- أسس الصهيونية المسيحية وتأثيرها على سياسة أمريكا
- في ذكرى العدوان الثلاثي 1956…ما هي العبرة؟
- جيوبوليتيكا طوفان الأقصى: على إسرائيل أن تقبل الواقع الجيوسياسي الجديد
✺ ✺ ✺
(1)
أسس الصهيونية المسيحية وتأثيرها على سياسة أمريكا
يلينا بانينا
سياسية روسية
عضو البرلمان الإتحادي
مديرة معهد الدراسات الاستراتيجية في السياسة والاقتصاد
31 أكتوبر 2023
قال رئيس مجلس النواب الأمريكي غداة انتخابه “الكتاب المقدس يعلمنا أن نقف إلى جانب إسرائيل!”: ماذا يعني ذلك؟
لقد ارتبك الكثيرون من العبارة التي قالها رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد مايك جونسون يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر في مؤتمر الائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس:
“إن الرابطة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بطبيعة الحال، تتجاوز السياسة والدبلوماسية. إنها تتعلق بما هو أكثر بكثير من مجرد الأحداث الجارية.
كمسيحي، أعلم – ونحن جميعا نؤمن – أن الكتاب المقدس يعلمنا بوضوح شديد: يجب أن نقف إلى جانب إسرائيل، وسيبارك الله الشعب الذي يبارك إسرائيل”.
الأسباب الجيوسياسية للدعم الأمريكي لإسرائيل معروفة. الأقل شهرة هو تدين جونسون. علاوة على ذلك، فإن مثل هذا التدين يسمح له أن يسمي في نفس الخطاب الحرب بين إسرائيل وحماس “معركة بين النور والظلام”، وأن حياة أعضاء حماس هي “شيطانية” (شيطانية – أي أنهم ليسوا أشخاصا أو حتى حيوانات بل بالمعنى الحرفي أرواح شريرة).
ولكن ما هو نوع هذه الإقتباس من تعاليم الكتاب المقدس؟
▪️ بشكل مبسط للغاية، فمن وجهة نظر البروتستانت الإنجيليين (51.5% من سكان الولايات المتحدة في عام 2020، بما في ذلك جونسون)، فإنه مع عودة الشعب اليهودي إلى أرض الميعاد يبدأ العد التنازلي لهرمجدون، (هرمجدون – هو مكان المعركة الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر المذكورة في صراع الفناء في نهاية الزمان -المترجم) وبعد ذلك المجيء الثاني للمسيح (في المجيء الثاني، سيظهر يسوع بقوة ومجد عظيم. في هذا الوقت سيتم تدمير الأشرار، وسيتم حرق جميع الأشياء الفاسدة، وسيتم تطهير الأرض بالنار -المترجم) وسيظهر ملكوت السماوات. ولذلك فإن أي حرب تخوضها إسرائيل لها أهمية “نبوية” أي مقدسة. علاوة على ذلك، يُعتقد أن الله يجب أن يحمي شعبه المختار في إسرائيل “بطريقة خارقة للطبيعة تدمر العالم”. (جميع رؤساء أمريكا كانوا من البروتستانت عدا جون كينيدي وجو بايدن بسبب أصولهما الإيرلندية الكاثوليكية -المترجم). ( حسب إحصائيات 2020 فإن نسبة البروتستانت في مجلس النواب الأمريكي 54.5% وفي مجلس الشيوخ 59.2% -المترجم).
عبارة “البركة” – هي إشارة مباشرة إلى السفر الأول من العهد القديم:
“فقال الرب لأبراهام: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك” وأعظم اسمك وتكون بركة وأبارك مباركيك وألعن لاعنيك وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.” “( 12: 1-3).
يعتقد عدد من الدعاة الأمريكيين أن عهد الله مع النبي إبراهيم بشأن أرض كنعان كان ليس مشروطا فحسب (أي أنه لم يعتمد على أي أحداث لاحقة، بما في ذلك مجيء المسيح والعهد الجديد)، بل يطالبون أيضًا بأن تُفهم هذه الكلمات بالمعنى الحرفي، مع الارتباط الجغرافي والعرقي الكامل. ويستشهدون بأمثلة على إمبراطوريات الماضي “الملعونة”: من روما إلى البريطانيين والرايخ الثالث، يقولون ما يلي:
“نحن الأميركيين لا نريد أن نكون القوة العظمى التالية التي ستسقط لأننا لم نبارك الشعب اليهودي بما فيه الكفاية.”
