السنة الثالثة والعشرون – العدد 6636
في هذا العدد:
■ عادل سماره:
- العطش ورسالة إلى بدر شاكر السياب
- بن سلمان…بوضوح: فليبلع البعض لسانه
- لحظة التخندق
■ أزمة الرأسمالية بشهادة واحد من أهلها l عرض كتاب: أزمة الرأسمالية الديمقراطية – تأليف “مارتن وولف”، الطاهر المعز
■ رايات سوداء فوق الخيام: حكاية من زمن الخيام، رشاد أبوشاور
■ شهادة جزائري: ذكريات من العراق، جاسم السميري
■ مشكلتنا: التفكير في سياق مفارق لواقعنا، معمر نصار
✺ ✺ ✺
عادل سماره:
(1)
العطش ورسالة إلى بدر شاكر السياب
يا سيد الشعر الجديد والمتجدد، كم كنا نردد ونناقش أشعارك الملحمية في معتقلات الكيان منذ أواخر الستينات. كان أخي كريم ينسخ من دواوينك ويرسل لي قصيدة على صفحات رسائل صغَّر العدو مجال الكتابة عليها.
تذكرتك وأنا أفكر في العراق القتيل ايها الشاعر الكبير بدر شاكر السياب في قصيدتك الرائعة: “مطر” :
“مطر مطر مطر
سيغرق العراق بالمطر
أصيح في الخليج
يا خليج
يا واهب اللؤلؤ و المحار والردى
فيرجع النشيج با خليج “
ربما هناك أمطار في الخليج.
ولكن العراق في عطش قاتل يا سياب!!!
إن كنت تسمع في جدثك الطيب أو تشاهد شاهد تشكي وزير عراقي من التعطيش التركي والإيراني للعراق.
ثم يتمظهر توابع هذين البلدين غضباً من نشر الحقائق فيلعنوا العروبة لأنهم يعيشون في كنف اسيادهم! لكن السياب بدرك أن لا غدٍ لسوريا ولا العراق بلا وحدتهما على الأقل.
(2)
بن سلمان…بوضوح:
فليبلع البعض لسانه
يا للهول ما اسوأ المثقف والإعلامي الذي يرمي التراب في عيون الناس!
صحيح أن سيده اسوأ منه. لكن سيده يختفي خلفه وخلف سيده العربي سيد امريكي وصهيوني.
هذه مقابلة مترجمة مع بن سلمان في “فوكس نيوز” الأمريكية، لا نقول بأنها يمينبة، وصهيونية، فذلك تحصيل حاصل. ترجمها موقع يسمى “بالحدث”
بداية، لا شك بأن بن سلمان دفع مالاً لقاء المقابلة، فالأمريكي لا يفهم سوى لغة المال وبن سلمان يمارس هدر ثروة الشعب بلا حسبان.
ولا شك بأن المترجم قد امتلىء مالاً كذلك، وإلا : ما معنى أم يُبرز المترجم أن بن سلمان يعتبر فلسطين قضية هامة.
نحن إذن أمام بازار استغلال فظيع لقضية عادلة بالمطلق.
بن سلمان لم يتحدث عن حق العودة ولا عن أي فلسطين يقصد، فربما يراها في المسجد الأقصى فقط! كما لم يتحدث حتى عن دولة فلسطينية حتى في شبر واحد! بل تحدث عن حياة أفضل للفلسطينيين ودور ناشط للكيان في المنطقة.
إذن الاهتمام بفلسطين ضمن الهدف الأوسع وهو تنفيذ التطبيع كمشروع وليس كديكوراً. وهذا ما كتبت عنه منذ ثلاثة عقود”إندماج الكيان في الوطن العربي إندماجا مهيماً”. أي فلسطين عربون بقاء السعودية في حضن أمريكا بتوقيع صهيوني.
لعل بن سلمان هنا قد أفحم المحللين والمثقفين الذين سحبوا أو مططوا علاقة السعودية مع الصين على أنها خروج من أو شبه خروج من تحت الفرج الأمريكي.
