الولايات المتحدة وفلسطينيوها

لا تكذب السلطة إلا على جمهور (قطيع)

د. عادل سمارة

أينما كانت هناك سلطة/دولة كلما ترافق مع وجودها قمع وتلاعب واستخدام واستغلال فريق لآخر حتى الرمق الأخير ولا ندم. هذا حال عالم راس المال رغم بلاغة ومبالغة أدواته وأذياله ومريديه بالطبع.

قبل ايام فقط، صدر عن قنصلية الولايات المتحدة بالقدس “لوم” للكيان الصهيوني على رجم الفلسطينيين حاملي الجنسية الأميركية بمنعهم عن الدخول من المعابر إلى الأرض المحتلة 1948 حيث تحيلهم إلى جسر اللنبي للدخول مباشرة إلى الضفة الغربية (المحتلة- ع.س) مباشرة. وزعمت القنصلية أن جوازات سفر هؤلاء تُدمغ بخاتم حق السفر فقط إلى المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. وبالطبع، لا توجد مناطق تسيطر عليها هذه السلطة بشكل فعلي (أنظر أدناه قول الأميركيين أنفسهم)، ومع ذلك لا أحد يعترض ويكشف الكذب الدبلوماسي للقنصل العام؟

بدورها قالت سابين حداد، عن الحكومة الإسرائيلية، أن مختلف الفلسطينيين محظور عليهم دخول إسرائيل بغض النظر عن اية جنسية يحملون، فطالما يقيمون في “المناطق الفلسطينية” فإننا نعتبرهم مقيمون محليون.

لعل الأهم ان هذه السيدة لم تُبالِ بكشف أكاذيب القنصل الأميركي العام. فهي لم تحصر التقييدات السيئة في اللحظة بل كشفت أنها مطبقة منذ عام 2003. ولذلك يكون السؤال: أين كان القنصل والقنصلية كل هذا الوقت؟ وبالطبع القنصلية الأميركية تعرف ما تريد وتتجاهل ما لا تريد. فالقنصلة الثقافية الأميركية قامت قبل عامين باحتضان معرض لمجموعة من الفنانين التطبعيين المحليين في بيتها، فلا عجب إذن أن يعرف القنصل عن مشكلة تمس عشرات آلاف الأميركيين في الضفة والقطاع!

لو قيل إنهم لم يسمعوا، ليس صحيحاً. فالمعاملة المُهينة موجودة حتى قبل عام 2003. ولذا، فالسيدة، لم تَصْدُق كذلك. فهي لم تكشف الحقيقة الأكثر وضوحاً وهي أن سلطة الكيان قررت في أعقاب فوز حماس في الانتخابات بأن تمنع الفلسطينيين حاملي الجنسيات الأجنبية من الدخول إلى المناطق المحتلة. وبدأ ذلك منذ أيار 2006، وكان الهدف منها هو:

□ الهدف الصهيوني الدائم بالرغبة والقرار بعدم رؤية اي إنسان غير يهودي من زيارة فلسطين، ولا حتى النظر إلى خريطتها.

□ وإشعار أهل الأرض المحتلة أن انتخاب حماس جاء بالكوارث وهذه إحداها.

لمست هذه السياسة العنصرية يوم 22 ايار 2006 حين مُنعت عناية زوجتي، التي تحمل الجنسية الأميركية، ولم تحصل على بطاقة هوية محلية، مُنعت من العودة عن جسر اللنبي دون إبداء الأسباب. وخلنا آنذاك أن الأمر ضد اسرتنا، لنكتشف أنها سياسة مضايقة جديدة.

أما بشأن علم القنصلية الأميركية فقد كتبتُ لهم عدة رسائل إلكترونية وإشعار وإخبار واحتجاج، ولكن لا حياة لمن تنادي. (كانت أولاها يوم 29 ايار 2006). وإثر ذلك بدأت بتشكيل لجنة للاحتجاج، وتوسعت لاحقاً. ولتوضيح علم القنصلية بالأمر اتصل بي ذات يوم شخص اسمه محمد الحسيني يعمل في القنصلية الإميركية بالقدس، وقال سمعت عن لجنة الاحتجاج، فهل يمكن لي حضور الجلسات؟ قلت له طبعاً، لكنه لم ياتِ، ولم يرد على رسائلي إليه التي سألته فيها لماذا لم يأتِ!

والحقيقة أن الاحتلال منع كثيراً حتى من غير الفلسطينيين، وليس ذلك من قبيل “المساواة في المعاملة” بل من قبيل كره قدوم اي بشر إلى الأرض المحتلة.

