الراسمالية الإمبريالية الأمريكية … الخارج والداخل (الجزء الثاني)، د. عادل سماره

  • العدوان والسطوة والكذب كعقيدة

الوجه الخارجي (2)

نقاش بين  كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا سابقا وأنتوني بلنكن وزير خارجية أمريكا حالياً في ستانفورد  17 اكتوبر 2022

Forbes Breaking News

 Oct 18, 2022

Bkinken rice

Secretary of State Antony Blinken and former Secretary of State Condoleezza Rice hold a discussion in Stanford, California. Stay Connected Forbes on Facebook:

وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس يُجريان مناقشة في ستانفورد، كاليفورنيا.

✺ ✺ ✺

من اللافت أن كليهما يتحدثان كأنما هما شخص واحد وهذا دليل على التثقيف والشحن الإيديولوجي مما يجعل كل من دخَل المؤسسة الأمريكية الحاكمة مثابة شخص واحد وإن كان له لونا ما اليوم وآخر غدا. وما يؤكد هذا أكثر  انعدام الفارق بين إدارة الجمهوريين السابقة برئاسة ترامب واليوم برئاسة بايدن.

يبدأ الحديث بين الإثنين بضرورة تقييد روسيا  والتفوق على الصين. وهذا يمثل تماما الاستراتيجية الأمريكية الدائمة على الأقل في القرنين العشرين والحالي.

ولتبرير ذلك يزعمان بأن: “روسيا هي مشكلة طالما بها بوتين  حتى قبل اوكرانيا”.

وهذا يكشف الموقف المتعالي والمتعجرف بمعنى إعطاء الذات الحق في تقييم الآخر وإصدار الحكم ضده وفي هذه الحالة القول بأن روسيا مشكلة طالما بها بوتين وكأن روسيا مقاطعة أمريكية تخرج عن سيطرة الحكومة الفدرالية الأمريكية!

وبالطبع، الأمر ليس لأن بوتين في روسيا، لأن حديثهما اعلاه وموقف أمريكا في القرنين الماضي والحاضر هو ضد روسيا والصين سواء كان نظاميهما اشتراكيا او راسماليا .  وبالطبع فأمريكا ضد روسيا بوجود أو غياب بوتين وحصول أو عدم حصول الحرب في أوكرانيا.

أما عن سبب الاهتمام الأمريكي بأوكرانيا؟

كان الجواب بأن أمريكا مهتمة بأوكرانيا نفسها حتى قبل الحرب، وهذا طبعاً ضمن تسويد أمريكا نفسها على العالم كراعي لهذا العالم دون طلب أو توكيل من أحد وكأن لأمريكا رسالة سماوية بأن تحكم العالم أو كأن تطبيق قوانين الأمم المتحدة هو مسؤولية أمريكا نفسها وحصريا بها.

أما تبرير الاهتمام بأوكرانيا فيقولان:

” لأن بوتين يعاكس قوانين الأمم المتحدة… نعمل على تفعيل الامم المتحدة يوميا… وقفت 134 دولة ضد روسيا ضد العدوان الروسي دورنا جعل الأمم المتحدة تعمل جيدا”

 وهذا يندمج في الزعم الأمريكي بأنها المخولة بتطبيق قوانين الأمم المتحدة. هذا دون أن نُعدِّد حالات خرق قوانين الأمم المتحدة الذي مارسته أمريكا نفسها قبل وأكثر من مختلف دول العالم. ولا حاجة بالطبع هنا لذكر أن سبب الحرب في أوكرانيا هو اقتراب حلف الناتو العدواني من حدود روسيا واقتراب دخول أوكرايا ذلك الحلف العدواني مما يهدد روسيا مباشرة.

إلى أن ينتقلا إلى حصر الإشراف على العالم بيد امريكا بالقول:

” اذا لم نحافظ على حدود اي دولة نفتح بندوره بوكس”

وهذا يعني أن امريكا موكلة من مختلف بلدان العالم بالإشراف على كل دولة على حدة كي  لا تحصل فوضى عارمة في العالم وإلا تحصل الفوضى وتتعدد الشرور، أو كما يُقال “فتح الفرصة لرقص الشياطين”.

ومن المضحك أن هذا يعيدنا إلى نقيض الزعم بالحرص على عدم فتح صندوق الشر باختراع صندوق شر! نقصد شعار كونداليزا رايس نفسها أي “الفوضى الخلاقة” التي صممتها خصيصا لتدمير الوطن العربي. فأين هي اصدق:

في زعم سياسة بلادها أنها لو تراخت عن مراقبة وضبط العالم سيحصل شرَّا متعدداً؟

أم هي في حقيقتها خالقة شرور.

حقاً،  إن هؤلاء الأمريكيين يخلقون اساطيراً كما لو كانوا في إسبرطة اليونانية.

