لا تحتاج السنة… إلى رأس: باقة مقاومة إلى الرفيق احمد حسين

د. عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2118 )

هل حقا يستحق هذا اليوم كل هذا الشحن والانفعال وهذا اللقب؟ أم لأن الناس تبحث عما تُشاغل نفسها به للحظات كل عن اهتمامه؟

هل هي لحظة هروب ولجوء إلى تقطيع الوقت؟

ولكن، من قال إن التاريخ يقبل بهذا، ويعطي هذا اليوم، وليس غيره، صفة الرأس!

هل يمكن تلخيص التاريخ في يوم؟

إن كان هذا ما يحصل فلا بد من تخليص التاريخ من هذا اليوم الغاصب. واأسفاه، تخليص التاريخ من يوم. ولكن لِمَ لا، ألا نقاتل لتخليص أمة من زمرة أو طبقة! هل تقليد راس السنة كتقليد: السيدة الأولى، ملكة الجمال، (حتى للحكم الذاتي ملكة جمال…جمال الاحتلال)، ويوم المرأة، ويوم الطفل ويوم الحيوان، ولا يوم للإنسان!

إنما، هل يجوز التأريخ بيوم آتٍ، حتى لو كان على العتبة؟ كيف نُسوِّده علينا ولمَّا يأت بعد؟ أهو ولي عهد عربي؟ أليس هذا التسويد وهذا التيمُّن مثابة تطامناً مع الزمن كما هو مع الحاكم! ما يؤرَّخ به وله هو ما حدث فعلاً. ما هو آت، هو قيد تنبؤ اجتماعي على الأقل. فالحركة الاجتماعية ليست محل قياس كالحركات الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية. لأن الحركة الاجتماعية من صنع الناس، ولا يدري أحد متى يتحركون في الاتجاه المختلف.

عشية الثورة الإيرانية كتب المحاضر الإنجليزي فريد هاليداي، أن نظام الشاه في استقرار لا نظير ولا سابق به، وكان ما كان. وعشية الانتفاضة الأولى كتب الصهيوني ميرون بنفنستي، بأن الساعة وصلت الدقائق الخمس قبل الثانية عشرة ليلاً، وأن الصبح المقبل لا رادَّ له، بان الفلسطينيين قرروا الذوبان في الكيان الصهيوني، ثم كانت الانتفاضة. لكن هذا الصهيوني العتيق كمن كان قد تلقى وعداً بأن عرباً فلسطينيين كثرٌ سوف يتصهينون ويطبِّعون ويهرولون. فطوبى لمن رفض، وطوبى لمن حسم. وطوبى لمن ذاق مرارة القمع والسقوط، فلم يتطامن،وظل محاطاً بوجع المرحلة يكتب عنها بالحنظل والعلقم، هو أحمد حسين.

لو قرأنا الماضي لما وجدنا اي ذكر لرأس أية سنة خلت. بل لوجدنا راسها ومؤخرتها سيان أو مندغمين. ما سجله التاريخ مثلاً: يوم ذي قار، ثورة الزنج، القرامطة، سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني، سقوط فاروق، انتصار الجزائر، كميونة باريس ثورة البلاشفة. وابعد من هذا، لقد سجل قيام أل (سي.آي إيه) بقطع كفَّي تشي جيفارا، وسجل إطلاق مقر صيني يوم رحيل ماو يبث: “الشرق أحمر لقد غابت الشمس”..

إذا كان هذا الحال، فما معنى أن يحتفل الإنسان بكثرة ما يأكل وما يشرب وما يُنفق؟

ما معنى تحويل العملة إلى آلية لارتفاع المكان، وليس المكانة بالطبع؟

أليست الاستهلاكية حالة من الجمع بين الإنسان ومطيته. أليست الاستهلاكية صادرةعن النظام الإشاري الأول فقط؟

قال المريد: ولكن، سيدي، ألا متعة لديك؟ هكذا سأل المريد شيخه؟

ما يحدد المتعة ويبررها هو ما فعلتَ من جهة، وحضورك الروحي لفعل آخر قادم ما من جهة ثانية! بهذا وحده تؤكد حقك في الحياة وحقها عليك. ما يحدد المتعة أن تحلم، وأن تُفعِّل الحلم على الأرض. لك أن تتمتع كما يتمتع شيخك، متعة لا تأتي على العقل ولا تسوقك للهروب من التحدي، من اليوم الذي ينيخ عليك بكلكله، وليس وحده راس السنة، ففي وضعنا هو كل يوم. اقصد أن راس السنة هو كل يوم في المقاومة، بما هي الحالة، اللحظة الوحيدة التي تؤكد أنك إنساناً.

لكن المريد يتطاول على شيخه فيقول: لقد قاومتم دهوراً، وها أنتم تنتظرون خطاب اوباما الذي يعدكم بأن يسحب جنده من بغداد الرشيد عام 2011 لتحتفلوا بيوم نصر آخر ليس لكم!

