قمة المخلوعين تنتظر ملوكها!

جمال محمد تقي

كانوا يعقدون قممهم وهم بكامل قيافتهم السلطوية، وبكامل قواهم العقلية، وكانوا قد تعودوا على بعضهم برغم ما بينهم من حساسيات وتفاوتات وتراكمات واختلاف باللهجات واللالقاب والمسميات، كانوا ونتيجة لطول فترات حكمهم قد تآلفوا وتباركوا ببعضهم، وكانوا قد اجادوا في لعب الادوار وخاصة امام الشاشات، فمرة نجدهم يتنابزون، ويتبارون، ويزايد بعضهم على بعض، ومرة نجدهم كالسمن على العسل، وكانوا في المحصلة يتفقون على ان لا يتفقوا الا على ترويض شعوبهم وكتم انفاسها، فكانوا خلف الكواليس كالبنيان المرصوص في تعاونهم الامني الذي يصب بمصلحة بقائهم جميعا على كراسي السلطة الزائلة!

كان لا يجروء احدهم على الاعلان عن سحب الكرسي من تحت الاخر لان كراسيهم جميعا ستكون عرضة للسحب، واذا وصلت الامور بينهم الى القطيعة فانهم لا يتوانون على تصدير المتاعب لبعضهم ومن دون ضجة، لكنهم حريصون على ان لا يتمكن الشعب من احدهم، لان عدوى التمكن ستنتقل اليهم لا محال، ولان بيوتهم من زجاج غير مصفح، فان تقاذفهم بالذخيرة الحية سيؤدي الى حالة لا يجد فيها جميعهم جدار سالم واحد يحتمون به او يختبئون خلفه، اما الحالة الوحيدة التي يمكنهم الخروج البين على بعضهم فيها، وعلى عينك يا تاجر، هي حالة الدخول المباشر للقوى العظمى للنيل من احدهم او من بعضهم، حيث يتجندون لتحقيق اهداف تلك القوى، كي يضمنوا لانفسهم الحماية ويكسبوا البقاء على كراسيهم المزمنة والمتهرئة!

قال القذافي في احدى القمم : ان التآمر مع القوى العظمى للاطاحة باي زعيم عربي واهانته، كالذي حصل في العرق، سوف يفتح الباب على مصراعيه امام نفس القوى للاطاحة بالاخرين واهانتهم، بالمفرد وربما بالجملة!

وقال علي عبدالله صالح : ان اي حلول للمشاكل العالقة بين الانظمة العربية اذا لم تاخذ بعين الاعتبار استقرار الانظمة القائمة جميعا فانها ستؤدي لكوارث لا يستثنى منها احد!

اما مبارك الذي كان يتفق مع مضمون طروحات زميليه “القذافي وصالح” فانه قد اعطاها ظهره حالما قررت امريكا غزو العراق واجتثاث النظام فيه واعتقال قيادته ومحاكمتها وقتلها، وقال : ما لا نستطيع منعه، نستطيع تقبله!

ملوك وامراء الخليج كانوا وما زالوا يفعلون في السر عكس ما يرددوه في العلن، الذي يظهرون فيه وكأنهم ملائكة للرحمة والتقوى والمسؤولية والحرص على تقدم ووحدة وكرامة واستقلال كل اقطار العرب، لكنهم في السر اكبر عون لقوى الاستكبار العالمي على ابناء جلدتهم، واكثر الحرصين على قبر اي حراك شعبي جارف قد يؤدي الى قلب موازين القوى التي لا يريدونها ان تنقلب، فمواقف المؤثرين منهم كانت واضحة في امتعاضها من تجذر معطيات الحراك الشعبي في مصر وكذا استبسالهم في الدفاع عن نظام مبارك، وذات الشيء بالنسبة لمواقفهم من الحراك الشعبي في اليمن حيث ما زالوا يلعبون دورا معيقا لانطلاقة الشعب اليمني نحو تحقيق كامل اهداف ثورته، ونجدهم بذات الوقت متحمسين حماسة امريكا واسرائيل للتدخل العسكري المباشر في ليبيا وسوريا لصنع انظمة بديلة تتوائم معها ومع من يسيرها، وتجهض اي امكانية حقيقية لاقامة انظمة ديمقراطية حقيقية كما يتمناها اهل الثورة في البلدين، وذلك من خلال ابتزاز الحراك الشعبي فيهما وترويضه، بل وحرفه عن مساره ليصب بمسارها!

معاني ما تقدم من سطور تؤكد على وجود منطقين متعارضين في تناولهما لحمى الصراع الدائر بدورته الربيعية على بلداننا العربية، منطق الحكام العرب ملوكا ورؤساء، والمتأقلم اصلا مع منطق امريكا واسرائيل، ومنطق الشعب الثائر، الذي لا يميز بين ملك ورئيس في ثورته، ذلك لان كل حكامنا من طينة واحدة، ترابها ومائها، الفساد والاستبداد، ففي كل بلد نجد استعدادا للثورة، انفجر هنا، والاخر هناك ينتظر، ولن يبدلوا تبديلا، وكأن لسان حال الثوار في كل اصقاع العرب يقول : انهم جميعا لا يستحقون منا غير الخلع ملوكا ورؤساء.

الايام لا تدور حول نفسها كما في رواية مائة عام من العزلة، والقادم منها موسم للحصاد المليء بمائة ثورة وثورة تقارع كل ظالم جائر، ملكا كان ام رئيس، ابطالها ومددها، الاحياء الذين على ساحات تحريرهم يتدفقون، واما انصاف الاموات، الذين لخوفهم مستسلمون، فانهم مخيرون مع كل ثورة، ما بين الموت خوفا او الحياة سعادة، والاموات من اجل الحياة شهداء عند ربهم يرزقون، وهم احياء بارواحهم يبشرون ولا ينقطعون.