لا عزاء للنساء في العراق!

جمال محمد تقي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة الثامنة ـ العدد 1743)

اذا كانت المراة ما زالت تعاني في المجتمعات المتطورة والمستقرة من اشكال متنوعة من التمييز والعنف الجسدي والجنسي والنفسي والقانوني والثقافي، فكيف ستكون حالتها في المجتمعات التي يسودها العنف والعنف المضاد والخوف والفوضى الشاملة نتيجة الاعمال الحربية لقوات الاحتلال ونتيجة لتقسيم المجتمع على اسس طائفية وعرقية متخلفة؟

اذا عرفنا مثلا ان المرأة تشكل نسبة حوالي 58 % من السكان في العراق، وان نسبة الامية بينهن تتجاوز ال 70 %، وان نسبة عالية من الكفاءات النسائية العلمية والاكاديمية ـ طبيبات، مهندسات صيدلانيات، عالمات، فنانات، صحفيات، مدرسات، قد تركن العراق، فاننا نستطيع وببساطة تخمين الحالة الكارثية بشموليتها والتي يعاني منها بنيويا عراق اليوم على صعيد الاسرة والدولة والمجتمع!

ان ابرز العناوين التي تندرج تحتها مفردات الانحطاط المصحوبة بكل انواع العنف والاضطهاد والتمييز بحق المرأة العراقية والتي تشكل وبحق العمود الفقري للمجتمع بحكم دورها وتاثيرها ونسبتها، تتحدد على النحو التالي:

1ـ التعرض للقتل المباشر والعمد وغير العمد نتيجة للاعمال الحربية الجارية في اغلب مدن وارياف العراق، منذ 2003 وحتى الان، علما ان النسبة العالية من القتلى بين المدنيين وخاصة في العاصمة ومدن ديالى والموصل وصلاح الدين والرمادي وبابل، اثناء القصف والتفجيرات العشوائية او اثناء المواجهات في تلك المدن هي من النساء والاطفال!

2 ـ التعرض للسجن والاعتقال والتعذيب، اما لمعارضتها ومقاومتها او لاتخاذها كوسيلة او رهينة في ابتزاز اقاربها من المقاومين والمعارضين، علما ان هناك اكثر من 50 الف امرأة قد تعرضن للاعتقال او التوقيف اوالسجن اوالتعذيب والاعتداء بالضرب اثناء عمليات المداهمة!

3 ـ الفصل من العمل، لقد شملت قوانين اجتثاث البعث وحل وزارات الدفاع والاعلام المرأة العاملة والمعيلة لاسرتها، هذا ناهيك عن التوقف شبه الكامل لاغلب المؤسسات الصناعية والخدمية عن العمل او عملها بنصف طاقتها، مما ادى الى تدهور مداخيل النساء العاملات او تركهن للعمل نتيجة الفوضى الامنية!

4 ـ انتشار اسلوب التعذيب والاهانة الجسدية بالاغتصاب الجنسي للنساء والرجال والاطفال في المعتقلات الامريكية والحكومية، ووفق منهج مدروس تم تصوير اغلب حالات الاغتصاب بحق المعتقلات والمعتقلين لاغراض التهديد بفضح المجني عليهم بجعلهم عرضة للنبذ الاجتماعي في منظومة اجتماعية مازالت تعتبر ضحايا الاغتصاب نوع من انواع العار الحي، ومثال ابو غريب هو عينة واحدة من امثلة لا حصر لها!

5 ـ فقدان المرأة لاي نوع جدي من انواع الحماية القانونية والقضائية، حتى ان قانون العشائر عاد للعمل في اغلب المدن ناهيك عن الارياف ـ فقانون غسل العار، ووجوب طاعة ولي الامر في قراراته المتعلقة بحياة الانثى، كاختيار الزوج، ورخصة السفر، او العمل والتعليم والحجر على الحق الشرعي بالميراث ـ كلها اعراف سارية المفعول في مجتمع لا قانون ولا قضاء ولا سلم اجتماعي فيه، بل لا وجود لدولة حقيقية فيه!

6 ـ تفشي مظاهر البغاء ـ المحلل ـ زواج المتعة، والبغاء القسري نتيجة الحاجة للقمة العيش، ففي عينة دراسية اكاديمية ميدانية تبين ان 30 % من طالبات الجامعة المستنصرية قد تزوجن بطريقة ـ المتعة ـ اي زواج لاجل محدد وبمقابل اجر محدد وبمباركة من مشايخ الجامعة المتنفذين في عمادة كلياتها، علما ان النسبة اكبر من ذلك بكثير وذلك لان الكثير من النساء يخفين زواجهن الممتع هذا، ان الحرمان وفقدان المعيل والبطالة المريعة وغياب اي نوع من انواع الضمان الاجتماعي لاعالة الارامل والعجزة والقصر يدفع بالنساء للبغاء القسري!

