المظاهر السياسية للأقتصاد الريعي

ذياب فهد الطائي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2117 )

الريع، لغة تعني النماء والزيادة، ويقال ارض مريعة (بوزن مبيعة ) أي مخصبة، وريعان كل شيء أوله ومنه ريعان الشباب، وفرس رائع أي جواد.

والريع( بالكسر ) المرتفع من الارض وقيل الجبل، ومنه قوله تعالى:أتبنون بكل ريع آية تعبثون، ( ذكره الرازي في مختار الصحاح،المكتبة التجارية /مكة المكرمة/بدون تاريخ /ص135 ).

واول من استعمل هذا المصطلح باعتباره شكلا من اشكال المردود المالي هو آدم سميث في كتابه (ثروة الأمم ) ولكن اول من استعمله كنمط اقتصادي هو كارل ماركس في كتابه التحليلي الكبير (رأس المال ) حين قال: في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية، أما في التشكيلات الأجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الانتاج.

لقد لاحظ ماركس ان الاقتصاد البريطاني يعتمد على الفحم الحجري الذي تنتجه المستعمرات، وان هذا النمط من الاقتصاد يؤدي حتما الى ضعف الدولة ازاء التحولات و التحديات التي قد تواجهها.

ان الريع أو اقتصاد الريع يعني اعتماد الدولة على مصدر مما تنتجه الارض من ثروات كالنفط مثلا ولهذا فان اقتصاد تلك الدولة يكون عادة رخوا ويعتمد على المبادلات وينتج مجتمعا استهلاكيا يسيطر فيه قطاع الاستيراد ولا يهتم بالصناعات التحولية وربما نجد في اقتصاديات البلدان العربية عموما نموذجا لهذا النمط من الاقتصاد الذي يتميز سياسيا بما يلي:

1- ان الطبقة السياسية الحاكمة من عائلة واحدة تمتد افقيا وان العلاقات الاجتماعية تعتمد على القرابة التي تفرض نفسها في اختيار كبار موظفي الدولة ومساعديهم.

2- ان الدولة بشكلها الاداري هي دولة مركزية تميل الى البيروقراطية وتتقاطع مع الديمقراطية بسبب من ان القوى الاجتماعية المسيطرة على القرار الاقتصادي والسياسي هي قوى متخلفة وقد تعتمد (في بعض الدول ) شكلا مائعا من اشكال ما يسمى بالديمقراطية ذات المواصفات الخاصة، وهذا ما تستلزمه التغيرات في المسار السياسي العالمي ومحاولة اجراء تعديلات في ديكور الحكم وليس في بنيته السياسة،ومن اشكال التطبيقات السياسية لهذه الديمقراطية، عمليات الاستفتاء الشعبي المخطط لنتائجها جيدا والتي تستعيد اجراءات البيعة للحاكم في العصور القديمة (عادة ماتكون النتائج فوق 90%).

3- الدولة في الاقتصاد الريعي عادة ما تكون ثرية بما تملكه من سيولة نقدية ولكن هذا الثراء لاينعكس بشكل متوازن على شرائح المجتمع المختلفة،ويعود هذا الى سوء توزيع الدخل القومي.كما يرتبط اقتصاد البلدان ذات الاقتصاد الريعي بالأزمات الاقتصادية العالمية ارتباطا وثيقا لأعتماد مواردها المالية على العائدات الريعية. وهذا الارتباط يتمثل بشكل أساسي بما يلي:

ـ الطلب على المادة الريعية (النفط، الغاز، الذهب،…. الخ) وأسعارها وإمكانية تصديرها، وهذا يعني ان الاقتصاد الريعي تنعكس عليه آثار التذبذب في اسعار المادة الريعية على نحو مباشر.

ـ سعر صرف الدولار الذي يشكل عملة مبادلة عائدات المصدر الريعي، بمعنى ان انخفاض سعر صرف الدولار (المستمر ) أمام العملات الأخرى كالين واليورو والأسترليني سينعكس سلبا على حجم العائدات قياسا الى اسعار الاستيراد من دول تلك العملات.

ـ التجارة الخارجية،وهذ يعني ان التجارة الخارجية التي تعتمد على الاستيراد ستتأثر في النهاية بنتائج العاملين المشار اليهما اعلاه.

