مصر بين ارادتين: شعب ميدانها واميركا واخوانها…. فمن سينتصر؟


العميد الدكتور امين محمد حطيط

نحن لا ننكر ابدا ان كثيرا من الذين نزلوا الى الشارع في البلدان العربية التي شهدت حراكاً، صارخين بوجه الحاكم الذي اسلم قياده الى الغرب، كانو يريدون حقا واصلاحا، ولكن كنا ولا زلنا نستصعب التصديق بان الغرب سارع لاحتضان تلك التحركات الشعبية، او حتى ارسال طيرانه من اجل اسناد “الثائرين” انه فعل ذلك من اجل نشر الحرية والديمقراطية والعدالة في بلاد العرب. والا كيف يمكن ان نقتع بان الغرب نفسه يدعم انظمة الاستبداد واستباحة الكرامات والحقوق في مشيخات الخليج وممالكه.

ان حقيقة ما جرى و يجري في البلاد العربية الان لم يكن الا تطبيقا حرفيا لما اوصى به مؤتمر هرتزليا الصهيوني في العام 2009 (المؤتمر الذي تداعى اليه عتاة الصهيونية ومفكريها منذ هزيمة اسرائيل في لبنان وخروجها من غير مكسب او توقيع) حيث راى ان انقاذ اسرائيل بعد خروجها من لبنان مهزومة امام انتشار الفكر المقاوم والشعب المقاوم وقيام محور مقاومة فاعل في المنطقة لا يكون الا بصدام داخل الامة، صدام على اسس دينية او مذهبية بين مكوناتها تكون اسرائيل بمنأى عن نارها، او على اسس عرقية بينها وبين سواها من الاعراق تكون اسرائيل و الغرب هم المخطط والمحرك والمدير لها.

وقد تبنى الحلف الاطلسي هذه التوصيات وصاغ استراتيجته للعقد المقبل على اساسها بعد ان كان اخفاقه في الحروب وميادين المعارك في كل من افغانستان والعراق ولبنان واضحا، ما اضطره لاتخاذ قرار الانسحاب دون ان يتخذ قرار التراجع عن خططه واهدافه في المنطقة الاستراتيجية الاهم في العالم. وهكذا وبعد اربع سنوات من الدراسة تلت حرب العام 2006 التي هزم الغرب فيها عبر هزيمة الجيش الاسرائيلي في مواجهة محور المقاومة كانت المنطقة على موعد مع استراتيجية غربية جديدة تقوم على نشر الفتن واذكاء الصراعات والتدمير الذاتي للقوى فيها.

وهكذا كانت خطط الاطلسي المبنية على استراتيجية القوة الناعمة الذكية التي اسماها وفقا للنص الوارد في المفهوم الاستراتجي الذي اعتمده في العام 2010 “ادارة الازمات” الاستراتجية القائمة على ايجاد صراعات تدميرية داخلية تحرم المنطقة من الاستقرار وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة التي اطلقت في العام 2006 وفشلت بسبب هزيمة اسرائيل في لبنان، كان الغرب ولا زال يريد صراعات تدمر المنطقة بما يمكنه من السيطرة عليها عبر اعادة اناج نظام المصالح الذي اعتمده بعد الحرب الثانية خاصة في الخليج حيث النفط. نظام يستبدل به حكاما استهلكوا ووهنوا بسبب عدم وجود قاعدة شعبية واسعة تسندهم، او عقيدة دينية تحميهم من شعوبهم، نظام يمكن الحكام الجدد من حفر خنادق المواجهة و الصراع على اساس طائفي ومذهبي.

لقد بحث لغرب عن طبقة من الحكام يرفعون عناوين وشعارات دينية تمكنهم من الصراع في مواجهة محور المقاومة الذي اتهم يوما من قبل الغرب ذاته بانه يسعى الى اقامة الهلال الشيعي، اتهام يعلم كل ذي عقل خواءه وبطلانه لكنه اتهام كان لابد منه من اجل استثارة الهمم المذهبية وتشكيل تكتل سني في مواجهته ليدير الصراع السني الشيعي كما يريد الغرب.

وفي البحث الغربي والتفتيش عن تلك الجبهة وجد الغرب ان المسلك المتاح محصور بتيارين من السنة العرب:

                    · الاول وهابي بقيادة المملكة العربية السعودية وهو تيار اختبر سابقا عبر اقامة تنظيم القاعدة التكفيري التدميري والذي ادى ولا زال يؤدي الخدمات الاستراتيجية و العملانية الكبيرة للمشروع الغربي بدءا من افغانستان في الثمانينات وصولا الى العراق في العقد الحالي،

                    ·اما الثاني وكان بنظر المخابرات البريطانية اهم من الاول لعمق معرفتها به وعلاقاتها التاريخية معه، هو تيار الاخوان المسلمين المنتشر في اكثر من دولة من المشرق العربي الى مغربه، وهو ذو تاريخ حافل في المواجهة الدموية مع الانظمة العلمانية في مصر وسورية، ويحمل في اعماقه شهوة الانتقام وشهوة السلطة في الان ذاته. وبالتالي يكون العمل معه مضمونا.

