الصهيونية: الحقيقة بكاملها

 

(الجزء الرابع)

بروفسور إسرائيل شاحاك

 

(أشرف على الترجمة من العبرية إلى العربية وتحريرها)

(2 كانون ثاني 1975، نشرة داخلية لبست للبيع—دوسية مطبوعة على الآلة الكاتبة)

مراجعة وتدقيق وتحرير

خليل نخلة (2012)

تل أبيب 9/12/1948

دعاني الرئيس حاييم وايزمن إلى التداول معه في رحوفوت، وإستقبلني في الحادية عشرة بلطفه المعهود، وقال لي مبتسما:

بحوزتك الآن من الأراضي ما يكفيك ويزيد؟

ومن خلال ردي على هذا السؤال، إستعرضت أمامه المسألة العربية بالشكل الذي أراه، وخشيت أن يراني متطرفا من جراء ذلك، غير أنه فاجأني بالقول—ولكم كانت فرحتي عظيمة ساعتئذ—بأنه متفق معي في الرأي بشأن كل النقاط التي أثرتها، إذ يجب أن لا يكون بوسع العرب أن يعودوا، وستكون على إستعداد لدفع بعض التعويضات لهم مقابل ممتلكاتهم التي خلفوها، وذلك كي يتدبروا أمورهم في الدول العربية.

تل أبيب 14/12/1948

كان رأي ساسون، الذي عاد من باريس، بشأن حل مشكلة اللاجئين العرب، غير متفق مع رأي اللجنة. فهو يرى أن علينا أن نتساهل بعض الشيئ ونسمح بعودة بعض اللاجئين إلى البلاد، بحيث يتيسر لنا بعد ذلك إسكان أغلبيتهم داخل الدولة العربية. لم أوافقه على رأيه.

حيفا 15/12/1948

روى لي فايس أن وزارة المالية لم تأذن له بإستخدام سندات مالية إسرائيلية، كوسيلة للدفع للعرب الذين يبيعون أراضيهم، وذلك بحجة أن سياسة الدولة بعدم إقتناء أراضي من العرب في الوقت الحاضر، وذلك كي لا يتحدد سعر للأراضي، يقيدنا فيما بعد عندما يجري الحديث عن تسوية مع اللاجئين…

حيفا 18/12/1948

قبل خروجنا من طبرية، تحدثت أنا وعزرا مع بن غوريون حول مسألة اللاجئين العرب. وقد أسرع بن غوريون إلى قطع الطريق علي بإعلامي: أن الحكومة قد خلصت نهائيا إلى قرار يفيد بمنعنا من شراء أية أراضي من العرب، لأن الحكومة ذاتها ستبيع للكيرن كييمت مليون دونم بأسعار زهيدة، كأن نقول عشر ليرات للدونم الواحد، وذلك كي نوظف هذا المال في مصلحة الإستيطان. وعندما يتطلب الأم دفع بعض التعويضات للعرب سنعود إلى التفاوض مع الكيرن كييمت حول مبلغ إضافي. وكعادته لم يترك لنا أي مجال لكي نناقشه. وأضاف قائلا:

‘أوشكين بتاعك كان يؤكد دائما أن أرض إسرائيل ستضيق باليهود، وها هنا يحدث العكس تماما: الأراضي واسعة شاسعة، لكن المستوطنين قلة ونادرون. وأية قيمة لقصاصة الورق أو ‘ الكوشان‘ بإمتلاكنا الأرض إذا لم نستوطنها في الحال. ثم إنه لا توجد نقود، ونحن بحاجة للحصول على المال من الكيرن كييمت، لسد إحتياجات الإستيطان.‘

وعندما سألته عن كيفية تنظيم عملية البيع، تهرب من إعطاء جواب صريح وإكتفى بالقول بأن الحكومة والدولة قادرتان على كل شيئ.

وجوابا على إستفساري عما إذا كنا سنضع يدنا على قسم من أراضي القرى، ونترك قسما للعائدين، قال إنه هو وأعضاء حكومته قد قرروا أننا سنضع يدنا على الكل دفعة واحدة، وفي كل قرية تقع ضمن حدودنا، وذلك لسد إحتياجات إستيطاننا. أما عن العرب فلن نعيدهم إطلاقا…

أما عن اللاجئين الذين يتسللون عائدين إلى ديارهم، فقال إنه أصدر تعليماته الصريحة لسلطات الحكم العسكري والقاضية بالقضاء على التسلل، وأنه سيمد هذه السلطات بكتيبة إضافية لتنفيذ هذه المهمة.

