في يوم مناهضة العنف ضد المرأة: إرفعوا الحيف عن نساء بلدي

د. مية الرحبي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2085 )
أذكر عندما كنت صغيرة كيف كانت والدتي تباهي أمام زوجات الدبلوماسيين العرب الأخريات بالمكانة التي حققتها المرأة السورية، وخاصة على الصعيد القانوني، فسورية من أوائل الدول العربية التي نالت المرأة فيها حق الترشيح والانتخاب، النساء السوريات كن يشاركن في نشاطات الأحزاب السياسية، والمظاهرات، والمناسبات الوطنية، والدفاع عن الوطن في الأزمات. كانت تباهي بالقانون المدني الذي منح المرأة حقوقا مساوية للرجل، وقانون الأحوال الشخصية الذي كان متطورا آنذاك عن أمثاله في جميع الدول العربية، كانت تستغرب حديث النسوة عن ما يسمى ببيت الطاعة أو رفض الرجل تطليق زوجته وتركها غير معلقة أو مطلقة لسنوات، فذلك ما لم يقره العرف القانوني السوري في يوم من الأيام.

كانت والدتي تباهي بارتياد النساء السوريات للجامعات وعملهن في مختلف المجالات، مشاركتهن في المناسبات الاجتماعية المختلفة جنبا إلى جنب مع الرجل، بنشاطهن في الجمعيات النسائية التي تكاثرت في الخمسينات في جميع المحافظات السورية رافعة شعارات تحرير المرأة وتمكينها. تباهي بالطبيبات والمهندسات والمحاميات والقاضيات، في وقت كانت المرأة فيه في أغلب الدول العربية سجينة أقبية الجهل والتخلف.

ما الذي حدث اليوم؟

كيف وصلت المرأة في سورية إلى مرحلة تلهث فيها وراء أي مكسب قانوني أو مجتمعي تسمع أن المرأة في إحدى الدول العربية حصلت عليه، كيف وصلنا إلى مرحلة نتمنى فيها أن نواكب تغيرات قوانين الأحوال الشخصية لصالح المرأة في تونس والمغرب والجزائر، بل في دول الجوار كالأردن. كيف وصلنا إلى مرحلة تطالعنا فيها كل يوم وسائل الإعلام بمكسب جديد تحققه المرأة في دولة عربية ما، وتطالعنا التسريبات الإعلامية بمشاريع قوانين للأحوال الشخصية في سورية أكثر تخلفا من القانون الحالي.

كيف وصلنا إلى مرحلة نسمع فيها تراجع سورية في التصنيف العالمي للفجوة بين الذكور والإناث خلال السنوات الأخيرة( حسب التقرير الأخير الذي صدر الشهر الماضي عن المنتدى الاقتصادي العالمي) بينما تتقدم السعودية ودول خليجية أخرى في هذا المجال؟

كيف وصلنا إلى مرحلة يثير فيها استبيان أجرته جمعية نسائية عن قانون الأحوال الشخصية رجال الدين، فيقفون على منابر الجوامع، ويهاجمون النساء المطالبات بتغيير المواد القانونية التمييزية ضد المرأة، ويصفوهن في وسائل الإعلام بالسفيهات، بل يتهموهن بالعمالة لأمريكا؟؟؟ وكيف يصل الأمر بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى حل هذه الجمعية إرضاء للحملة التي شنها رجال الدين؟

كيف يصل بنا الأمر، بعد ستين عاما من المطالبات المستمرة بتغيير قانون الأحوال الشخصية، ومواده المجحفة بحق المرأة، إلى صدور مشروع قانون يقر مبدأ الحسبة، وحد القذف، ويميز بين المواطنين على أساس الجنس والدين، ويعيدنا قرونا إلى الوراء؟ ثم بعد أن ثارت فئات كبيرة من المواطنين ضد هذا المشروع، يطلعون علينا بمشروع جديد لا يختلف من حيث الجوهر عن القانون الحالي، إن لم يكن، في بعض مواده، أكثر تخلفا.

لن يستقيم الأمر في بلدنا ووطننا ومجتمعنا إن لم نضع حدا لهذا التدهور الذي يطال نصف المجتمع، بل كله، والخطوة الأولى في ذلك وجود إرادة حقيقية لانتشال النساء من العنف القانوني المطبق عليهن، والعمل على تشجيع مشاركة المرأة في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

إننا ندعو في يوم مناهضة العنف ضد المرأة إلى مناهضة جميع أشكال العنف ضدها سواء كان عنفا قانونيا أم مجتمعيا أم اقتصاديا، تطبيقا لنص المادة 25 من دستور الجمهورية العربية السورية، وإلى مساهمتها الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما تنص على ذلك المادة 45 من الدستور، وتشجيع تنظيم الطاقات النسائية في جمعيات فعالة، بإقرار قانون عصري للجمعيات، والترخيص للجمعيات النسائية التنموية.

والخطوة الأولى في ذلك هي في تغيير جميع القوانين التمييزية ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات، و إصدار قانون أسرة بديل، يضمن حقوق جميع أفراد الأسرة، يتوافق مع دستور الجمهورية العربية السورية الذي يساوي بين المواطنين جميعا، ولا يتعارض مع القوانين الأخرى كالقانون المدني وقانون العمل، اللذان يعطيان المرأة حقوق المواطنة الكاملة. قانون لا يتعارض مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سورية، قانون يقوم على العدل والمساواة بين البشر، وذلك هو جوهر الشريعة الإسلامية ومقاصدها العادلة.

فليست الشريعة الإسلامية هي العائق أمام تطبيق مثل هذا القانون بل هي العقلية الذكورية التي قبلت بتغيير حدود القتل والسرقة في القانون ولا تقبل بتغيير مادة واحدة من المواد القانونية المجحفة بحق المرأة. ولن يتحقق ذلك على ارض الواقع، إلا بإشراك جميع فئات وشرائح المجتمع، مع المؤسسات الحكومية في صياغة مشروع القانون هذا، وبخاصة الناشطين والناشطات، المدافعين والمدافعات عن حقوق المرأة، المؤمنين بحقها في المواطنة الكاملة واعتبارها قانونيا واجتماعيا مواطنا كامل الحقوق والواجبات.
كما أن تعاون الجمعيات الداعمة لقضايا المرأة مع المؤسسات الحكومية هو الطريق لتغيير الثقافة النمطية السائدة، التي تضع المرأة مع الأطفال في مكانة دنيا من درجات المجتمع، وهو الطريق للقضاء على العادات والتقاليد البالية، وتشجيع عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة التي تنطوي على مفاهيم العدالة والشهامة والمروءة ونصرة الضعيف.

ليس دفاعنا هنا عن حقوق المرأة ناجم عن قناعتنا بحق أي مواطن بالعيش بكرامة وحرية ومساواة في بلده فحسب، بل من قناعتنا أيضا بأن النهوض بمجتمعاتنا والسير بها في دروب التنمية لا يمكن أن يتم إلا بالنهوض بنصفها المعطل، وذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على سيادتنا واستقلالنا، والوقوف ضد المخططات الخارجية الهادفة إلى الاستيلاء على مقدراتنا وثرواتنا، وتفتيت مجتمعاتنا، والسيطرة على شعوبنا، وهو السبيل الوحيد لبقائنا أعزاء أحرار، نمتلك مصيرنا بأيدينا.

:::::

“كلنا شركاء”، سوريا، 23/11/2009