4- بسبب ارتفاع معدلات الصرف على السلع الكمالية وانتشار ثقافة انتهاز الفرص والبحث عن الربح السريع والتفاخر الاجتماعي فان الاقتصاد يتجه نحو قطاعي العقارات والخدمات، وازدراء الكسب المبني على العمل المنتج، ومثل هذه المواصفات تشجع على انتشار الفساد بكل صوره في بنية المجتمع الريعي.

5- عدم توفر الفرص لتراكم رأس المال والتوجه بدلا من ذلك الى الاكتناز الذي يقود الى استمرارسيطرة اصحاب الاموال على التحكم بالثروة الوطنية والمال العام.

6- انخفاض الانفاق على البحث العلمي والتقني وعلى سبيل المثال فان الدول العربية تنفق 02% من موازناتها السنوية على هذا البحث، وإذا ما قورنت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في مصر على سبيل المثال كأحدى الدول الرائدة في الوطن العربي مع المتوسطات العالمية نجد أنها تصل إلى حوالي 1% تقريباً. وهي نسبة تقل بكثير عن المتوسط العام للإنفاق على البحث العلمي في العالم. ومن الملاحظات ذات المغزى أن ميزانية جامعة “هارفرد” الأمريكية للبحث العلمي تعادل ما تنفقه الدول العربية مجتمعة.

7- ارتباط الاقتصاد الريعي سياسيا بالدول الرأسمالية الكبرى وتحويل الدولة الريعية الى تابع يدور في فلك تلك الدول،ومن الواضح ان الهدف الذي تسعى اليه الدولة الريعية من استمرار العمل على تمتين علاقات التبعية مع الدول الكبرى يهدف الى ضمان حماية خارجية لبقائها في السلطة من اية توجهات عملية لتغيير نظام الحكم وتغيير التركيبة الاجتماعية.

8- ان الأقتصاد الريعي، ينتج سلوكا سياسيا في الدولة الريعية مبنيا على تعميق النعرات العشائرية والطائفية، بهدف تعميق الخلافات داخل المجتمع مما يسهل السيطرة على تحركاته،كما انها، اي الدولة، تعتمد على استخدام ميليشيات مسلحة تعمل تحت واجهات متنوعة، كالطلائع والعناصر الحزبية المختارة، والجيش الشعبي، واللجان الثورية…. الخ.

من كل ما تقدم تتوضح لنا صورة معقدة لأقتصاديات البلدان الريعيه، والحديث عن اصلاحات في هياكل الأقتصاد الوطني بالعمل على تنويع مصادر الدخل، أمر بالغ الصعوبة ان لم يكن متعذرا في بعض البلدان الريعية، لأنه يستلزم اصلاحا سياسيا شاملا ليس من السهل القيام به لأنه يفترض بالضرورة تغييرا جذريا في شكل الحكم وهذا ما لاتسمح به القيادات السياسية المسيطرة والتي تحتكر الاستيلاء على الريع وتتحكم بتوزيعه وبالتالي تبني سلطتها السياسية

ويرى بعض الاقتصاديين ان الاقتصاد الريعي( لا ينجم عن محض وجود الريع، بل هو تفضيل سياسي لأطقم حكم، تستخدم الريع لحيازة أو ترسيخ موقع امتيازي في تحريك الموارد وتوزيعها وصنع الولاءات. لذلك حتى دول عربية لا تتمتع بريع استخراجي مهم تحولت دولا ريعية عن طريق تتجير موقعها في الاستقطابات الدولية أو تأجير سياساتها ومواقفها للقادرين على الدفع و/أو الحماية. ذلك أن دول الريع السياسي تجنح نحو تعميم الفساد في مجتمعاتها، أي رعاية نظام ريع سياسي داخلي، تغدو فيه السلطة موضوعا للتتجير والتأجير، ما يقتضي حراسة هذا الأصل بعنف هائل كيلا ينضب.)

إن السلطة السياسية في بلدان الأقتصاد الريعي لا تسمح بتغيير موازين القوى الاجتماعية لمصلحة قيم مجتمع العمل والإنتاج والعلم على حساب مجتمع السلطة والعائلة. ومن هنا فان المجتمعات في الدول الريعية عادة ما تكون مأزومة وتهيء الفرصة لكبار الضباط في الجيش بالاستيلاء على الحكم لا من أجل اصلاحه وتطويرة بما يخدم عصرنة الدولة والمجتمع بل للسيطرة على المال العام واعادة توزيع الثروة على مجموعات جديدة ترتبط بهم قرابة وولاء.