عاد سامر الى القدس … بشروطه لا بشروط العدو

عبداللطيف مهنا

عاد الأسيرسامر العيساوي إلى القدس. عاد بشروطه بعد أن تكسرت على صلابة ارادته الصلدة كافة اشتراطات عدوه التي رفضها. كانت ارادته الأسطورية، التي اعلنت عنها اشهر تسع من الإضراب غير المسبوق تاريخياً عن الطعام قمينة بأن توصف بأنها قد قدت من صلابة جبال قدسه العائد اليها. عاد فاستقبلته جماهيرها رغم أنف محتليها. لم ترعب عيسويتها جحافل محاصريها، ولم تثنِ المقدسيين عن تأدية واجب استقبال بطلهم العائد إقفال مداخلها، ولا انتشار الحواجز اسواراً مضافةً حول كامل المدينة الأسيرة.

اختصر سامر العيساوي المقدسي الفلسطيني العربي سفر اسطورته بعبارة مناضلة وبسيطة : “عرض عليَّ أن اتخلى عن شعبي وكرامتي … وهو مالم اوافق عليه”. اما لماذا لم يوافق؟ فالجواب أتى بنفس النضالية والبساطة ذاتها: “اريد أن احافظ على هذا الجيل ليحافظ على فلسطين”…

… عاد سامر إلى القدس بشروطه لا بشروط العدو … لم يفاوضهم ولم يساومهم ولم يهادنهم، وانذرهم العائد سلفاً : “لن نهدأ حتى نطلق سراح اسرانا، ولن تتحقق فرحتنا إلا بتحرير فلسطين”، وليتحداهم : “اشعراليوم بالنصر” عليكم … أما لمن يتحدثون عن بطولته فيذكِّرهم بأنه “كل الشعب الفلسطيني بطل” ، لأنه شعب يقاوم ولايساوم و”مصِّر على حقه بأرضه”… ولأنه ينتمي لمثل هذا الشعب فهل من غرابة انه يعود إلى عائلة مناضلة لاتختلف عن غالب سواها من اسره وعوائله، فهو شقيق لشهيد ولآخر قضى 25 عاماً متفرقةً في معتقلات الغزاة المحتلين، ولشقيقة أمضت فيها ماقارب العام، ووالدة يكفي أنها لم تقرأ في عودته اليها إلا أنها : “مثال لشعبنا إن الإرادة والعزيمة تصنعان المعجزات”… اما والده فقال ما هو لسان حال العيساوية والقدس وشعب بكامله ومعه بسطاء أمتة من مشارقها إلى مغاربها ، قال ما لم يسمعه ولا يفهمه من على مقربة منه يفاوضون ويساومون ليفني تحت عبائة كيري : “فرحتنا ستكتمل حين تتحررفلسطين” …

 … يعود سامر للقدس بشروطه لابشروط الغزاة، لتستقبل العيساوية ابنها العائد متحديةً انذارات المحتلين ووعيدهم، لم ترهبها قواتهم او تثنها حواجزهم، وعلى مقربة في المدينة المحتلة تحجز السفارة الأميركية في أحد الفنادق الكبرى خمسين غرفة ليشغلها جزء من طواقم الخبراء المرافقة لكيري، والذي يقال أن تعدادها يصل إلى ال130 مختصاً… كيري العائد لفلسطين المحتلة آخر الشهرالأول من عامنا الجديد، أو بداية مايليه، ليفرض اتفاقاً أوسلوياً ثانٍ على أوسلويين لم يتمسكوا يوماً بشروطهم، وكان نهجهم المستدام هو الاستجابات المتتالية للإشتراطات التي تفرض عليهم. عاد ليفرض اتفاقه الذي يقول ماسُرب منه أنه، أما وقد بات مقتنعاً بأنه “لايمكن التوصل  إلى اتفاق سلام مرة واحدة”، فلابد إذن من اجتراع “خطة وسطية ترضي الطرفين”، لاتتطرق إلى “القضايا الحساسة بالتفصيل، لكنها تشير إلى اسس الحل”، أو مايعني الكلام العام، أو الذي لايعني شيئاً، عن دولة فلسطينية على حدود67 ، واخرى “يهودية”، أما أولوية أمن الكيان الصهيوني فيكفلها “وجود أميركي مكثَّف في الأغوار”. والمهم هو أن مايسرَّب يقول أن كيري كان قد ناقش هذا مع رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود في رام الله وإن هذا “لم يعترض” … وإن صح هذه الذي سُرِّب فماذا يعني؟!

إنه لو صح فلا يعني سوى ان الأسلويين، اللذين ليسوا في وارد سماع ما قالته العيسوية وهى تستقبل ابنها المتمسك بشروطه تمسُّكه بفلسطينه، قد تخلوا، كسالف عهدهم، أو هم بصدد التخلي، عن آخر شروطهم ليلحقوها بماسبق وإن دأبوا على التخلي عنه، فقبول “اتفاق اطار”، أو ما يعني تمديداً أو تعويماً لزمن المفاوضات، أو مايجعله مفتوحاً وفق الطلب والمشتهى الصهيوني ، يعني تخليهم عن مطلبهم بما يدعونها، وفق منطقهم الأوسلوي “قضايا الحل النهائي”، لصالح ذات الحل الذي ينادي به ليبرمان ويحلم به غلاة الصهاينة، أي “الحل المؤقت”، كما وأن الدولة على حدود 67، وفق لغة اتفاق اطاركيري المزمع لاتعني حدود 67 التي تخلو عنها منذ زمن لصالح “تبادل اراض” متفق عليها … وماذا عن القدس التي هوِّدت، وحق العودة الذي تجاوزوه منذ أيام مبادرة قمة بيروت ؟! كما ويعني أنهم لم يسمعوا بالغارات الدموية واصطياد الأطفال في غزة، تماماً كما ظلوا يتجاهلون سماع ازيز البلدوزرات التهويدية الصاخب وهى تهدم بيوت الفلسطينيين وتوسِّع المستعمرات وتسمَّنها من حولهم، أوهذه التي يشكل أطار كيري المزمع لها مهلاً تفاوضية مرغوبة تتيح لازيزها زمناً كاف للإجهاز على ماتبقى من ارض فلسطينية لم تهوَّد أو تطالها جنازيرها بعد.

… عاد سامر العيساوي إلى العيسوية ، عاد المقدسي إلى القدس، لكن بشروطه لابشروط الغزاة المحتلين، لم يتخل سامر عن شعبة وعن كرامته ، أو ما سيتخلى عنه الأوسلويين المفاوضين بقبولهم بشروط العدو المغلَّفة بسلوفان اتفاق اطار كيري التصفوي … عاد سامر مناضلاً إلى مدينته، وهم يعودون الى سالفهم نهجهم التفريطي الذي جربوه لعشرين حولاً كارثياً ولم يتعظوا.