روائح الحذاء الروسي المرفوع في الوجه الأمريكي !

المحامي محمد احمد الروسان*

منذ بدء الحدث السوري وحساسيات الصراع الفوق استراتيجي عليه وفيه، والرئيس فلادمير بوتين يؤكد وبشكل دائم وبعمق، أنّ قواعد النظام الأممي الجديد وآفاقه تخرج من دمشق، ويصار إلى خلقها وتخليقها من هناك شاء من شاء وأبى من أبى.

فموسكو تدرك بشكل استراتيجي لقيمة ديكتاتورية الجغرافيا السورية، وبأنّ دمشق تتاخم روسيا بالأمن الاستراتيجي، لذلك أبت كل المعطيات إلاّ أن تقول:- بأنّ خارطة طريق تغيير التوازنات الإستراتيجية الشرق أوسطية وبالتالي الدولية، يبدأ بالضرورة من دمشق، وينتهي بالضرورة في دمشق أيضاً… كيف يكون ذلك؟!.

تحدث المزيد من الخبراء والمحللين الإستراتيجيين الأمميين، عن طبيعة التوازنات الشرق أوسطية الجارية حالياً بفعل الحدث السوري وتداعياته، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات الواقعية، إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت على موعد مع بيئة إستراتيجية جديدة ذات أفق دولي عميق، بفعل الموقف الروسي المتماسك في جلّ المسألة السورية، والفعل الصيني المساند له، بجانب الدعم الإيراني المستمر.

ومن هنا ففي أي سياق سياسي دبلوماسي أو عسكري أمني استخباري تسووي، تجيء زيارة وزير خارجية روسيّا النشط لآفروف وزميله وزير الدفاع نهاية هذا الأسبوع إلى العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي؟ ما الذي تريده موسكو من واشنطن وماذا تريد الأخيرة من موسكو؟ فهل تريد موسكو المساومة على الخروج الآمن لواشنطن من أفغانستان؟ وهل طلبت واشنطن من موسكو عدم استغلال ما لدى سنودون عميل المخابرات الأمريكي السابق، والذي تم منحه حق اللجوء السياسي المؤقت في موسكو لمدة عام، عدم استغلالها وتوظيفها ما لديه من أسرار ومعلومات؟ ما هي الضمانات الكافية التي تسعى لها موسكو من واشنطن بعدم توجيه الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا نحوها ومجالها الحيوي؟ هل موسكو مستعدة للقيام بدور المقنع لحليفتها إيران في عدم تطوير أي سلاح نووي مستقبلاً؟ هل واشنطن باتت أقرب إلى التعامل مع إيران كدولة نووية؟ وهل واشنطن سوف تتخلى عن منهجية التحريض السياسي للمعارضة الروسية على الرئيس بوتي وحكومته وبرنامجه إن لجهة الداخل الروسي وان لجهة الخارج الروسي؟ هل تسعى موسكو للطلب من واشنطن إلغاء الإجراءات التميزية ضد الشركات الروسية مقابل الاستجابة لطلبات أمريكية مماثلة؟ هل ستستجيب واشنطن للطلب الروسي في الحد من النفوذ الأمريكي المتصاعد في فضاءات الإتحاد السوفياتي السابق؟ وهل ستوافق واشنطن على تقليص القوّات الأمريكية التقليدية في القارة الأوروبية العجوز؟

الفدرالية الروسية لا ترى أي مصلحة لها في التخلي عن النسق السياسي السوري ورمزه الرئيس بشّار الأسد، مقابل صداقة الغرب والعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وبعض العرب المتخاذل.

