دراما “الجريمة والحذاء” …!

نواف الزرو*

(نشرة “كنعان” الالكترونية – العدد 1738)

معطيات المشهد العراقي اليوم بعد نحو ست سنوات مرعبة مأساوية طافحة بجرائم ما فوق الجرائم المقترفة على يد الرئيس بوش..!.

فهاهي وزيرة البيئة العراقية قالت في باب “اقوال مؤثورة” مع حمدي قنديل في برنامج قلم رصاص(فضائية دبي/2008/10/31): “نحتاج الى قرون لمسح آثار الحرب”، ويقول 90 بالمائة من العراقيين “أن الوضع الآن هو أسوأ مما كان عليه قبل الحرب”، ويؤكد “أكثر من 79 بالمائة بأن الوضع الاقتصادي العراقي اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الحرب والغزو” ، استخلصت مجلة “تايم” قاطعة ” أن بغداد مازالت أكبر مركز لسفك الدماء على وجه الأرض وفي كل زمان”.

وعلى صعيد المجازر الجماعية على سبيل المثال جاء في دراسة أجراها أحد أبرز مراكز استطلاعات الرأي في بريطانيا “أن أكثر من مليون عراقي قتلوا في بلادهم منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003”.

وفي عملية جرد مفصل لمدى تفاقم الاوضاع العراقية ، افاد تقرير لمنظمة أوكسفام البريطانية على سبيل المثال “إن 8 ملايين عراقي، أي حوالي ثلث الشعب، بحاجة ماسة للمساعدات”، و”إن 40% غادروا العراق، بينما يعاني 28% من الأطفال سوء التغذية”.

وفي مسالة التهجير القسري للعراقيين قال الكاتب العراقي عبدالواحد الجصاني في صحيفة الخليج”ان التهجير القسري لخمسة ملايين عراقي هو من أكثر جرائم هذا الاحتلال البربري خسّة”، ومن جهتها أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)”أن حياة ملايين الأطفال العراقيين مازالت مهددة بسبب العنف وسوء التغذية وقلة المياه الصالحة للشرب” وأضاف التقرير “أن حوالي 25 ألف طفل وعائلاتهم يجبرون كل شهر على الخروج من منازلهم واللجوء إلى مناطق أخرى من البلاد”، وعلى المستوى التعليمي أظهر بحث أجرته المنظمة الأممية عن الانقطاع الدراسي “أن عدد تلاميذ المدارس الابتدائية المتخلفين عن الدراسة خلال 2006 فقط بلغ 760 ألفا، إلا أن هذا الرقم ارتفع خلال العام ا2007 بسبب انقطاع الدراسة لعدد متزايد من الأطفال النازحين من ديارهم”، ليصبح اطفال وشباب العراق في المحرقة العراقية المفتوحة على نحو بالغ الاجرامية المبيتة على ايدي الاحتلال الامريكي.

وعلى صعيد القمع والتنكليل والاعتقالات الجماعية للعراقيين وعلى نحو متكامل مع المعطيات اعلاه أكدت ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري من جهتها “أن عدد المعتقلات والسجون في كافة محافظات العراق يبلغ 36 سجنا عدا أبوغريب الذي يعد الأرحم بين السجون رغم فضائحه الفظيعة”، وقالت في حوار اجرته مع العرب اليوم الاردنيةعلى هامش مؤتمر نظمته اللجنة العالمية لمناهضة العزل بالتعاون مع جامعة بروكسيل الحرة بعنوان “ارهاب الحرب الأمريكية على الارهاب” أن عدد السجناء العراقيين يصل الى 400 ألف سجين منهم 6500 حدث و10 الاف امرأة، تم اغتصاب 95% منهن”.

ورسم مركز أبحاث بريطاني “شاثام هاوس ” صورة حالكة السواد للعراق تحت الاحتلال، وأكد “أن هذا البلد على شفا الانهيار ومهدد بالتفتت”.

وما يفاقم الكارثة العراقية الهولوكوستية ان هذه الاوضاع لن تتوقف وفقا لرؤية الخبراء والمحللين ،اذ اكد المحلل الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن انتوني كوردسمان “ان لا تستقر الأوضاع في البلد المحتل قبل العام 2012 ان لم يكن 2015”.

