مخاطر تحول ليبيا إلى دولة “فاشلة” …

 

سامر الياس

 

 

تعجز السلطات الليبية الجديدة عن حل عدد كبير من المشكلات العالقة، ورسم معالم واضحة لمرحلة ما بعد جماهيرية معمر القذافي التي قضيت معه في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وتبرز النزعات الانفصالية شرقاً وغرباً مما يهدد وحدة أراضي ليبيا، وينذر بتحولها إلى دولة فاشلة بعد أقل من عام على نجاح الثورة ضد القذافي بدعم عربي ودولي لافت.

 

مشكلات قديمة وأخرى بعد الثورة

 

 تعود ساحات بنغازي إلى مركز الاهتمام مع تزايد أعداد المتظاهرين ضد طريقة المجلس الانتقالي في إدارة الحكم، وفي مناطق أخرى في الجنوب، والشرق تتزايد حدة الاشتباكات القبلية، والمطالبة بحكم ذاتي، وعملياً لا تمسك السلطة المركزية بزمام الأمور في ليبيا المترامية الأطراف، وتتقاسم مجموعات مسلحة تقدر ما بين 100 و300 مجموعة السيطرة على البلاد التي تصل مساحتها إلى (1.8) مليون كيلومتر مربع، وتزداد النزعة العشائرية والجهوية.

 وتقتضي الحقيقة عدم إلقاء المسؤولية عن المشكلات جميعها على السلطات الجديدة، بل على طبيعة النظام السابق أيضاً. ومما لاشك فيه أن المجلس الليبي عجز عن وضع تصور عملي لمعالجة الملفات الساخنة الملقاة على عاتقه، ومنها سحب سلاح المليشيات، ووضع دستور جديد، وإعادة تنظيم وهيكلة إدارة الدولة ومؤسساتها بتطبيق مبدأ اللامركزية، ومعالجة ملفات البطالة والعجز في التمويل، وتهميش المدن الشرقية والأقليات من أمازيغ وطوارق وتبو وغيرها من المجموعات العرقية والقبلية التي تعيش في أقصى جنوب ليبيا، ويبدو واضحاً أن السلطات الجديدة تتبع أسلوب إدارة الأزمات بدلاً من حلها،  وتتباطأ في إعادة إعمار ما خلفته الحرب الطويلة، اللهم إلا في المجال النفطي، ورغم محاولة المجلس دمج المجموعات المسلحة في الأمن أو الجيش، إلا أن مجموعات كثيرة مازالت تحمل السلاح وترفض تسليمه، وتعتبر أنه ضمانة لأمن مناطقها أو قبائلها في مواجهة تطورات مستقبلية سيئة. ويجد المجلس الوطني الانتقالي نفسه في موقف صعب فهو يدرك أن لا يجوز استمرار سيطرة القادة الميدانيين على مناطق واسعة من البلاد، وفي ذات الوقت يدرك أن سحب السلاح بالقوة قد يتسبب في حرب أهلية، كما أن المجلس لم يفلح حتى الآن في تجسيد مبدأ عدم الانتقام ومازال الشرخ واضحا بين مؤيدين ومعارضين سابقين للقذافي، ولا يلمس المواطن الليبي تغيراً نحو الأفضل في مجال الانتقال الديمقراطي، وربما تهدد المشكلات الحالية بتأجيل انتخاب الجمعية الوطنية المقرر في يونيو/حزيران المقبل، خصوصا في ظروف مطالبة المناطق الشرقية برفع حصتها للتعويض عن التهميش الواضح لها أثناء الحكم السابق.