طبريا 18/12/1948

إنطلقنا يوم الثلاثاء من القدس إلى تل أبيب ومنها إلى حيفا في اليوم التالي، ثم من حيفا إلى طبرية برفقة نحماني ونحمان، وعن طريق الجليل الأعلى…

يا لها من رحلة بديعة تمتع النظر، وتغني الخيال، وتعمق الإحساس… عندما وصلنا إلى قرية الزيب وجدناها مهدومة من أساساتها. وإنكفأت على نفسي أفكر: أكان من المحبذ أننا هدمنا هذه القرية، لو لو تركنا بيوتها عامرة، ثم أحضرنا إخوتنا اليهود وأسكناهم فيها، وكم كان الإنتقام آنذاك ألذ وأعظم!!

وقد بانت لنا قرية البصة خالية وموحشة وملغومة…

لقد تملكني في تلك اللحظات شعور خاص نابض، صادر من أيام الخلق الأولى… شعور بالنصر والجبروت وبالتشفي والإنتقام وبالإنفصال عن المعاناة. أجل وفي الحال تسكن كل خلجاتك وتستقر أحاسيسك جميعها، وأنت تنظر فترى بيوتا عامرة تصلح لكي تحمي تحت سقوفها أجيال المشردين من إخوانك، ولاجئي شعبك المفعمي القلوب بالعذاب وبالحنين … وقد وجدوا في نهاية المطاف مستقرا ومأمنا لأنفسهم… ويتضح لنا آنذاك أن هذه الحرب كانت حربنا! ولكن ياترى هل إنتهت…

يوما بأكمله سرنا على دروب الجليل، ورأينا خلاله آثار الحضارة الزراعية الأصيلة الجذور، التي خلفها النازحون وراءهم. ولقد تملكني الهم من جراء ذلك، ومن جراء واقعنا الحالي. فمن أين لنا بطاقات بشرية كافية لمواصلة هذه الحضارة ولمتابعة تعميقها وتوسيعها؟ ومتى سنقدر على حشر الآف اليهود إلى هنا لكي يزيلوا عن هذه المرابع الموحشة، الوحشة إلى الإنسان، ولكي يبقى الجليل على أزهاره…

القدس 23/1/1949

زارني عزرا في القدس وبحثنا معا مسألة التسوية مع اللاجئين العرب. وكان رأيه أن علينا القيام بحملة دعائية بين العرب، لإقناعهم بالمطالبة بأن تدبر أمور معيشتهم في البلدان العربية التي هم فيها. وقال إن الأشخاص الذين تجولوا مؤخرا في الدول العربية جاؤا بأخبار مفادها أن اللاجئين أخذوا يتمسكون بقطع أرض في شرق الأردن والجزيرة السورية، وأن هذه الظاهرة مرغوب فيها…

القدس 11/2/1949

عقدت اللجنة جلسة بناء على طلب موشيه شرتوك لبحث مسألة اللاجئين العرب. وضمت اللجنة كلا من عزرا وليفشيتس وشرتوك وأنا. وقال شرتوك إنه أعلن لجنة التحكيم أن حكومة إسرائيل لن تعيد اللاجئين ولكنها ستكون على إستعداد لتعويضهم عن ممتلكاتهم من خلال إحصاء الخسائر والأضرار التي لحقت بهم. وقال إن أعضاء لجنة التحكيم لم يرضوا عن هذا الموقف، وأن العضو الفرنسي أعرب عن إنصدامه وقنوطه، لأنه كان يأمل أنه وفي هذه النقطة بالذات، من الممكن إيجاد حل وسط، وها هو يفاجأ بأنها قد تحولت إلى حجر عثرة في طريق السلام…

وقد سألنا شاريت بعدئذ ماذا يتوقع من اللجنة أن تفعل—إذا كان يرى مجالا لأن تفعل شيئا ما—ولأننا نرى أنه وقبل كل خطوة تخطوها، يجب إعداد الرأي العام في الولايات المتحدة وفي الدول العربية أيضا لكي يتقبل موقفنا. ولقد وافق على وجوب العمل في هذا الإتجاه. وعندئذ طلبت منه تزويدنا بتفويض خطي، لأننا لا نبغى القيام بأي عمل لا يحمل إعتراف الحكومة به. ولقد إبتسم ووعد بإصدار التفويض…

