تعقيب على بحث الطالب الأزهري

 

بين الحجاب وإرضاع السائق

بادية ربيع

قدم طالب من جامعة الأزهر بحثاً أكاديمياً حول الحجاب يؤكد فيه ان الإسلام والقرأن لا يفرضا الحجاب على المرأة. وقد أثار هذا البحث جدلاً وردود فعل بين موافقٍ ومعترضٍ.

لقد قرأت بعض ما كُتب على بحث السيد طالب الأزهر بشأن الحجاب.

ما قام به الطالب الأزهري هو اجتهاد بلا شك، وهو بحث أكاديمي بالمعنى العلمي. وأعتقد أن قيامه بذلك ليس عملا سياسيا كما يعتقد البعض. فالعمل الأكاديمي أمر متعب بمعنى ان على الطالب أن يبحث عن مسألة لم يطرقها أحداً من قبل. وربما لهذا السبب كتب في هذا الأمر رغم أنه طُرق من غيره. المهم في الأمر أن بحثاً أكاديمياً يجب أن لا نختزله في تعليقات صغيرة وقصيرة ومبتسرة بما يُخرجه عن إطاره البحثي العلمي ناهيك عن التهجم.

لفت نظري ما كتبه السيد ياقين، حيث طغى على موقفه انفعال ذكوري واضح ناهيك عن الشتائم. وأعتقد أنه في دخيلته يقول اكثر! ولو سمح الموقع بأكثر من ذلك لكتب وقال.

ما كتبته البزور والسيدة أمل، حق لهن، رغم أن فيه اعتذاريات. .

لماذا؟ في اعتقادي أن الدين لا يخضع لمحددات يفرضها احداً، سواء من السلف الصالح أو غير الصالح، إن صحت التسمية. الدين مساحة إنسانية للناس بالتساوي. لا يحق للرجل أن يُفتي للمرأة، ولكن لكليهما حق إبداء الراي. قد يقول البعض الرجال قوامون على النساء. ولكن ألم تفرض فاطمة الزهراء على الإمام علي أن لا يتزوج امرأة أخرى، وأن يقبل بأن تأخذ وصيفتها معها حين تزوجت. أقصد أن الأمور ليست بالتفسيرات الحرفية، التفسير الحرفي في الدين أو النظريات يجففها ويجعلها صحراء.

تكمن الاعتذاريات في قبول تدخل الرجل في المرأة بمعنى: إن مجرد نقد رجل من الشارع للباس امرأة هو تدخل في شخصها وجسدها وهما حق لها وحدها، من الذي سمح له أن ينظر إليها نظرة تدقيق ونقد وكيف سمح لنفسه. من الذي يجيز لرجل أن ينقد لباس امرأة لا تخصه ولا تعنيه؟ أليس في هذا خلفية مخفية من الرغبة الجنسية؟

ربما كان هذا مقبولا قبل الفضائيات. أليست الفضائيات عرضا للأجساد؟ لماذا لا ينتقد السيد يقين فضائيات السعودية العديدة التي تمنع المرأة من قيادة السيارة بينما تبث لها ليل نهار مسلسلات مثيرة، ولا نقول اكثر. أليس نقد هذه أهم من النقد السطحي لبحث أكاديمي؟

إبداء الرأي أمر والتهجم أمر آخر، وأما الأخطر فهو إعطاء الشخص لنفسه حق التدخل في أجساد الآخرين! أما تجنيد السيد ياقين للآيات فهو حشد لقناعته المبطنة بفرويدية مخفية.

هذا التدخل ليس دفاعاً عن الدين، وفي أحسن أحواله هو دفاع بلا علم.أقصد علم العصر وليس العودة لفتاوى هذا أو ذاك. وحتى القرآن الكريم، من قال أن تفسير يقين لآية كريمة هو اليقين؟ كم شخص في العالم العربي والإسلامي يُجمعون على تفسير محدد لمسألة محددة. عدم الإجماع هو انفتاح فكري حر وليس ضعفا في الكتاب الكريم.

كنت أتوقع من موقعكم ان يتلقى نقداً لفتاوى شيوخ قالت بتحليل جماع الرجل لزوجته المتوفاة، جماع وداع.

أليس هذا هو العجب العُجاب؟ هل يُعقل أن يخطر ببال إنسان أن يقوم بذلك ! ألم يبكِ الرسول الكريم خديجة؟ ألم يقل فيها ما هو أرقى من الغزل : “لقد آمنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس…الخ” هذا ما يجب أن يخطر ببال الرجل والمرأة حين رحيل الآخر. وحتى بالمفهوم الاجتماعي، هل هذه نتيجة عِشرة عشرات السنين!!!!! ألا يعني هذا أن المرأة وعاء جنسياً لا أكثر وأن علاقة الرجل بها مجرد استخدام سلعة حتى الرمق الأخير، الرمق المحزن ! أليس هذا اقرب إلى الاية الكريمة: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميْتاً”. لا بل إن أكل لحم الميت ربما ممكن في المجاعة. الجنس ليس مجرد احتكاك أجساد؟ الجنس موقف إنساني اساساً!

لماذا لا يكتب البعض مثلاً عن الفتوى في السعودية، بأن تُرضع المرأة سائق سيارتها كي يتآخيا؟ عجيب! وماذ لو كانت النتيجة عكس التآخي؟ من يدري؟ وماذا لو خان الأخوة بعد رضعة أو أخرى؟ لماذا لا يكتبون عن إرضاع زميل العمل؟ وكيف إذا قرر الزميل الذهاب من الرضع إلى أمر آخر!

هذا النمط من الفتاوى هي التي تُعطي للكثيرين في الغرب مناخ احتقارنا! وهم حين يقراوا هذا، ولا شك أن الصهاينة يترجمون كل هذا، حين يقرأوا هذا لا شك سوف يشتموا القرآن الكريم والرسول وكلنا جميعاً؟

تخيلوا معي، أن سيدة توفيت، ثم يأتي الزوج ويقول للأولاد والبنات، تنحوا في غرفة أخرى كي ابقى معها؟ هل يُعقل هذا؟

في النهاية، لكل نسان الحق في الكتابة والقول، ولكن واجب كل ذي عقل أن يركز على الأمور التي ترفع من شأن الإنسان لا أن تُحط من قدره كفرد أو كأمة.

مظلوم لا شك البحث الأكاديمي.