مبارك يورث مرسي


والثورة الثانية تحيي سوريا

 

عادل سمارة

صار لا بد حين يكتب المرء أن يحاذر سوء الفهم أو تسويىء الفهم. فالنقد الذي نجترئه ليس موجهاً لا من قريب ولا من بعيد لمن ننقدهم ونكشف ثغراتهم وورطاتهم، بقدر ما هو تحدي لعقول من لا ينتبهون لهؤلاء، ولخبث المثقفين المخروقين الذين يزينون خطورة هؤلاء ويصدرون لهم فتاوى ليست على حساب الدين وحسب بل على حساب الحداثة والديمقراطية والحرية . فمن يرتكب الاستغلال والقمع والفساد والفتنة والخيانة، لا يستفيد من النقد لأنه يكون قد خرج عن مدار الوطن، وربما لسبب شديد الأهمية وهو ان قياده وقراره ليس بيده.

هل اسرع او تسرع الإخوان المسلمين في مصر للسيطرة على مختلف مرافق السلطة؟ أم هم أدركوا أن الشارع المصري وقد غفر لهم الالتحاق بالثورة بعد انتصارها، لم يعد جاهزا لتكرار الانخداع؟ فثلاثة ايام بعد الانتصار هي تأكيد لأمرين:

  • الأول: أن الإخوان والسلفيين كانوا على خطوط مفتوحة مع نظام مبارك وكانوا يتوقعون اتفاقاً معه. وما يعزز هذا الاحتمال هو أن قمع النظام لهم كان دوماً بالقفاز.
  • والثاني، أن تلك الأيام الثلاثة تؤكد مقولة ماركس بأن الثورات قاطرات التاريخ. نعم فهي تختصر العقود في ايام وفيها حُسم مصير النظام السابق.

 ولكن وصولهم السريع والرخيص إلى السلطة، لم يحل دون أن يلاحظوا تطورات موقف الشارع بأن الوعي الجمعي يعي دورهم، وبالتالي فليس أمامهم سوى تحويل نتائج الانتخابات، رغم هشاشتها، إلى قرارات لا انتخابية تحصنهم من النقد ومن تبادل السلطة. فمن لا يؤمن بالديمقراطية لا يحترمها حتى لو وصل على ظهرها.

لكن هناك أمر آخر لا يقل عن الأول بل يترابطان. فالثقافة الإقصائية لدى قوى الدين السياسي لا تسمح لها بالاندماج في الفعل الثوري حتى لو تمكنت من امتطائه في غفلة من قوى الثورة. لذا، بدل التعلم من الدفق الثوري، ذهبوا للاستفادة من ثقافة وارشيف النظام السابق. وهو الذي كان الإعلان الدستوري وسلق الدستور جزئه الأخير.

تحضر هنا الولايات المتحدة، وتحديداً كتاب اعترافات قاتل اقتصادي، الذي احسن نقله إلى العربية الصديق د. بسام ابو غزالة. يشرح ذلك الكتاب اساليب الولايات المتحدة الثلاثة في تطويع الدول لتبقى في فلكها، وأولها إسقاط الدول المستهدفة في شرك الديون بحيث لا يمكنها الخروج من عبء الدين، وهذا حال مصر. ونضيف إلى هذا المشروع الأوسع والأخطر وهو اعتماد النظام الحاكم كما كان عهد مبارك سياسة التجويف والتجريف، تجويف الوعي بالقمع السياسي والفكري والحرياتي، من أجل تسهيل تجريف الثروة.

في حالة الرئيس مرسي وحزب الإخوان وحلفائه السلفيين تم التجويف عبر سيطرة الإخوان على مختلف مرافق السلطة السياسية، وبدء محاصرة الإعلام  والتعرض لأخلاق الممثلات والفنانات وصولا إلى الدعاوى لهدم الأهرامات وهذه تعتبر كبيرة جدا اذا ما قيست بالفترة القصيرة لهم في الحكم.

أما تجريف الثروة، فاتخذ شكلين في حدود ما يبدو وهو ضئيلً:

  • منع المساس برجال الأعمال الذين هم جوهريا راس المال الطفيلي والكمبرادوري ووضع قوانين تعاقب من يعيق العمل الاقتصادي، أي من يحتج على الاستغلال ويطالب بأجور أفضل، اي حتى النضال النقابي ممنوعاً.
  • الاستمرار في تطبيق وصفات الصندوق الدولي لتمويل العجز والاقتراض من حكومات الريع النفطي مما يسمح بفرض هائلة للفساد والرشوة.

أي باختصار، أبقى النظام الإخواني على نفس الحلفاء سواء المؤسسات المالية الدولية أو الولايات المتحدة أو دول الخليج إلى جانب صيانة العلاقة بالكيان الصهيوني  ولنقل باختصار الثورة المضادة. وبهذا بقي النظام رهن تحكم الدائنين بأنواعهم.

ليس لنا ان نتهم قيادات الإخوان بأنها عجزت عن لمس ما يجري من تيارات متلاطمة تحت سطح النهر الهادىء. ولكن كما يبدو، أدركت ذلك مما دفعها للمبادرة بالانقلاب على الديمقراطية، اي على الثورة الأولى قبل  ومن أجل خصي الثورة الثانية. وبهذا المعنى، وحيث انضم النظام الجديد إلى الثورة المضادة، فمن الطبيعي أن يخلق نقيضه الذي تجلى في القوى المعارضة والتي يمكن وصفها إلى حد كبير بالقوى الشعبوية.