بمعنى آخر، الإنجيلي الأمريكي لا يهتم فقط بنهاية العالم، بل أيضًا ببركة الله “هنا والآن”. وهذه البركة، في نظره، تعتمد بشكل مباشر على دعمه لإسرائيل. ويعتقد أنه يسبب هذا الدعم بالتحديد فقد جعل الله الولايات المتحدة أقوى دولة واكثرها ازدهارًا في العالم.
وبالمناسبة، فقد عبر جونسون عن هذه النقطة بكل يقين – في أول خطاب له أمام زملائه أعضاء الكونغرس في منصب رئيس مجلس النواب:
“نحن منارة للحرية. <…> لقد استمرت هذه التجربة الكبرى 247 عامًا فقط، ولا نعرف إلى متى ستستمر. كل ما نعرفه هو أن المؤسسين نصحونا بالاهتمام بهذا. <…> أنا لا أؤمن بالصدفة في مثل هذا الأمور، فأنا أؤمن أن ما في الكتاب واضح جدًا أن الله – هو الذي يرفع أصحاب السلطة، “لقد رفع كل واحد منكم. جميعنا. وأعتقد أن الله قصد وسمح لكل واحد منا أن يأتي إلى هنا في هذا الوقت بالذات.”
اسوق هذا الكلام لكي نفهم مع من يجب أن نتعامل.
(2)
في ذكرى العدوان الثلاثي 1956…ما هي العبرة؟
تيمور شيرزاد
كاتب صحفي روسي
31 أكتوبر 2023
لماذا لم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي لإنجلترا وفرنسا وإسرائيل بالاستيلاء على قناة السويس؟
في 31 أكتوبر 1956، بدأت عملية الفارس Musketeer – هاجمت القوات البريطانية والفرنسية مصر. وكانت إسرائيل التي لا تزال يافعة وهشة متورطة في الحرب للسيطرة على قناة السويس والقضاء على عبد الناصر رائد القومية العربية. فات المعتدين أمر واحد – لم يأخذوا في الحسبان سوى “شيء صغير” واحد – الدول العظمى على هذا الكوكب.
تربط قناة السويس، التي بنيت في القرن 19، بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. فهي تختصر بشكل حاد الطريق البحري من أوروبا إلى آسيا، مما يلغي حاجة السفن للإلتفاف حول القارة الأفريقية. كان هذا الإختصار في المسافة يعني توفيرًا لوجستيًا كبيرًا – في الوقت والمال. لذلك، فإن من يسيطر على القناة يمكنه ممارسة الضغط السياسي على المشاركين الآخرين في التجارة العالمية وكسب المال.
وفي خلال الحربين العالميتين، كانت مصر التي تمر القناة عبر أراضيها، مستعمرة بريطانية، بينما كان الهيكل نفسه تحت السيطرة الأنجلو-فرنسية. صحيح أن القاهرة حصلت على استقلالها المنقوص في عام 1936، لكن القوات البريطانية كانت لا تزال متمركزة على أراضيها وبالذات في منطقة قناة السويس.
وسمحت المعاهدة الموقعة عام 1936 لبريطانيا بالسيطرة الكاملة على منطقة القناة لمدة 20 عامًا أخرى على الأقل. وحاولت الحكومة المصرية باستمرار تقليص هذه الفترة بأثر رجعي، لكن البريطانيين، بطبيعة الحال، لم يظهروا الكثير من التفهم في هذا الشأن. وفي الوقت نفسه، كان موضوع السيادة على القناة في المجتمع المصري ساخنًا جدًا ويثير الاضطرابات. وفي عام 1951، وسط مظاهرات حاشدة، أنهى المصريون أخيرًا المعاهدة من جانب واحد.
في الواقع، القوات البريطانية بقيت موجودة في منطقة القناة. لكن البريطانيين في لحظة واحدة فقدوا الكهرباء والاتصالات السلكية وإمدادات المياه. اختفى العمال المصريون الذين يخدمون مصالح الجيش البريطاني. لكن ظهر مسلحون عرب مجهولو الهوية وبدأوا في إطلاق النار على البريطانيين من الكمائن، ونسف البنية التحتية وإلحاق الأذى بهم بأي طرق أخرى متاحة.
