دول نائمة ودول سائمة: من السويد/النرويج إلى البوسنة

ثابت عكاوي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2226)

سمحت لنفسي باستعارة نعت الدول النائمة مما نُشر في كنعان الإلكترونية، اي الدول التي تخبئها الإمبريالية الأميركية والأوروبية الغربية إلى حينٍ فتخرجها من توابيتها وتستخدمها حتى لو لاقت مصير خاروف العيد. وهي تسمية تستحضر في الذهن ثقافة المجتمع الفلاحي الفلسطيني حين يقوم اللصوص بسرقة الأنعام وتخبئتها فيقال (يُكمِّنونها- وبلهجتهم هي إشْ بدل ك) اي يقوموا بتخبئتها في أماكن كالكمائن حتى ييأس الباحث عنها. ونموذج هذه الدول السويد والنرويج والدنمارك، ولكن ليس الأمر حصرياً فيها.

وعلى الوزن بل الدور خطر لي تسمية نموذج آخر هو الدول السائمة/الباهمة. وهذه أشد خطراً وأبأس دوراً. كان ذلك حين قارنت بعض ما قامت به النرويج التي أهدت العدوان الأميركي أجهزة الرؤية الليلية لاحتلال العراق كي يتمكن الوحش من رؤية صوفية رابعة العدوية وحكمة هارون الرشيد وطب الرازي وصنعة ابن حيان فيقتلعهم من ارض الرافدين. وهي التي أعطت فلسطينيين نضارات العمى النهاري فسقطوا في عثرة أوسلو التي لا إقالة منها.

وشبيه بهذا كان الدور الكبير الذي لعبه رئيسُ حزب اليمين السويديّ “كارل بلد” في تأجيج الصراعات العرقيّة والدينيّة. وهو الذي تولّى في فترة رئاسته للحكومة مهمّةَ نقل الآلاف من العالقين في كمّاشة التصعيد العرقيّ الدينيّ في بلغاريا وكوسوفو والبوسنة، بصحبة أعدادٍ من الناشطين والدعاة السياسيين والمقاتلين السريين، إلى السويد. وأظهرت الأحداثُ اللاحقة أنّ “بلد” أخذ بالتحوّل السريع ـ بالتزامن مع تغيّر هويّة العداء من شيوعيّ الى إسلاميّ ـ من زعيم سياسيّ محليّ لبلدٍ صغيرٍ مسالمٍ كالسويد إلى وسيطٍ دوليّ ذي حيادٍ خادع يتولّى ملفَّ البلقان. وفي غزو العراق ظهر اسمُه مجدّدًا ضمن فريق الخبراء الذين رسموا آفاقَ الاحتلال. وظهر اسمُه ثالثةً في عقود النفط، ورابعةً في أحداث دارفور، وخامسةً في مؤتمر ستوكهولم عام 2008 راعيًا لإعادة إعمار ما خرّبته آلةُ الغزو الأميركيّ للعراق.

غريب أمر هذه الدول النائمة، فهي صاحية فقط أو بشكل خاص ضد الأمة العربية أكثر منها ضد اي مكان آخر! ألا يستحق هذا حذراً خاصاً منها؟

وكي لا أطيل أتوقف عند البوسنة. ذلك أن وكالات الأنباء قد زفَّت إلينا خبراً مفاده أن البوسنة أرسلت 100 جندي لدعم القوات الغازية في أفغانستان. والبوسنة وكثيرات غيرها هن وليدات الموجة القومية الثالثة في العالم، كما يقول عادل سمارة، وهذه الموجة تحديداً هي موجة قوميات الإثنيات العميلة في أغلب الأحيان، موجة صنعتها الإمبريالية الأميركية/الأوروبية لتفكيك البلدان التي تسربت من تحت عبائتها وخاصة الاتحاد السوفييتي السابق ويوغسلافيا والعراق وحتى السودان.

هكذا كانت ولادة البوسنة بعد شحن ومن ثم ذبحٍ طائفي ومذهبي وقومي متبادل مع صربيا لم يوفر فيه الأخ أخاه، كي تتولد عن تفكيك يوغسلافيا موجة بلقنة جديدة، تكاد تُعيد المنطقة إلى المدينة الدولة. وهذا يندرج طبعاً في رفع سياسة “فرِّق تسد إلى تفكيك وتذرير محيط النظام العالمي”.

إثر ذلك أناخت قوات الأطلسي بكلكلها على أرض البوسنة لتوفر للناس هناك عيشاً للرجال في خدمة هذه القوات وصيانة معداتها، وللنساء الفراش محلياً، والانتقال في طوابير فراشات الليل، ( يا له من اسم خبيث) لبيع الأجساد في أوروبا الغربية وخليج النفط والكيان الصهيوني!

أما إرسال مئة جندي إلى أفغانستان فهو لن يزيد قوة العدوان قيد انملة ولن يقرِّب انتصارها قيد لحظة، ولن يوسع رقعة سيطرتها قيد إنشن، بل هو تأكيد على هذه الحالة الوظيفية المّذلَّة، والتي تناقض الوهم الذي غُرس في ذهن البسطاء هناك بأنهم تحرروا من حكم دين آخر، فإذا بهم مُستخدمين لقتال دينهم لصالح ذلك الآخر نفسه!

يعيد هذا إلى الذاكرة إرسال تشيكيا الصغيرة ايضاً مئة جندي “للمساهمة” في احتلال العراق مع نفس الجيوش الغازية لكل بقاع الأرض.

هذا ما قصدناه بالدول السائمة التي تُقاد كالعير إلى حيث أراد سائقها وسيدها.

كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء على ارحالها محمول

إنما، إذا كانت السويد والنرويج دولا نائمة، وحتى مجتمعاتها المدنية نائمة عن ما يُفعل بها، بل لنومها وقلِّة مشاغلها، لا تدري ما تديره برجوازياتها، وإذا كانت البوسنة وأمثالها من السائمة، فماذا عن كيانات سايكس- بيكو العربية؟