دولة “عَسجم”

د. يحيى القزاز

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1756 )

ٍٍِ “السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصرى أرسلت طلبا شخصيا خلال الفترة الماضية لمكتب وزير الدفاع الاسرائيلى إيهود باراك بهدف ادخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة”، هذا ما ذكرته صحيفة الدستور “القاهرية” بتاريخ 23/12/2008 نقلا عن صحيفة “معاريف” الاسرائيلية. وفى يوم الجمعة 26/12/2008 قرر ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي فتح المعابر مع قطاع غزة مؤقتا لإدخال المساعدات.

قيمة الفعل الإنساني من زوجة مبارك، بدده طلبها من وزير دفاع العدو الصهيوني بالسماح للمساعدات بدخول غزة.

وحسب ما هو معلن ومعروف أن غزة منطقة محررة منذ تركها الصهاينة عام 2005، وأن معبرا مشتركا يربط بين غزة ومصر يسمى معبر رفح بسيناء، وأن مصر دولة مستقلة وليست مستعمرة إسرائيلية تطلب الإذن من إسرائيل في استخدام حقوقها السيادية طبقا للقانون الدولي، وبالتالي فليس من حق زوجة الرئيس مبارك طلب الإذن من وزير دفاع العدو، وكان من الأحرى أن تطلبه من زوجها رئيس الجمهورية أو تأمر وزير داخلية زوجها “حبيب العادلي” بالسماح لقوافل المساعدات بالمرور إلى رفح، وهي واحدة من صناع القرار الثلاثة فى ادارة الدولة (مبارك الاب وجمال الابن وسوزان الام).

لكن هل ما قامت به السيدة سوزان مبارك عملا عفويا بحسن نية أم مقصودا وله مغزى؟

العمل العفوي فيما هو محفوف بالمخاطر يتطلب إلتفافا شعبيا يدفعه إلى غزة وقوى أمنية تحرسه حتى وصوله منتهاه، والتجارب تؤكد أن زوجة مبارك لم تقف مرة واحدة مع محاولة من ثلاث محاولات لقوافل الإغاثة المصرية إلى غزة جميعهم أفشلهم جنود أمن مبارك، وآخرهن سحل أعضاء القافلة الثالة أمام مجلس الدولة قبل عيد الأضحى بيومين، وكان بإمكانها أن تأمر خفير الداخلية جلاد مصر بلا منازع “حبيب العادلي” أن يتوقف عن سحل الناشطين ويسمح لقوافل الإغاثة أن تمر إلى رفح لكنها لم تفعل. إذن ففعلها مقصود وله مغزى، يتسم بالمزايدة على قوافل الشعب المصري التي لم تصل، وتقر بحق العدو الصهيوني في إدارة مصر الدولة وحقه في السيادة عليها، واعتبار مصر حديقة خلفية لإسرائيل، وأن مبارك ونظامه وأسرته ما هم إلا خفر خدم للمصالح الصهيونية، وجنود حراسة على سجن قطاع غزة وحصاره، وإدخال المساعدات بأوامر العدو الصهيوني كما يفعل جنود حراسة السجن مع المسجونين. تنتفي صفة النية الحسنة، ويبقى الهدف الخفي: إظهار الولاء للكيان الصهيوني والتماهي معه والتبرأ من تهمة الانحياز للشعب المصري، والثمن الاعتراف بالنجل الوريث رئيسا وقت اللزوم.

وحيث أن الدستور لا يقر أي دور لزوجة الرئيس في إدارة الدولة، وباعتبارها مواطنة مصرية (المفترض كذلك)، وأن الشعب المصري يرفض التطبيع مع إسرائيل، فمحاكمتها واجبة، بتهمة الخيانة العظمى، ألم تسجن مصر “الفيلالي” بتهمة التجسس لصالح إسرائيل في زمن إتفاقية كامب ديفيد، وما انطبق على الفيلالي ينطبق على سوزان مبارك، لكننا في زمن اختلطت فيه إدارة الدولة مع إدارة المنزل، وكما تشارك الأسرة ربها في إدارة البيت، تشارك أسرة الرئيس في إدارة الدولة، ومنذ أن تولى مبارك الرئاسة خصخص الدولة لصالحه، وتلاشت الحدود بين الدولة والمنزل، وغير الاسم من جمهورية مصر العربية إلى دولة “عسجم”، ولو حُذف حرف السين لصارت دولة ال “عَجَم” للتغريب وابتعادها عن العرب. “عسجم” مشتق من الأحرف الأولى من أسماء علاء وسوزان وجمال ومبارك، فمتى نسترد مصر ونزيل “عسجم”؟

صوت الأمة 29/12/2008