نعم، تبحث كل من موسكو وواشنطن عن مصالحهما الإستراتيجية في خضم الانتفاضات التي وقعت مؤخراً في المنطقة، وبشهادة الكثير من المحللين، للفدرالية الروسية مصالح كبيرة خفية وغير خفية في سورية، وأحد أهم هذه المصالح الإستراتيجية، تواجد قاعدتها العسكرية النوعية والكمية خارج مجال جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، والتي تجهّزها ليوم عصيب يشيب فيه غلمان الجميع، فالروس يدركون جيداً حقيقة أنه إذا سقط النسق السياسي السوري ورمزه الرئيس بشار الأسد، أي حكومة ستأتي دون أدنى شك سيكون من أولويات أعمالها نزع سيطرة الروس عن قاعدة طرطوس، ولا يرى الروس سبباً لتهيئة الأوضاع لدفعهم إلى هكذا خروج من المنطقة.

الإستراتيجية الروسية اتجاه سورية تقع الآن تحت تأثير مجموعة من الأحداث لا تنفصل عمّا يجري من أحداث في الشرق الأوسط، أهم سؤال ينفرد فيه الأمريكيون هو لماذا هذا الوفاء الروسي للنسق السياسي السوري ورمزه الرئيس الأسد؟ لماذا لا تتفق روسيا بكل بساطة مع المعارضة السورية وتنزع يدها وتوقف دعمها لحكومة دمشق؟.

 لو حدث النزاع في سوريا على شيء بسيط ربما كان هناك احتمال ليتخذ الروس هكذا مواقف، إنّ الدعم القوي والثابت الذي يقوم به الكرملين لدعم الرئيس الأسد ونسقه السياسي، هو نوع من  أنواع التطمين لرؤساء الدول في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق القلقين على من يحل مكانهم، وبنظرة مقتضبة يجب التأكيد بأن موسكو تعارض أي خطة تتضمن تنحي الأسد عن السلطة، والموافقة المقنعه والمجدية للروس كانت وما زالت وفق جنيف2، لأن الروس يعتقدون أنّه وفقاً لهذا المسار لا يرون ضرورة لتنحي الأسد عن السلطة، وفي الحقيقة هو نوع من تعاطي موسكو مع سورية يشكل معيار لاختبار  قدرة الروس على زعامة منطقة آسيا المركزية، حيث المنطقة الأخيرة التي كان الروس يشكّلون  منذ مدة طويلة مساعد استراتيجي فيها، ولا يرغبون بترك أصدقائهم حتى في الظروف الصعبة، ويبدو هذا الموضوع واضحاً ويحظى بأهمية كبيرة في دول الاتحاد السوفيتي السابق الحدائق الخلفية الآن للفدرالية الروسية، حيث يسعون لتبقى السلطة التنفيذية بيد الزعماء التقليديين حلفاء الروس.

وفي المعلومات وبعد أن اطمأنت موسكو إلى الدعم الصيني وتماسك الموقف الصيني من جلّ الحدث السوري، رفعت حذائها في وجه واشنطن المسوّد، وهددت أنه إذا ما استمر حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي بتجاوز القوانين الدولية، فهذا يعني بداية نشوب حرب عالمية ثالثة، لذلك جاءت زيارة أمير الظلام بندر بن سلطان إلى موسكو الأسبوع الماضي، ولقائه كل من الرئيس الروسي ومدير جهاز الاستخبارات الفدرالي الروسي وآخرين في مجلس الأمن القومي الروسي.

وفي المؤشرات على ذلك، نجد أنّ “فلادمير بوتين” أكّد وأكثر من مرة، على أن روسيا مستعدة لتقديم التضحيات مرة أخرى، كما اعتبر هذا القرار المهم هو الضامن للسيادة الروسية في مواجهة التهديدات المباشرة من قبل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي – الناتو، وكانت موسكو قد أدانت مرات عدة زيادة عدد قوات الناتو و إحداث قواعد عسكرية جديدة وتوسيع نطاق الدرع الصاروخي على الحدود و تدمير ليبيا، وإذكاء التوتر و حالة عدم الاستقرار في سوريا.

