إعداد فيلم “من أدب المقاومة” بطريقة الوجبات السريعة

د. ثائر دوري

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة الثامنة ـ العدد 1746)

طوال مشاهدتي الفيلم الذي بثته قناة الجزيرة تحت عنوان “من أدب المقاومة”. إخراج هالا محمد لم يفارقني بيت المتنبي الذي يقول :

ولم أر في عيوب الناس عيباً            كنقص القادرين على التمام

كان هذا الفيلم مكرساً لجزء من التاريخ العربي السوري عبر حشد عدد هائل من الشخصيات الوطنية العربية السورية التي ساهمت في مقاومة المشاريع الاستعمارية في المشرق العربي من يوسف العظمة، إلى أحمد مريود، إلى سلطان باشا الأطرش إلى الشيخين صالح العلي وعز الدين القسام، وابراهيم هنانو، وسعد الله الجابري، والشهيد سعيد العاص. كل هؤلاء تم حشدهم في فيلم تلفزيوني مدته الزمنية محدودة جداً. مع ملاحظة أن كل شخصية تحتاج إلى فيلم خاص لمناقشتها. فكيف تم هذا الحشد؟

الجواب واضح بمنح كل شخصية ثلاث أو أربع دقائق وذلك بالكلام عنها كيفما اتفق، وبمن حضر، فإذا توفر شخص من آل العظمة فأهلاً وسهلاً. وإذا كان أحد الأقرباء على قيد الحياة فليحضر ليتكلم بما يريد فلا أهمية لنوعية الكلام. المهم أن تدور الكاميرا وتصور ما تبقى من الأمكنة. وفي هذا الحشد العشوائي للشهادات لا يعود هناك أية أهمية لإضافة رؤية فنية أو تاريخية أو إضاءة إنسانية على جانب مجهول من الشخصية المتناولة، أو تعميق المعرفة بجانب شائع من الشخصية، فكل المعلومات التي طرحها الشهود عن شخصيات الفيلم من نوع المعلومات الشائعة التي يعرفها رجل الشارع العادي. وفي تناول كهذا يصبح ارتكاب أخطاء تاريخية مسألة غير ذات أهمية، فببساطة يَخلط الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل الذي تحدث عن سعيد العاص – أو هكذا أوهمنا الفيلم في حين أنه لم يعط أية معلومة لها قيمة – يخلط بين ثورتي 1925 و 1945، فنسمعه يستشهد بكلام قاله جنرال بريطاني في وصف ثورة 1945 في حماة و هو يتحدث عن سعيد العاص وثورة 1925 التي شارك بها. كما يقفز معدو الفيلم فوق شخصية فوزي القاوقجي الذي يرد ذكره على لسان الشاعر بشكل عابر مع أنه قائد ثورة 1925 في حماة، ثم في القلمون، وبعدها انتقل إلى العراق ليحارب البريطانيين، ثم إلى فلسطين كقائد لجيش الإنقاذ!

ولأن تناول التاريخ في هذا الفيلم سياحي الطابع فلا مانع من إضافة منكهات سياحية من نمط العراضة الحموية، التي تؤديها فرقة متخصصة بإحياء الأفراح والليالي الملاح. وبالطبع فإن تناول التاريخ المقاوم أو الأدب المقاوم أو أي شيء مقاوم بهذا الشكل يصح معه إضافة أي شيء للفيلم، لذلك لم تفوت المخرجة الفرصة فأضافت أداء أوبرالي لأهزوجة شعبية تتغنى بالبطل ابراهيم هنانو بصوت نعمى عمران، وأبداً لن يصلح الأداء الأوبرالي الغربي للأهازيج الشعبية!

وينتج عن كل ذلك فيلم سطحي يتناول التاريخ بشكل سياحي يوهم المشاهد أنه يقدم له وجبة دسمة ذات مذاق مميز مطبوخة على نار هادئة في حين أنه يقدم وجبة همبرغور سريعة التحضير.

أعود لبيت المتنبي الذي لم يفارقني و أنا أشاهد الفيلم. فصناع الفيلم امتلكوا كل مقومات النجاح من إمكانيات مادية و بشرية و جمهور مضمون عبر البث في قناة الجزيرة وخبرة كبيرة عند المخرجة، لكن مع ذلك فشلوا في صناعة فيلم يحمل رؤية جديدة ويضيف شيئاً لمشاهديه لأنهم لم يتعبوا أنفسهم بالتوثيق و تعميق التناول. بل آثروا أن يتكئوا على ضخامة العنوان “أدب المقاومة” وعلى تاريخ المخرجة الشخصي وعلى أهمية قناة البث : الجزيرة، فقاموا بجولة سياحية بالكاميرا على سوريا من الجنوب إلى الغرب إلى الشمال. كما أنهم احتاروا فاحترنا معهم : هل هم يصنعون فيلماً عن شخصيات مقاومة أم عن أدب مقاوم كما قالوا في العنوان ؟ والنتيجة فيلم معد بطريقة إعداد الوجبات السريعة. ويستحق أن يُدرس في دليل يسمى “كيف تصنع فيلماً وثائقيا بدون معلم”.

ذات مرة خاطب معين بسيسو الشعراء الذين كانوا يريدون أن يكتبوا قصائد لفلسطين بالدم بالقول:

– تعلموا كيف تكتبون بالحبر أولاً.