فالثورة الأولى هي إزاحة الرئيس السابق وتحرر المصريين من إغلاق الأفواه وتشكيل الأحزاب، أي تجاوز تجويف الوعي. ولكن هذا وحده لا يكفي. فلا بد من وقف التجريف ولا بد من أن يحصل الجيل الشاب على العمل، ولا بد لمن يبيع قوة عمله أن يحصل على أجر يزيد ولو بقليل عن تمكينه من إعادة إنتاج ودجوده وبقائه الجسدي البيولوجي ليعود غدا إلى العمل.

وهنا لم يكن أمام نظام قوى الدين السياسي سوى أن ينبري للدفاع عن طبقته، سواء من وصل منه إلى السلطة التنفيذية والجهاز البيروقراطي  أو من هو شريك في راس المال الطفيلي والكمبرادوري لا سيما وان هذا النظام قد لاحظ أن الجيل الشاب ينقل الثورة من الديمقراطية الشكلانية التي ولدت اولاد هيلاري والذين حاولوا حصرها هناك، ينقل الثورة إلى الثورة الثانية وهي العمل والخبز والتي تتضمن القطاع العام، وتمويل العجز باستصدار سندات محلية أو لدول صديقة، أو استرداد اموال القومسيون التي قبضها الوسطاء أو الأثمان الحقيقية لشركات القطاع العام التي لم يدفعها المشترين…الخ.  والثورة الثانية والثالثة كتبنا عنها في كنعان منذ الأشهر الأولى للثورة والتي إن لم تنتقل إلى الثانية والثالثة تبقى في حالة الإرهاص أو الحراك.

لذا، كان لا بد من الانقلاب، لأن الحراك هذه المرة يصيب قيادات قوى الدين السياسي كشريكة في شركات وآليات التجريف.

 

الأسد يرد اللكمة لمرسي

حينما كان مرسي في لحظات العسل لم يذهب إلى طهران لتسليم عُهدة عدم الانحياز، فهذه كان بوسعه إرسالها مع ممثل له. ذهب إلى هناك ليساهم في العدوان على سوريا، وليستخدم وصوله عبر ديمقراطية، نشك بها، وربما هي كوصول جورج بوش الإبن، كي يطعن في القيادة السورية ويسدي النصائح بالدمقرطة. وبالطبع، فإن من يتابع الإعلام في مصر، ولا نقول الإعلام المصري لأن روح مصر غير هذا، من يتابع يرى طبعات مسحوتة وفقيرة من فضائيات الجزيرة والعربية وال بي بي سي…الخ. بل إن كثيراً من القيادات التقليدية القومية واليسارية في مصر، والمثقفين قد تورطت في مواقف قوى الدين السياسي من سوريا في حالة من العجز عن رؤية أعجوبة دمقرطة سوريا على يد قطر. فحينما يحمل حاكم قطر أو السعودية أو الإمارات كتاب الديمقراطية كما تتناول بهيمة كاس شمبانيا. وهذه التورطات لا سيما من مثقفين إنما هي نتاج عقل وتفكير وثقافة إقطاعية قبائلية، يشوبها العقل الثأري الفردي والذي بالطبع لا يُقيم للوطن ولا للطبقة شاناً.

الجميل أنه في المظاهرات الشعبية الرافضة لانقلاب مرسي برزت هتافات من الشباب لصالح سوريا والرئيس الأسد. ولا شك أن هؤلاء ليسوا ممن يسيرون خلف عمرو موسى الذي ترنخ ملابسه بدماء الليبيين، والبرادعي الذي لا يزال يبحث عن اسلحة الدمار الشامل في دماء مليون شهيد عراقي وفي صرخات عشرات آلاف النساء المغتصبة في العراق!

ولكن، لماذا لا يقول حكام الغرب شيئا عن انقلاب مرسي؟ أم هم معه على تنسيق مباشر؟ صحيح أن الأسد يقاتل الدنيا، ولكن بشرف. أما مرسي فيقتل المصريين باسم الإسلام، مظلوم أنت يا محمد. ألم تكن أنت الفقير وحامي الفقراء؟ لم نشهد احتلالاً للدين كهذا.

والسؤال هو: هل خروج الشباب على قيادات الرفض الوطني لديكتاتورية مرسي سيقود إلى إدغام الثورتين الثانية والثالثة معاً؟ نقول، ربما. فالهتاف لسوريا يعني التوجه إلى معسكر المقاومة والممانعة، اي ضد كامب ديفيد. والتدفق إلى الشوارع بحثا عن العمل والأجور وتصدياً لراس المال هو الثورة الثانية. في هذه الأيام تلاحظ البعدين القومي والطبقي، وهذا من بشائر التحول.

كم ردد كثيرون القول بأن الانتقال إلى الثورتين الثانية والثالثة سوف يأخذ وقتاً. ربما، ولكن ليس من حقنا تقنين حراك الشعوب. أليست الثورات هي قاطرات التاريخ؟