رد البريطانيون على ذلك بإطلاق النار على أي شخص بدا لهم مشبوهًا. وتم نشر تعزيزات في منطقة القناة تضم مظليين ودبابات. بحلول يناير 1952، كانت هناك معارك كاملة تجري بالفعل في منطقة القناة بنيران المدافع الرشاشة وطلقات من مدافع الدبابات. رد القوميون العرب بضرب لكل ما هو بريطاني في القاهرة. وبعد ذلك، وجدت لندن أخيرًا طريقة للضغط بشكل جدي على الحكومة الملكية، التي أعادت الكهرباء وكبحت جماح الثوار.
لكن رداً على ذلك، لم يتلق الشارع الغاضب سوى ثورة – في يوليو 1952، تمت إزاحة السلطة الملكية، وترأس مصر البكباشي جمال عبد الناصر. استمرت حرب الفدائيين، وبحلول عام 1954، انتهى الوجود البريطاني أخيرًا – وبدأوا في سحب القوات، والذي انتهى في صيف عام 1956.
وعلى الفور تقريباً، أعلن عبد الناصر تأميم القناة، على الرغم من أن امتيازها لا ينتهي إلا في عام 1968.
ضربة تحت الحزام
وبدأ البريطانيون والفرنسيون، الذين يمتلكون حصة كبيرة من اسهم شركة قناة السويس، بالتفكير بعمق. كانت فترة الخمسينيات من القرن الماضي مختلفة بشكل لافت للنظر عن فترة الثلاثينيات من القرن الماضي – الإمبراطوريات الأوروبية كانت التي كانت عظيمة ذات يوم مزقتها الحرب العالمية الثانية، وغدت تنهار عند ومن اساسها. ولم تعد لديها القوة لممارسة الضغط العسكري على السكان المحليين. ولكن بعد فشلهم في التعامل مع الأمر بمفردهم، كان بوسع البريطانيين أن يراهنوا على شخص آخر. وهنا كان هناك خيار جيد.
وتبين أنها إسرائيل اليافعة. هزمت الدولة اليهودية العرب في حرب 1948-49، لكن في الخمسينيات، اشترت مصر أحدث السلاح من تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي بكميات ضخمة. وكان من الصعب على الدولة اليهودية أن تتعامل مع هذه المشكلة بمفردها. لكن ماذا لو توفرت المساعدة من قوتين…
بعد أن سيطرت مصر على القناة، كانت على استعداد للسماح لأي شخص بالمرور عبرها – فالمال لن يسقط من السماء. ولكن كان هناك استثناء واحد – السفن الإسرائيلية. وهكذا، كانت لدى إسرائيل وفرنسا وبريطانيا دوافع لبدء حرب ضد مصر، بعضهم لاستعادة السيطرة على قناة السويس، و اخرين لاحتلال قطعة أرض من جار خطير.
هاجمت إسرائيل مصر في 29 أكتوبر، وبدأت في الاستيلاء بنجاح على شبه جزيرة سيناء، وفي 31 انضمت إليها القوات الأنجلو-فرنسية، واستهدفت قناة السويس. كانت القوة الضاربة الرئيسية لمجموعتهم البحرية هي حاملات الطائرات – حيث تم حشد 7 منها. أما الباقي فكان عبارة عن سفن مرافقة، بما في ذلك سفن حربية من حقبة الحرب العالمية الثانية. لعبت سفن الإنزال دورًا مهمًا. في المجموع، يتكون أسطول الغزو من أكثر من 130 سفينة.
أغلق المصريون القناة على الفور، وأغرقوا العشرات من السفن الصغيرة هناك، وحشدوا القوات للدفاع عنها. لكن هذا لم ينقذهم – ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت القوات البريطانية والفرنسية بإنزال جوي في بورسعيد، عند مدخل قناة السويس، وسيطرت على أهداف رئيسية – على سبيل المثال، المطار. في اليوم التالي كان هناك إنزال من البحر. تلا ذلك معارك المدن – قاتل المصريون بشدة، لكن العدو كان يتحرك في عمق البلاد. وبدا أن دعم المدفعية البحرية والطيران والتفوق النوعي للقوات الأنجلو-فرنسية سيؤدي وظيفته.
ولكن في اليوم التالي سادت الدهشة عواصم العدوان.
الحطاب الذي طرد الجميع
وكانت الخطة برمتها مبادرة من إنجلترا وفرنسا. كان من المفترض أن بقاء السيطرة على قناة السويس أمر مهم للغاية وأن العملية ستقابل بالتفهم من قبل جميع الحلفاء.