 

المجلس الانتقالي هل استنفذ صلاحيته

 

تحدثت الأنباء الأخيرة عن تحرك في المجلس الانتقالي الليبي من أجل حجب الثقة عن حكومة عبد العزيز الكيب، ورغم نفي مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس المستشار  لهذه الأنباء فإن الواضح أن الصراع السياسي يتصاعد، مع فشل الحكومة في التصدي للمهمات الملحة، ومحاولة كل طرف الظفر بحصة أكبر في البنيان السياسي الجديد، ويمتد الانتقاد إلى طريقة المجلس الانتقالي في حكم ليبيا  بعد ازاحة القذافي، وتطرح تساؤلات حول عمل المجلس الذي تشكل في السابع والعشرين من فبراير/شباط 2011 كإطار يجمع القوى المعارضة لتمثيل الشعب الليبي واسقاط نظام القذافي، ونجح المجلس في المرحلة الأولى  وتصدى بمساندة عربية ودولية  للمهمة التي أنشئ من أجلها،  وقام بتحشيد غالبية القوى القبلية والجهوية المتضررة من النظام السابق، إلا أن الثقة بـالمجلس تراجعت بعد سقوط النظام وتفكك بنية الدولة.

ومما لاشك فيه أن انعدام الديمقراطية، وغياب الحياة الحزبية والنقابية عن ليبيا لمدة أربعة عقود من حكم القذافي لعبا دوراً كبيراً في عدم بلورة حركة سياسية قوية تنقل البلاد إلى الديمقراطية بسلام، لكن جملة من القرارات المتناقضة والمترددة التي اتخذها المجلس أطلقت حركة احتجاجات في مناطق عدة، والواضح أن عدم الحسم في القرارات  تسبب في فشل المجلس في معالجة ملفات مهمة وملحة وهي سلاح الميليشيات والصراع القبلي، والمصالحة الوطنية، وإعادة الحياة إلى إدارات وأجهزة الدولة، والبدء بإعمار ما دمرته الحرب وتعويض المتضررين منها، كأرضية لبناء نظام سياسي جديد على أساس من التعددية السياسية والحزبية الحقيقية، وتصحيح نمط التطور الاقتصادي المشوه.

 

الصراع القبلي يهدد استقرار البلاد

 

وتهدد الصراعات والمواجهات القبلية في مختلف المناطق وحدة واستقرار ليبيا، وتمثل تحدياً مفتوحاً للمجلس الانتقالي الذي يبدو عاجزاً عن ايجاد حل جذري لها، ومن المعروف أن ثورة السابع عشر من فبراير/ شباط  قسمت الليبيين إلى مؤيد ومعارض له، ولعب ارتفاع الخسائر البشرية، وطول فترة الصراع دوراً كبيراً في استمرار حالة الانقسام إلى ما بعد اسقاط القذافي، والملاحظ أن معظم الخلافات تتموضع في غرب ليبيا ووسطها وهي المناطق التي قاتل قسم كبير من سكانها إلى النهاية مع النظام السابق. وتمتد الخلافات القبلية إلى بعد إثني وعرقي وهو مابدا واضحا في الخلاف الذي نشب أخيراً بين زوارة ذات الأغلبية الأمازيغية، والجميل ذات الأغلبية العربية التي ساندت القذافي حتى آخر أيامه، وسقط عشرات الضحايا في أعمال ثأر يقول مراقبون إنها تأتي على خلفية أعمال نهب واعتداءات يقوم بها ثوار زوارة منذ سقوط القذافي، انتقاما لارتكاب مقاتلي بلدة الجميل جرائم فظيعة خلال الثورة ضد البلدة الأمازيغية.

 وتنسحب المشكلات إلى الجنوب الشرقي من طرابلس، إذ ترفض بلدة بني وليد الخضوع   لهيمنة الثوار الآتين من خارجها، وثارت في الشهر الماضي وطردت الثورار منها، والمعروف أن المدينة  تقطنها قبيلة الورفلة التي قاتلت حتى الرمق الأخير وفقدت المئات من أبنائها في المعارك، ويزداد حقد أهالي سرت، مسقط رأس القذافي، ومعقل قبيلته القذاذفة، بعدما تعرضت المدينة لتدمير ونهب واسع النطاق على يد الثوار، وتعاني المدينة تهميشاً، ويتهم السكان السلطات الجديدة بأنها تفعل ذلك انتقاماً منهم.