فماذ ذكره عن التسلُّح من امريكا يؤكد أن السعودية مقيمة هناك كما قال الشاعر:
“أجارتنا إن المزار قريبُ…وإني مقيمٌ ما اقام عسبيُ”.
بل لقد اضاف بن سلمان عاملين يؤكدان الارتباط بامريكا:
الأول: الممر الهندي الذي يتضمن بوضوح وجود الكيان فيه بمعنى أنه إن لم يحصل التطبيع الدبلوماسي فالتطبيع كمشروع يفرض نفسه.
والثاني: حديث بن سلمان عن دور السعودية النفطي الذي من جرائمه إهلاك بلدان المحيط لتبقى فقيره. فبدل أن يؤكد دور السعودية منذ السبعينات في أنها “المُنتج المرجِّح” في سوق النفط قال ذلك دون استخدام المصطلح نفسه بمعنى أن السعودية تدير سعر النفط كما ترى أمريكا خاصة.
كل هذا يفسر بأن السعودية لم تغادر ولا تنوي ولا يمكنها مغادرة دورها وارتباطها بالغرب وبأن علاقتهابالصين أمر تجاري عادي لا يترتب عليه تغيير تبعيتها للغرب.. والمضحك حين يقول بن سلمان أن السعودية من حيث الإنتاج القومي الإجمالي هي من أوائل الدول. هذا صحيح من حيث السيولة المالية أي ريع النفط وليس من دور الإنتاج.
ملاحظة: فيما يخص رشوة الصحافيين الذين يقومون بمقابلة حاكم أو يزورون بلداً لتغطية “عيد استقلاله” ، يعود الصحفي بسيارة فارهة أو فيلا. هذا شاهدته في الثمانينات حيث كنت أجهز الدكتوراة واشتغل لتغطية نفقات ذلك في جريدة العرب في لندن لصالحبها المرحوم الحاج أحمد الصالحين الهوني. كان الصحفيون يذهبون إلى بلدان المشرق والمغرب. وجاء يوم استقلال اليمن الجنوبي، فتحدثت مع الهوني لأذهب لتغطية ذلك اليوم.
قالك يا استاذ والله أنت غاوي فقر. وطبعاً لم أذهب لأن تغطية التذكرة لم تتوفر لدي.
(3)
لحظة التخندق
اما والامريكي يحاول قطع سوريا عن العراق بقبول من حكومته في العراق بينما الروسي لا يتكلم بعد ومخيم عين الحلوة تحت السكين والكيان يقصف حلب ويحرك عملائه القدماء في السويداء فكل هذا الخلط والاعتكار لا يخفي بل يؤكد ان العدو الأمريكي لم ولن ينسى مخططه ضد صاحب العمامة وصحبه. وعليه فان اخطر واسوأ التحليل هو الزعم ان العمامة تفجر عين الحلوة لخلق دولة شيعية جنوب لبنان،!لكن العمامة ليست نبيه بري ولا جعجع ولا الكتائب ولا حتى إيران. لو رعبت العمامة بدويلة لحكمت لبنان منذ العام 2000 وهذالو حصل يسعد كافة ادوات الغرب والتجزىة.
عموما هذه لحظة التخندق والاعداء ربما وصلوا لحظة اليأس فلا يبالون بتفجير المنطقة. فاغتنموا فرصة شرف التصدي للغرب والكيان والتوابع وشرف إلقاء التحليلات المغرضة في القمامة.