ولكن هذا لم يكن صحيحا. كان الرئيس الأمريكي أيزنهاور غاضبًا لأنه لم يكلف أحد نفسه عناء إبلاغه. وكان جاهزًا للعب ضد فرنسا وإنجلترا.
سواء كانت القناة في أيدي لندن أو باريس أو القاهرة لم يزعجه بشكل خاص – فقد كان يعتقد أن أدوات الأمم المتحدة ستكون كافية لكي تعمل القناة كما ينبغي. وطالب المصريين بالسماح لجميع السفن بالمرور، بما في ذلك السفن الإسرائيلية. مصر، التي فقدت للتو شبه جزيرة سيناء بسبب هجوم الجيش الإسرائيلي وكادت أن تفقد قناة السويس، لم تعترض الآن.
وكان خروتشوف غاضباً أيضًا . لقد لعب بأوراقه الرابحة من خلال تهديد إنجلترا وفرنسا بحرب نووية.
ولم تتمكن باريس ولندن، بل وأكثر من ذلك الجانب الإسرائيلي، من تحمل مثل هذا الضغط غير المتوقع من الجانبين في وقت واحد. وسرعان ما تم نشر قوات حفظ السلام في منطقة القناة، واضطرت القوات البريطانية والفرنسية إلى المغادرة. وأجبر التهديد بفرض عقوبات إسرائيل على الجلاء عن شبه جزيرة سيناء المحتلة.
العبرة
أظهرت هذه الأزمة بوضوح شديد أنه عندما تتفق القوى العظمى على أن كائنا من كان على هذا الكوكب يتصرف بشكل غير صحيح، يتم حل المشكلة بسرعة كبيرة. ولا يمكن للاعبين الإقليميين أن يمارسوا إلا القليل من المعارضة.
وعندما تكون هناك خلافات (أو ان القوى العظمى لا تهتم)، تستمر الحروب لسنوات، وربما حتى لعقود. وأوضح الأمثلة على ذلك هي فيتنام وأفغانستان وقضية فلسطين.
في عام 1991، عانت بلادنا من أكبر انهيار لها ولم تعد قوة عظمى. ولم يتبق في العالم سوى قوة واحدة، وهي الولايات المتحدة. وإذا كان نشاط شخص ما غير مقبول بشكل أساسي بالنسبة لواشنطن، فقد انتهى كل شيء بالنسبة لمثل هذا “الممثل” بخسارة كبيرة – يتذكر الجميع المصير الذي لا يحسدون عليه، مثلا، الصرب والعراقيين والسوريين والليبييين والقائمة تطول.
ولكن اليوم هناك صدع ما في هذا النظام العالمي أحادي القطب. ولم تعد القوى الإقليمية مستعدة للوقوف عند أول صيحة من القوة المهيمنة. إن معارك اليوم تدور أيضاً حول القدرة على حل المشاكل الخاصة دون النظر إلى رأي الولايات المتحدة – وفي مثل هذا العالم، كان الوضع الذي تكشف في أكتوبر 1956 سينتهي بشكل مختلف تماماً.
(3)
جيوبوليتيكا طوفان الأقصى
على إسرائيل أن تقبل الواقع الجيوسياسي الجديد
تيموفي بورداتشيف
مدير برنامج منتدى فالداي الاقتصادي
24 أكتوبر 2023
في مواجهة التخفيض الحتمي في الموارد المتاحة للقوى التي يعتمد مصير العالم عليها، يُترك الشرق الأوسط على نحو متزايد لشأنه. إن الصراع في الشرق الأوسط بالنسبة للسياسة العالمية المعاصرة هامشي للغاية بحيث لا يمكن للقوى العظمى أن تأخذه على محمل الجد.
جميع الدول لديها استراتيجية كبرى، سواء كانت تعرف ذلك أم لا. كانت الإستراتيجية الكبرى التي انتهجتها إسرائيل لعقود من الزمن تتألف من نقطتين: أولاً، الاستعداد لاتخاذ إجراءات حاسمة في حالة ظهور تحدٍ خارجي خطير، وثانياً، الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأكثر أهمية لوجود الدولة اليهودية.
