ما هي اتجاهات المؤامرة بعــد الســـقوط في حمـــص ؟!

العميد الدكتور أمين محمد حطيط*

رغم ان المحترف من العسكريين والاستراتيجيين كان يتوقع المصير المذل للمتآمرين و قاعدتهم في حمص، الا ان ارباب المؤامرة واتباعهم،

وانطلاقا من غرور ذاتي ومكابرة، ثم من ثقة بالنفس ارسوها على تحضيرات مركبة، رغم ان هؤلاء كانوا يستبعدون او يرون من المستحيل ان تسقط «قاعدتهم العسكرية» التي كانوا يروجون زورا بتوصيفها انها «حي مدني مسالم تحاصره الدولة لتفتك بسكانه الامنين، فهب للدفاع عنه بضع عشرات ممن وصل الى أيديهم سلاح بدائي خفيف»..‏‏

والان بعد سقوط اكذوبة «الحي المسالم» وافتضاح امره وحقيقته التي لا يرقى اليها الان الشك والتي تظهر بان المنطقة لم تكن اقل من «قاعدة عسكرية غربية» جهد اصحابها في تحضيرها وتحصينها وتحشيد المقاتلين فيها من مختلف المصادر والجنسيات السورية والعربية والاجنبية بما فيها الاوروبية، واتقن تسليحها وتجهيزها وربطها بالاقمار الاصطناعية لتتلقى الاوامر والتعليمات من غير تنصت او اعتراض او قطع، تعليمات توجه اليها من القيادة المركزية الغريية الرديفة لقيادة الحلف لاطلسي، بعد كل هذه الفضائح وضع المتآمرون، وتاليا مسار المؤامرة كلها امام خيارات واتجاهات ستفرض نفسها عليهم لاختيار وجهة السير المستقبلي وفي هذا نرى انهم سيناقشون او ينخرطون في واحد او اكثر مما يلي:‏‏

1) الامعان في الغي والعدوان على سورية و رفض القبول بالهزيمة، والاتجاه الى تطوير التدخل العسكري بشكل مكشوف عبر ما بدأ بالتعبير عنه اثنان من عرب المؤامرة على سورية (السعودي والقطري) لجهة تصريحهما العلني بالسعي الى تسليح المعارضة. ولكن لهذا الموقف محاذير ومخاطر وعقبات ستجعل من الصعوبة بمكان ان ينجح هؤلاء في سعيهم حيث نذكر منها:‏‏

صعوبة الى حد الاستحالة في اعادة انتاج او تشكيل منطقة توازي او تماثل باهميتها العسكرية او الاستراتيجية القاعدة الساقطة في بابا عمرو، و بالتالي فان اي سلوك باتجاه التمسك بعسكرة التمرد وترسيخ الحالات الارهابية القوية، ثم التمهيد لاقامة مناطق مغلقة او قواعد عسكرية حصينة، سيكون سلوكا واهنا محكوم عليه بالفشل لان الظروف التي سمحت بعسكرة بابا عمرو لن يتوفر مثيلها في المستقبل لانتاج قاعدة عسكرية جديدة.‏‏

عدم وجود قيادة حقيقية للمعارضة لتلقي السلاح وتنظيم استعماله، مع تشتت المعارضات السورية وانقسامها على نفسها وتنازعها. وهنا ستواجه الجهات التي دعت للتسليح مأزقاً يتمثل في وجوب تصديها بنفسها لقيادة العمل العسكري الارهابي مباشرة. فهل ان قطر والسعودية اللتين سلحتا الارهاب السوري في السنة الماضية وهما تلبسان القناع و تدعيان سلمية الثورة قادرتان اليوم على قيادة عمل عسكري علني ضد سورية؟ وهل بامكان الوهابية السعودية السيطرة على كل الطوائف الاسلامية الاخرى غير الوهابية (سنية ام غير سنية) وهو امر بات يخلق الحساسيات والتشرذمات أيضاً؟‏‏

التضييق على معابر التهريب و التسلل من الخارج الى سورية بعد التحولات الميدانية والسياسية الاخيرة. وهنا لا ندعي ولا يمكن ان تدعي دولة في العالم ان بامكانها اقفال حدودها كليا والسيطرة المطلقة على حركة العبور منها واليها ولاجل ذلك تراجع مفهوم «الامن الوطني» ليتقدم عليه مفهوم «الامن الاقليمي». و مع هذا نرى تحول في مواقف دول الجوار السوري، حيث ان تركيا كبحت اندفاعتها بعد ان باتت تلوح في الافق اوراق تؤرقها امنيا وباتت تعلم ان ناراً داخلية في سورية ستطولها بلهيبها مهما حاولت الابتعاد عنها، و كذلك هو حال الاردن، اما العراق المتأذي من الارهاب «القاعدي والسلفي» فهو يعمل ما بوسعه للتضييق عليه، و يبقى لبنان الذي سيتراجع دوره بشكل كبير بعد سقوط المجموعات الارهابية في بابا عمرو خاصة ولم يعد بمقدور السلطة فيه التلطي اكثر وراء اضحوكة النأي بالنفس.‏‏