وتبرز في الجنوب مشكلة قبائل التبو التي عانت طويلاً من التمييز ضدها، ومحاباة القذافي للقبائل العربية الموجودة في المنطقة، ويحتدم الصراع بين الطرفين للسيطرة على بلدتي سبها، حاضرة الجنوب، والكفرة، في الجنوب الشرقي. ويبرز البعد الاقتصادي في الصراع فكل طرف يسعى إلى السيطرة على هاتين البلدتين الاستراتيجيتين  في عمليات التهريب التي تتم في اتجاه النيجر وتشاد ومنهما إلى بقية القارة السمراء.

 وتتحدث التقارير الدولية عن وجود نحو 125 ألف مسلح من أصل سبعة ملايين ليبي، ومن غير المعروف مصير كثير من الأسلحة التي كان يملكها النظام السابق ما يعني أن عدم حل مشكلة انتشار السلاح وغياب الحكم المركزي القوي قد يلهب الصراع بين القبائل للسيطرة على المناطق الاستراتيجية، والقيام بعمليات انتقام على خلفية الموقف من الثورة ضد القذافي.

 

تهميش المناطق والدعوات للحكم الذاتي

 

في الشهر الماضي جمع عدد من زعماء المجتمع المدني من الشرق عدة الاف من الاشخاص لتشكيل ما أطلق عليه مؤتمر شعب برقة، وأصدر مؤتمر برقة بيانا تأسيسيا لليبيا الاتحادية تتولى فيه الحكومة المركزية المسؤولية عن مسائل مثل الشؤون الخارجية والطاقة والدفاع ، لكن من مهام السلطات المحلية في الشرق تحديد الضرائب الخاصة بها وادارة قوات الشرطة والمحاكم التابعة لها، ودعا زعماء المؤتمر إلى  النقاش حول النظام الاتحادي، وأكدوا أنهم يطالبون بتمثيل اكبر للشرق في الجمعية الوطنية الجديدة  التي سوف تنتخب في الصيف الحالي، وتكشف هذه الخطوة عن مدى الاستياء من تهميش المناطق الشرقية، وخيبة أمل سكانها من نظام الحكم الجديد، رغم ان المنطقة وعاصمتها بنغازي كانت سباقة في الثورة ضد نظام القذافي، ويشكو معظم السكان من تجاهل الجزء الشرقي من البلاد بعد مغادرة المجلس، ويبدو أن ضعف المجلس، وافتقاده للتنظيم ترك فراغاً كبيراً سمح لبعض القوى بطرح فكرة الحكم الذاتي، أو الانفصال.

وينذر عدم وجود حل لمسألة المناطق الشرقية، والصراعات القبلية والجهوية بتقسيم ليبيا إلى فيدراليات، وربما تفتتها إلى مناطق متصارعة، وتحولها إلى دولة فاشلة، ومن المؤكد أن عدم تطور الأمور إلى هذا السيناريو يعتمد في شكل أساسي على طريقة حكم المجلس الانتقالي، والاسراع في إيجاد حلول للمشكلات، وتجريم عمليات الانتقام على خلفية المواقف من النظام السابق، والاسراع في إعادة إعمار ما خربته الحرب في المباني والنفوس، ولا بد في هذا المجال من مشاركة دولية كبيرة لمساعدة ليبيا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها وهي تنتقل من حكم ديكتاتوري فردي، إلى حكم ديمقراطي، وهذا لا يتم بالتركيز على امدادات النفط فقط، لأن تحول ليبيا إلى دولة فاشلة يمثل تهديدا للقارة السمراء، وكذلك القارة العجوز شمالا، كما أن غياب الدولة المركزية الديمقراطية سوف يحول البلاد إلى ملاذ لجماعات اسلامية متشددة، إضافة إلى ازدياد عمليات الهجرة، وتهريب السلاح وتجارة المخدرات، وعلى الأرجح فإن امدادات الطاقة لن تكون في مأمن أيضاً نظراً لانعدام الأمن والتنافس القبلي والجهوي على الحقول النفطية وخطوط النقل.

:::::

“روسيا اليوم”

http://arabic.rt.com/news_all_news/analytics/68853/