ربما تكون هذه الإستراتيجية معرضة للخطر الآن. ومن الصعب أن تحظى إسرائيل بفرصة العودة إلى أسلوب وجودها السابق. قد يكون هناك خياران: إما التحرك تدريجيا نحو إنشاء دولة كاملة (“إسرائيل”)، أو قبول حقيقة أنه في منتصف هذا القرن سيتم إغلاق المشروع بأكمله.
لقد مر أكثر من أسبوعين منذ الهجوم الضخم الذي شنه مقاتلو حماس على أراضي دولة إسرائيل، والذي أسفر عن سقوط العديد من الضحايا، وتصاعد غير مسبوق في المشاعر والعنف ضد غزة من قبل الدولة اليهودية.
ومع ذلك، يمكننا الآن أن نفترض بثقة أن الأحداث في الشرق الأوسط من غير المرجح أن تصل إلى نطاق يهدد الاستقرار العالمي. ومن الأرجح أن تمثل هذه الأحداث بداية جولة جديدة من السياسات الإقليمية التي تعكس التغيرات العالمية.
وحتى الإجراءات الإسرائيلية الحاسمة تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين، كما رأينا خلال الأسبوعين الماضيين، لا يمكن أن تغير ميزان القوى العام في المنطقة. ومن المؤكد أنها لا تمثل صراعاً قادراً على إحداث تحول في السياسة الإقليمية، كما وعدنا حكام إسرائيل في الأيام الأولى للأزمة. ببساطة لأنها تغيرت بالفعل، ولكن ليس بالطريقة الأفضل لإسرائيل. حتى الولايات المتحدة، ناهيك عن تابعيها، غير قادرة على التأثير بشكل كبير على العمليات الداخلية لتحرر الدول التي لم تسعى، طوال تاريخ إسرائيل بأكمله تقريبًا، حتى إلى صياغة رأيها، وإذا كان لديها رأي، فالبراغماتية الشرقية تتطلب عدم التعبير عنه.
والآن تملي نفس هذه البراغماتية خطاً مختلفاً من السلوك على جيران إسرائيل، وهذا ليس بالخبر الأفضل على وجه التحديد بالنسبة للإسرائيليين الذين يريدون أن يعيشوا حسب “الطريقة القديمة”.
ويُنظر إلى رغبة اسرائيل المعلنة في تغيير الخريطة السياسية للمنطقة على أنها ليست أحدث من الكلمات الأخيرة لرئيس الدولة الأمريكية بأن الولايات المتحدة قادرة على بناء نظام عالمي جديد.
ولا شك أن أميركا تمتلك الآن أكبر القدرات الإجمالية، وإسرائيل أقوى عسكرياً من جيرانها. ولكن الجميع أتيحت لهم الفرصة بالفعل ليروا مدى ظلم النظام الذي يقترحونه، والأهم من ذلك، عدم فعاليته. ولا أحد يحرص بشكل خاص على تكرار هذه التجربة في ظل الضعف الواضح لكلتا القوتين.
إن البديل لنظام تتمتع فيه إسرائيل بمكانة خاصة لا يبدو كارثيا بشكل خاص لأي أحد. ولن يرتعد العالم حتى لو اختفت دولة إسرائيل وتوقف الاحتكار العالمي الأمريكي عن العمل كضامن رئيسي للعولمة. والوضع الراهن في الشرق الأوسط لا يخلق أي سبب للقلق الحقيقي.
لن يكون من الضروري المبالغة في أهمية ما يحدث في الشرق الأوسط بالنسبة للأمن الدولي ككل. تكمن هذه الخصوصية في أنه على الرغم من كل الدراما، فإن الوضع هناك لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على بقاء أقوى القوى على هذا الكوكب – الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا أو الصين. والآن تنطلق هذه الدول من مواقف مختلفة فيما يتعلق بمسار تطور الوضع في المنطقة الذي سيكون له ما يبرره على المدى الطويل، وكذلك حول ماهية الأسباب الحقيقية للأزمة المستمرة.
وفي الوقت نفسه، فإن الموقف الأميركي، كما نرى، هو الأكثر تناقضاً. وعلناً، لا تدخر السلطات الأمريكية مجاملات لدولة إسرائيل، وتزودها بالأسلحة، وهي بشكل عام تقف إلى جانب إسرائيل بشكل كامل. لكن يبدو أن انتقال تل أبيب إلى إجراءات أكثر حسماً لا يتوافق مع الرؤية الأميركية لاستراتيجية الحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط.
