سنة/شيعةإسلام/نصاري

المهم مش عرب

عادل سمارة

ثلاث حقائق أفهمتني معنى الوضاعة التي رُميت القضية بها، وبسببها لم يحصل الفلسطينيون هنا سوى على حكم ذاتي وفي جزيئات صغيرة من فلسطين.

الحقيقة الأولى: أن فهم الواقع لا يأتي من الثقافة المجردة بقدر ما يأتي من درس الواقع على الأرض وحينها يمكن للمرء الاستفادة من ثقافته ووعيه والاشتغال على الواقع.

والحقيقة الثانية: إنها المرة الأولى التي لمست فيها تاثير مستويين من الحقن والضخ:

· الضخ الطائفي  في اوساط الفلسطينيين وحقنهم[1] ب سنة وشيعة ونصارى ومحمديين

· والضخ المالي لتغذية ذلك بدءا من تمويل الحكم الذاتي وصولا إلى تمويل خليجي علني لكل من يعتمد هذه الفتنة بل الفتن.

والحقيقة الثالثة: نجاح الإقليمية الفلسطينية والتمويل الأجنبي (ومنه الخليجي الرسمي) في معاداة القومية العربية، لأن هذه المعاداة وحدها كفيلة بحماية الكيان الصهيوني.

كان هذا يوم 22 شباط في رام الله المدينة الشوهاء بمختلف المعاني. المدينة التي أهم معالمها زيارات قادة الاحتلال لها اكثر مما يزوروا مكاتب تل أبيب، ووجود عشرات بيوت الدعارة حيث يُباع اللحم الفلسطيني مغطى بزعم الاستقلال، وهذا يكفي ولن تغطيه فذلكة مثقف مريض بقوله: “كنت في رام الله”، هي رام الله التي تليق بك.

كتبت الصحف الورقية المحلية أن قرابة 30 شابا تجمعوا في وسط رام الله تاييداً للرئيس السوري، فتدخل شبان آخرون وحصلت مشادات وشعارات بسقوط الرئيس السوري وأخرى تحية له وتم تمزيق صورا للرئيس الأسد.

أيتها الصحافة: لا غرابة في حصول العيب من أهله. حين تظاهرنا في الخليل كتبتم أن المظاهرة ضد سوريا، واعتذرتم، وهذه المرة كذبتم؟ لكن علي أن أتذكر أن هذه المرحلة من تاريخ البشرية هي الأدنى ثقافة وعقلاً وأخلاقا على مستوى كامل إعلام الرأسمالية من واشنطن حتى مواخير رام الله أل 43[2].  فبمجرد حصول بدايات المقاومة والممانعة العربية الجهادية وليس مقاومة الدين السياسي الإسلامي، والمقاومة الكوبية والفنزويلية والمقاومة القطبية من روسيا والصين خلعت الراسمالية العالمية ملابسها وتفاخرت بعريها وخاصة الإعلامي، فهل ألوم رام الله!

أولاً: اعتقل أمن الحكم الذاتي مجموعة شبان كانوا قد اقترحوا المظاهرة  المؤيدة لسوريا التي نحن جنوبها، وهذا ما لا يفهمه كثير من القوميين واليساريين، وأخشى أنهم لن يفهموا. وحين يرفض أمن دعم سوريا فهو يؤيد احتلالها. هذه الحقيقة التي يهرب منها الكثيرون ولكنهم يعشقونها ويحلمون بها واخشى أنهم هناك في سوريا! ولكن حبذا لم نعرف لماذا؟

وثانياً: لم نكن جميعنا شبانا، سوى بكرامتنا ومواقفنا التي بها نحن فتية. كان الأب عطا الله حنا وكان إحسان سالم وكان الأب نائب المطران كبوتشي. كم فلسطيني يعرب كبوتشي الذي اعتقله الاحتلال وهو يهرب الأسلحة في سيارته إلى حركة فتح (كم شيخ سني فعل ذلك؟؟؟ بدل إحضار اكياس المال من السعودية وقطر قبل التحويلات الإلكترونية. وكان عبد الفتاح غانم وكانت أمل وهدان،  وكثيرون.