القدس 18/3/1949

وصلني التقرير الذي قدمه العربي الذي أرسل إلى منطقة الجزيرة السورية لفحص حياة اللاجئين فيها وقابلية إستيعابها لهم. وكنت قد قررت أن أبدأ بمعالجة هذا الموضوع من جديد، وذلك بعد أن طلب موشيه شاريت من اللجنة دراسة وإستقصاء إمكانيات الإستيعاب في الدول العربية، ومسألة إعادة فئة من اللاجئين إذا فرض علينا ذلك…

تل أبيب 24/3/1949

نهضت اليوم مبكرا، ورافقت اللجنة في زياراتها لمنطقة حديثة والذنيبة، لفحص قابلية الإستيطان في القرى المهجورة. ولقد شارك في الرحلة كل من: جباتي وياسين ودشفسكي وبوبريتسكي وليفشتس وضابط إتصال وقائد المنطقة واللواء…

بدأنا جولتنا من المجدل ثم إنحدرنا جنوبا إلى المزيرعة وقولا والطيبة وبيت نبله ودير طريف وحديثة وموديعين وجمزو وبرفيلي وشلتا وبير معين والذنيبة. وكانت معظم هذه القرى كبيرة ومشيدة من البيوت الحجرية الجميلة، ومحاطة ببساتين الزيتون والحقول الممتدة الواسعة، وهي تضجع بين إنبساطة السهل وسفح الجبل. أما ما يتربع منها فوق السفح فهي أصغر مساحة وأقل بيوتا، وذلك لإفتقارها للأراضي الصالحة للزراعة، ولإنتشار الأرض الصخرية فيها. وبالرغم من ذلك يتوجب أن نستوطنها أيضا.

بئر السبع 29/3/1949

بعد أن تناولت وجبة العشاء في مطعم كاسيت هذه المرة، إلتقيت مع يغئال ألون في بيت الحاكم، ودار حديثنا حول حوادث التسلل وهدم البيوت وإزالة الألغام… وإختيار مراكز لتجميع بدو النقب فيها وما شابه…

وكان يغئال قد روى لي كيف أن الجيش يتخذ جميع الوسائل المجدية ضد عمليات التسلل، ومن ضمنها أنه أعلن عن منطقة محرمة، وهي عبارة عن قطاع عرضه ثمانية كيلومترات ويمتد على طول الحدود مع مصر والأردن. وكل غريب تصادفه دورياتنا فيها تطلق عليه نيرانها بدون سؤال أو جواب… وطمأنني إلى أن هذه الخطة نجحت وأدت إلى تناقص محاولات التسلل إلى حد كبير.

تل أبيب 12/7/1949

خلال لقائي مع ساسون هذا المساء، تحدثنا طويلا عن مشكلة اللاجئين العرب. وهو كعادته دائما متفق معي في الرأي حول حل هذه المشكلة وحول طرق الحل. ولكن ‘الشيخ‘ (دافيد بن غوريون) لم يوافق حتى على سماع آرائي، لأنه يعتقد أن الزمن كفيل بأن يعفي على المسألة برمتها، وأن يكتنفها النسيان…

القدس 8/3/1950

عقد رئيس الوزراء بعد ظهر هذا اليوم جلسة موسعة لبحث مسألة العرب، ولتقرير سياسة الحكومة إزاء الأقلية العربية عندنا. ولقد إشترك في الجلسة موشيه شاريت وثماني عشرة شخصية سياسية أخرى، ولم يبق أحد من الموجودين لم يدل برأيه. وقد تكلم موشيه شاريت مرتين، وقرر يغئال يدين بصراحة ووضوح أن أقلية عربية لدينا تشكل خطرا علينا في وقت الحرب وفي وقت السلم على السواء. ولقد كنت متفق الرأي معه تماما. ولذلك أشرت في كلمتي إلى أن نقص الخط الواضح قي سياسة الحكومة إزاء هذا الموضوع، أدى إلى تزايد عدد العرب لدينا بمعدل الضعف تقريبا. وطالبت بحث العرب على الهجرة، مع دقع ثمن ممتلكاتهم وأراضيهم. ولكن هذا الخط لم يتقرر حتى في هذه الجلسة أيضا…