7 ـ عمليات التهجير الداخلي والهجرة المليونية الى الخارج قد ساهمت والى حد بعيد في امتهان المرأة وتزايد حالات اضطهادها وساهم بحرمان الفتيات من الدراسة ومن الظروف الطبيعية للنمو، واجبرت العوائل على تزويج بناتها وهن قاصرات، ومازالت المعاناة مستمرة وبشكل قاسي لا يرحم في بلدان الجوار، وحتى في بلدان اللجوء الغربية فان الاثار السيئة للاوضاع الماساوية التي عاشتها تلك العوائل يجعلها لا تتفاعل ايجابيا مع الامكانيات المتوفرة فيها!

8 ـ ان شقاء المرأة المعيلة والعاملة وخاصة شغيلات اليد في حواف المدن وفي الاحياء الفقيرة منها لا يوصف ويصل في الكثير من مواصفاته الى مصاف العبودية الفعلية ـ عاملات الطابوق، والفحم، والممالح، وتنظيف الجلود، ومصابغ الانسجة، وبعض اعمال البستنة الموسمية، والخدمة في البيوت الغنية ـ فالعمل لساعات طويلة قد تصل الى 12 ساعة وبمقابل لا يذكر 3 ـ 4 دولارات يوميا، وبدون اي نوع من الضمان الصحي او الاجتماعي وفي ظروف عمل غاية في القساوة هو امر بات مقبولا كثمن للحصول على لقمة العيش في بلاد عز فيها العيش، اما عمل المرأة في بيتها فهو ايضا اصبح اكثر من مألوف بين اسر كانت تعتبر من الطبقة الوسطى في المجتمع ـ فهذه حولت نصف بيتها الى مصنع يدوي لصناعة اكياس الورق من الفئة الكبيرة ومن الفضلات الورقية لاكياس الاسمنت، وتلك تعمل بالغزل والحياكة، وهناك من يعملن بصنع الاطعمة، وهناك من يبحثن في اكوام القمامة عن شيء ما يمكن ان يسد الرمق!

9 ـ الانتشار المريع لظاهرة التسول، وتحديدا بين النساء والاطفال وخاصة عند مراقد الائمة وفي الاسواق!

حقوق المرأة في العراق بين الدعاية والواقع

نعم هناك وزارة لشؤون المرأة، وهناك توصية بنسبة يحددها الدستور وقانون الانتخابات للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية 25 % من المقاعد في البرلمان و5% في المجالس المحلية، وهناك سيدة اولى للعراق، وهناك خمس وزيرات في الحكومة، وهناك منظمات نسوية كثيرة تمول من الصندوق البريمري لمنظمات المجتمع المدني، وهناك مذيعات ومقدمات برامج في اغلب القنوات الفضائية العاملة داخل العراق، وهناك قانون مركزي للاحوال الشخصية وقانون اقليمي في منطقة الحكم الفدرالي، والحقيقة تقال فان المرأة موجودة في كل مفاصل العملية السياسية الجارية في العراق، لكن المشكلة ليست في تمثيل المرأة او وجودها، المشكلة في قيمة هذا الوجود المشكلة في حقيقة ان هذا الوجود هو تعبير عن اهتمام حقيقي وايمان راسخ بحرية المرأة، المشكلة ان هؤلاء النسوة لا يستطعن وفي اي حال من الاحوال من الدفع باتجاه تغيير الواقع المأساوي للمرأة العراقية، لقد جيء بهن لاستكمال زوايا لوحة المشهد المراد تصويره في مسرحية العراق الجديد، فمثلما هناك انتخابات فارغة المحتوى وهناك دستور بديباجة ديمقراطية ومحتوى تحاصصي طائفي وعرقي، وبرلمان ناقص وطنية وسيادة، وحكومة وحدة وطنية تعمل لتمزيق الوطن، ومثلما هناك غياب حقيقي لحقوق الانسان، حق العمل، والسكن، والضمان، والامن، وحق اشهار الرأي المخالف، وحق التعويض عن الاضرار، وحق التنقل، وحق في الرعاية الصحية والتعليمية والخدمية، فانه وحتما ستكون حقوق المرأة مهضومة اي لا تشذ اوضاع المرأة عن اوضاع المجتمع، حتى لو اصبح نصف البرلمان والحكومة من النساء، فالعبرة ليست بالاشكال وانما في المضامين، فهل يمكن اعتبار رند رحيم وصفية السهيل او ميسون الدملوجي وشيرين برواري اوجوان فؤاد معصوم ممثلات حقيقيات للنسوة في بلادنا؟

انهن من النخبة التي لا تنتسب الا للمشروع الامريكي في العراق ومثلهن كمثل مثال الالوسي والحكيم والجلبي وعلاوي وحميد موسى والمالكي وغيرهم من الجوقة التي لاتخلو حتما من النساء!