وهكذا نرى في حصاد المشهد العراقي ان العراق تحول الى محرقة امريكية -اسرائيلية لابادة الشعب العراقي ، وان بغداد اصبحت بشهادة أكبر مركز لسفك الدماء على وجه الأرض وفي كل زمان، وان عناوين المجازر والهدم والتدمير والهجرات الملايينية ونهر الدم العراقي ما تزال تتسيد المشهد العراقي على نحو استثنائي ، وان الهجوم الامريكي -الاسرائيلي شامل واسع النطاق يهدف الى تدمير بنية العراق التحتية الاقتصادية و الاجتماعية والعلمية والثقافية، ومنها على نحو خاص بنية العلم والتعليم والتكنولوجيا التي حسب تقديرات جامعة الأمم المتحدة فان نحو 84% من مؤسسات التعليم العالي قد حرقت أو نهبت أو دمرت.

فماذا يقولون في ” الوجه الامريكي” بعد كل ذلك…؟

– هارولد فوجلار-استاذ علوم الاديان في مدرسة اللاهوت اللوثرية في شيكاغو والذي عمل مدة 26 عامل في الشرق الاوسط يقول:”على مدى سنوات رأينا مخزون الثقة تجاه الامريكيين يتبخر بسبب سياساتنا”.

– والاب “جون بيرجر” المدير الاقليمي لجامعة”آباء كواومبيا” فيقول:”ان الامور اصبحت اخطر كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية”.

وجاء في تقرير بثته فضائية الجزيرة والوكالات “ان 650 باحثا امريكيا يعتبرون ذرائع بوش لشن الحرب على العراق ملفقة “، الامر الذي ساهم كذلك في تشويه الصورة الامريكية .

– واعلن هاري ريد زعيم الاغلبية في الكونغرس”ان بوش يتصرف بعقلية رعاة البقر -بمنطلق اطلق النار ولا تناقش/ عن الجزيرة “، ليكمل بذلك الاوصاف البشعة السابقة تجاه بوش وسياساته.

وبينت دراسة أجراها أخصائيون في علم النفس من جامعة كاليفورنيا “أن رئيس الولايات المتحدة جورج بوش، هو الأغبى من بين رؤساء الولايات المتحدة منذ بداية القرن الماضي” ، ومن جهته هاجم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر رئاسة الرئيس جورج بوش بوصفها “الأسوأ في التاريخ” في مجال العلاقات الدولية، كما وصف كارتر في لقاء مع صحيفة “صندي تلغراف”:”الوضع الامريكي بانه مؤسف ومخجل”.

وانتقالا الى الراي العام الامريكي، فقد” أعربت نسبة 81% من الذين شملهم آخر استطلاع أعدته نيويورك تايمز وسي بي أس عن اعتقادها بأن “الأمور انزلقت في عهد بوش بشكل لا يخلو من خطورة نحو الطريق الخطأ”، وانتقالا من الساحة الامريكية الى المستوى الاوروبي والعالمي في سياق انتقادات الوجه الامريكي، فبينما انتقدت اعلى هيئة اوروبية لمراقبة حقوق الانسان بشدة الادارة الامريكية وقالت:” انها تتصرف كمجرم حرب في حربها المزعومة على الارهاب”وصفت الروائية البريطانية دوريس ليسينغ الحائزة علي جائزة نوبل للآداب عام 2007 في مقابلة نشرتها صحيفة الباييس الاسبانية 2007/10/ 22 الرئيس الامريكي جورج بوش بـ “المصيبة العالمية ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بـ الكارثة علي بلاده”.

اذن- نحن في خلاصة المشهد العراقي امام جرائم لا حصر لها تقترفها ادارة الرئيس بوش، وامام رئيس هو الاسوأ والاكثر اجرامية، وامام شهادات امريكية واوروبية عديدة تؤكد ذلك..!.

فهي اذن- انها “قبلة وداع”للرئيس المغادر اعلنها منتظر الزيدي الذي اخذ يصرخ:”هذه هدية من العراقيين، هذه قبلة الوداع يا كلب”، مضيفا:”هذه من الأرامل واليتامى وهؤلاء الذين قتلتهم في العراق”.

وهي ايضا رسالة من الصحفي الاسطورة باسم العراق والغضب العراقي العارم، وغضب كل العرب من محيطهم الى خليجهم، وكما وصفتها هيئة علماء المسلمين في العراق الموقف بالبطولي وانه “يعبر اصدق تعبير عن غضب العراقيين ورفضهم المطلق للاحتلال المقيت”.

انها – دراما “الجريمة والحذاء”….!

فالذي فعله بوش في العراق ليس جرائم حرب فقط، بل ما هو فوق جرائم الحرب الشاملة ان جاز التعبير، بل انه “الهولوكوست العراقي” الذي لن تمسحه قذيفة الحذاء ابدا، وان كانت تداعياتها الاعلامية والمعنوية والاخلاقية لن تنسى ابدا..!.

* nawafzaru@yahoo.com