العملية السياسية الاستعمارية أو مسرح العرائس الاستعماري

د. ثائر دوري

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2202 )

يمكنك أن تشبه العملية السياسية التي تجري تحت رعاية المحتل، بما فيها الانتخابات الديمقراطية جداً، بمسرح العرائس حيث الدمى تتراقص على المسرح، فتتحرك يمنة ويسرة، وتؤدي حياة أقرب إلى حياة الشخوص الطبيعية في الحياة الطبيعية، لكنك بالطبع لن تنسى ولو للحظة واحدة (بعضهم ينسى) أن لاعباً واحداً هو من يحرك كل هذه الدمى بواسطة خيوط مربوطة في يديه فيجعلها تتصارع مرة و تتآلف أخرى، ويجعل بعضها يمشي على طرف المسرح الأيمن وأخرى على طرفه الأيسر، كما يجعل بعض الدمى فرحة لأنها منتصرة وأخرى حزينة لأنها مهزومة، فتغضب دمى وترضى أخرى. وربما حاز عرض دمى مسرح العرائس على اعجاب الجمهور فصفق لها استحساناً. لكن لا تنسى أن كل ذلك يتم بفعل شخص واحد يحرك كل الدمى بخيوط مربوطة بيديه، وما إن ينتهي العرض و تُسدل الستارة حتى تتهاوى هذه الدمى بلا حياة كأية خرقة بالية بعد أن كف الحاوي عن تحريكها. ثم تُرمى في مستودع المسرح على أمل الاستفادة منها في عرض لاحق، فإن انتفت الحاجة لها نهائياً ولم يعد هناك احتمال لظهورها على خشبة المسرح ثانية، فلابأس من رميها في حاوية القمامة، أو تحويلها لشيء يستفيد منه الإنسان، ممسحة أحذية على سبيل المثال.

يمكنك أن تُشبه العملية السياسية التي تجري تحت رعاية المحتل، بما فيها الانتخابات الديمقراطية جداً، بعروض خيال الظل، حيث تتبدى الخيالات على الجدران وكأنها شخوص حقيقية، فتتصارع وتتنابذ بالألقاب، ويضرب كركوز عواظاً أو عواظ كركوزاً، لكن لا تنسى (وبعضهم ينسى) أنها مجرد أخيلة ظل ليد أو كف الحاوي الماهر الذي يشكلها كما يشاء، فيجعل خيال يده اليسرى كراكوزاً وخيال اليمنى عيواظاً أو بالعكس، ويعطي لكل خيال صوته فصوت عيواظ يصدر من بطن الحاوي، أما صوت كراكوز فمن حلق الحاوي وهكذا دواليك.

يمكنك أن تشبهها بحفلة من مباراة صراع الديكة، حيث أحضر كل واحد من المتبارين ديكه الخاص (في الحالة الاستعمارية مالك الديكين شخص واحد هو المحتل). أحضر المحتل الديكين فاجتمع المتفرجون، و بدأ صاحب الديكين يجمع أموال المراهنات من الجمهور، ثم رمى الديكين داخل حلبة الصراع و سط صيحات و صراخ الجمهور المتحمس، فهذا يراهن على انتصار الديك ذي الرقبة منتوفة الريش، وذاك يراهن على انتصار الديك ذي الرقبة المريشة، ويتصارع الديكان داخل دائرة مرسومة سلفاً بيد المحتل فلا يخرجان منها أبداً. كل ديك يريد الفتك بخصمه، فهو يخوض معركة يحسبها معركته خاصة بعد أن أخذت صيحات التشجيع من الجمهور الذي راهن عليه بما تبقى من عقله.أما صاحبهما – المحتل – فيتفرج على الصراع بأعصاب باردة، فالنتيجة معروفة بالنسبة له سينتصر أحد ديوكه وسيخسر الديك الآخر، أو سيخسر أحد ديوكه وينتصر الآخر، وربما نظر باعجاب إلى حمية و اندفاع ديكيه في المعركة وهو في النهاية اعجاب بذاته لأنه استطاع أن يمتلك ديوكاً بهذه القوة وهذا الاندفاع. وربما تمنى أن ينتصر الديك ذي الرقبة منتوفة الريش لأنه أقرب إلى قلبه، فهو يحب الرقاب الطويلة منذ طفولته، لكن كل ذلك ليس هاماً أهم ما في الأمر أنه كسب المال وانتفخت جيوبه سواء فاز الديك منتوف الريش أم خسر، وحتى إن هلك أحد الديكين في الصراع فلن تخرب الدنيا، فما أكثر الديوك التي تنتظر دورها للنزول إلى حلبة العملية السياسية الاستعمارية. وكل ما تحتاجه هو أن يعلمها المحتل بعض المهارات الخطابية وفنون الصراع ضد الديكة الأخرى لا ضده، لتنزل من جديد إلى حلبة صراع لا ناقة لها فيها ولا جمل لكنها تظنه صراعها فتهلك فيه.

ويمكنك أيضاً أن تستعين بالمفكر الجزائري مالك بن نبي حين شبه الحياة السياسية التي تجري تحت رعاية المستعمر بجهاز ضخم متعدد الرؤوس ركبه المستعمر على جهازه الهضمي فأي شيء يحصل عليه رأس من الرؤوس المتعددة ينتهي إلى معدة المستعمر. فلا يغرنك تعدد الشعارات ولا تنوع المشارب في العملية السياسية التي تجري في ظل الإحتلال. فسواءلإحتلال . الشعارات و لا تنوع المشارب في العملية السياسية التي تجري في س المتعددة ينتهي إلى معدة المستعمر . لا ناقة لها فيه فازت قائمة(ع) أو قائمة (م) فكل ذلك سينتهي إلى معدة المستعمر.

السمتعمر وقوات احتلاله التي تسيطر على أرض وعلى سماء البلد المنكوب هي المرشح الحقيقي الوحيد، وهي الناخب الحقيقي الذي لا شريك له. أما ما تصوره الفضائيات من سياسيين يخطبون ويعرضون برامجهم الانتخابية، فيعقدون تحالفات هنا و يفكون عراها هناك، وما تصوره من ناخبين يذهبون إلى مراكز الإقتراع، ومن مندوبين على الصناديق، ومن مراقبين، و…… فكل ذلك مجرد أخيلة على الحائط في مسرح خيال الظل الاستعماري، مجرد دمى تتحرك بخيوط من خلف الستارة، وفي أحسن أحوالها ديوك تتقاتل لحساب غيرها فلا تكسب سوى التعب والمخاطر ونتف الريش.

أما هؤلاء الذين أتعبوا أنفسهم بتحليل النتائج واستخلاص العبر سواء أطلقوا على أنفسهم لقب مفكرين أم صحفيين فليس حالهم أفضل من أولئك الذين كانوا يستمعون والكرى يملأ عيونهم فيأخذهم إلى أحلام يقظة جميلة إلى قصة عنترة يرويها الحكواتي في إحدى ليالي الشتاء الباردة فيتحزب فريق منهم إلى عنترة، وفريق آخر إلى عمارة، وتأخذ الحمية بكل فريق فينهض لنصرة بطله الخيالي فيطلب من الحكواتي أن يغيّر مسار القصة بما يضمن انتصار بطله، وقد يستجيب الحكواتي وقد لا يستجيب للطلب حسب تقديراته للموقف. وربما اندلعت المعارك بين الطرفين وعندها يطوي الحكواتي الكتاب و يذهب بعد أن وضع أجره في جيبه بانتظار ليلة جديدة ومسرحية أخرى.