحن، ونحن هم.
النقاش
لم تكن العمليات المتعددة التي جرت في الفضاء العمراني في اللد تطورية أو طبيعية، بل نتاج للمشروع الإسرائيلي القومي-العرقي وأفعاله الهادفة التي تعبر عن دور الأيديولوجيا في إنتاج العزل العنصري في السكن والفضاءات العمرانية غير الرسمية في إسرائيل. ويعتبر هذا نهجا شائعا في المجتمعات الاستيطانية، حيث يلعب الصراع مع السكان الأصليين دورا مركزيا في تشكيل الوعي الجمعي القومي.
يقدم السياق العمراني ‘المختلط’ في إسرائيل ‘مصيدة مزدوجة’ للمواطنين الفلسطينيين في دولة تعرف نفسها على أنها دولة يهودية مخصصة بهذا الموارد والثروات بناء على التراتبية الهرمية العرقية. ثم يخضعون للمزيد من التمييز ضدهم في مدينة تعتبر نفسها ‘مختلطة’، سوى أنها تقصي سكانها العرب وتستثني احتياجاتهم التخطيطية وهويتهم. يحدد هذا المنطق سياسة المدينة التخطيطية، وتدفق رأس المال، بالإضافة إلى الإنتاج الثقافي واستخدام أنساق المراقبة للسيطرة الديموغرافية والحيزية.
بيد أن هيمنة القمع والاضطهاد يستدعي ردود أفعال تأتي على شكل مبادرات من جانب سكان اللد الفلسطينيين تمكنهم من إحراز حقهم في المدينة، وكما يشير كوسكيلا:
لا يمكن للسيطرة أن تهيمن كليا، فهنالك دائما عنصر مقاومة، حيث يمكن تحويل المراقبة إلى ‘مراقبة مضادة’، وإلى سلاح في يد المضطهَدين. (2003:306).
إن المهم هنا هو تشكل مفاهيم ودور الاحتجاج الحيزي كنمط بديل للمعارضة الاجتماعية. حيث تتسم المعارضة الفضائية بتشكيل أفعال مستقلة تلقائية تعكس الاحتياجات الشخصية والاجتماعية التي غالبا ما تتناقض مع مصالح من في السلطة. وتنبني هذه الأفعال على شبكات اجتماعية قائمة تعين بالرغم من عاميتها، حدود سيطرة الدولة التي تستدعي إذعانا للنظام الاجتماعي المفروض. زد على أن ذلك النمط من الاحتجاج والرفض يُنتج بالرغم من اعتباطيته وعيا اجتماعيا وسياسيا ويمتلك بالتالي كمونا مدمرا.[19]
يعكس الفضاء المدرك احتجاج السكان العرب الحيزي بوضوح، فبناء المنازل غير المرخصة ناجم عن الحاجة الأساسية لتأمين المأوى، ولكن وضوحه ومداه بالإضافة إلى عدم قدرة السلطات على وضع حد له يؤشران على قوته. وبالتزامن تحولت صورة “العدو العربي” كما تم بناؤها مع تأسيس اللد الإسرائيلية في 1948 إلى ‘مشكلة اجتماعية’ ترتبط بخطاب ‘اللاشرعية’ الذي ‘يهدد’ صورة المدينة.
يقودنا هذا إلى البعد الرمزي للفضاء المدرك الذي يهدد الوجود الثقافي للمدينة فضلا عن انجازات المخططين وصناع السياسات. حيث أنه في وجه الجهود والموارد التي تم استثمارها لإعادة تشكيل المشهد المبني للد نجده يتحول مرة أخرى وبالتدريج إلى ‘مشهد مديني عربي’ في صورته المعمارية كحصيلة للبناء الموسع اللارسمي واللامنضبط. وأفترض أن هذا الشكل من الاحتجاج الفضائي ليس عملا واعيا بالضرورة، إلا أن مغزى وأهمية أحياء واسعة ‘عربية’ في المدينة ناجم عن أعمال البناء المرئية هذه. وبالإحالة إلى هذا أنوه أيضا أن الاحتجاج الفضائي بات مهما وله شأن بالعلاقة مع الفضاء المتصور.
يتجلى الاحتجاج الفضائي بوضوح في تحليل فضاء حنان المعاش، حيث يبدو المعنى الشخصي فضلا عن الجمعي للفضاء العمراني حصيلة مباشرة لعلاقات القوة ذات ‘الاتجاه الواحد’. بيد أن تحليلا دقيقا للمقابلة التي أجريت مع حنان يبين وجود سرديات مقاومة مضادة تكشف حسا مشاعيا بالمكان والانتماء للمدينة يتمثل رمزيا بعكس استراتيجي للعلاقات السلطوية.
المراجع:
Bashir, N. 1999. The Palestinian Inhabitants in the Mixed Towns – Demography, Education Employment and Crime. Jerusalem: The Center of AlternativeInformation. (Hebrew)
Benziman, U. and Mansour, A. 1992. Subtenants. Jerusalem: Keter. (Hebrew)
Bishara, A. 1993. On the Question of the Palestinian Minority in Israel, Theory and Criticisms, 3: 7–35 (Hebrew)
Boal, F. W. 1987. Segregation. In: Social Geography: Progress and Prospect, edited by M. Pacione, 90–128. London: Croom Helm.
