سوريا تركيا إسرائيل وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير


إف وليام إنغدال

ترجمة: عاصم مظلوم

(1)

 قامت تركيا في 3 تشرين الثاني 2012 بقصف داخل الأراضي السورية بشكل متكرر. هذا العمل العسكري التركي، ولمصلحة الرغبة التركية، كان بهدف خلق منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية وأتى ردا على على مزاعم قيام الجيش العربي السوري بقتل عدة مدنيين أتراك على طول الحدود التركية السورية.

يوجد اعتقاد واسع بأن قذيفة المورتر السورية الوحيدة التي أصابت 5 مدنيين أتراك قد تكون  أطلقت من قبل الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا بهدف توفير غطاء لتركيا للتحرك عسكريا، وبلغة الاستخبارات العسكرية يعني ذلك “عملية مزيفة”.

وزير الخارجية التركي المقرب من الإخوان المسلمين، أحمد داود أوغلو الغامض، هو المهندس الرئيسي لاستراتيجية الحكومة التركية الانتحارية الهادفة إلى الإطاحة بحليفها السابق بشار الأسد في سوريا.

وفقا لتقرير فإن تركيا منذ عام 2006 تحت قيادة حكومة الإسلامي رجب طيب أردوغان، وحزبه الداعم للإخوان المسلمين، أصبحت تركيا المركز الجديد لحركة الإخوان المسلمين العالمية. مصدر مطلع من العاصمة إسطنبول يعزو ذلك التقرير إلى ما قبل الحملة الإنتخابية التركية حيث تلقى حزب رجب طيب أردوغان “تبرعا” بقيمة 10 مليارات دولار من العائلة الحاكمة السعودية، وهي القلب النابض للحركة الجهادية السلفية العالمية التي تعمل تحت عباءة الوهابية المتشددة. قامت المخابرات المركزية الأمريكية  في الخمسينيات بنقل قادة الإخوان في المنفىإلى مملكة آل سعود وحدث انصهار بين الوهابية السعودية والجهاد المتطرف للإخوان المسلمين.

الرد التركي على قذيفة المورتر السورية الوحيدة، والذي لاقاه اعتذار سوري، يرسم خط حرب واسعة النطاق بين البلدين الذين كانا حتى العام المنصرم حليفين مقربين على المستوى التاريخي، الثقافي، الإقتصادي وحتى الديني.

أصبح خطر تلك الحرب أكثر خطورة من ذي قبل. تتمتع تركيا بعضوية كاملة في النيتو الذي تنص قوانين بشكل واضح أن أي هجوم على أي عضو من الحلف يعتبر بمثابة هجوم على كافة الأعضاء. كما أن حقيقة أن روسيا والصين النوويتين أكدتا أن الدفاع عن نظام الأسد هو أولوية استراتيجية تقرب من احتمال نشوب حرب عالمية إلى حد أكبر مما يتخيله الكثير منا.

في كانون الأول 2011، صرح فيليب غيرالدي، محلل توازن القوى في المنطقة ومحلل سابق في المخابرات المركزية الأمريكية، بملاحظة تعتبر سابقة من نوعها:
إن الناتو متورط سلفا بشكل سري في النزاع السوري، حيث تحتل تركيا موقع القيادة بالنيابة عن الولايات المتحدة. وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو اعترف علنا أن بلده مستعد للغزو العسكري بمجرد حصول توافق بين الحلفاء الغربيين على ذلك. سيعتمد التدخل على غطاء إنساني، أي حماية المدنيين بناء على نظرية “المسؤولية عن الحماية” التي تم تطبيقها لتبرير الحرب على ليبيا. تقول مصادر تركيا أن التدخل من المحتمل أن يبدأ بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية ليتم توسيعها لاحقا. حلب أكبر المدن السورية وأكثرها تنوعا ستكون جوهرة التاج التي ستستهدفها “قوات التحرير”.

يتواصل وصول طائرات حربية غير معلمة تابعة للناتو إلى قاعدة تركية عسكرية قرب لواء إسكندرون على الحدود السورية وهي تحمل شحنات من ترسانة الراحل معمر القذافي إضافة إلى متطوعين من المجلس الوطني الإنتقالي الليبي  المتمرسين في تدريب المتطوعين المحليين لمواجهة الجنود المدربين، وهي مهارة حصلوا عليها نتيجة مواجهتهم لجيش القذافي.