إن كل الحروب التي تشنها إسرائيل ضد جيرانها منذ 75 عاماً قد خدمت بشكل مباشر أو غير مباشر مصالح واشنطن. وتتمثل الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة على وجه التحديد في اتباع نهج فعال في التعامل مع كافة الشراكات الدولية. وإسرائيل هنا، بغض النظر عن مدى تفكير مواطنيها عاطفيا، ليست استثناء. والآن لن تعود أفعالها القاسية وإثارة المزيد من إراقة الدماء بأي فائدة للولايات المتحدة. بل على العكس من ذلك، فإن تصرفات اسرائيل قد تفسد الاسس الرامية إلى خلق أرضية جديدة لمصلحة الوجود الأميركي في الدول العربية. والقلق العام من أن الغرب يفقد سلطته بين دول جنوب الكرة الأرضية نتيجة لدعمه لإسرائيل يشكل إشارة واضحة للغاية إلى حكام إسرائيل.
وبالنسبة لروسيا والصين فإن الأزمة في الشرق الأوسط لا تشكل أيضاً مسألة تتعلق بالأمن القومي، وينبغي لنا أن ننظر إلى الموقف تجاه هذه الأزمة من خلال منظور توجهاتهما في التعامل مع النظام العالمي ككل. وتقوم كلتا القوتين بتقييم الوضع من وجهة نظر القانون الدولي والالتزامات الرسمية للمجتمع الدولي تجاه الشعب العربي في فلسطين.
وحتى التطورات الأكثر دراماتيكية في إسرائيل لن يكون لها تأثير كبير على الوضع الذي ترى فيه موسكو وبكين تهديدات حقيقية لأمنهما. إن حقيقة أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على مهاجمة إيران في ظل الظروف الحالية واضحة تمامًا حتى بالنسبة للمراقبين عديمي الخبرة مثل مؤلف هذا النص. ولكن في حالة حدوث حرب مع طهران لأي طرف، فإن تجربة أوكرانيا تظهر أنه، في ضوء القدرات اللوجستية، يمكن للمساعدات الخارجية أن تجعل دولة متوسطة الحجم أكثر مرونة وقدرة على الصمود أكثر مما يتوقع خصمها الأقوى.
إن إرسال الصين عدة سفن حربية إلى الشرق الأوسط لا يمكن اعتباره مؤشرا على التصعيد، بل علامة على الثقة العالية إلى حد ما في أنه لا يوجد شيء يمكن أن يهددهم هناك. الأمر نفسه ينطبق على التعزيز المحتمل للوجود العسكري الروسي في سوريا. ولا ترى القوى العظمى في الشرق الأوسط ساحة لصراعها، لكنها تسعى إلى تعزيز مواقفها الدبلوماسية هناك.
كل هذا يؤدي إلى استنتاج مفاده أن الصراع في الشرق الأوسط بالنسبة للسياسة العالمية المعاصرة هامشي للغاية بحيث لا يمكن للقوى العظمى أن تأخذه على محمل الجد. وهذا يعني أن دول المنطقة، وإسرائيل في المقام الأول، يجب أن تقطع معظم الطريق نحو استقرار علاقاتها. وفي مواجهة التخفيض الحتمي في الموارد المتاحة للقوى التي يعتمد مصير العالم عليها حقاً، يُترك الشرق الأوسط على نحو متزايد لشأنه. ولا ينبغي للمرء أن ينخدع بمدى الاهتمام الذي توليه وسائل الإعلام العالمية لتطور الأزمة – فعملها يتطلب أخبارًا على خلفية الصراع الذي طال أمده في أوكرانيا والتوقعات المتعلقة بمصير تايوان التي لم تتحقق بعد.
تستمر النخبة الإسرائيلية في النظر إلى العالم الخارجي من موقع التفوق النفسي. فهو يقوم على الإرث – الذي تم تبديده بلا رحمة – للعقود الأولى من عمر الدولة اليهودية والتحكم المباشر بمفاصل إدارة الرأي العام في الغرب. ومع ذلك، نرى أن هذا لا يكفي في الظروف الحالية لاكتساب ثقة حقيقية بالنفس.
إن الاعتراف بأن دولة إسرائيل تمثل إحدى “وظائف” السياسة الأمريكية والعالمية يعني أن يشرع قادتها ومواطنوها في السير على طريق إعادة تقييم مكانتهم في العالم. وحتى الآن لا نرى أي إشارات تشير إلى احتمال حدوث مثل هذا السيناريو.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….