تونس:

في ظل مباركة نهضوية: السلفيون يلقون بتونس في أتون القاعدة

  • ·       سياسيون ومثقفون: على حكومة العريض وضع حد لمحاولة السلفيين تقويض مقومات المجتمع وجر البلاد لحرب أهلية، أو الاستعداد للرحيل.

 

تونس – يجمع الفاعلون السياسيون والاجتماعيون والنشطاء الحقوقيون على أن أعمال العنف وانتهاكات الحريات التي تقوم بها المجموعات السلفية هي “خطة ممنهجة لاستهداف مؤسسات الدولة ولفرض نمط مجتمعي قروسطي”، فيما تقلل حركة النهضة من خطر السلفيين بل تطالب بـ”مد قنوات الحوار معهم” رغم أن التونسيين يحملونهم مسؤولية انتشار السلاح في البلاد.

وتطالب القوى الوطنية والديمقراطية الحكومة التي تقودها حركة النهضة بـ”الاستفاقة من غيبوبتها وفتح عينيها أمام ما يتهدد البلاد من توتر سياسي وتشنج ديني إذا ما تواصل سيدفع بالبلاد إلى حرب أهلية وفتنة”.

وتفجر منذ 28 نيسان/أبريل الحالي جدل حاد حول “حرب قادمة” يقودها السلفيون الجهاديون ضد مؤسسات الدولة وشخصيات وطنية بعد أن هدد زعيم تنظيم أنصار الشريعة المتشدد سيف الله بن حسين الملقب بابو عياض الذي تلاحقه الأجهزة الأمنية بـ”حرب تطيح برئيس الحكومة علي العريض”.

وزاد تلويح أبو عياض بـ”حرب” لأول مرة من مخاوف التونسيين من “فتنة قادمة” تقودها الجماعات السلفية التي استفادت كثيرا من الانفلات الأمني ومن تسامح النهضة تجاههالتعزز مواقعها في الأحياء الشعبية والجهات الداخلية.

وجاء تلويح أبو عياض بعد تهديد وجهه أحد أمراء السلفية الجهادية الملقب بأبو أيوب على “الخروج على الحاكم الظالم المرتد”، وقال مهددا التونسيين “إذا كانت دساتيركم ومؤسساتكم ودولكم وحقراؤكم يبيحون الطعن في ربنا وفي ديننا وفي نبينا فنحن نكفر بدساتيركم وبمؤسساتكم وبدولكم ونعلنها صراحة أننا نكفر بكم ونكفركم وهذا حكم الله فيكم”.

وتبدو هذه التهديدات جدية خاصة وأن القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال كارتر هام حذر أواخر الشهر الماضي المسؤولين التونسيين من ان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المرابط في الجزائر يريد التموقع في تونس.

وأبلغ كارتر المسؤولين التونسيين أن “تهديدات القاعدة جدية جدا”، فيما يقول محللون في شؤون الإرهاب إن التحذير الأميركي للسلطات التونسية لم يأت من فراغ، مشيرين إلى أن واشنطن بما تملكه من وسائل استخباراتية متأكدة بشكل لا لبس فيه من عزم القاعدة على استهداف الساحة التونسية، هذا إن لم يكن التنظيم قد تمكن من التموضع فيها بعد.

ويبدو أن قيادات النهضة رأت في تهديد أبو عياض أن “إخوانهم وأبناءهم السلفيين الجهاديين” شقوا عصا الطاعة ما دفع برئيس الحركة راشد الغنوشي إلى توجيه رسالة استمالة حين شدد مؤخرا على أن النهضة “لن تتفاوض ولن تتنازل عن مرجعيتها العقائدية الإيديولوجية” متحديا القوى الوطنية والديمقراطية التي تطالب الحركة الحاكمة بـ”الكف عن تقديم نفسها وصية على إسلام التونسيين المسلمين بطبعهم” وبـ”إدارة الشأن العام كحزب سياسي مدني”.

واتهم زعيم المسار الديمقراطي أحمد إبراهيم حكومة النهضة بالتلكؤ في “تطبيق القانون على المجموعات السلفية ما أدى إلى إضعاف مؤسسات الدولة وهيبتها وشجع على الإرهاب”.

ويقول الزعيم اليساري إن “استقواء السلفيين وانتهاكاتهم المتواصلة بالحريات يعد صفارة إنذار يجب أن لا نتغافل عنها لأنها أعمال إرهابية”، مضيفا “على حكومة العريض أن تعود إلى رشدها وتستجيب حالا إلى الحوار الوطني لإيجاد حل وطني وفاقي لمجمل المشاكل وفي مقدمتها أمن المواطنين وحرياتهم”.

ويرى الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي إن “العنف السلفي في تونس له امتداد خارجي”، مشيرا إلى أن القوى الوطنية واليسارية “تحذر من أن تنظيم القاعدة يسعى إلى وضع يده على تونس وهو ما بدت بوادره من خلال تهديدات أبو عياض الذي يوصف بأنه رجل القاعدة في تونس”، بعد أن أعلن من على منبر جامع الفتح بتونس العاصمة أنه يدين بالولاء لتنظيم القاعدة فكرا وممارسة.