✺ ✺ ✺
أزمة الرأسمالية بشهادة واحد من أهلها
عرض كتاب: أزمة الرأسمالية الديمقراطية – تأليف “مارتن وولف”- نشر “بنغوين”، لندن، 2023
الطاهر المعز
نشر الموقع البلجيكي “العالم غدًا” (dewereld morgen ) عَرْضًا مُطَوّلا ومُفصّلاً لكتاب مارتن وولف وهو كتاب ضخم يتألف من حوالي 500 صفحة، وهذا مُلخّص العرض بتصرف
كان المُؤَلّف مارتن وولف (من مواليد سنة 1946) مُوظّفًا كبيرًا بالبنك العالمي، ويُشرف حاليا على الصّفحات الإقتصادية بصحيفة فايننشال تايمز، وهو عضو في المنتدى الاقتصادي العالمي، ولذا فإن وجهات نظره لن تحيد عن منطق النّظام الرأسمالي، لكنه من الفئة التي تُؤْمن ب”إصلاح النظام الرأسمالي” من داخله، لتفادي الهَزّات والإنتفاضات، وربما الثورات التي قد تُسَبّبها الفوارق المُجْحِفَة والنُّمُو الكبير لأرباح الأثرياء، وهي وجهة نظر يُدافع عنها زميله السابق في البنك العالمي “جوزيف ستغليتز” و “جورج أكرلوف” و “توماس بيكيتي” وغيرهم، ويتميز هؤلاء بوصولهم إلى البيانات المُدَقّقَة التي يوردونها، على فترة طويلة (قَرْن أو أكثر)، ولذا يمكننا استخدام هذه البيانات المُوَثَّقَة دون مُشاركتهم استنتاجاتهم.
كان “مارتن وولف” نيوليبراليًا متحمسًا ( من مدرسة البنك العالمي) حتى أزمة سنة 2008 التي أجبرته على تغيير وجهته نحو “الكينزية” (نسبة إلى جون مينارد كينز 1883 – 1946) التي اعتمدتها الرأسمالية للخروج من أزمة 1929، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وتتلخص في تدخّل الدّولة لتخطيط الإقتصاد وللإستثمار بكثافة في البنية التحتية وفي القطاعات التي تستوعب البطالة وتوفر راتبا يُمكن العاملين من الإنفاق للخروج من فترة الرّكود الإقتصادي، وتتلخص الكينزية التأكيد على دور الدّولة في الأداء الإقتصادي وعلى ضرورة تنظيم السوق، خلافًا للنيوليبرالية التي تدّعي أن للسّوق يدًا خفية تُنظمها دون الحاجة لتدخل الدّولة، لذا فإن “مارتن وولف” مدافع كبير عن الرأسمالية، إذ “لا يوجد نظام موثوق ( غير الرأسمالية) لتنظيم الإنتاج والتبادل في اقتصاد حديث معقد”، بحسب رأيه، ويعترف بأن هذا النظام يمر بوضع “مُثِير للقلق” و “وَجب مواجهة التّحدّي وإنقاذه من خلال إصلاحه”، ويكمن التّحدّي في رأيه في “البدائل الاستبدادية”، داخل النظام الرأسمالي، ويعني بها الحكومات الحالية (أو السابقة) في تركيا وبولندا والمجر وروسيا والبرازيل (خلال رئاسة بولسونارو) والهند والولايات المتحدة خلال رئاسة دونالد ترامب، وخصوصًا الصّين، ويُصنف هذه الحكومات (أو الأنظمة مثل روسيا والصّين) بأنها خالفت قواعد “الرأسمالية الدّيمقراطية” وفق مُصطلحاته الواردة بالكتاب، ويُعدّد مظاهر الأزمة التي سبّبتها النيوليبرالية خلال العقود الأربعة الماضية: “نمو بطيء وتزايد عدم المساواة وفقدان الوظائف الجيدة، فضلاً عن ركود الديمقراطية في ثلاثة أرباع بُلدان العالم، ما يُفْقِدُ الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وفي اقتصاد السوق العالمي، وفي النخب السياسية والاقتصادية”، وهذا بيت القصيد، لأن المؤلف يُريد إنقاذ النظام الرأسمالي ولا يريد أي بديل له، بل ينفي وُجُودَ أي بديل: “إذا فشلنا، فإن نور الحرية السياسية والشخصية يمكن أن يتلاشى مرة أخرى من العالم”
في توصيف أسباب زيادة عدم المساواة، كتب مارتن وولف: “أدى التقشف والضرائب لصالح الأغنياء إلى زيادة عدم المساواة، وهو ما كان له تأثير سلبي على النمو، فضلا عن الإنخفاض الحاد في الإنتاجية وتراجع التصنيع، مما أدى إلى خسارة الوظائف الآمنة ذات الأجر الجيد نسبيا، في جميع البلدان الغنية، ذات الدخل المرتفع… وأدى التحرير الكامل وإلغاء القيود التنظيمية إلى سَعْيِ الشركات متعددة الجنسيات للحصول على أدنى معدلات الضرائب على الشركات وللتهرب من الضرائب”.