وثالثاً: احاطت بنا الشرطة نفسها التي احاطت بنا قبل أكثر من أربع سنوات لأننا تظاهرنا ضد زيارة المأفون القاتل جورج دبليو بوش لرام الله،  وضربت واعتقلت. فطبيعي ان تكون الشرطة نفسها. وكنا نرى الشرطة تتحدث مع هذا وذاك الذين قال لي بعض الأصدقاء ان هذا وهذا…من أجهزة الأمن لكنهم يلبسون لباساً مدنياً. وكان بعضهم قد قال للبعض منا سنضربكم بالبيض[3].

اندس هؤلاء بيننا وتقدموا اولا إلى المطران عطا الله وزميله يتهجمون عليهما. فلا بد للفكر ألأوسلوي الذي يعترف بالكيان أن يعتدي على من هم في فلسطين قبل السنة والشيعة، اي العرب النصارى لأن الهدف اقتلاع ما له علاقة بالقومية العربية. فانسحب الرجلان لأن هدف أوسلو: لا مسيحية في كل فلسطين.

ثم بدأوا بهتافات شيعة شيعة شيعة، وشتم الرئيس الأسد. وهو ما دفع الشباب للانفعال والهتاف باسم الرئيس الأسد لأن التظاهرة كانت فقط للدفاع عن سوريا. وهنا تحديداً يكمن الفخ الذي يبحث عنه مخبروا[4] الصحافة وكأن الأسد هو ملك السعودية أو أمير قطر! لا شبه ولا علاقة. ومن يخدم عبد الله وحمد ليس مؤهلاً لنهش الأسد.

وقفت جانباً وضحكت مطولاً، وسالني شاب، لماذا تضحك؟ قلت له ما كتبته أعلاه واضفت هذه ديمقراطية الخاضعين للاحتلال. هل تعلم أن المذبحة التي دارت بين حماس وفتح في غزة هي اسوأ من مذبحة عدوان الاحتلال على غزة 2008-09 وهي مذبحة الحكم الذاتي، وهذه لا يتحدث عنها أحد . فهي النتيجة الطبيعية لانتخابات الحكم الذاتي التي خلقت مالا ونفوذا وسلطة وقوة على الناس، واعترافا بالكيان وهذه نتائجها. هي الديمقراطية تحت الاستعمار الاستيطاني وبإشراف القاتل العجوز كارتر. هل تتصور نحن ضحايا الغرب يهندس “ديمقراطيتنا” هذا السفاح ويُكال له المديح! وفي اقتتال قيادات وقواعد فتح وحماس كان اليسار في حضن الحكم الذاتي إلا من رحم ربي كافراد.

لماذا التهجم على رجال الدين النصارى في المظاهرة؟ هل هذا ما يُهدى إلى جورج حبش في ذكرى رحيله الرابع؟ من الذي زرع هذه الثقافة؟ وما علاقة هذه الثقافة باي انتماء لفلسطين؟

والتهجم على الشيعة. هل نتنياهو والقرضاوي وجنرلات الجيش الصهيوني أفضل من حسن نصر الله؟ وهل هيلاري كلينتون وكونداليزا رايس اللتان  ارسلتا رجالهما لاغتصاب العراقيات والليبيات أفضل من قادة إيران؟ ماذا وراء كل هذا؟ فكروا!

وراء كل هذا ابشركم بسيل من الدولارات، وبهزيمة ممتدة، وحال لا وطن فيه. ويبدو أن من لا وطن له لا يعرف قيمة الوطن، ولذا يعشق اغتصاب سوريا.

لقد اتى الفلسطينيون على كل شيء متأخرين، ولذا لم ينجزوا شيئاً بل احترفوا إنجاز الفشل وتكرار محاولات سيسيف، ولكن الأخطر في التفاخر بأنه انتصار. ليست المشكلة في الفشل بل هي اساساً في اختلاق الانتصار من رحمه العقيم. لا يتبلور الكذب إطلاقاً في بنى مادية سوى بالقمع والرصاص.