ومع ذلك تقول السيدة حداد أن التغيير هو قيام سلطات الاحتلال بختم جواز السفر للزوار بدل وضع تأشيرة الدخول على ورقة خارجية. وهذا غير صحيح بمعنى أن وضع الخاتم على الجواز حصل كثيراً كما أعلم من زوجتي منذ عام 1975 حين اتت للمرة الأولى. واستمرت زوجتي في المغادرة والعودة كل ثلاثة اشهر لتجديد إقامتها هنا في الوطن وكانت لها 128 رحلة إجبارية إلى الأردن، الولايات المتحدة، بريطانيا مصر قبرص، فرنسا. وليست هي الوحيدة التي عوملت بهذا العسف والقسر اللامسبوق من أي تظام في العالم.

لعل أطرف ما في اللعبة أن ناطقا باسم القنصلية الأميركية (إيان كيلي) قال: “لقد أوضحنا للحكومة الإسرائيلية أننا نحتج وسنواصل الاحتجاج كي يعاملوا كافة المواطنين الأميركيين بنفس الطريقة بغض النظر عن أصلهم القومي”.

لو كان هذا حقاً، لتم تطبيقه منذ عشرات السنين. أما زعم المعرفة المتأخرة هكذا بالأمر فهو أمر لا يليق بقنصلية حتى لو تابعة لمشيخة نفطية.

والأكثر طرافة أن القنصلية الأميركية قد وضعت في صفحتها الإلكترونية : “نصيحة للفلسطينيين الأميركيين الذين يجدوا أنفسهم محاصرين في الضفة الغربية بأن السلطات الفلسطينية لا حول ولا قوة لمساعدتهم…وأن مكتب الارتباط الإسرائيلي وحده القادر على المساعدة، ونادراً ما يفعل”.

وهكذا، فالسلطة الفلسطينية لا تملك من أمرها شيئاً والقنصلية الإمبراطورية تحتج فقط، وستستمر في الاحتجاج. ممتاز!

كما اشرت أعلاه، بادرت بتشكيل لجنة لهؤلاء المضطهَدين، ولاحقاً انضم إليها كثيرون واعطيناها تسمية “حقي في الدخول مجدداً” My right to re-enter- myrto. وهذه اللجنة ما تزال تتابع أمور حاملي الجنسيات الأجنبية وما يتعرضون له من معاناة.

وبودي أن أسجل هنا الملاحظات التالية:

أولاً: كانت هناك جمعية باسم جمعية الفلسطينيين الأميركيين التي يُفترض انها لخدمة هؤلاء الناس. وحين بدأت تشكيل لجنة الاحتجاج، فوجئت أن الجمعية شبه مشلولة، ولم تكن لدى كثير من أعضاء هيئتها الإدارية الجرأة على الاحتجاج، ولاحقا سافر رئيسها إلى أميركا وعاد بعد سنتين.

ثانياً: حصل اجتماع في قاعة بلدية البيرة كما اذكر عام 2004 وطرحت مسألة منع حاملي الجنسية الأميركية من السفر والعودة عبر مطار اللد (بن غوريون) وتسابق العرب الأميركيون على الصراخ حينها. وقد اقترحت عليهم أن نقيم دعوى على القنصلية الأميركية التي لا تخدم رعاياها كما يجب، وكان ذلك بحضور المحامي جوناثان كُتاب، ذي العلاقة بشؤون هؤلاء الناس، واقترحت أن أقيم الدعوى أنا نفسي، ولكن الجمهور لم يجرؤ على ذلك، علماً بأن الأمر ليس سوى درجة من حق المواطن في ذلك البلد الذي يعتبر نفسه موئل حقوق الإنسان، وهو بالطبع خارقها وحارقها!

لا يمكن للقنصلية أميركية أو غير اميركية أن تضغط على الكيان حين تكون الرعايا جبانة إلى هذا الحد. ولا أنسى أن كثيراً من القناصل الذين قابلناهم أثناء علاقتي باللجنة المذكورة كانوا يجيبون ( هذه إسرائيل This is Israel) . فما لزوم القنصلية إذا كانت تعتبر إسرائيل مكان الله! وبالطبع لم ينفع معهم أن إسرائيل كيان احتلال.

تجدر الإشارة أن اللجنة المذكورة ضمت لاحقاً اشخاصا من الجنسين ممن يعتبرون التطبيع مع الكيان أمراً عادياً، ولذا، فتحوا خطوط اتصال ولقاءات مع صهاينة يزعمون أنهم حريصون على حقوق الإنسان، وكان هذا سبب خروجي من هذه اللجنة، التي ما تزال تضم أناساً بسطاء إلى جانب غيرهم.