وبالنتيجة نرى ان وصول السلاح الى سورية مستقبلا سيكون في مستوى ووتيرة ادنى مما يعول عليه دعاة تسليح المعارضة. واذا كانت تلك الجماعات الارهابية قد هزمت و هي في اوج الدعم لها فان حال المتبقي منها سيكون اسوأ بعد التضييق عليها.‏‏

2) الامعان في محاولات العزل السياسي لسورية، مع اتجاه الى اقامة السلطة السورية البديلة المعترف بها في المنفى. وهذا ما بدأ التأسيس له في مؤتمر اعداء سورية في تونس واحدث طرحه انقسامات المتآمرين المؤتمرين هناك. ولكن يبدو السير به مجددا عاجزاً عن تغيير الحال السياسي والميداني وهم حتى في حال النجاح المشكوك به لن يؤثروا على الواقع الميداني، (نذكر بأن الصين الشعبية التي قامت ثورتها في العام 1949 بقيت خارج الخريطة السياسية الغربية عقدين من الزمن تقريباً ولم يسمح لها باحتلال مقعد الصين في مجلس الامن حتى العام 1971، لكن هذا لم يؤثر على وجود الصين كدولة ولم يمنع تقدمها نحو الترسخ قوة دولية عظمى). وبالتالي ان سعي العربان والغرب بالقيادة الاميركية لعزل سورية سياسيا ودبلوماسيا لن تجدي هؤلاء نفعا بل سيجدون انفسهم اول المتضررين منه خاصة مع تبلور المعسكرين الدوليين الان، ولهذا نراهم يترددون في قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية، او سحب الاعتراف منها للاعتراف بالدمية الاستخبارية المسماة «مجلس استنبول». ما يعني ان الاتجاه السياسي هذا سيكون من غير اثر في رسم مسار الاحداث ايضاً.‏‏

3) العودة الى نغمة «التدخل الانساني الدولي»، ليتخذ قناعاً يخفي التدخل العسكري اويوطئ له وسيلجأ اليها دعاة المؤامرة من قبيل «كلمة حق يراد بها باطل» مراهنة منهم على ان احداً ليس بمقدوره رفض المساعدة الانسانية. لكن التطور الميداني الذي حصل في سورية وتمكن الدولة من اجهاض فكرة المناطق المغلقة بوجهها، او المعزولة عن الوطن أو المرتبطة بممرات الى الخارج بعيدا عن مراقبة الدولة، ان نجاح الدولة في السيطرة على كل اقليمها، سيؤدي ايضا الى الحؤول دون تطوير «التدخل الانساني» المزعوم ليصبح ذا بعد امني وعسكري ثم سياسي. لان الدولة السورية التي لن تمانع في وصول المساعدات الانسانية، لن تقبل بان تجري عمليات الاغاثة بعيدا عن سيطرتها ومراقبتها. و لن تسمح الدولة وهي الممسكة بالارض ان يعاد تسليح الارهابيين من باب المساعدات الانسانية المزعومة. وهكذا سيكون ايضا قناع المساعدات والتدخل الانساني، قناعاً مستنفد الصلاحية وساقطاً على اساسه منذ اللحظة التي سقط فيها المتآمرون في «قاعدة بابا عمرو الارهابية».‏‏

4) اما الاتجاه الرابع وهو ما قد يرى فيها عرب المؤامرة وعرابوها وسيلة الانتقام من سورية كيانا وشعبا ونظاما و قوى مسلحة، فقد يكون العمل الارهابي المشتت والمتناثر، الذي لا يؤدي الى اقامة المناطق المغلقة والمعزولة، بل يستهدف الناس في امنهم ورزقهم وحياتهم العامة، عبر عمليات التفجير والاغتيال والاخلال المتنقل بالامن، عمليات ينفذها المرتزقة المأجورون الذين لا علاقة لهم بسورية ومستقبلها. وهنا لا نستطيع استبعاد القيام بمثل هذه الاعمال او القول بامكان منعها كليا في فترة زمنية قصيرة، لكن يمكننا توقع تعاون عميق بين كل مكونات الشعب السوري والاجهزة الامنية والقوى العسكرية للحد من مخاطر هذا السلوك. و لكن سنطرح هنا على من سيشجع تسليح الارهابيين و دعمهم لشن عملياتهم سؤالين:‏‏

كيف سيكون تصرفهم اذا اقدمت جهات خارجية ومن قبيل المعاملة بالمثل على تسليح المعارضات لديهم، خاصة وان انظمتهم هي انظمة بالية تعود الى العصور الوسطى او قبلها وقائمة على الظلم والاستئثار وسحق الانسان وحقوقه؟‏‏

هل درست دول الجوار السوري ملياً القدرات السورية في الرد عليها مستقبلاً خاصة ان الامور باتت محسومة والمؤامرة باتت محكومة بالسقوط الحتمي بعد ان انتصر شعب سورية في تطوير نظامه وتقدم به حتى وابعد من انظمتها ؟‏‏

اسئلة نطرحها مع التأكيد بان المؤامرة على سورية سقطت في جسمها الرئيسي مع سقوط قاعدتها المركزية في حمص، وان الآتي من الايام لن يكون مطلقاً في درجة صعوبة الماضي منها رغم ان جهدا لا بد من بذله من اجل تطهير وكرٍ هنا او تجنب خطر هناك او معالجة اخلال منفرد بالامن هنالك.‏‏

:::::

· أستاذ جامعي وباحث استراتيجي