هذا وتعتبر الفدرالية الروسية أنّ معطيات الظروف الحالية في العالم والشرق الأوسط بشكل خاص، مشابهه تماماً للوضع الذي كان سائداً قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، وتأشيراً على ذلك فقد قام فلادمير بوتين بجولة تفقدية، في الأيام الأولى بعد وصوله إلى سدة الرئاسة الروسية، لقسم الصناعات العسكرية الروسية والقوّات المسلحة في الاتحاد الروسي الفدرالي، و بهذا الخط الذي اختاره لنفسه والذي لم ولن يتخطاه يكون قد وضع يده على الزناد تجاه سورية، لمنع القيام بأي عمل عدواني ضدها، فبحسب رأي بوتين: فانّ احتلال ليبيا يشبه احتلال تشسكلوفاكيا من قبل “الرايخ الثالث”، وإذا  احتلت سورية فهذا يشبه احتلال بولندا الذي أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.

 يشير خبير استراتيجي إلى أنّ أي تفسير مبني، على أن ما يجري الآن من أحداث في بلاد الشام بأنه نتيجة ثورة أو بسبب القمع الديناميكي الداخلي في سورية ليس فقط تفسير خاطئ، بل هو تحريف حقيقي لما يجري على الأرض ويحمل في طياته تجاذبات سياسية متشعبة، بعبارة أخرى إنّ الأزمة السورية أول وأهم أزمة من نوعها، وتشكل مرحلة متقدمة في مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، وتسير باتجاه القضاء على محور المقاومة ونشوب أول حرب غاز في العالم.

ويزيد هذا الخبير أنّه في الواقع الشيء المهدد بالخطر في سورية ليس كيف سيستطيع الرئيس بشار الأسد ونسقه السياسي، إحلال مبادئ الديمقراطية في المؤسسات التي ورثها، أو هل سينجح أمراء الوهابية السلفية في الخليج في القضاء على آخر حكومة علمانية في المنطقة ونشر الإسلام الوهابي، بل الخطر يكمن في تحديد الخطوط الفاصلة بين الحكومات الجديدة التي شكلها حلف الناتو  و “SCO” ( منظمة شنغهاي للتعاون).

إنّ إعلان مزمن ومتقيّح للمسؤولين في الطرف الخارجي المتآمر للحدث السوري، عن إمكانية التدخل الدولي خارج أطر قرارات مجلس الأمن الدولي، مثلما حدث في كوسوفو من قبل قوات الناتو كان موضع قلق وغضب الروس، وقد قرر الاتحاد الروسي الفدرالي، مدعوماً من الصين، حيث موسكو تموضعت حتى الآن في مواقع الدفاع لا الهجوم، أن تقدم على اتخاذ خطوات جديدة عميقة ذات بعد رأسي وافقي، حيث مرد ذلك إلى التغيرات الإستراتيجية الاضطرارية والأحداث المتسارعة والتغيرات المطلوبة في سورية، هذا وقد اقترحت موسكو أن تتشكل مجموعة اتصال حول سورية (تضم الدول ذات العلاقة) تجمع الدول المعنية، أي الدول المجاورة لسورية والقوتين العظمتين في العالم، بهدف إيجاد مرجعية للحوار تكون بديلاً عن التدخل العسكري الذي يسعى الغرب الحاقد لفرضه تحت عناوين مختلفة.

وفي مؤشر سياسي عسكري خاص، قد يعطي صورة أنّ موسكو مستعدة لحرب عالمية ثالثة، أنّه في  يوم الخميس 7 حزيران من عام 2012 م، شهدنا أحداثا مهمة جداً في وقت كان فيه كل من “كي مون” و ممثلة منظمة حقوق الإنسان يطالبون بتشكيل ملف ضد روسيا الفدرالية في الجمعية العامة في الأمم المتحدة، كانت موسكو تجري تجربة على صواريخ بالستية عابرة للقارات.