يُمْكِنُ لمن كان (مِثْلِي) على نقيض رأي المؤلف، الإستفادة من الوثائق العديدة التي اطّلع عليها وأورد بعض محتوياتها، ومنها إن تَهَرُّبَ الشركات العابرة للقارات من تسديد الضرائب، فضلا عن التخفيضات الضرايبية (ما تُسمَّى “حوافز ضريبية”) يكلف الدول الغنية نحو 1% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا، وتؤدِّي عملية البحث عن مناطق ذات ضرائب منخفضة وعمالة رخيصة إلى خروج نحو 10% من الصناعات التحويلية العالمية من البلدان الغنية إلى البلدان التي تفرض نسبة ضئيلة من الضرائب أو لا تفرض ضرائب على أرباح الشركات، خلال أربعة عُقُود، حيث انتشرت كذلك ما يُسمِّيها “الرأسمالية الريعية”، وزيادة المعاملات المالية والمضاربة التي يعتبرها سبب أزمة 2008 التي امتدت لما يقل عن أربع سنوات، وضخّت خلالها الدّول مبالغ ضخمة من المال العام، في شكل قروض بدون فائدة… أما على مستوى النتائج السياسية لهذه المرحلة (العقود الأربعة الماضية) فإن وولف يتفق مع الخبير الإقتصادي “جان زيلونكا” (الإختصاصي في دراسة الأنظمة الإقتصادية والسياسية الأوروبية) في إدانة “عواقب المسار النيوليبرالي وتَحَوُّل الديمقراطية إلى تكنوقراطية، وتفويض هيئات غير مُنتَخَبَة مثل المصارف المركزية والمحاكم الدستورية، والهيئات التنظيمية المالية لاتخاذ قرارات ذات تأثيرات خطيرة على المجتمع وعلى الدّيمقراطية”، ويُؤَكّد “جان زيلونكا” من ناحيته “إن الإتحاد الأوروبي هو مثال جيد للتكنوقراطية التي عَوّضت الهيئات الدّيمقراطية، وأَلْغَت النّقاش الدّيمقراطي لقضايا عديدة وهامة، ما زاد من صُعُوبة الحفاظ على العلاقة بين رأسمالية السوق والديمقراطية، بالتوازي مع تقليص سلطة الهيئات المُنْتَخَبَة من قِبَل المُواطنين”، ويتفق الخبيران الإقتصاديان (وولف و زيلونكا) في الإستنتاج التّالي: ” أدّت السياسات النيوليبرالية إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء”، ويستشهد وولف بدراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سنة 2022، تُؤَكّد اتساع الفجوة إلى حدود غير مسبوقة منذ خمسة عقود، رافقتها الهشاشة لما لا يقل عن 25% من سكان الدّول الغنية، وظروف العمل السيئة للغاية وانحسار حقوق العمّال…”
