عودة الروح مصر الجزائر سوريا…النفط يرتعد

عادل سمارة

 

بعد نصف قرن على الهجمة من الثورة المضادة على القوى القومية واليسارية، وخاصة على الناصرية والبعث وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، نشهد تغيرات حاسمة وإن ما تزال غير نهائية بعد. تغيرات في ثلاثة اقطار عربية مركزية في الجزائر ومصر وسوريا، مركزية من حيث تراثها العلماني والقومي وموقعها الجغرافي. مصر في القلب والجزائر في المغارب وسوريا في المشرق وبينهن جميعا حزب الله والمقاومة.

بعد حرب اهلية مديدة في الجزائر كانت ضحاياها 200 ألف مواطن، وخسائر تقدر ب 100 مليار دولار، وقف الشعب الجزائري ليعطي مبايعته للقوى الوطنية والقومية التقدمية والوحدوية وخاصة لجبهة التحرير الوطني. إذن لم ينس الشعب الجزائري بطولات التضحية للتحرير. ويبدو أن هذه الجبهة قد جددت نفسها عبر جيل جديد ورئيس قديم جديد.

ولكنه الامتحان الأصعب. صحيح أن الشعب العربي قد اكتشف أن حكم السماء في السماء، وأن من يزعمون تفويض السماء لهم، قد قال لهم عمر بن الخطاب: “إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة” وقد قال القول نفسه ناظم حكمت بعد الفاروق باربعة عشر قرناً : “إن الذين يملكون الصوف لا ينسجون الصوف للذين لا يملكون” ولذا، فإن اثرياء النفط والوهابية هم اثرياء لأنفسهم وتم إثرائهم لدور آخر ليس رفاه الشعب، ومن هنا كانت سخرية الجزائريين بدويلة قطر وأموالها، بل “بالمال النفطي المفخخ”.

وتلتها الانتخابات المصرية، حيث جاء ترتيب حمدين صباحي في المرتبة الثالثة رغم التزوير لصالح شفيق، ورغم أن شفيق قد دُعم من رأس المال، ومن الحزب المنحل ومن المخابرات الأميركية والغربية والصهيونية عامة، ومن أجهزة الدولة، هذا إن برَّأنا قيادة الجيش التي كان يجب أن تمنع ترشحه اصلاً، وأن تمنع الحزب الوطني من الترشح لدورتين قادمتين على الأقل. ولكن الذي وضع قانون “اجتثاث البعث” في العراق هو الذي حال دون اجتثاث الحزب الوطني هذا.

ولا نعتقد أن عدم حصول صباحي على الأصوات الأعلى هو هزيمة، بل هو الانتصار الأهم، بعد عقود من تصفية قوى الناصرية ومختلف القوى العلمانية واليسارية. إن تصويت المدن الرئيسية لحمدين صباحي هو مؤشر على مستقبل مختلف لمصر، فهي مواقع الوعي السياسي ، والحركة العمالية والفلاحين الذين حصلوا على الأرض بموجب الإصلاح الزراعي وأُخذت منهم. وهو صوت المرأة المتعلمة التي لا يقودها زوجها إلى الصندوق.

في أشهر قليلة جداً اتضح للوعي الجمعي المصري رغم النفقات الهائلة من ريع النفط “المال النفطي المفخخ” أن الإخوان ليسوا قدر مصر، كما أن شفيق ليس قدر مصر بل قبرها. وهذا التغير هو قياسي جداً من حيث قِصر الزمن. وعليه،فإن انتصار حمدين صباحي سوف يضبط خطى الإخوان الذين اندلقوا على امريكا والكيان وانتصار الجزائر سوف يضبط تهافت الغنوشي، وسلطة ليبيا الصهيونية.

وفي سوريا جرت الانتخابات رغم المذابح والعدوان الخارجي الذي وصل درجة الاستكلاب، ورغم “المال النفطي المفخخ”. وصمد النظام في سوريا بقوة الجيش وقوة الشعب، وهو يسير باتجاه الإصلاح رغم ألغام الإرهاب، وهي ألغام سوف تتواصل وإلى فترة، لكنها لا تُسقط أنظمة بل تُدمي الجماهير التي تدرك وجوب الحفاظ على سوريا وعلى النظام أن يجد الآلية المناسبة لتجاوز السوق الاجتماعي والعودة إلى الاقتصاد المخطط. فالطبقات الشعبية لا تقدم حبها دون مسائلة.

بقي أن نشير إلى أن الجيش الجزائري حمى الوطن لأنه وليد جبهة التحرير الوطني، وبأن الجيش السوري حمى الوطن لأنه وليد سوريا القومية العربية، ولا شك أن الجيش المصري لا ينتظر سوى التخلص من صفه القيادي الأول الذي لا شك فيه تغول أميركي.

إذن هي ثلاث دول عربية مركزية، مطلوب منها الحفاظ على تماسكها الوطني سواء من حيث الأمن والصراعات التجزئية، ومطلوب منها في الجزائر وسوريا مغادرة اللبرالية الجديدة، ومطلوب من الناصريين في مصر مواصلة “الثورة” الأولى إلى الثانية والثالثة.

 

نحن أمام صراع مر بين الثورة والثورة المضادة ولا بد من النصر. ولنتذكر جميعاً، أن الجزائريين من وزيرة الثقافة إلى سائق السيارة يقولون: “قال لنا بومدين لو اعترفت كل الدنيا بإسرائل، فالجزائر لن تعترف”