لقد حذرت المقررة الاممية الخاصة بشؤون المرأ ةمن التردي المضطرد لاوضاع النساء في العراق واشارت في تقريرها المقدم بمناسبة اليوم العالمي لتحريم استخدام العنف ضد النساء حول العالم: ان حقوق المرأة العراقية تتآكل باستمرارفي كافة مناحي الحياة في حين يبقى العالم بعيدا وصامتا!

المجتمع الذي لا أمن لادمية المرأة فيه،، مجتمع مستعبد، غير حر ومتخلف وغير مستقر، فأوضاع المرأة هي بوصلة لشكل وحالة المجتمع، اي مجتمع كان، والعبودية الاحتلالية هنا مزدوجة وشاملة ايضا، عبودية البلاد كل البلاد وعبودية العباد كل العباد، فمن حيث النتيجة هو مجتمع تبعي محتل، ومقنوص، تتدرج، وتتدحرج سلسلة الاسترقاق فيه على شكل حلقات متحركة متسلسلة ومتصلة، سياسية واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، الانحطاط هنا بكل الاتجاهات الاربعة، وعلى المستويين العمودي والافقي، شكلا ومضمونا، والامثلة على ذلك في حالتنا العراقية لاتعد او تحصى، فاذا كانت البطالة شاملة فانها حتما ستكون مضاعفة على كاهل المرأة، واذا تراجع نظام المجتمع، الى الشكل الاقطاعي والقبلي فان تأثير ذلك سيكون كارثيا على فاعلية مشاركة المرأة في الحياة العامة، واذا فقد الامن الشخصي بسبب غياب فاعلية الدولة واجهزتها وفسادها، فانه ومن الطبيعي ان تكون المرأة هي اول المتضررين، واذا كانت البلاد خاضعة لنظام الفوضى الاحتلالية ـ الخلاقة ـ فمن الطبيعي ايضا ان تكون حالة المرأة مزرية وعلى كل الصعد،، ولا عزاء للنساء!

للحكاية جذور

منذ ان احتل العراق وسقطت دولته في 9 نيسان 2003، سقطت معها مكانة وحصانة الرجل العراقي والمرأة العراقية والطفل العراقي، والتي كانت ورغم كل مآسي الحصار الامريكي الظالم تنعم بنوع من السلامة العامة ومن نظام معقول للتامينات الاجتماعية والاقتصادية، ومن ضمور لنزعات الحجر، ومن الممارسة الفعلية لشؤون الحياة العامة دون مخاطر تذكر في مجالات التعليم والصحة والخدمات، فكانت المرأة تمارس عملها كطبيبة واستاذة وعالمة وصحفية ومهندسة وفنانة وسائقة تكسي، ويمكنها قيادة السيارة الخاصة دون حرج!

بهذا القياس كانت احوال الرجال تنعم بمستويات افضل، وهكذا كانت الاحوال العامة تسري على الجميع ومنها الطفل العراقي التي تتوسط حالته اوضاع الرجل والمرأة، نعم كان للحصار دوره الكبير في تدهور امكانيات الدولة العراقية، وقدانعكست مظاهره على حالة المرأة والرجل والطفل، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل، وغادر البلاد وقتها موجات من العراقيين الذين يسعون لتحسين ظروف حياتهم، لكن الامر لم يصل قطعا الى فوضى شاملة وفساد شامل وهجرة شاملة، لم تكن الدولة وقتها حاضنة ومحرضة لعقائد الحجر على النساء وشل مشاركتهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية!

كان تصليح الجسور والطرق ومحطات الكهرباء المقصوفة امريكيا يتم بكل دقة وخلال اوقات قياسية، كان نظام البطاقة التموينية الذي نظمته الدولة وقتها يسير بشكل سلس ودون تلاعب الفاسدين، وقد شهد بذلك وقتها ممثلو المنظمات المختصة في الامم المتحدة، كما شهدوا قبلها بنجاح حملة محو الامية بين النساء.

