تشى غيفارا ونقد الاتحاد السوفييتي: (الحلقة التاسعة)

إضاءات على فكره الاقتصادي ورؤيتة المبكرة للانهيار السوفييتي

مسعد عربيد

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة العاشرة ـ العدد 2262)

المحور السادس

العلاقات الطبقية

الصراع الطبقي: تذمر غيفارا من فشل السوفييت في التمييز بين الراسمالية ما قبل الاحتكارية من جهة، وتلك الاحتكارية من جهة اخرى، والذي أدى الى فهم خاطئ للتناقضات الطبقية بين الطبقة العاملة والبرجوازية. وكان قد نبه غيفارا الى وجهة النظر الصينية التي تقول ان تناقضاً جديداً قد ظهر بين الشعوب المضطهَِدة والاخرى المضطَهِدة وهذا هو الذي ينبغي ان يحدد استراتيجية القوى التقدمية.

وعلى خلاف ما جاء في “الدليل السوفييتي” حول الصراع الطبقي، نقد غيفارا الاطروحات التي وردت فيه مشيراً الى عدد من القضايا ولافتاً النظر الى ضرورة ترسيخ بعض المفاهيم الهامة نذكر بعضها:

1) لقد حولت الاستثمارات الاجنبية الطبقة العاملة في البلدان التابعة (الشعوب المضطَهدة) الى منتفع نسبي مقارنه بطبقة الفلاحين التي لا يأبه أحد لحالتها المتردية.

2) مع أن البرجوازية الوطنية لعبت تاريخياً دوراً تقدمياً في نضالات التحرر الوطني، إلاّ أن الراسماليين الوطنيين اليوم يقيمون تحالفا مع الامبريالية خاصة في بلدان افريقيا وأميركا اللاتينية.([1])

3) لم تقم الثورة في الصين وفيتنام وكوبا بقيادة البروليتاريا المتحالفة مع الفلاحين. وفي الحالة الكوبية، كانت الحركة المتعددة الطبقات هي التي تجذرت لاحقاً بعد الاستيلاء الى السلطة.

4) لا تتحد الطبقة العاملة في الدول المتطورة في نضالها مع حركات التحرر الوطني في جبهة مشتركة ضد الامبريالية، فقد أصبح العمال في البلدان المتطورة متواطئين مع الامبرياليين الذين يلقون إليهم ببعض الفتات من إستغلالهم للشعوب والنهب الامبريالي لمواردها. أما البؤساء الحقيقيون في أغلب البلدان النامية فهم الفلاحون الذين فقدوا أراضيهم. هؤلاء هم القوة الحقيقية للثورة.([2] )

5) هناك القليل من الادلة على ان بلدان الاتحاد السوفييتي ودول اروروبا الشرقية إستطاعت إزالة التفاوتات بين المدينة والريف. فالهدف، وفق ما ذهب اليه غيفارا، ينبغي ان يكون انصهار المدينة والريف لا التحالف بينهما، لان الاشتراكية ليست ديكتاتورية متعددة الطبقات بل هي دكتاتورية البروليتاريا إعداداً ووصولاً الى محو الطبقات وإقامة المجتمع الشيوعي اللاطبقي.

6) تزداد الطبقة العاملة في البلدان الامبريالية قوةً من حيث تماسكها وتنظيمها، ولكن ليس من حيث وعيها. فقد خلقت الامبريالية شرخاً في موقف العمال في البلدان الراسمالية: تنظيم قوي ووعي متنامي بالاستغلال الطبقي على المستوى المحلي فقط، ولكن دون اممية بروليتارية على الصعيد الخارجي، الصعيد الدولي. وهو ما يفسر، على الاقل حتى اللحظة، لماذا لم يعد هؤلاء (بروليتاريا البلدان الامبريالية) الطليعة الثورية.

7) لقد شاعت الانتهازية في أجزاء كبيرة من الطبقة العاملة في البلدان الامبريالية فيما يتعلق بعلاقتهم مع الدول التابعة، لذا نستطيع ان نصف جماهير العمال في الدول القوية والغنية بالارستقراطية العمالية مقارنه بعمال البلدان الضعيفة.

النقابات العمالية: إدعى “الدليل السوفييتي” ان النقابات العمالية في ظل الاشتراكية منظمات جماهيرية (شعبية) هامة لها الحق في مراقبة أداء الدولة لاكمال مهمتها وحماية القوانين. أما غيفارا فقد ردّ بان النقابات، بالطريقة التي يتم تنظيمها لا معنى لها، وبانها جاءت نتيجة وضع خاص في الاتحاد السوفييتي في لحظة تاريخية معينة ثم تم إستنساخها لاحقاً في البلدان الاشتراكية الاخرى. وذهب غيفارا الى انه في مجتمع استولت فيه البروليتاريا على السلطة، فان هذا الذراع للصراع الطبقي، أي النقابات، يجب أن يزول أي ان تحل هذه النقابات نفسها، لان بقائها أو الابقاء عليها يتسبب في مشكلتين:

1) بقرطة الحركة العمالية.

