العرب… و”خنزير” نتنياهو على مائدة أوباما!

عبد اللطيف مهنا

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1935)

“لقد خاب أملي لأنني أتخذت خطوة ليست بسهلة… لقد فتحت الباب أمام السلام… وكنت أتوقع رداً أفضل”!!!

هذا الكلام هو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جاء بعد خطاب جامعة بار إبلان في تل أبيب، الذي رد فيه على خطاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في جامعة القاهرة. خطاب الأخير كان محطة في حملة علاقات عامة ترويجية موجهة إلى العالمين العربي والإسلامي، تأتي في سياق محاولات الإدارة الأمريكية الراهنة تحسين صورتها البشعة التي كشفت الإدارة السابقة باقي ما خفي من قبحها. أما خطاب نتنياهو، فكان ترجمة تتسم بأعلى درجات الوضوح للرؤية الإسرائيلية للحل المطلوب فرضه على العرب كمحطة أخيرة لتصفية القضية الفلسطينية. الحركة الأمريكية اللاحقة بدت فيها إشارات إلى بدايات انسحاب ديبلوماسي منظم ينأى بالإدارة الأوبامية شيئاً فشيئاً عن ما حاول عرب الاعتدال إيهام النفس قبل الآخرين بما أوحى به الخطاب الأوبامي من بوارق وعود سلامية ، مرتجاة عندهم، أو من مأمول خلافات بين الحليفين تدفع باتجاه ضغط ما أمريكي على إسرائيل لمجرد تليين اشتراطات سلامهاالمطلوب فرضه على العرب.

أما الحركة الإسرائيلية، فهي في دورانها تحصد إجماعاً داخلياً قل نظيره، لا تقلل منه شذرات من انتقادات شحيحة وغير ذات قيمة من أصوات هامشية هنا وهناك ترددت في بعض الأوساط المسماة باليسار، ولا تزيد منه أخرى جاءت معاكسة من أقصى اليمين… كان إجماعاً على تأييد سلام نتنياهو التصفوي للقضية الفلسطينية المعروض.

ثلثا الإسرائيليين يؤيدون رؤيته هذه، وشعبيته بعد خطابه هذا تضاعفت تقريباً، و هذه الإحصائيات إسرائيلية. ويكفي أن منافسته العتيدة على رئاسة الحكومة قبل أن ينجح في تشكيلها، زعيمة الحزب المعارض الأكبر من على يساره “كديما” تسيبي ليفني، قد عقبت على خطابه: لقد “خطى نتنياهو اليوم خطوة بالتجاه الصحيح”!

ما هي هذه الخطوة التي استحقت ما يمكن وصفه باجماع صهيوني عليها؟؟

الطريف أن الجواب هو حاضر لدى من هم على يمينه من غلاة اليمين و من يعارضون حتى سلامه هذا المطلوب فرضه، وخير ما عبر عن لسان حال هؤلاء هو عضو الكنيست أرييه الداد، الذي قال: “يحاول نتنياهو أكل خنزير تم ذبحه بصورة شرعية. لكن لا توجد بهيمة كهذه”!!!

وهنا، والشيء بالشيء يذكر، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن مجرد ما أريد له أن يوحي به خطاب أوباما التسويقي الموجه للعرب و المسلمين من إيهامات تعرضنا لها آنفاً، قد استحق من جمهور الداد رفع لافتات في الشوارع تقول: “باراك حسين أوباما معاد للسامية ويكره اليهود”… إلى جانب ملصقات للرئيس الأمريكي معتمراً الكوفية والعقال العربيين!

والآن، ما هو صنف خنزير نتنياهو هذا؟!

قبل أن يعيد طرح لاءاته المعروفة قبل وصوله إلى السلطة مجدداً على كل من يهمه الأمر، كاد، وهو أوضح من يقود راهناً دفة التوجهات السياسة الإسرائيلية و الأكثر تعبيراً عنها، أن يطالب الفلسطينيين الذين حملهم مسؤولية نكبتهم، والذين غدت مقاومتهم للآحتلال دولياً وبعض عربيا نوعاً من الإرهاب، أن يعتذروا لمغتصب وطنهم و مشردهم عن ديارهم، وحتى طلب الغفران من مرتكب جريمة جرائم العصر بحقهم، و إبداء الندم و طلب العفو منه على تجشيمه عناء ما ارتكبه و كلفه اغتصابه ومشقة احتلال وطنهم وطردهم منه، ومن العرب التعويض على كل ذلك… أما اللاءات فهي:

