في ذكرى حسين البرغوثي

اضطررت لقول ما لا أفضل

 عادل سمارة

بين أن ترى الإعوجاج في السياسة والأدب والثقافة والأكاديميا وتدهور  ذلك إلى استحالة التصحيح، وبين ان تتعب من النقد، وبين أن يؤلمك إلحاح الواجب، لا بد أن تكتب، حتى لو قيل: يحمل السلم بالعرض ويغرد خارج السرب، لا بأس، ولا يهم، فأنت تغرد!

لفت نظري، على الفيس بوك  حصول لقاء في مركز خليل السكاكيني في ذكرى الأديب والمفكر حسين جميل البرغوثي هو التالي:

الذكرى 11 لرحيل حسين البرغوثي – عرّاف الثقافة الفلسطينية الذكرى 11 لرحيل حسين البرغوثي – عرّاف الثقافة الفلسطينية، مركز خليل السكاكيني-رام الله.

تحت رعاية وزيرة الثقافة الأستاذة سهام البرغوثي
بيت الشعر الفلسطيني وبالتعاون مع مركز خليل السكاكيني
يتشرفون بدعوتكم لإحياء الذكرى الحادية عشرة لرحيل الشاعر والمفكّر
حسين البرغوثي – عرّاف الثقافة الفلسطينية

المكان : مركز خليل السكاكيني – رام الله
الزمان : الساعة الخامسة مساء من يوم الأربعاء الموافق 15 أيار 2013

حضوركم وفاء للراحلين .. وانحياز للفكرة الباقية

اتصلت بصديق قديم فقال لي : نعم لم يكن اللقاء مطولا، ولكن الجيد أنه تم توزيع الطبعة الثانية لأول أعمال حسين  وهو كتاب سقوط الجدار السابع:الصراع النفسي  في الأدب، فقلت له: وماذا عن الطبعة الأولى؟

قال: مكتوب الطبعة الأولى 1980 ، وسألته اية دار نشر، فقال: غير مكتوب.

سألت إحدى المكتبات عن نسخة فلم أجدها متوفرة. اتصلت بصديقي ثانية وقلت له تأكد لي: هل مكتوب بجانب الطبعة الأولى اسم دار نشر. فأكد لي: كلا.

لست أدري من الذي اصدر الكتاب، هل هي وزارة الثقافة أم بيت الشعر أم مركز خليل السكاكيني. والمهم لست أدري من الذي اشرف على الطباعة من حيث التوثيق العلمي. ولكنني أتسائل عن الأدباء والكتاب والشعراء والمثقفين الذين شاركوا في ذلك، بل اسألهم:

من اين حصلتم على الطبعة الأولى؟ هل يُعقل أنكم لم تروا عليها اسم دار العامل مع اللوجو؟ هل تم تطنيشها لأنها “دار العامل” وتخص عادل سمارة؟  وعليه، فإن عدم ذكر إسم دار النشر يخلو من الأمانة العلمية والأكاديمية، بل ويهىء للقارىء أن من طبع الطبعة الثانية هو الذي طبع الأولى وهذا غير صحيح قطعياً. ترى هل هو موقف سياسي أو فكري خفي؟

الطبعة الأولى اقدم من اتفاق أوسلو، والحمد لله، اي لم تكن اوسلو قد أُستولدت! كما أن سنة الإصدار للطبعة الأولى هي ايضاً خطأ، فليست 1980 بل 1981. هل اعتمد المُصْدِرون على الذاكرة، وكأن الكتاب صدر في ستينات القرن التاسع عشر أيام اليازجي!

وابعد من ذلك، فهذه الطبعة تخص دار العامل التي اسستها انا نفسي وعلى حسابي أي من إنتاج مزرعة الدواجن الصغيرة التي خصصت دخلها آنذلك لطباعة الكتب ولاحقا حرقها المستوطنون فأعطوني فرصة أفضل للقراءة والكتابة، تماماً كما أعطتني الجامعات المحلية فرصة للقراءة والكتابة بسبب رفضها طلباتي للشغل، والأهم عدم انحنائي او تنزيل الكتف كي تشغلني هذه الجامعة أو تلك، وهو ما أوصل بعض مرتزقة الأكاديميا للقول: عادل سمارة برجوازي. طبعاً لأنني لم أنحني. فالذي ليس له عموداً فقارياً لا يفهم صلابة الغير.

تلك الطبعة من كتاب حسين، ومجموعة كتب وكراريس أخرى أدناه طبعتها على حسابي الخاص، على ماكينة طباعة نصف أوتوماتيكية. آي.بي.أم.  IBM Compatible  و منها، بيروت 75 لغادة السمان، ومسرحية العرس لعبد اللطيف عقل، واقتصاديات الجوع في الضفة والقطاع  ل  عادل سمارة، وكراس: أزمة الثورة العربية وانحطاط كامب ديفيد ل عادل سمارة ، وكتاب : نصوص حول الموقف من الدين (لينين تقديم العفيف لأخضر)، وكراس رسومات ل :  لناجي العلي، وديوان: الذهاب مبكرا إلى الموت لوليد الهليس، وديوان: أحبك حتى الهزيع الأخير لماجد دجاني، وكتاب: سياسة كارتر ومنظرو الحقبة السعودية لصادق جلال العظم، وكراس: رقيق العصر:العمال العرب في فرنسا، لعادل سمارة وكراس: الحرب العراقية الإيرانية: خلفيات وأبعاد، عادل سمارة، وكراس: ملكية الأراضي في مصر والهلال الخصيب  ل غبرئيل باير، وكراس: موقف من القائلين بسلطة البرجوازية الصغيرة، ل يساري مصري، وكتاب مناظرة موجزة مع ط.ث. شاكر وشيوعيين آخرين حول القضية القومية العربية، ل شيوعي مصري. وكراس :عمال العالم والثورة، ل بيتر وترمان (ترجمة عبد الكريم سمارة وإلهام خوري) وكتاب  الأمة العربية، القومية العربية وصراع الطبقات، ل سمير أمين، وكراس اربع قصائد لمظفر النواب، وكراس المسرح المحلي، لغسان عبد الله. وأعمال أخرى لم أحتفظ بها. وجميعها طبعتها ما بين 1977-1982).