وتتطابق رؤية الهمامي مع غالبية مواقف السياسيين الذين يرون أن تهديدات أبو عياض أعطت الضوء الأخضر للسلفية الجهادية في تونس التي تضم عناصر تنتمي لتنظيم القاعدة لتقوم بأعمال إرهابية.

ويلاحظ المحلل السياسي شهاب الطرودي أن تلك التهديدات تشكل فرصة لتعبئة السلفيين الجهاديين من أجل استهداف مؤسسات الدولة وتقويض مقومات المجتمع التونسي الذي عرف عبر مختلف الأحقاب التاريخية بتسامحه ونبذه للغة الحرب كوسيلة لفض الخلافات.

ويعتبر القيادي في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات المولدي الرياحي ان “السلفيين الجهاديين يتحركون بشكل منظم وممنهج وليس بشكل احتجاجي أو انفلاتات”، ويشدد على أن السلفيين باتوا يهددون عملية الانتقال الديمقراطي بعد أن ارتكبوا جرائم في حق رموز الدولة ومؤسساتها”.

ويطالب الرياحي “الحكومة بالتصدي للمجموعات السلفية ومخططاتها التي تهدف إلى خنق الحريات”.

ويخشى التونسيون أن تستفيق الخلايا النائمة للقاعدة التي تسلل العشرات من عناصرها إلى داخل البلاد إلى “مرحلة إعلان الجهاد” في تونس التي يرون فيها “دار كفر لا تطبق شرع الله” خاصة بعد اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد.

ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس بن علي في 14 يناير 2011 اشتبكت قوات الأمن ووحدات الجيش مع عدد من مجموعات مسلحة على الحدود الغربية مع الجزائر وكذلك على الحدود الشرقية مع ليبيا.

كما أعلنت السلطات التونسية عن اكتشافها لعدد كبير من مخابئ السلاح والذخيرة الحربية المتطورة.

وقد دفعت مثل تلك الأحداث بالأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي إلى التحذير بأن “تونس يهددها خطر الإرهاب من قبل مجموعات سلفية جهادية تدعو إلى الفتنة والتباغض”.

وأعربت الجريبي عن استيائها من “سلبية الحكومة التي لم تحرك ساكنا” إزاء المجموعات السلفية التي دعت إلى قتل واستباحة دم عدد من الشخصيات السياسية المعارضة والإعلامية.

ولم يتردد الكاتب عبد الواحد براهم في القول أن هناك “ميليشيات سلفية ونهضوية موازية لأجهزة الدولة” ملاحظا “أن الحكومة تتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة عن أمن مواطنيها فعليها الضرب بقوة على العابثين”.

وخلال الأسابيع الماضية ما انفكت قيادات النهضة تنفي “وجود أجهزة أمنية موازية للأجهزة الرسمية” في محاولة للتفصي من أي مسؤولية أو علاقة بما يعرف في تونس اليوم بـ”الميليشيات الإسلامية”.

غير أن سياسيي تونس ومثقفيها باتوا لا يثقون في ما تقوله النهضة وهم يتابعون استشراء العنف السلفي وانتشار السلاح.

وبلهجة تونسية يعلق المسرحي والسينمائي فاضل الجزيري على تهديدات السلفية الجهادية قائلا “شيء يخوف” أي أمر مرعب، ويضيف “ما يحدث اليوم مؤشر خطير وغريب وفيه إقرار ضمني بضعف هذه الحكومة التي تفتقد للتجربة والحنكة ولا تزال إلى اليوم تعتمد ازدواجية الخطاب”.

ويتابع الجزيري “على الحكومة الحالية أن تعدل أوتارها فتونس هي من تدفع الثمن الآن فهي التي تحترق وإن لم تتمكن من ذلك فلترحل بسلام”.

أما المثقف الحبيب بلهادي فقد اعتبر التهديدات “نوع من إعلان الحرب الذي يزج بتونس في المحرقة” مشددا على أن “ما يحدث اليوم هو إقرار ضمني من الحكومة بضعفها في تعاملها مع الملفات الكبرى، إنه تعامل هاو من حكومة أقصت الكفاءات لتجثم على صدور الشعب بممارساتها السياسية التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير حرفية”.

ويتفق الفاعلون السياسيون والاجتماعيون والثقافيون في تونس على أن “إرهاب تنظيم القاعدة وعناصرها في تونس” كشف أن حركة النهضة هي الوجه السياسي للسلفيين الجهاديين لذلك تجاهلت انتهاكاتهم للحريات وأعمالهم الإجرامية لتفسح لهم المجال للهيمنة على فضاءات المجتمع فيما تتكفل هي بإدارة الشأن السياسي.