كلا يا فتى، لسنا نحن الذين ننتظر أن ينسحب القاتل من دم الضحية، بل إن المقاومة هي التي لكزت الوحش في مؤخرته فعوى ومضى.

لو كنا يا بني لا شيء، وهذا اللاشيء الذي تفترضه هو الذي يذهب بك إلى متع الحياة كدجاج الأقفاص الذي يرى حريته في بطنه وزعيقه، لو كنا كذلك لما حشدوا كل هذه الجيوش والقنابل والطائرات والجلاوزة كي “يحفظوا النظام العام”. ولما انفقوا على حربنا ما قاد إلى إفلاس أهرائهم. ولما أنفقوا على حكام القطريات العربية أكثر مما ينفقوا على قططهم وكلابهم. لنحمد الله، فهل سمعت أن كثرة من الأميركيين بدأوا بالتخلي عن كلابهم في أعقاب الأزمة المالية الاقتصادية، فهامت في الشوارع مثل العسس العرب! وقد يتوقفوا عن تحويل مقتطعات ضرائبهم لتلقيم الكيان فانتوم 16 وأعلى درجة.

تصور يا بني، لو قيل لأوباما إن حاكم أكبر قطرية عربية ممتعض من سفيركم في عاصمته، ماذا سيرد أوباما؟ ألقوا له كيسا من المال آخر، واخبروه بأن يعوي لاحقاً بكاتم الصوت! ولكن، لو قيل إن عربياً يتجول بخنجر يماني قرب شلالات نياجارا لارتجت الأرض مخافة أن يقتلعها من منابعها وياخذها إلى مكة كي يتوضأ بها محمداً! فما بالك ايها المريد الفتى لو قيل بأن حسن نصر الله قرر الصلاة في جامع حسن بك في يافا؟

هذا معنى أن تكون مقاوِماً. لك أن تعيش وتتمتع، ولكن وأنت تقاوِم. ألم يقل فيديركو جارسيا لوركا لأراغون: “وأناديك وأبكي وأقاوم”. فما احوجنا لهذا الثلاثي. ألم يبك خالد بن الوليد لأنه مات على الفراش؟ ولكن ستقل لي: ألم يمت إميل حبيبي على فراش المرحلة كما كتبت أنت ايها الشيخ، وها هم كل المطبعين واسيادهم يحتلفون به كل يوم؟

نعم ايها الشقي، لكنهم يحتفلون به بغير لغة العرب وبدون روح كنعان!

لم افهم جوابك ايها الشيخ للأميركي من حزب العمل الاشتراكي حين قلت له إن ثلاثي حياتك هو العمل والحب والثورة؟

– لا يا سيدي الصغير، هو لم يفهم بعد اننا نحب؟ وأن الحب فينا ليس كي تكون أنت أو انا ألبوماً ذكوريا لأجساد النساء، بل الحب هو ثورة لتحرر المرأة وتحريرها. ألم يمسك فرنسي بتلابيب الراحل هادي العلوي قائلا له: ولكن قل لي، من اين لكم بإبن سينا؟ كيف نبت في أوساطكم؟ فالحب مقاومة. هل سمعت عن النساء اللائي خطفن الطائرات، وفجرن انفسهن اسشهاداً؟ وعن النساء اللائي قدن حرب غوار المدن؟ وحرب الريف؟ هل سمعت أن المستعمر الياباني شنق زوجة ماوتسي تونغ معلقة على فرع شجرة كان هو يختبىء على اغصانها ؟ الا تستحق المرأة الحب إذن!

كي تكون في عين الزمان، لا بد أن تكون في عين الحدث، أن تصنع الحدث. وهذا أمر مكلف، ولكن، ألم يقل المتنبي

لولا المشقَّة ساد الناس               كلهمُ الجود يُفقر والإقدام قتّاَلُ

من هنا تنقسم الناس في بلادي إلى قانعين حتى بالاحتلال، وإلى قلَّةٍ ثُلَّةٍ ترفض وتتهم بالجنون، وربما بالمروق. لكنهم يحسبون حسابها لأنها بذرة الحياة. هي فرقة صغيرة، تتسلل بين حبات المطر كي تكتب كلمة واحدة هي إكسير الزمن الجميل المقبل: المقاومة.

أطلت عليك ايها الشيخ، ولكن قل لي: بماذا ستقاوم؟

ألملم القطع المتبقية من الشهداء، واغرسها في شراييني فتحيا. فهم لم يموتوا، بل يعودون (الطاهر وطار) هم قوافل تنتظر لتقاوم. هل يوجع قلبك هذا الحديث الذي يحز الأعصاب كما السكين الحادَّة؟ ربما، ولكن دعني اختم بما قال فيدريكو غارسيا لوركا لأراغون:

“وأناديك وابكي وأقاتل…اراغون”. لم ينتظر لوركا مجيء رأس السنة بل جعل من دمه حبراً ليخط به الناس وقائع الحرب الأهلية الإسبانية. وليس اقدس من هذه الحرب، وما أحوجنا لها في كامل الوطن العربي.