اما الان فبماذا يشهد ممثلو منظمات الامم المتحدة؟

نعم انهم يشهدون بانتشارالفساد الطاغي والمريع، وبالفوضى الطاغية، وبالدولة الفاشلة، وبالهجرة المخيفة، والقتل الجماعي، وبالتصفية المنظمة للعقول العراقية، وبالحجر على النساء، وبأعلى معدلات للعنف ضدهن بما في ذلك التصفية الجسدية وخاصة في مناطق شمال العراق ـ سوران وبادينان ـ وفي البصرة حيث الفوضى السياسية والامنية والاجتماعية الشاملة، وبدرجات اقل في بغداد العاصمة التي كان يزدهر فيها التمدن والاختلاط، وحيث دخلت وقتها المرأة اغلب مجالات العمل الاساسية والمهمة وعن جدارة.

لقد كان لتراكم عوامل الحصار الشامل على العراق ثم الحرب عليه واحتلاله والعمل على تقسيمه وتقاسمه وزرع الشقاق والنفاق فيه طائفيا وعرقيا دور حاسم في انحدار المجتمع وتراجع مدنيته، وتقهقر الاوضاع العامة والخاصة للمرأة العراقية، واحتقار مكانتها بما في ذلك استسهال تصفيتها اذا لم تطع مايراد لها، لقد برز هذا التدني الوضيع للحياة المدنية في العراق وتتوج بشكل صارخ بحيث صار سمة عامة للوضع الاجتماعي البائس للحالة المجتمعية العراقية بعد ان انفرط عقد الدولة المدنية لتحل محلها دولة مسخ يريدها المحتل واجهة تغلف هيمنته واهدافه وبرامجه المشوهة لكل ما هو مدني واصيل في العراق ـ اغتصاب احتلالي مزدوج ومتعدد الجنسيات، واغتصاب طائفي وعرقي، تقييد للحريات الشخصية والاجهاز على كل معالم مدنية المدن، مخدرات، وعنوسة، وتفسخ، وتهجير، وهجرة قسرية للمنافي حيث الضياع والابتزاز، عسر شامل لا شفاء منه الا بمعالجة مسبباته، وهي قد باتت اكثر من نار على علم ـ الاحتلال وانحطاط الدولة العراقية طائفيا وعرقيا، فلاحرية حرية حقيقية للمجتمع، ولا حرية للمرأة فيه الا بزوال الاحتلال وعمليته السياسية البغيضة.

نساء البصرة ودهوك واربيل والسليمانية وبغداد والعمارة وبعقوبة وكركوك، وكل نساء العراق بل كل رجاله واطفاله، المشردون منهم في دول الجوار او داخل البلاد، والمحبوسون في دورهم او سجون الاحتلال وجلاوزته، يستصرخون العالم كله لتقريب ساعة خلاصهم من الطغم الطائفية والعنصرية المتحكمة بمصائرهم برعاية ودعم المحتل الامريكي الغاصب الذي لا يميز بالافتراس والاغتصاب بين رجل وامرأة وطفل، يستصرخون شرفاء العراق ووطنيه ومقاومته المقدامة لتقريب ساعة الخلاص.

لا أمن حقيقي في العراق دون امان المجتمع كله وفي مقدمتهم النساء والاطفال من كل اجحاف وسوء وعوز وضياع، وقتل عشوائي.

لا أمن حقيقي الا بطرد المحتلين والطائفيين والعنصريين من سدة الحكم في العراق الذي لا قدر له غير التمدن المناهض لشريعة الغاب التي يريد تكريسها المحتلون واذنابهم في العراق.

شعب العراق لن يركع ولن يستسلم للتخلف والتقسيم والاستهلاك الذي جاء من اجل نشره فيه الامريكان وجحافلهم الموبوءة المستهترة المريضة،والمرأة العراقية اكثر من نصف هذا الشعب وهي لن ترضى باقل من الخلاص والنصر الكامل.

المرأة العراقية حفيدة عشتار التي لا ترضى بغير تموز شريكا، وهي ستنتصر حتما لانها لم تكن ابدا عاقر، هي من انجبت الذين علموا العالم المدنية، والذين علموا المحتلين الدروس، حفيدات فدعة سيفدعن الزمن العراقي الاغبر هذا بافق العراق الجامح والحر والمتمدن باصالة روحهن.

لقد توج الاحتلال نفسه ملكا متحكما بمصائر العراقيين ومستقبلهم من خلال تمريره للاتفاقية الامنية والاستراتيجية مع العراق المحتل وهذا ما سيضاعف من امكانات ومديات استهتاره وغطرسته ودوسه على حقوق وتطلعات الانسان العراقي عامة، ومزيدا من التدهور وخاصة لاوضاع النساء في بلادنا المغتصبة!