ونجح السلفيون خلال الأشهر الأخيرة في التسلل إلى الأحياء الشعبية وإلى الجهات المحرومة وهم ينشطون بكل حرية تحت غطاءات مختلفة مثل الجمعيات الخيرية والثقافية والجمعيات القرآنية.

ويستغل الجهاديون أوضاع أبناء الأحياء الشعبية والجهات الداخلية الذين أرهقهم الفقر والحرمان لتقديم خدمات اجتماعية وتقديم مبالغ مالية مقابل استمالتهم تحت راياتهم السوداء.

ولم تتردد حركة النهضة التي تقدم نفسها في تونس على أنها حركة سياسية مدنية في منح تراخيص لأحزاب سلفية تسعى إلى “إقامة دولة الخلافة” في بلد كثيرا ما ناضل مصلحوه وحتى فقهاؤه المستنيرون من أجل دولة مواطنة تضمن الحريات الفردية والعامة.

أما على أرض الواقع فإن العلاقة بين حركة النهضة والمجموعات السلفية هي علاقات “أخوة دينية متينة” أكد عليها أكثر من مرة رئيس الحركة راشد الغنوشي وكان كلما سئل عن موقفه من السلفيين أجاب “السلفيون إخواننا وأبناؤنا ومن حقهم التعبير عن مواقفهم وآرائهم لأن تونس المسلمة تتسع للجميع”.

لكن الغنوشي الذي يصفه خصومه بـ “رجل قطر في تونس” وبـ”المرشد الروحي والسياسي للحركات الإسلامية في تونس” بما فيها السلفية الجهادية، لم يمارس “سطوته الدينية” على مجموعات تدين بالولاء لتنظيم القاعدة وتسعى إلى “أفغنة” تونس.

إزاء هذه العلاقة بين السلفيين وحركة النهضة تتوجس القوى الوطنية والديمقراطية من أن تكون تهديدات أبو عياض بـ”الحرب” موجهة ضد الدولة والمجتمع أكثر مما هي موجهة ضد الحكومة خاصة وأنه لأبو عياض بأن أعلن أن السلفية الجهادية “تدعم حكومة النهضة وفوضت لها العمل السياسي فيما اكتفى السلفيون بالجوانب العلمية والعقائدية والتوعوية”.

ويشدد المراقبون على أن المشروع السلفي الجهادي يهدف إلى هدم دولة المواطنة، فهو يقسم المجتمع إلى مؤمنين وكفرة، وهو تقسيم لا يبتعد كثيرا عن تقسيم راشد الغنوشي الذي يقسم التونسيين إلى “مسلمين وعلمانيين”.

وتتسع دائرة “الكفرة” باتساع فتاوى السلفيين فهي دائرة تضم العلمانيين والديمقراطيين واللبراليين والمبدعين بل وتشمل أيضا المسلمين الذي لا يواظبون على أداء فرائضهم الدينية.

هكذا وضع السلفيون بتواطؤ مع النهضة تونس على صفيح حارق اهتز لخطورته مختلف الفاعلين التونسيين.

ومما عمق حالة اقتناع التونسيين بأن السلفيين باتوا يهددون أمنهم هو النسق التصاعدي للخطاب الذي تنتهجه الجماعات السلفية.

فقد كشف رئيس جمعية دار الزيتونية وخطيب جامع بلال بسوسة فريد الباجي الذي يعد من رموز السلفية العلمية أن السلفية الجهادية ستمر “من التنظير والتكفير إلى التفجير”.

وقال الباجي إن البلاد “ستصبح غابة وفوضى كبيرة، والحركة الوهابية وخاصة الجهادية في تونس بعد أن انتقلت من مرحلة التنظير إلى مرحلة التكفير ستمر إلى المرحلة الثالثة مرحلة التفجير” وطالب فريد الباجي بوجوب اتخاذ موقف من الحكومة.

ويقول المحللون إن تقليل راشد الغنوشي من خطورة السلفيين على تونس رغم أنهم على قوب قوسين أو أدنى من إعلان تونس “دار جهاد” دليل على أن هناك “علاقة تقاسم الأدوار”ومؤشر على أن الحركة ليست مستعدة لاستعداء السلفيين من أجل إرضاء العلمانيين.

غير أن المحللين السياسيين يقولون أنه ما لم تتخذ الحكومة موقفا واضحا من الحركات السلفية فقد تجد نفسها في موقف يفرض عليها مواجهة أنصار تنظيم القاعدة الذين يتحركون بإشارات من أيمن الظواهري.

وأكثر ما يخشاه التونسيون أن تتحول بلادهم إلى ساحة لفتنة تمسك خيوطها بعض الدول التي تسعى إلى السطو على الربيع العربي والقيام بدور إقليمي بالوكالة عن قوى دولية متنفذة مستفيدة من وصول الإسلاميين للحكم في ظل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

:::::

المصدر: ميدل ايست أونلاين

http://www.middle-east-online.com/?id=152353