تعرفت على حسين حينما عاد من المجر مصدوماً من ذلك البلد التحريفي العريق، فالمجر هي أول من طبقت بريسترويكا غير معلنة. تعارفنا من خلال أخي عبد الكريم ومجموعة من الطلبة/ات اليساريين في جامعة بير زيت، والذين لهم فضل الإضراب المعروف 1978 والذي أغلق الجامعة وأمم الكافيتريا وطالب بتعريب بعض المساقات. وكنت صديقا لهم/ن.

كان حسين حتى عام طباعة هذا الكتاب يتردد عندي كثيراً، وكان منبوذا من الحزب الشيوعي (قبل أن يصبح اسمه حزب الشعب) فهو قد ترك الجامعة كافراً بالتحريفية وهو كفر وجدت فيه هوىً. لم أكن أنا وحسين على اتفاق فيما يخص الماركسية، ولكننا كنا متفقين على أهمية النقد.

بعد صدور الكتاب هذا، عرض علي طباعة كتابه الثاني، ووافقت. ولكن حينها خشي الحزب المذكور بأن يغرق حسين في تيار ماركسي لا يتفقون معه، فأغراه السيد اسعد الأسعد بضغط من الراحل بشير البرغوثي أمين عام الحزب الشيوعي حينها (أعتقد أن الأسعد هو سفير للحكم الذاتي في بلد من تمفصلات الاتحاد السوفييتي السابق).

 لم أتقاضى من حسين فلسا على الكتاب الأول، وما أخذته بعضا من النسخ. ولذا فوجئت بان الكتاب الثاني قد صدر دون أن يعتذر حسين مني أو يخبرني بأي حال. وهو ما قاد إلى جفوة بقيت بيننا حتى رحل. لم تكن قطيعة، ولكنني لم أجد لذلك مبرراً وخاصة من مفكر نقدي بطبيعته. بعدها لا أذكر انني جلست مع الراحل جلسة واحدة،  وهذا طبع حاد من جانبي  لا شك، ولكن هذا ما حصل، إنما كنا نلتقي على الرصيف ونتحدث قليلا. واذكر ذات مرة أن التقينا مقابل محل بوظة ركب، فقال لي تعال معنا، نحن ذاهبون لنقرأ من اشعار محمود درويش عند محمود درويش. كانت تلك مفاجأة لي: قلت له يا حسين أمي وضعت في كتف هذا الجاكيت حجاب يمنعني من دخول المحاريب، ضحك ضحكته المعهودة والعالية، ومضى.

التقيته بعدها حينما حاصرته جامعة بير زيت، فهي لا شك لم تتحمل نقد وإبداع حسين، واشتكى كثيراً، وهي نفس المؤسسة الأكاديمية التي سحقت المفكر الراحل سليمان بشير في أعقاب انتفاضة الطلاب المذكورة، أما أنا فماذا كان بوسعهم ان يفعلوا ضدي غير عدم السماح لي بالتدريس كي يُحافظوا على منهج تعليب عقول الطلبة وفي أقصى الأحوال حقنهم باللبرالية والمابعد حداثية والفرانكفونية وتفوق الغرب وحقوق المثليين  قبل حقوق الفلسطينيين…الخ واليوم كما اسمع يتم اختراق العديد من المحاضِرين (من الجنسين وربما أكثر) من عزمي بشارة لصالح مركزه الذي منحته تمويله حاكمية قطر (الديمقراطية الشعبية)!

لكنني لا أنسى لحسين قولته يوم التقينا كذلك بالضبط عند مدخل بيت الاجتماع للفرندز. فقال وهو يضحك ضحكته المعهودة: كنت في الولايات المتحدة في نشاط مشترك للمثقفين. قلت ما رايك فيه؟ قال باختصار هي ثلاثة أشهر يحاولون على مدارها استكناه إن كنت تصلح وتوافق أن تتحول إلى سي.آي إيه.

رغم معاناته مع الحزب والجامعة، لكنه لم يقطع مع أوسلو. وهكذا كان عبد اللطيف عقل كذلك. لا زلت أعجب كيف يمكن للعقل النقدي أن يتماشى مع التيار السائد! رحل الرجل ورحل عبد اللطيف. وكنت احبهما فلسفة وشعرا وأدبا وأختلف معهما سياسيا.

لا أود اتهام من طبع الكتاب بالتزوير، هذا متروك لضميره وقوله، إن قرر ان يقول هو او هي، أو هم أو هنَّ! بل اكتفي بالتأكيد على أن هناك فقداناً للدقة العلمية والأكاديمية والفنية، وكذلك عدم احترام الآخرين، والآخرون لست أنا وحدي بل الأكثرية التي ليست سلطة سياسية ولا سلطة راسمال. لا أعتقد أن هذا يبني ثقافة ولا أود رفع الدفقة لأطلب أن يبني ثقافة مقاومة.