Boyer, M. C. 1996. The Town of collective Memory. Cambridge Massachusetts, London England: The MIT Press
Brukdeil’s Census of the Arab Families in Lod. 1997. (Hebrew, not Published).
Carsten, J., and Hugh-Jones S. 1995. Introduction. In: About the House – Levi- Strauss and Beyond, edited by J. Carsten and S. Hugh-Jones, 1–46. Cambridge:Cambridge University Press.
Castells, M. 1997. The Power of Identity: Economy, Society and Culture. Oxford: Blackwell.
Central Bureau of Statistics. 1995. The Geographical-Statistical Vision of Urban Localities in Israel, 6,C. (Hebrew)
Central Bureau of Statistics. 1999. Statistical Abstract of Israel, 50. (Hebrew)
Cohen, A. P. 1982. Belonging: the experience of culture. In: Belonging – Identity and Social Organisation in British Rural Cultures, edited by A. P. Cohen 1–18.
Manchester University Press.
Crinson, M. 1996. Empire Building – Orientalism and Victorian Architecture, London and New York: Routledge,.
Danahar, G., Schirato, T. and Webb, J. 2000. Understanding Foucault. London: Sage.
Fairclough, N. 1995. Media Discourse. London: Edward Arnold.
Falah, G. 1996. Living Together Apart: Residential Segregation in Mixed Arab-Jewish Towns in Israel. Urban Studies, 33 (6): 823–857.
Foucault, M. 1977. Discipline and Punish. London: Penguin, trans. Alan Sheridan.
Gordon, C. 1991. Governmental Rationality: An Introduction. In: The Foucault Effect, edited by Burchell, G., Gordon, C., and Miller, P. 1–52. Chicage: TheUniversity of Chicago Press
Hashimshoni, Z. 1969. Lod – The Old Town Census. The Evacuation and Construction Authority. (Hebrew)
Hastings, A. 1999. Discourse and Urban Change: Introduction to the Special Issue, Urban Studies, 36 (1):7–12
Holston, J. 1989. The Modernist Town – An Anthropological Critique of Brasilia. Chicago and London: The University of Chicago Press.
Kemp, A. 2002. ‘Sojourning People’ or the ‘Big Fire’: State Power and Everyday Resistance in the Israeli Frontier. In Mizrahim in Israel: A Critical Observation
into Israel’s Ethnitown, edited by H. Hever, Shenhav, Y. and Motzafi-Haller, P. 36–67. (Hebrew).
King, D. A. 1990. Urbanism, Colonialism and the World Economy – Cultural and Spatial Foundations of the World Urban System. London and New York:Routledge.
Koskela, H. 2003. ‘Cam Era’ – the Contemporary Urban Panopticon. Surveillance and Society (3): 291–213.
Lefebvre, H. 1991. The Production of Space, Oxford: Blackwell.
Lefebvre, H. 1996. Writings on Towns, London: Blackwell.
Lod Municipality, 1991. Preservation Master Plan (Hebrew).
Lod Municipality Report, 1952. Lod – Three Years of Municipal Regime. (Hebrew).
Lod Municipality Report, 2000. (Hebrew)
Lustick, I. 1999. Israel As A Non-Arab State: The Political Implications of Mass Immigration of Non-Jews. Middle East Journal, 53 (3): 416–433.
Markus, T. and Cameron, D. 2002. The Words between the Spaces – Buildings and Language. London and New York: Routledge.
Mitchell, T. 1998. Colonising Egypt. Cambridge: Cambridge University Press.
Peach, C. 1996. The Meaning of Segregation. Planning Practice and research, 11 (2):137–150.
Rabinowitz, D. 1993. Oriental Nostalgia: How the Palestinians Became Israeli-Arabs. Theory and Criticism 4:141–151(Hebrew).
Rouhana, N. and Ghanem, A. 1999. The Democratization of a Traditional Minority in an Ethnic Democracy. In: The Israel\Palestine Question, edited by I. Pappe, London and New York: Routledge.
Said, E. 1993. Culture and Imperialism. U.K: Vintage.
Said, E. 1978. Orientalism – Western Conceptions of the Orient, Penguin Books.
Sandercock, L. 1998. Towards Cosmopolis. New York: Wiley.
Sibley D. 1995. Geographies of Exclusion – Society and Difference in the West, London and New York: Routledge.
Vacart, O. 1977. Lod – A Geographical History, Chericover, Lod. (Hebrew).
Wood, D. 2003. Foucault and Panopticism Revisted. Surveillance and Society (3): 234–239.
Yacobi, H. 2003a. Everyday Life in Lod: On Power, Identity, and Spatial Protest in a Mixed Town. Jamaa (10): 69–11 0 (Hebrew).