فقد أكد الكولونيل “فاديم كوفال” المتحدث باسم القوات الصاروخية الإستراتيجية الروسية، أن اختبار هذه الصواريخ كان من سيلوي القريبة من بحر قزوين، أما اختبار الصاروخ “بولوا” حتى الآن لم يتم التأكيد أنه أطلق من غواصة في البحر المتوسط، لكن كامل مناطق الشرق القريب، “إسرائيل” – فلسطين المحتلة – وسورية والأردن ولبنان و أرمينا شاهدوا اللهب المنبعث من هذا الصاروخ، حيث أنه لا توجد أسلحة أخرى تترك أثراً في السماء مثل هذه الصواريخ.

الرسالة من الاختبار واضحة: “موسكو مستعدة للحرب العالمية، إذا لم يراعِ حلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي القوانين الدولية التي تضمنها خطة عنان وإذا ما استمروا في دعم الإرهاب في سورية والمنطقة”.

وحسب التقارير الواردة، شجعت موسكو دمشق – في الوقت الذي حصل فيه الأسد على التأييد خلال إجراء الاستفتاء على الدستور- على القيام بتفكيك “الإمارة الإسلامية في بابا عمرو”، كما شجعته أيضاً بعد تشكيل مجلس الشعب وتكليف رئيس وزراء جديد، بأن يقوم بتطهير البلاد من المجموعات الإرهابية المسلحة، وكانت الأوامر خارج إطار الإستراتيجية الدفاعية، حيث اتخذت إجراءات عنيفة لحماية الشعب من المجموعات الإرهابية وإعداد الجيش النظامي السوري للهجوم على مواقع وتحصينات “الجيش السوري الحر” منظمة غير مشروعة وفقاً للقوانين الدولية، فخلال الأيام القادمة ستستعر المواجهات – إن لم تكن قد استعرت وسعّرت – بسبب امتلاك المجموعات الإرهابية لمدافع الهاون والصواريخ المضادة للدروع بالإضافة إلى صواريخ أرض-جو.

وللحد والتخفيف من حدة التوترات المتصاعدة، قبلت فرنسا في وقته بسرعة المقترح الروسي لحضور اجتماع مجموعة الاتصال الخاصة، كما وافقت واشنطن أيضاً على عكس تصريحاتها، وقد أرسلت “كلينتون” وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “فردريك سي هاف” على وجه السرعة و قبلت الدعوة الروسية، ولقد تجاوز الأمر قضية احتمال اتساع المواجهات، فقد امتدت إلى لبنان أو بداية نشوب حرب على مستوى المنطقة، ويسعى حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي خلال أكثر من عامين ونصف، لإيجاد حالة عدم الاستقرار في سورية، والتي لا يوجد طريق للخروج منها إلا الدفع نحو حرب عالمية ثالثة جديدة عبر البوّابه السورية وديكتاتورية جغرافيتها ونسقها السياسي.

لقد تعاملت طهران بكفاءة عالية مع سيناريو ما بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، بالمقابل أصبح خصوم طهران من العرب والغرب، أكثر استعداداً لجهة المزيد من الدفع باتجاه انهيار دمشق.

وتأسيساً على ذلك، يرى خصوم إيران، بأنه طالما لا يوجد سبيل لمنع تحول بغداد إلى قوة مضافة بجانب طهران، فإن الحل الأمثل، هو أخذ دمشق بعيداً عن طهران، وذلك، لأن مثلث دمشق ـ بغداد ـ طهران معناه، انهيار إستراتيجية الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وهو أمر معناه أن واشنطن، سوف تسعى بالضرورة إلى التحول باتجاه البحث عن روابط مع المثلث الحديدي الشرق أوسطي الجديد، وذلك لأن حكمة أمريكا البراغماتية تقول بأن القويّ إذا لم تستطع التغلب عليه، فمن الأفضل أن تسعى إلى التحالف معه، بدلاً من تضييع الوقت والجهد مع الضعفاء الذين تسهل السيطرة عليهم، بالقليل من القوات الأمريكية التي لا يتجاوز عددها في أحسن الأحوال عن لواء مكون من كتيبة مشاة، وكتيبة مدرعات، وكتيبة قوات خاصة.

::::

عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

http://www.roussanlegal.0pi.com

mohd_ahamd2003@yahoo.com