لا لاتقبل التأويل أو التشكيك لحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم إثر النكبة. وأخرى لمجرد التفكير في مجرد التفاوض حول إعادة القدس إلى أهلها، أو العودة عن ضمها وتهويدها أو عن اعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل. و ثالثة، لإيقاف التهويد أو ما يعرف بالاستيطان وتوسعته، وإنما دون مصادرة أراض جديدة هي عملياً لا توجد، لأنه لم يتبقى منها ما يصادر ليهوّد خارج المعتقلات أو الكانتونات أو البانتوستانات أو التجمعات السكانية الفلسطينية المعاصرة المكتظة. هذا فلسطينياً، أما عربياً، فهنا لا واضحة وضوح نتنياهو وليبرمان و ثلثي الإسرائيليين. لا نهائية لكل المبادرات السلمية العربية في شخص المبادرة المرفوضة لحظة إطلاقها في قمة بيروت، والتي يصر أصحابها على عدم دفن رميم عظامها حتى بعد خطاب بار إيلان!

باختصار، طرح نتنياهو نيابة عن ثلثي الإسرائيليين اشتراطاته السلامية التي تعيد فلسطينيي وعرب التسوية إلى ما قبل “المسيرة السلمية” البائسة و اتفاقاتها الكارثية، أو كل ما تبرعوا به من تنازلات لعدوهم. و مقابل، ماذا؟

تكرّمه بفتح “باب السلام”، وتضحيته من أجل ولوجه متنازلاً باريحية عن بقاع غير محددة بعد من الأرض التوراتية من أجل عيون ذلك السلام… تكرّم بما يلي:

شيء من الحكم الذاتي، أو الإدارة الذاتية، و ليسمى “دولة” فلسطينية، أو حتى إمبراطورية، منزوعة السلاح والسيادة… حدوداً و مياهاً وأجواء و موارد… أو هي رهن الإعتقال، أو الأقرب إلى البلدية التي تدير شؤونها، لكي تعفي الاحتلال عناء وكلفة الاحتلال المباشر، والقيام بوظيفة أمنية، أو الوظيفة التي أكد عليها عرض نتنياهو ورسم دايتون خطوطها سلفاً، في خدمة هذا الاحتلال… وزاد، فتكرّم على الفلسطينيين والعرب والمسلمين فكفل لهم حرية العبادة في مقدساتهم المقدسية لا أكثر!

عرض نتنياهو هذا أو اشتراطاته لا تكتمل إلا بشرطين آخرين هما: وضع الفلسطينيين قيد الاختبار، أو اثبات الجدارة والأهلية، قبل البدء في مناقشة سلامه معهم، والتطبيع الكامل مع العرب… ومن الطرفين معاً الاعتراف الواضح والصريح والجامع المانع بيهودية الدولة، وبالتالي القبول ضمناً و سلفاً بما يترتب على هذه اليهودية من تسويغ تنفيذ مخططات الترانسفير لفلسطينيي المحتل عام 1984… وأخيراً، حثهم على التحالف معه ضد العدو الفارسي!!!

مارك ريغيف المتحدث باسم حكومة نتنياهو، يقول: “إن الكرة نزلت أرض الملعب الآن”… ومستعدون لاستئناف الحوار فوراً ومن دون أي شروط!!!

… والناطق الرسمي باسم البيت الأبيض علق فوراً: إن الرئيس أوباما “يرحب بالخطوة المهمة إلى الأمام في كلمة رئيس الوزراء نتنياهو”. والأوروبيون كسالف العادة فعلوا المثل، أما عرب السلام خياراً استراتيجياً وحيداً فقد صمتوا تقريباً… صمتهم أو عدم ترحيبهم بالصوت الملآن هو ما خيب أمل نتنياهو… والإسرائيليون الآن، يتحدثون عن “مرونة” أمريكية حيال الخلاف المزعوم مع الأمريكان حول مسألة غدت وحيدة هي استمرار عملية التهويد أو توسعة الاستيطان، و يعربون عن تفاؤلهم ب “إيجاد سبيل لتحديد المستوطنات التي سيتم السماح ببنائها”!

وأخيراً، قال ميتشل: إن الإدارة الأمريكية ستعلن قريباً رؤيتها للسلام “في أسرع وقت ممكن… أسابيع و ليس أشهراً”… المبادرون العرب يصمتون، و الأمريكان والغرب يرحبون، و رام الله ربما تنتظر وعد نتنياهو… هل هناك شيء ما يطبخ؟!

لعله خنزير نتنياهو الذي قد يقدمه ميتشل قريباً لجوعى السلام العرب على مائدة أوباما… وفي أسرع وقت ممكن؟!!