تكمن أهمية الإطلاع على مثل هذه المؤلفات في الإستفادة من محتوى الوثائق والدّراسات وكذلك في معرفة هدف هؤلاء من نقد بعض مظاهر النظام الرأسمالي، وليس نقد الرأسمالية كمنظومة قائمة على الإستغلال الطّبقي والإضطهاد القومي والإستعمار ونهب ثروات الشُّعُوب، بل هدفهم تحسين أداء الرأسمالية لتستَغِلَّ الكادحين والشُّعُوب بشكل لا يُؤدّي إلى ” فقدان الثقة في المُشرفين على المؤسسات السياسية والمالية في العالم”، وفق تعبير ” مارتن وولف” الذي يقترح حلولا لأزمة رأس المال تتمثل في إصلاحه دون “زعزعة الإستقرار”، ومن بينها “العودة إلى دولة الرفاهية، لكسب ولاء الطبقة العاملة (وهذا يتطلب) تقليص نفوذ السُّوق والمصارف وزيادة دور الدّولة في توجيه الإقتصاد وزيادة الضرائب لتتمكن الدّولة من زيادة الإنفاق على التعليم والبحث العلمي والتكنولوجي والبنية التحتية والرعاية الصحية…
يعتمد “مارتن وولف” التحليل المادي في وَصْف مساوئ النيوليبرالية، ويُحلّل موازين القوى، لكنه لا يصل حدّ التشكيك في المنظومة الرأسمالية فهو يؤمن بأن الرأسمالية نظام جيّد للبشرية، لو تم الفصل بين السلطة والثرة ولو حافظ المسؤولون السياسيون على القِيَم الأخلاقية للقضاء على الجشع، وهنا يتحوّل المُحلّل الإقتصادي المادّي إلى واعظ ديني مُغْرِق في المثاليّة، فما يُسمّيه “الجشع” هو أحد أُسُس الرأسمالية، أي العائد أو الرّبح، وما الربح سوى استغلال عرق العامل…
إن الفَصل بين الثروة والسلطة قول لا معنى له في النظام الرأسمالي، فالبرجوازية تتحكم بمفاصل الدّولة وتتحكم بأجهزة الإعلام والمنظومة الإقتصادية والمالية، وتُعيّن من يحكم وإذا حصل وخالف أحد الحكّام أوامر الرأسمالية أو هَدّد مصالحها تُنظم انقلابا (مثلما حصل في تشيلي سنة 1973 أو إيران سنة 1953 ) أو تتهمه بالجنون أو بالمُرُوق، ولذلك فإن جوهر القضية يتمثل في الثورة على النظام الرأسمالي برمّته وليس إصلاحه لكي يستمر بدون إزعاج، وهو ما يرمي إليه “مارتن وولف” الذي يعتبر النظام الرأسمالي أفْضَلَ ما بلغته الإنسانية…
✺ ✺ ✺
رايات سوداء فوق الخيام
حكاية من زمن الخيام: رشاد أبوشاور
طوى أبي يدي في يده وهو يمضي بي خارجا من بوابة مخيّم الدهيشة، بعد أن سلّم على جدتي فاطمة وباس يدها، وطمـأنها أنه بخير، وأنه كان في زيارة صاحبه في مخيّم العرّوب.
أوصاني أبي:
-لا تخبر جدتك أنني كنت محبوسا في بيت لحم، فهززت رأسي، وأكدت له:
-طيّب يابا.
مررنا من أمام خيمة مخفر الشرطة، واتجهنا إلى المقهى، وجلسنا على كرسيين قصيرين حول طاولة صغيرة.
حضر يوسف:
-أهلا عم أبورشاد..حمدا لله على سلامتكم جميعا.
-أهلا بيوسف.
_شو تشرب يا عم؟
-كاسة شاي.
غاب يوسف قليلاً ثم عاد وهو يحمل كاستي شاي على الصينية، انحنى ووضعهما أمامنا.
_قال أبي:
_ولكنني طلبت كاسة واحدة يا يوسف!
-الكاسة الثانية ضيافة للمحروس.
_سألت أبي:
-شو يعني المحروس؟
_أنت المحروس، يعني محروس من الله، يعني دعاء أن يحميك الله …
_أنت طلبت كاسة شاي واحدة، ولكنه أحضر كاستين!