Yacobi, H. 2003b. The Architecture of ethnic Logic: Exploring the Meaning of the
Built Environment in the “Mixed” Town of Lod – Israel. Geografiska Annaler, 84 (B): 171–187.
Yacobi, H. (2003c). From Urban Panopticism to Spatial Protest. Surveillance and Society, 2 (1), 55–77.
Yiftachel, O. 1994. The Dark Side of Modernism: Planning as Control of an Ethnic Minority. In Postmodern Towns and Spaces, edited by S. Watson and K. Gibson, Oxford: Basil Blackwell.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….
[1] لقد تم تطوير المراقبة أو المشتمل عام 1787 على يد جيريمي بنثام واستخدم كنموذج معماري في الأبنية التي تعتمد السيطرة الاجتماعية في جوهرها مثل المستشفيات والسجون والمصانع وهكذا. يتكون المشتمل من وجهة نظر معمارية من اسطوانتين متراكزتين: الخارجية بعلو ستة طوابق تواجه فضاء مركزيا تقع فيه الاسطوانة الأصغر؛ في حين يراقب شخص في الاسطوانة المركزية ويسيطر بصريا على الاسطوانة الخارجية، حيث تكشف العلاقات الحيزية بين الاسطوانتين والإضاءة وجوه الذين تتم مراقبتهم في الوقت الذي تخفي فيه وجود المراقب. وبذلك لا يعلم المرء إذا كان المراقب في البرج المركزي أم لا، سوى أنها تخلق وهما بأنه دائما هناك.
[2] غالبا ما يفسر المشتمل في المجتمعات ما بعد الحداثية بعلاقته بتقنيات المراقبة مثل CCTV (Koskela, 2003)، لكني أشير إليه في هذه الورقة على أنه تقنيات سياسية (فوكو في دنبار وآخرون، 2000، الفصل 5)، أي أنه مجموعة من القواعد والمؤسسات التي تشكل الفضاء العمراني.
[3] لقد سجل عام 1969 على سبيل المثال بأن سكان اللد كانوا 50 بالمائة من المهاجرين اليهود من شمال إفريقيا، و18 بالمائة من بلدان شرق أوسطية أخرى، و24 بالمائة من يهود أوروبا و8 بالمائة من العرب. أنظر: هاشمشوني 1969.
[4] بنيت هذه المعطيات على الإحصاء السكاني الرسمي لعام 1995 وعلى الخطة الرئيسة للمعلومات في اللد (1997).
[5] لمزيد من المعلومات حول هذه القضية أنظر: يعقوبي 2002.
[6] حول طبيعة وديناميات الفصل العنصري في المدن المختلطة في إسرائيل، أنظر: فلاحة 1996.
[7] حول البناء الاجتماعي للآخر كحصيلة للفصل العنصري أنظر: سيبلي، 1995.
[8] قانون العودة (1950، 1954، و1970) يحدد حق الشعب اليهودي في العودة إلى إسرائيل.
[9] أرشيف بلدية اللد
[10] للملاحظات التأويلية والمنهجية أنظر: يعقوبي 2003أ.
[11] إن تأويل وتحليل النصوص والوثائق في هذا البحث مبنية من منظور منهجي على أدبيات واسعة تتعامل مع تحليل الخطاب على وجه العموم وفي علاقته مع البيئة المبنية والتخطيط على وجه الخصوص. أنظ ماركوس وكاميرون 2002؛ فيركلو 1995؛ هيستنجز 1999.
[12] إن محدودية نطاق هذه الورقة لا يمكنني من مناقشة الارتباط الوثيق لتخطيط المدن البريطاني الكولونيالي في فلسطين الانتدابية مع التخطيط الصهيوني ما بعد 1948. للمزيد من التفاصيل أنظر: يعقوبي 2003أ.
[13] أوتو بولشيك هو مهندس معماري يهودي هاجر إلى فلسطين من تشيكوسلوفاكيا بعد أن درس في البوهاوس. للمزيد من التفاصيل أنظر: يعقوبي 2003ب.
[14] كليفورد هوليداي مهندس معماري ومخطط مدن بريطاني مشهور عاش وعمل في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني. للمزيد من التفاصيل أنظر: يعقوبي 2003ب.
[15] كيبوتس جاليوت (‘تجمع المنفيين’) هو مفهوم جوهري في الخطاب الصهيوني ويعني بوتقة انصهار مهاجري الشتات اليهود من مختلف بلدان المنشأ.
[16] بقيت عائلة حسونة الفلسطينية في اللد بعد حرب 1948 وما زالت تمتلك مبنى معصرة الزيتون العتيقة.
[17] “لاتزيت” بالعبرية
[18] حول بناء الهوية العرقية كحصيلة لعمليات المقاومة والطرق التي يعاد إنتاجها فيها في وجه القمع والاستبعاد الاجتماعي أنظر: كاستيلز 1997.
[19] حول أنماط مشابهة للمقاومة من الأسفل-إلى الأعلى أنظر: هولستون 1989؛ كيمب 2002.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.