ثم ينتقلان ألى الصين: “

“لدى الصين ثروات هائلة لكنها تضع  الدول تحت مديونية  لا يمكنها سدادها  ويحل عمالها محل المحليين. ولا تهتم بالبيئة  واثر ذلك ولا الفساد فهو جزء من ذلك.  لذا قدمنا بديلا مختلفا… فيما يخص تايوان دائما  تحاول أمريكا حل الامر سلميا . لكن هناك تحول في الصين  مؤخرا تجاه تايوان  برفض الوضع القائم  اي اما السلا م او الحرب  لكن هذا يهم العالم  مثلا الممرات الدولية  واذا ما حصلت مشاكل  هناك  هذا يربك العالم الحر  مشكلة أشباه الموصلات هي مشكلة لكل العالم لذا نتدخل في الأمر.”

الصين ليست دولة ديون بل دولة مشاريع إنتاجية في الدول الصديقة لها .فالحديث عن ان الصين دولة دائنة فيه استخفاف بعقل الحضور والعالم لأن ما يقتل معظم بلدان العالم الثالث/المحيط هي الديون الأمريكية خاصة والغربية عامة. هذه حقيقة كبرى في وضوحها. أما مصادر النشاط الاقتصادي الصيني فلا تقول بأن الصين تشغل عمالها في البلدان التي تساعدها على التنمية، هناك طبعا خبراء لهذا الأمر. أما هل قدمت أمريكا بديلا مختلفا! بل قدمته وتقدمه منذ قرنين وهو احتلال البلد الذي يرفض الانصياع أو رشوة السلطة او اغتيال الرئيس (انظر كتاب :اعترافات قاتل اقتصادي ل جن بيركنز. ) . وفيما يخص السياسة الاقتصادية الخارجية للصين أنظر كتابنا : “صين إشتراكية أم كوكب إشتراكي الصادر 2022.

تشكل تايوان مشكلة دولية، فهي ارض صينية وجعلت منها امريكا قلعة عدوانية ضد بلدها الأم.ورغم أن امريكا تُقر أن تايوان صينية إلا أنها تسلحها حتى أسنانها لتبقى منفصلة عن الصين وحتى ضد الصين! ولعل من أهم أسباب دعم امريكا لسلطات تايوان كونها البلد الذي ينتج معظم اشباه الموصلات. ولكن امريكا تصر ايضا على السيطرة بحريا على بحر الصين وخاصة الممرات البحرية هناك كجزء من سيطرتها العسكرية لتسهيل عدوانها هي وحلفائها ضد الصين في وقت قد يبدو قريباً. والممرات ليست مشكلة عالمية بل أمريكية.

وينتقلا مجدداً إلى الصين:

 ” الرئيس الصيني بالزعم أنه لا يحصر نفسه في  تنمية بلاده أي التنمية الداخلية، أي  أنه بعكس سابقيه الذين لم تكن لهم سياسة خارجية وبأن شي عدواني تجاه الخارج”.

يمكن للمرء إلتقاط التناقض هنا وهو، إذا كان سابقي شي جينينغ محصوري الاهتمام بداخل بلدهم، أي لم يكونوا عدوانيين في الخارج فلماذا كانت أمريكا مصرة على إسقاط النظام هناك؟   هذا من جهة ومن جهة ثانية، فالصين ايضاً في عهد شي ليست عدوانية خارج بلادها.

الطريف أن الطلبة كمستمعين لم يعترضوا على هذه التناقضات سواء هل من حق امريكا لعب دور ضابط العالم أو إذا كانت الصين سابقا غير عدوانية فهي ليست عدوانية اليوم، فلماذا تعاديها أمريكا؟ أم أن العداء للصين هو في كونها ورشة العالم وهذا يزيح أمريكا عن عرش الدولة الأكثر إنتاجية في الكوكب؟ لا تدري أحيانا من مزاعم هذه المدرسة المتغولة عالمياً، هل يتحدثون بقناعةأم يتظاهرون بالاقتناع.

يقولان: ” نحن نعمل لنرى من الذي سوف تتفوق قيمه  اذا لم نبادر للقيادة  سيقوم غيرنا بها وهذا يناقض قيمنا ومصالحنا  واذا تصدرت الصين هذا  او اي طرف اخر  فنظامها ليس لبراليا “.

صحيح أن مصطلحات مثل القيم، الأخلاق، النمو، …الخ هي لغة، ولكن للغة محمولها أو حمولتها المادية العملية. فمن حيث اللغة، فإن اللبرالية الغربية هي قيمة مدهشة. ولكن من حيث التطبيق ولا سيما مع الأمم الأخرى، فهي على العكس تماماً.

فالقروض الأمريكية والغربية عامة مشروطة بالسيطرة على سلطة الدولة التي تتلقى القرض، أو تعيين سلطة جديدة اي هي تدخل سياسي، كما يشرف الغربيون على تحديد طبيعة المشروعات التي تم الاقتراض من أجلها ناهيك عن الفوائد الأعلى وفرض سياسات التقشف  والتصحيح الهيكلي.