-إنه يحترمك،لذا أحضر لك كاسة وحدك، وهو يعرف أنني لا أملك ثمن الكاسة الثانية. يوسف محترم…
أبي خرج من حبس بيت لحم مع بعض الأشخاص الذين تم حبسهم. راح وجهاء مخيم الدهيشة إلى بيت لحم وقابلوا المسؤول هناك وطلبوا منه الإفراج عن المساحين، وهو أفرج عنهم. قالوا له: بدنا من سجنتموهم، المخيم يغلي من الغضب، فطلب منهم وعدا بأن لا يثيروا المشاكل في المخيّم.
سألني أبي :
_فاهم؟
_آ..يابا ..فاهم. أنتم كنتم تصيحون في المظاهرة: بدنا نروّح لبلادنا..وبعدين جاء العسكر وأخذوكم، وبقيتم في الحبس عشرة أيام، والوجهاء كفلوكم بأن لا تثيروا الشغب..شو يعني لا تثيروا الشغب يابا؟
-يعني ما نطالب بالعودة لبلادنا، والناس يتجمهروا على الإسفلت في مدخل المخيم..ونقطع طريق بين بيت لحم والخليل.
الأشخاص الذين حضروا للمقهى أخذوا يسلمون على أبي، وهو يقف ويهز أيديهم، ويؤكد لهم:
_لن نسكت، سنتظاهر ونهتف مطلبين بالعودة إلى بلادنا. لن نبقى في مخيم الدهيشة والمخيمات الأخرى. لن نعيش تحت الخيام بعيدا عن قرانا وكرومنا وأرضنا…
كلما هم واحدهم أن يدفع ثمن الشاي يقول له يوسف:
_شاي العم أبورشاد واصل، ألا يكفي أنه انحبس مع الناس الوطنيين من أجلنا!
رفع يوسف الكاستين اللتين شربنا شايهما، وأخذ يرحب بالرجال الذين خرجوا من السجن.
تحلقوا حول طاولتين، وقرّبوا الكراسي من بعضها، ومالت رؤوسهم حتى كادت تتلاصق. أصغيت لكلامهم المهموس والمتقاطع: لن نسكت، السجن لا يخيفنا. بلادنا احتلت ونحن لن نقف متفرجين. لن نعيش تحت الخيام. نحن لسنا وحدنا فأهلنا في كُل المخيمات معنا ونحن معهم.يجب أن نتواصل معهم، ننتدب واحدا من مخيمنا يتوجه إلى مخيم الفوار ومخيم العروب، و..حتى إلى مخيمات أريحا.
يجب أن نحرّض أهلنا في الدهيشة وباقي المخيمات على وضع رايات سوداء فوق الخيام.
تساءل الحاج أبوجمعة:
_رايات! من أين لنا القماش الأسود؟
ردّ الأستاذ سليمان:
_ أي شرايط سوداء، المهم أن يعرف كل من تسبب في نكبتنا أننا لن نصمت، وأننا نرى أن الحياة سوداء بعيدا عن بلادنا…
وضع يوسف أكواب الشاي على الطاولة: تفضلوا يا أعمامي..نحن معكم. الشاي ضيافة احتراما لكم.
طبطب الأستاذ سليمان على ظهري، وقال:
_اذهب واطلب من رفاقك أن يمزقوا الملابس السوداء المهترئة ويشبكوها بأعواد صلبة فوق الخيام…
رحت إلى خيام المدرسة فوجدت الأولاد يمزقون خرقا سوداء ويشبكونها بالعصي والأعواد لنثبتها فوق أعمدة الخيام الأمامية.
في الصباح الباكر وجدت أبي مستيقظا، وكانت جدتي فاطمة تحت بطانية تسترق السمع:
_شو في يا محمود؟
أجابها أبي:
_ما في شئ يمّا..نامي يمّا.
غمزني أبي بأصبعه وهو يهمس:
_دير بالك على جدتك، ولو أن عمك عبد الرحمن لن يقصّر. إذا حبسونا اليوم فخذ جدتك عند أختها الجدّة ذوابة في خيمة عمّك عبد الرحمن.
شاويش المخفر دار بين الخيام ومعه رجال شرطة، واصطحبوا أشخاصا طلبوهم إلى بيت لحم.