في ظل هذه المتغيرات، والنتائج الي قاد اليها البحث من اجل التنفيذ وجدت القيادة الغربية بان الارجحية للتعامل، ستكون للاخوان المسلمين لاكثر من سب، منها ما له علاقة مباشرة بالمقاومة كون احتضانهم سيؤدي الى ابعاد محور المقاومة عن القضية الفلسطنية حيث ان حركة حماس جزء من الاخوان وان حركة الجهاد الاسلامي ذات جذور اخوانية ايضا رغم انها لم تستمر عليها بل اقامت لنفسها موقعا خاصا لا ينسب للاخوان. فكان القرار – الصفقة بين الغرب والاخوان (فليحكم الاخوان لمصلحة الغرب)، قرار اعتمد دون ان يتخلى الغرب عن التيار الوهابي الذي لا تستغني عنه حاليا كونه يملك المال والنفوذ في النظام العربي الرسمي و القدرات الاعلامية الهائلة، فضلا عن حقد وعداء عقائدي مع الشيعة الى حد تكفيرهم واعتبارهم بانهم ليسوا مسلمين لا بل ليسوا اهل كتاب، واضافة الى سبب اخر متصل بالسلوك الغربي اصلا هو عدم المراهنة على حصان واحد في الميدان.

ان اعتماد الغرب للمنظومة الثنائية لادارة الصراع كان نتيجة جهد بحثي تحليلي معمق قاده ايضا الى وجوب اقامة الكتلتين السنتين المتنافستين فيما بينهما والمتحدتين بتعاون تكاملي في مواجهة محور المقاومة، ولان التيار الوهابي يملك السلطة في الخليج ولا حاجة لاعطائه المزيد منها فكان القرار بتسهيل وصول الاخوان الى السلطة في دول ما اسماه الغرب “ربيع عربي”: (وهو اقصى درجات تزوير الواقع) ولهذا كانت نتائج الانتخابات التي ادارتها واشرفت عليها بشكل سري القوى الغربية، نتائج قادت الاخوان الى السلطة في كل من تونس ومصر وليبيا، وهم يطمحون الى الوصول الى السلطة في سورية لتكتمل الحاضنة الاخوانية لاسرائيل وتبعد عنها خطر الحرب وخطر تهديد الوجود.

ان هذه الوظيفة – حماية اسرائيل – هي طليعة المهام التي من اجلها كان كل هذا الحراك المحتضن غربيا. ولكن الغرب كان يعرف بان هذه المهمة ستصطدم وبدون شك بالرأي العام الشعبي في تلك البلدان، وهنا كان لابد من صياغة منظومة دستورية وقانونية من شأنها ان تحصن قرارات الحاكم حتى ولو جعلته ديكتاتورا مطلق الصلاحية و جعلته يكم الافواه ويعيد مشهد الحكم الاستبدادي القائم في مشيخات الخليج وممالكه.

ولان الغاية حماية اسرائيل امنا ووجودا، فان الغرب لا يجد ضيرا من اقامة انظمة الحكم الاستبدادية ولهذا لن يعبأ الغرب بما يجري في مصر الان من استباحة لكل قواعد الديمقراطية و الحكم العادل والرشيد، ولن يجد الغرب حرجا في تقبل قرارات محمود مرسي التي تقيم نظام الاخوان دون مشاركة المسيحيين او مشاركة نصف المصريين على الاقل (القوى المدنية الوطنية و القومية واليسارية) لا يأبه الغرب لكل ذلك، فالمهم عنده ان محمود مرسي قدم مراسم الحب والمودة لاسرائيل عبر رسالته لرئيسها لشمعون بيرس، والتزم ممعاهدة كامب دافيد، وتحول الى مرجعية ميدانية من اجل تقييد المقاومة في غزة ومنعها من اطلاق طلقة نارية واحدة في اتجاه فلسطين المحتلة. والتالي ان سكوت الغرب عن قرارات مرسي لا بل تشجيعه عليها (جاءت بعد 12 ساعة من اجتماعه بهيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الاميركية) ان سلوك الغرب هذا جاء مكافأة لمرسي على نجاحه في الاختبار الغربي خاصة ابان مواجهات غزة الاخيرة، وطبعا عندما نتحدث عن مصر لا ننسى ما يجري في لبيبا وتونس وهو على المنوال ذاته وان كان بعناوين و صور اخرى لكن الاهداف والنتائج هي نفسها.

 والان وبعد اتضاح الصورة يطرح السؤال ايهما سينتصر في تلك البلدان وتحديدا الان في مصر: هل هي ارادة الشعب لمصري النزاعة الى الحرية والاستقلال والتمسك بالحقوق القومية، ام ارادة اميركا التي تمليها على النظام الاخواني القائم حديثا في مصر؟

ان الاشهر الثلاثة المقبلة هي التي ستقدم الجواب، مع يقيننا بان الاخوان حزموا امرهم وقرروا اقامة دولتهم هم وليس دولة الشعب المصري وانهم على حد ما قال احد ممثليهم في مؤتمر عقد في بيروت في الاسبوع الماضي “مستعدون للضرب بيد من حديد ومهما كانت النتائج، من اجل منع اي سلوك او تصرف يعترض مسيرتهم”. لكننا نقول ان العصر الان هو عصر المقاومة وشعوب المقاومة، وبرأينا ان هذه الشعوب هي التي من المتوقع ان تنتصر في نهاية المطاف مهما كانت الكلفة، وسيكون بدون شك لانتصار سورية بشعبها وجيشها وقيادتها، الاثر البليغ في تعزيز الارادة الشعبية العربية الحقيقية غير المرتهنة للغرب.