بينما لا تقم بذلك الصين حيث لا تتدخل في سياسة نظام حكم الدولة المقترضة وتقدم شروطا أفضل وتخصص قروضها للتنمية.

ومع ذلك لا يتورع المتحدثين عن التفاخر بالقيم الأمريكية؟ فالتفاخر ب اللبرالية لم يعد امراً ينطلي على العالم، فهي مرنة في حدود قبول العالم بهيمنة أمريكا وثقافتها الفردانية.

كما طرحا التالي: “نتعاون اكثر مع حلفائنا لمنع عدوان شمال كوريا  وعدم الانتشار النووي”.

من يتابع السياسة الدولية يدرك ببساطة أن أمريكا وحلفائها هم الذين يعتدون ويجهزون الاعتداء ضد كوريا الشمالية. بل إن النووي هو أحد اسس المشاكل مع كوريا الشمالية. والنووي هو مسألة مضمونها أكذوبي ومتعجرف، فهناك فارقا بين منع إنتشار النووي وبين التخلص من النووي لأن بقاء النووي وحصره في دول محددة يفترض أن قادة مالكي النووي  وحدهم العقلاء وقادة اية دولة أخرى في العالم حمقى أو مجانين. هذا مع أن الدولة التي استخدمت بل ضربت النووي هي أمريكا! والتي تهدد باستخدامه اليوم هي الكيان الصهيوني.

في حديثهما عن إيران قالا:

“في ايران دعمنا الشباب من الجنسين في مطالبتهم بحقوقهم الاساسية أاينا موت  المراة . قيادتهم لا تفهم ما يريد شعبهم. ما نفعله نتضامن   معهم…  انها بلدهم  ومستقبلها  لذا نتضامن معهم”.

عبارة دعمنا الشباب من الجنسين يتضمن في الواقع موقف عدائي ضد إيران لأن هذا الدعم إن حصل باي شكل هو تدخل خارجي في شؤون بلد. وطبعا يناقضا نفسيهما حين يختمان الفقرة ب  “إنها بلدهم”، إذن لماذا تتدخلون. وطبعاً يستغلان مشكلة المرأة التي توفيت بعد اعتقالها في إيران وهذا كان مثابة فرصة للغرب لنقد إيران، ولكنها توفرت بايدي السلطة الإيرانية. المهم أنهما تجنبا الحديث عن الملف النووي الإيراني!

في عودتهما للوضع الأمريكي الداخلي قالا:”

“ليبقى نفوذنا يجب ان نستثمر في بلدنا  التعليم البحث والتطوير تقليص التضخم وهذا ليس واجب الحكومة وحدها…

علينا تحريك القطاع الخاص  على الحكومة ان تكون ضامن وتنصح بان هذا مكان مناسب”.

هل تقوم السلطات الأمريكية بإعطاء الداخل نفس وزن أو حتى الأولوية على دورها الخارجي الإمبراطوري! لا يوجد ما يؤكد هذا. والحديث عن دور مزدوج للحكومة والقطاع الخاص هو جزء من توجه الإدارة الأمريكية في الأعوام الأخيرة في تبني سياسة اقتصادية جديدة هي “الاستحداث” بدل النيولبرالية. وفي الحقيقة فإن السياستين هما حصر الأمور بيد الراسمالية ربما مع دور أوسع للقطاع الخاص. (سنكتب في الحلقة الثالثة عن الوضع الأمريكي الداخلي).

وفيما يتعلق بسياسة أمريكا عموما قالا:

“نحن لا نقول للناس اختاروا بل نضع امامهم الخيارات.  الديمقراطية في مواجهة الهيبوكراسي النفاق”

 هل تاثر دورنا في اوكرانيا مع تحالفنا مع اوروب… ا وقف الغرب مع بعضه…. المنافسة مهمة حينما تكون حرة “

منذ أن انفصلت امريكا عن بريطانيا قبل قرنين ونصف وحتى اليوم لم يمر يوماً على هذه الدولة دون القيام بحرب أو حتى أكثر من حرب في نفس الوقت، فقد احتلت أراضٍ مكسيكية وحاولت حتى احتلال جارتها كندا واصلت الحروب في امريكا اللاتينية وصولاً إلى كل العالم . وبالطبع لها 800 قاعدة عسكرية في العالم ومع ذلك يقول كليهما بلا ذوق نضع أمام الناس خياراتهم ونحن نمثل الديمقراطية مقابل النفاق، والمنافسة الحرة ويفتخران بمشاركة الغرب لأمريكا في وصول الناتو حدود روسيا مما اضطرها لحرب استباقية.

ليس عجيباً أن يقول شخصان من لُب السلطة الأمريكية كل هذه الأكاذيب المتفاخرة بما فيها من نفاق وكذب، ولكن الغريب أن يُقال هذا داخل وخارج أمريكا ما أقل من يقول لهما…كفى كذبا وكفى مسيل دماء الأمم!

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….