نحن الأولاد غادرنا صفوفنا وتجمهرنا على الإسفلت، وارتفعت أصواتنا النحيلة:
بدنا نروّح لبلادنا
ما بدنا نعيش بمذّله
تدفق الرجال من تحت الخيام، وهم يلوحون بقبضاتهم ويهتفون:
مابنرضى بحياة الذل
لا للعيش تحت الخيام
أخذنا نرتجف من البرد، فأمرنا أستاذنا محمود الخطيب أن نقفز باستمرار حتى تنبعث الحرارة في أجسادنا العارية.
لم نكن نملك أحذية في أقدامنا، وتسلل البرد في أجسادنا مع نزول المطر فوقنا. تبللنا وطقطقت أسناننا، وازداد ارتجافنا.
خرج الناس من تحت الخيام، وملأوا شوارع وأزقة المخيم، وسمعنا أصواتا ترتفع:
-إلى بيت لحم..إلى بيت لحم. فليعتقلونا جميعا، على الأقل الحبس دافيء..وفيه أكل!
قطع الناس طريق بيت لحم الخليل، فارتفع صوت شاويش المخفر:
-خليكم في الدهيشة، بلاش بيت لحم يا ناس..وما تقطعوا الطريق.
من تمّ جمعهم من المخيم كانوا يقفون أمام خيمة المخفر رأيناهم يتحدثون بكلام لم نسمعه، لكنهم اندفعوا لمقدمة الحشد، وصاح أحدهم: يلاّ إلى بيت لحم…
يا له من يوم!
أخذت أجسادنا ترتجف ولكننا لم نكن خائفين.. وها أنتم ترون ماذا يحدث في مخيم الدهيشة..وكل المخيمات..في هذه الأيّام..ومنذ سنوات.وإلى أن ..نعوووود.
تنويه: كبرت..وكبر أبناء جيلي، ومات من ما..اقصد: أستشهد..وها هي الأجيال تقاتل.. وستواصل حتى تتحرر قرانا ومدننا و..كل فلسطيننا.
✺ ✺ ✺
شهادة جزائري: ذكريات من العراق
أنشر هنا بشكل حرفي شهادة لأحد أصدقائي الجزائريين عن العراق في زمن مضى
{{ ذكريات من العراق }}
– ربما هو حنين لزمن أجمل !! .
إنتقلت إليها بدعوة من صديقي العراقي “الشيعي”.. كان يزورني و يمكث عندي في عمان فدعاني إليها..قضيت حوالي سنة في العراق. كانت من أجمل سنوات عمري. بغداد مدينة أحببتها منذ أن دخلتها. فيها الشورجة العتيقة و سوق النحاسين الذي يذكرك بالتاريخ فيها مكتبات شارع المتنبي و الجامعة المستنصرية و قوارب تعبر بك بين الكرخ و الرصافة.. رغم الحصار الشديد فالأمن مستتب. و عزة نفس كبيرة كانت لدى سكان بغداد.. إقامة العربي يسيرة و لن يبتزك أي موظف من أجل العمل أو التجارة..
– إستأجرت مطعما سياحيا في شارع السعدون و في نفس الوقت عملت في تجارة أقمشة مهربة من إيران و أنا لا أفهم شيئ في القماش فكل ما كنت أفعله شراء حمولة الشاحنة ثم بيعها و لم أرى البضاعة في يوم من الأيام!!
– 90% ممن عرفتهم شيعة فصليت في حسينيات بطريقتي و لم يستهجن أحد صلاتي.. “علما أنني لم أكن ملتزما دينيا في ذلك الوقت”..