الإسكندرون هو أيضا مقر للجيش السوري الحر، الذراع العسكري للمجلس الوطني السوري. يعمل على الأرض أيضا مدربون بريطانيون وفرنسيون من القوات الخاصة لمساعدة المتمردين السوريين، فيما تقوم المخابرات المركزية الأمريكية وأفراد من الوحدات الخاصة الأمريكية بتوفير معدات اتصال ومعلومات إستخبارية لدعم الثوار وبذلك يساعدونهم على تفادي أماكن تجمع الجيش العربي السوري.

الأمر هو أن القليل انتبه إلى حادثة وقعت في ذات اليوم الذي بدأت فيه تركيا بالرد غير المتناسب على شكل هجوم عسكري على الأراضي السورية، وهو مستمر حتى لحظة كتابة هذه السطور، تحركت قوات الدفاع الجوي الإسرائيلية بشكل متعمد لتشتيت تركيز سوريا عن الحدود التركية ولخلق سيناريو مرعب لفتح حرب على جبهتين مماثل لما واجهته ألمانيا في الحربين العالميتين، حيث قامت تلك القوات بحشد عدد لا بأس به من القوات على مرتفعات الجولان الإستراتيجية التي تحد بين البلدين.

المرحلة الجديدة التي تتكشف عن احتمال وقوع تدخل عسكري أجنبي مباشر عبر تركيا يدعمه حقيقة أن نتنياهو ينفذ حرفيا وبشكل مثير للجدل سيناريو وضعه معهد للمحافظون الجدد ذو تأثير في واشنطن وهو معهد أبحاث بروكينغز. في ورقة عمل أصدرها المعهد في آذار 2012 بعنوان “إنقاذ سوريا”: تقييم خيارات تغيير النظام، قام محللو الإستراتيجيات الجيوسياسية بوضع خطة لإستغلال القلق المزعوم بشأن موت المدنيين على شاكلة ما حدث في ليبيا عام 2011، لتبرير تدخل عسكري عدواني في سوريا، وهو شيء لم يحدث من قبل.

حدد تقرير معهد بروكينغز السيناريو التالي:

يمكن لإسرائيل نشر قوات في أو قرب مرتفعات الجولان، وبقيامها بذلك يمكن أن تشتت تركيز قوات النظام عن إخماد الإنتفاضة. هذا الإنتشار يمكن أن يبث مخاوف لدى نظام الأسد حول احتمال اندلاع حرب على جبهتين وخاصة مع قيام تركيا بالمثل على حدودها وخاصة إذا تم دعم المعارضة السورية بالتدريب والسلاح بشكل متواصل.

يبدو أن هذا هو بالضبط ما يحدث في مطلع تشرين الأول 2012. كتاب تقرير معهد بروكينغز هم من المرتبطين بصقور الحرب الأشد تأثيرا من المحافظين الجدد والذين كانوا وراء حرب بوش- تشيني على العراق. أما المشرف عليهم، معهد الصبان لسياسات الشرق الأوسط، فهو يضم مستشارين حاليين في الشؤون الخارجية لمرشح الجناح اليميني في الحزب الجمهوري ميت رومني، وهو المرشح الذي يحظى بحظوة نتنياهو علنا.

تم تأسيس مركز بروكينغز صبان لسياسات الشرق الأوسط الذي أصدر التقرير نتيجة تبرع سخي في معظمه من حاييم صبان وهو ملياردير إعلامي صهيو-أمريكي ويملك عملاق الإعلام الإلماني شبكة برو سيفن. لا يخفي حاييم صبان توجهاته وأهدافه في الترويج لمصالح إسرائيلية محددة، وقد وصفته صحيفة ذا نيويوك تايمز بأنه “يدعم إسرائيل بدون كلل أو ملل”. في مقابلة مع نفس الصحيفة عام 2004، صرح الصبان بأنه “شخص يحمل قضية واحدة، وقضيتي هي إسرائيل”.

باحثو ومديري مركز الصبان يتمتعون بانحياز واضح إلى جانب المحافظون الجدد وحزب الليكود، ومنهم سواء في الماضي أو الحاضر، شلومو ياناي المدير السابق لقسم التخطيط العسكري في قوات الدفاع الإسرائيلية، مارتن إنديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ومؤسس معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى الداعم لإسرائيل أحد اللوبيات الرئيسية الداعمة لسياسات الليكود في واشنطن.أما الزملاء في المركز فمنهم أفي ديكتر، مدير الشين البيت، يوسف كوبرفاسر مدير سابق لقسم الدراسات في المخابرات العسكرية الاسرائيلية. الباحثون المقيمون منهم بروس ريدل خبير سي آي إيه في شؤون الشرق الأوسط لمدة 30 عام ومستشار أوباما للشؤون الأفغانية، كينيث بولاك خبير سابق لدى السي آي إيه لشؤون الشرق الأوسط وكان له دور في فضيحة التجسس الإسرائيلي عندما كان مسؤول في شؤون الأمن القومي في إدارة بوش.