وحتى هذا القمع من أجهزة الحكم الذاتي أتى متأخراً مثل كل تأخر الفلسطينيين. تأخرتم يا شباب! حتى لعبة المخابرات العريقة لم تتقنوها. فاعتقال الشباب قبل المظاهرة يكشف ما تمت محاولة إخفائه اي ان سلطة الحكم الذاتي ضد سوريا ومع احتلالها. وعدم قيام الشرطة بأمر متظاهريها بأن يقفوا على الرصيف الآخر (كما تفعل الديمقراطيات العريقة) أثبت أن الشرطة إما لا تعرف لعبة الديمقراطية أو تقصد الاشتباك ليعتدوا علينا. ولكن، تأخرتم ايضا هنا، فلم يعد ينفع القمع، ونطمئنكم، لن ننتحر، فأطلقوا علينا النار من البنادق التي تم تسجيل ارقامها وعدد طلقاتها لدى الاحتلال الذي أدخلكم هنا وأدخلها. من أتى هنا بالتحرير فليطلق علينا النار! حيث لم يفعلها المبسلط ورامي[5].

قمع بلا سيادة، وهتاف بلا وطن، ووطن بلا اقتصاد، وانتخابات تحت راية بل قدم الغاصب، ومجلس تشريعي لا يجرؤ على تسجيل مولود واحد دون أن يرسله إخبارية لمكتب النفوس في تل ابيب…الخ وفي النهاية افتخار بالاعتراف بالكيان والتطبيع وحقد على سوريا لأنها لم تعترف بالكيان. نعم لم تعترف، وإن اعترف النظام السوري الحالي بالكيان سنذهب للقتال ضده هناك. وليس هنا مجال تعداد ماذا يفعل حكام الخليج الذين يمولون كل هذا الحقد.



[1] اقول حقنهم لأن هذا الوسخ لم يكن بيننا. في عام 1963 حين قدمت أوراقي لمدير التسجيل في الجامعة اللبنانية في الصنايع شارع الحمراء سألني المسؤول اسمه الثاني علم الدين: شو طايفتك؟ والله أنني لم أكن أعرف، فسألني من اية منطقة أنت؟ قلت من رام الله، فقال مالكي.!

[2] أنظر نشرة ال يونيفيم 2008.

[3] تذكرت مزرعة الدواجن خاصتي التي عملت فيها ثلاثين سنة، لأن أكاديميا اللبراليين والأسلويين منعتني من التعليم كما منعني الاحتلال، ولو كانت ما زالت لأحضرت لهم تبرعا بعض الأطباق لأن بيض مزرعتي مقدس.

[4] سألني شابان في قرابة عمر الثلاثين وزعما انهما صحفيان واحد اسمه عباد كما أعتقد: لماذا تؤيديون الأسد؟ شيء مدهش راس مغسول تماماً لا يميز بين موقف ثوري يدافع عن البلد وبين موقف دفاع عن رئيس. هكذا حُقنوا!!! يا استاذ، نحن لا نشتري للناس عقولاً.

[5] في يوم السبت 21 نيسان 1963 في مظاهرات تأييد الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا اعتقلتني الشرطة الأردنية حيث كان قائد  المقاطعة سعادة الجلاد وحقق معي ضابط شرطة ملازم أول ابراهيم الجلاد وضابط جيش اسمه محمد المبسلط  وكنت مجروحا، وكان آخر قوله: (وآسف للكلمات: بدك بارودة في ثُمَّك وبارودة في صُرمك” أما عام 1973 فقال لي رامي وهو مخابرات صهيوني قال لي: في مستشفى هداسا يصنعون العجائب. كان يقصد  إغرائي بأن أعالج من مشكلة جنسية بعد الاعتقال ، طبعاً ليشتري وطنيتي بالانتصاب، فقلت له أنا نسيت الضرورة الجنسية، فقال أنت اصلا لازمك الإعدام.