– تعاملت مع تجار جملة في الشورجة التاريخي. كلهم كانوا شيعة و لم ألاحظ أي تمييز. و عكس ما يشاع فقد كانت الناس تخوض في السياسة بين معارض و مؤيد. صليت في الكاظمية الشيعية فكان الأمر عادي لا أحد نظر إلي بإستهجان و كذلك صليت مع صديقي الشيعي في الأعظمية و هي سنية و لم ينتبه أحد له و هو يضع قطعة الحجر على السجادة.. لم تكن هناك طائفية.. في بغداد وقتها تجد كل شيء ،، من أراد الصلاة يصلي و من أراد شيء آخر يجده.. سنة كاملة لم أرى شاب واحد يغازل فتاة (يلطش) في الشارع.
– المسارح ممتلئة بالجنسين، عروضها كوميدية لاذعة بأسلوب عراقي المميز.
– زرت كربلاء و النجف و كركوك و بابل و غيرهم دخلت بيوت مسلمة و مسيحية آشورية بل نمت فيها و لم ألاحظ أي طائفية،، لم يكن أحد يتحدث بها، ليس خوفا فهم يعرفون بعضهم لكنهم كانوا أصحاب و أصهار و شركاء بدون أي تمييز..
– أتذكر إستكانة الشاي و المسكوف و مشاوي شارع أبو نواس و القيمر و الدبس البصراوي و اللومي. لكن الطبخ كان في بلاد الشام أطيب بصراحة ههه.
– كانت أياما جميلة و لولا فارق تحويل العملة لما غادرتها أبدا…
– الله لا يسامح كل من ساعد الإحتلال و كل من شجع على الطائفية و تعامل بها هي مدمرة الدول، إن شاء الله تعود العراق كما كانت قوية و مستقرة..
★ كان ذلك عام 1994 “عبدالله الحجي“
:::::
صفحة الفيس بوك: جاسم السميري
✺ ✺ ✺
مشكلتنا: التفكير في سياق مفارق لواقعنا
من صفحة معمر نصار
Muammar Nassar
باعتقد واحدة من مشكلاتنا التفكير في سياق مفارق لواقعنا، نحن شعوب العرب نصفنا الأن يعيش تحت هيمنة الاحتلال العسكري المباشر ونتعرض لعدوانات عسكرية وسياسية علي مياهنا ونفطنا ولحمنا الحي، في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وليبيا والسودان والصومال وبشكل يومي، و لذلك فالخطاب الوردي اللذي يبشر بالدول المدنية الوادعة وتداول السلطة في ظل حكومات بلا نزعة عسكرية أمر غريب، نحن بحاجة إلي حضور عسكري في سياساتنا ولحكومات خشنة مخشوشنة شبه عسكرية لمواجهة التهديدات الماثلة، لم تعد مخاطر محتملة، من تركيا وإسرائيل والحبشة والقوي الرجعية المتحالفة معها، هل هناك مستقبل للعراق بدون تحرير دجلة والفرات من التركي؟ هل هناك مستقبل لمصر دون إسقاط سيطرة اثيوبيا عن منابع النيل واسترداد هضبة وادي بحر، نحن بحاجة للعسكر وللعسكرية ولروح العسكرية ليس علي طريقة ابتزاز ومتاجرة عسكرتارية كامب ديفيد الفاشلة، بل عسكرية تكرس للفدائية و الشعور بالواجب لا الاستحقاق تكرس للكرامة للجرأة والتحدي للاستعداد لمواجهة التحديات في سبيل ما هو حق لشعوبنا، إشعال جذوة التحدي واليقظة في الجميع فهل في هذا السياق مجال لخطاب الكوكب الوردي اللذي يتحدث به النخب، نحن بحاجة الي أحزاب علي الطريقة البوليفارية وليس علي الشكل الدنمركي وبحاجة الي قول الحقيقة ليس هذا آوان الانحناء للريح، لقد كسرتنا بالفعل و سحقت هاماتنا فلا مجال للمجاملة والخوف أوالتخويف أووالاستخواف فما تفعله النخب هو مبالغة في الحذر تسقط كل معني للمعارضة من أساسه، لقد انتهت التسعينيات و لم يعد خيار التعريص في طور التجريب والوعد لقد نضج التعريص وأحرقنا بالكامل فكفانا منه كفانا
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org