لماذا قد ترغب إسرائيل بالتخلص من عدو تعرفه “بشار الأسد” واستبداله بنظام في يد الإخوان المسلمين؟ من الواضح أن أمن إسرائيل قد يواجه تهديد ناشىء عن انبثاق خط متشدد للإخوان في مصر، سوريا وربما الأردن في القريب العاجل.

البعد الجيو سياسي

السؤال الهام الذي يجب طرحه في هذه المرحلة هو ما الذي يمكن أن يجمع بين إسرائيل وقطر وتركيا في هذا التحالف الشيطاني من جهة، وبين سوريا الأسد وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى، في هذه المواجهة الفتاكة على المستقبل السياسي لسوريا؟
أحد الأجوبة هو جيوسياسة الطاقة.

أحد الجوانب التي لم تنل التقدير الذي تستحقه حتى الآن في التقييمات الجيوسياسية للشرق الأوسط هو التصاعد الدراماتيكي لأهمية السيطرة على الغاز الطبيعي ليس فقط بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، بل أيضا للاتحاد الأوروبي ومنطقة أوراسيا بما في ذلك روسيا بصفتها منتج والصين بصفتها مستهلك.

يتسارع مدى أهمية الغاز الطبيعي بسرعة لأنه “مصدر نظيف للطاقة” وهو الأمثل لاستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية في الإتحاد الأوروبي، وخاصة بعد القرار الألماني بالتخلص من المحطات النووية بعد كارثة فوكوشيما. يعتبر الغاز مصدرا أكثر صداقة للبيئة من جهة إنبعاث الكربون. السبيل الواقعي الوحيد أمام حكومات الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا، لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون الإجبارية بحلول عام 2020 هو تحول كبير نحو استهلاك الغاز بدلا من الفحم. يقلل الغاز منإنبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50-60 % مقارنة بالفحم. نظرا لكون التكلفة الإقتصادية لاستخدام الغاز بدلا من طاقة الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير، يرتقي الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق ناشىء للغاز في العالم.

اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في اسرائيل، قطر وسوريا بالتوازي بالإضافة إلى صعود الاتحاد الأوروبي ليصبح أكبر مستهلك للغاز في العالم، تجتمع هذه العوامل لتشكل بذور النزاع الجيو سياسي حول نظام الأسد.

(2)

في تموز 2011 أثناء ذروة عمليات الناتو ودول الخليج لزعزعة نظام الأسد، قامت حكومات سوريا والعراق وإيران بتوقيع اتفاقية تاريخية للطاقة يتم بموجبها مد أنبوب، وقد مرت تلك الإتفاقية مرورا عابرا ضمن تقارير السي إن إن عن التوتر في سوريا. من المتوقع أن يكلف الخط حوالي 10 مليار دولار ويستغرق مده حوالي 3 أعوام، وسيبدأ من ميناء عسلويه الإيراني على الخليج الفارسي وينتهي في سوريا مارا عبر الأراضي العراقية. كما تخطط إيران مستقبلا لمد الخط من دمشق إلى مرفأ في لبنان ليتم نقل الغاز إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، وستشتري سوريا وكذلك العراق الغاز من حقل فارس الجنوبي للغاز.


هذا الحقل يمتلك إحتياطيا كبيرا يمتد على مساحة كبيرة وينقسم بين قطر وإيران في الخليج، ويعتقد أنه أكبر حقل للغاز في العالم.

ما يعقد الواقع الجيوسياسي أيضا هو حقيقة أن مخزون هذا الحقل مقسم من المنتصف في مياه الخليج بين إيران الشيعية وقطر السنية السلفية. تصادف ذلك مع وجود قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، ومقرات قيادة قوات سلاح الجو الأمريكية الوسطى، والقوات المجوقلة 83، و379 في قطر. بالمختصر، بالإضافة إلى امتلاك قطر لقناة الجزيرة المناهضة للأسد، وهي قناة تبث دعاية معادية لسوريا عبر العالم العربي، فإن قطر مركز للوجود الأمريكي ووجود الناتو في الخليج.