2) تعميق الفوارق بين العمال حيث ان المعونات الاجتماعية تتباين بناءً على ثروة كل نقابة والتي تقوم هي الاخرى على الفوارق التي لا زالت قائمة بين اجور العمال.([3] )

الصراع الطبقي والعنف: إدعى “الدليل السوفييتي” ان ديكتاتورية البروليتاريا ليست بالضرورة “حرباً طبقيةً عنيفة”. وفي رده، على هذا الادعاء، إتهم غيفارا اطروحة “الدليل” هذه بالانتهازية:

1) لان ديكتاتورية البروليتاريا في رأي غيفارا هي نظام عنف ضد البرجوازية. ومن الواضح ان حدة الصراع تعتمد على مقدار مقاومة المستغِلين، إلا ان الصراع ليس باي حال من الاحوال “ارجوانياً”، ولو كان كذلك لتم إبتلاعه.

2) ولان الاشتراكية، في فهم غيفارا وإطار تحليله، هي دكتاتورية البروليتاريا، بينما الشيوعية هي محو الطبقات الاجتماعية، فقد دفع به هذا الى الاستهزاء بالذرائعية التي تحدث بها “الدليل السوفييتي” والتي حاولت التقليل من أهمية العنف المتأصل في الصراع الطبقي.

□ في حين تحدث “الدليل السوفييتي” عن التأديب الاخوي والواعي للعامل (فرض النظام)، وجد غيفارا ان هذا التأديب والنظام كان مفروضاً بالقوة في المجتمع الطبقي، بما فيه المجتمع الاشتراكي، باستخدام أساليب قسرية مقترنةً بالتثقيف الى ان تصبح عملية التأديب عملية عقوبة تلقائية. ولكي يكونوا متناغمين مع أنفسهم، يقول غيفارا قاصداً السوفييت، فقد وضعوا الحوافز المادية كعامل تأديبي، وهي في الحقيقة كذلك، بالرغم من أنها تناقض التثقيف الشيوعي وفق الاسلوب الذي تطبق به حالياً.

□ خلص “الدليل السوفييتي” الى ان الدولة، في ظل الشيوعية، ستظل ضرورة كي تدافع عن الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي الاخرى من العدوان الامبريالي، وهي مقولة رفضها غيفارا بحسم: “أولاً، هل يمكن للشيوعية ان تقوم في بلدٍ واحدٍ فحسب؟ ثانياً، إذا كان من الضروري ان تقوم الدولة بالدفاع عن البلد، فان هذا سيكمل مهمة ديكتاتورية البروليتاريا، أم أنها شيء آخر أو تغيّر في النظرية. ان مثل هذه القضايا لا يمكن طرحها (ولا حلها) في فقرة منفردة لأي “دليل” مهما كان. هناك العديد من الاطروحات في هذا “الدليل السوفييتي” والتي تظهر على “شكل معادلة الثالوث المقدس، لا يتيسر فهمها، إلا ان الايمان بها سيقدم الحل” (Yaffe 2009, 253).

□ في حين ركّز غيفارا في تحليله للعلاقات الطبقية على آثار الامبريالية على الشعوب المضطَهِدة (بالكسر) ومجتمعاتها، والشعوب المضطهَدة (بالفتح)، والعلاقة بين الشعوب المضطَهدة والمضطِهدة، فان “الدليل السوفييتي”، بصيغته الميكانيكية للماركسية الارثودوكسية، قد تجاهل هذا النهج بالكامل.


[1] وجدبر بنا هنا ان نضيف الانظمة الكومبرادورية العربية أيضاً.

[2] أكدت الاحداث صحة هذه القراءة. انظر آثار العولمة الراسمالية على أوضاع الفلاحين في بلدان العالم الثالث كما في المكسيك على سبيل المثال وغيرها العديد من بلدان اميركا اللاتينية وخصوصاً في أعقاب إبرام الاتفاقيات الاقتصادية النيوليبرالية وإتفاقيات التجارة الحرة والمناطق الصناعية الحرة مع الغرب الراسمالي على غرار إتفاقية نافتاNAFTA وما شابه.

[3] من هذا المنطلق نلحظ أن غرامشي أيد السوفييتات لا النقابات.