من الواضح أن قطر لديها مشاريع أخرى بشأن حصتها من حقل فارس الجنوبي لا تتماشى مع جهود بناء خط الغاز الإيراني – العراقي – السوري، وليس لديها مصلحة في نجاح هكذا مشروع لأنه مستقل تماما عن السيطرة القطرية أو التركية على خطوط العبور إلى الأسواق المفتوحة في الاتحاد الأوروبي. في الواقع، تقوم قطر بكل ما تستطيع لتخريب هذا المشروع، وصولا إلى وبما في ذلك تسليح المقاتلين المتشددين في “المعارضة” السورية، والعديد منهم جهاديون تم إرسالهم إلى سوريا من بلدان أخرى منها مملكة آل سعود والباكستان وليبيا.

سبب آخر يزيد من تصميم قطر تدمير خط الأنابيب المذكور هو اكتشاف حقل غاز جديد ضخم في منطقة قارة في سوريا قرب الحدود اللبنانية وأيضا قرب القاعدة الروسية المستأجرة في طرطوس على البحر المتوسط. أي عملية تصدير للغاز السوري أو الإيراني إلى الإتحاد الأوروبي ستكون من ميناء طرطوس القريب من القاعدة الروسية. وفقا لمصادر جزائرية مطلعة، فإن إكتشافات الغاز السورية تتجاوز أو تساوي تلك القطرية بالرغم من عدم اعتراف الحكومة السورية بذلك.

وفق محلل مطلع، تقضي الخطة القطرية بتصدير الغاز القطري عبر ميناء العقبة في الأردن، وهو بلد يشكل فيه  الإخوان المسلمين تهديدا على الديكتاتور الأردني الملك عبد الله، وهذا الأمر يشكل خطورة على عملية تصدير الغاز. يبدو أن أمير قطر قد أبرم صفقة مع إخوان الأردن بحيث يدعم توسعهم في العالم مقابل عدم تهديد نظامه في قطر. إن حكم الإخوان المسلمين في الأردن وسوريا المدعوم قطريا سيغير كافة الأسس الجيوسياسية لسوق الغاز العالمي بشكل مفاجى وحاسم لمصلحة قطر وضد مصلحة روسيا وسوريا زإيران والعراق، كما سيوجه ضربة موجعة للصين.

وفق المحلل المطلع، بيبي إسكوبار ” الأهداف القطرية واضحة كالشمس, وهي القضاء على مشروع خط الغاز الإيراني العراقي السوري وكلفته 10 مليار دولار، وهي صفقة تمت حتى بوجود الثورة السورية. هنا تكون قطر في مواجهة مع إيران (كمنتج) وسوريا (كوجهة)، وبدرجة أقل مع العراق (كدولة عبور). يجب أن نتذكر أن إيران والعراق ضد تغيير النظام في دمشق، وإن حدث تغيير للنظام هناك عبر الغزو المدعوم والمقترح قطريا ستكون الأمور أسهل على قطر، فنشوء حكم الإخوان المسلمين في دمشق بعد سقوط نظام الأسد يعني ترحيبهم بخط غاز قطري، وهذا سيسهل توسيعه ليصل إلى تركيا أيضا.”.

معضلة الغاز الإسرائيلي

عامل آخر يزيد من تعقيد الصورة هو الإكتشافات الحديثة لكميات ضخمة من الغاز في السواحل الاسرائيلية.
من المتوقع أن يبدأ حقل تامار للغاز الطبيعي شمالي اسرائيل بإنتاج الغاز في أواخر 2012، وهذا ما غير اللعبة في وقته.

أعلنت 3 شكرات تنقيب اسرائيلية وشركة هيوستن تكساس نوبل للطاقة عن تقديرات تصل إلى 16 تريليون قدم مكعب من الغاز في لافياثان، وهذا يجعل منه أكبر حقل غاز بحري تم اكتشافه منذ عقد، وهذا الحقل لوحده قادر على تغطية حاجات اسرائيل من الغاز لمئة عام مقبل.
لطالما كانت اسرئايل تخاف نقص الطاقة لديها منذ تأسيسها عام 1948، وقامت بالعديد من عمليات التنقيب عن النفط والغاز وكانت النتائج دائما ضئيلة مقارنة بجيرانها العرب الأغنياء.  فجأة في عام 2009 أعلنت تكساس نوبل إينرجي عن اكتشاف حقل تامار بتقدير 8.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، وكان الحقل أكبر اكتشاف لحقل غاز عام 2009.

في وقت مضى، كان تقدير إجمالي احتياطي الغاز الاسرائيلي بحوالي 1.5 مليار قدم مكعب، وكانت التقديرات الحكومية تشير إلى أن احتياطي الغاز في الحقل الإسرائيلي الوحيد لدى إسرائيل في حينها، والذي يغطي 70% من الاحتياجات، سيتم استهلاكها خلال 3 أعوام.

مع اكتشاف حقل تامار تحسنت الأمور بشكل ملحوظ، وبعد عام من اكتشافه تم اكتشاف أكبر حقل غاز منذ عقود في تلك المنطقة. التقديرات الحالية تشير أن أن احتياطي الحقل الجديد يبلغ 17 مليار قدم مكعب من الغاز، وبذلك تحول الجوع الاسرائيلي للطاقة من “المجاعة” إلى “التخمة” خلال شهور معدودة.

الآن تواجه اسرائيل معضلة استراتيجية خطيرة جدا. فليس من مصلحتها أن ينافسها نظام الأسد والمحور الإيراني – السوري – العراقي – اللبناني على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أسواق الغاز في الإتحاد الأوروبي. قد يفسر ذلك سبب التدخل الإسرائيلي ضمن المعارضة ضد الأسد. من ناحية أخرى، تولي الحكم من قبل الإخوان المسلمين في سوريا بقيادة جناح رياض الشقفة يمكن أن يخلق حدودة أكثر عدائية في ضوء التوتر الحاصل على الحدود المصرية – الاسرئيلية بعد إنقلاب الإخوان ووصول محمد مرسي إلى الرئاسة.

ليس سرا وجود توتر بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما، فالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية دعت التغيير لصالح الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط بشكل علني. لقاء كلينتون مع داود أوغلو في آب العام الماضي كان الهدف منه دفع تركيا للتصعيد بشأن التدخل العسكري في سوريا لكن بدون دعم أمريكي مباشربسبب السياسات الإنتخابية التي تتفادى التورط مباشرة في مستنقع شرق أوسطي جديد.
لكن من الواضح أن إدارة أوباما تراهن على حصان الإخوان المسلمين للسيطرة على ثروات الغاز الشرق أوسطية.

الدور الروسي

تسير واشنطن حاليا على حبل مشدود على أمل إضعاف نظام الأسد إلى الحد القاتل بدون أن تظهر تورطها بشكل مباشر. أما روسيا فهي تلعب لعبة حياة أو موت على مستقبل مصدر قوتها الجيوسياسية الأهم، أي مركزها كمصدر الغاز الرئيسي إلى الإتحاد الأوروبي. بدأت شركة غازبروم المملوكة للحكومة الروسية هذا العام بتصدير الغاز الروسي إلى شمال ألمانيا عبر أنبوب يمر من بحر البلطيق إنطلاقا من ميناء سانت بطرسبرغ. بالإضافة إلى أهمية مستقبل الدور الروسي الاستراتيجي كمصدر رئيسي للغاز إلى الإتحاد الأوروبي، فإن لعب دور استراتيجي في استثمار الإحتياطي المكتشف حديثا في حليف الحرب الباردة، سوريا.

استثمرت روسيا كثيرا في الترويج لخط الغاز الجنوبي الواصل إلى أوروبا كبديل عن خط نابوكو الأمريكي الذي تم تصميمه خصيصا لضرب المصالح الروسية.

تحتل غازبروم موقع الصدارة كأكبر مصدر غاز طبيعي إلى الإتحاد الأوروبي، وهي تخطط مع خطوط أخرى لزيادة نسبة التصدير إلى أوروبا هذا العام بحوالي 12% أي 155 بليون متر مكعب. وهي تسيطر حاليا على 25% من إجمالي سوق الغاز الأوروبي وتخطط لزيادة حصتها إلى 30% عند الانتهاء من مد الخط الشمالي ومشاريع أخرى.

إن معركة السيطرة على مستقبل سوريا هي مجرد معركة في خضم حرب جيوسياسية هائلة، وهي قاطرة سحب لها. نتيجة معركة سوريا ستكون لها عواقب هائلة، إما سلام عالمي أو حروب ونزاعات ومذابح لا تنهتي.

تركيا الناتو نلعب بالنار، وكذلك أمير قطر، وأيضا نتنياهو وفرنسا وأمريكا، فالغاز الطبيعي غاز قابل للالتهاب يزيد طين الصراع على الطاقة بلة في هذه المنطقة.

F. William Engdahl is author of Myths, Lies and Oil Wars. He may be contacted through www.williamengdahl.com .

:::::
المصدر: موقع الجمل، قسم الترجمة