زيارة اوباما الى آسيا: بين الدوافع وخلق التحديات لأميركا

د. ليلى نقولا الرحباني

أنهى الرئيس الأميركي باراك اوباما رحلة الى آسيا استمرت أيام، زار خلالها أربع دول آسيوية حليفة للولايات المتحدة- محاذية للصين – استهلها من اليابان، ومرورًا بكوريا الجنوبية والفليبين، ثم انتهاءً بماليزيا. وقد تكون الزيارة التاريخية تلك لاوباما قد تأخرت عما كان متوقع لها، خاصة بعدما كان اوباما قد أعلن عن نيته الاستدارة نحو آسيا والمحيط الهادئ خلال اعلانه عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية خلال خطابه في حال الاتحاد عام 2013، وقد أشار حينها الى رغبة الولايات المتحدة في إعادة التوازن لاهتماماتها الخارجية والتوجه شرقًا، وقد ظهر جليًا أن الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط سيتقلّص خاصة بعد إعلان الانسحاب من العراق والنيّة بالانسحاب من أفغانستان مع نهاية العام 2014.

ولعل التأخير في الزيارة الآسيوية لأوباما، قد يكون مردّه الى أمور عدّة أهمها:

–  تعثّر المخططات الأميركية في الشرق الأوسط، ليس فقط في سوريا، بل في كل من مصر وتونس وليبيا، والخليج خاصة تعرّض العلاقات السعودية- الأميركية الى بعض التشجنات، وكما في تلك الدول كذلك في ملف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، التي حاول جون كيري دفعها الى الإمام، ولكن التعنّت الاسرائيلي عطّل امكانية التقدم الى الإمام.

وقد يكون التقدم الوحيد في ملفات الشرق الأوسط، هو في الملف النووي الايراني، لذلك ستعمد الإدارة الأميركية الى التمسك بحلّ ذلك الملف، وخاصة قبل دخول البلاد في مرحلة الانتخابات النصفية للكونغرس، لأنه الملف الذي سترفعه الإدارة في وجه منتقدي سياستها الخارجية من الحزبين.

– الصراعات الداخلية على الساحة السياسة الأميركية، وعلى رأسها ما جرى في خريف عام 2013 عندما أغلق الجمهوريون الحكومة الفيدرالية، وعطّلوا عملها، لرفضهم المصادقة على رفع سقف الاستدانة.

– انفجار الوضع في اوكرانيا، والسياسة الهجومية الروسية التي أدّت الى إقتطاع القرم، وما يحصل في شرق تلك البلاد من تحديات أمنية، ربما قد تؤدي الى تقسيم أوكرانيا، وهزّ الاستقرار في اوروبا الشرقية برمّتها.

هذه الأزمات وغيرها، أخّرت زيارة الرئيس الأميركي الى الشرق الأقصى، ولكن الحاجة الأميركية الى تطمين الحلفاء الآسيويين بشأن استمرارية الحضور الأميركي في المنطقة، وبقاء المظلة الأمنية التي استفادوا منها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحافظت على الاستقرار في آسيا، كانت ضرورية تمامًا كما الزيارة التطمينية التي قام بها اوباما الى الخليج بعد القلق الخليجي المتصاعد من التفاهم مع ايران، خاصة في ظل صعود الصين، وعودة شبح الحرب الى المنطقة في ظل عودة التشنج على خلفية بروز التوجهات القومية، والصراعات الحدودية التاريخية التي تعود الى الواجهة بين الفترة والأخرى، ومنها الصراع بين الصين واليابان على ملكية مجموعة من الجزر الصغيرة التي تسيطر عليها اليابان والتي تطالب بها الصين، والتي أشار اوباما إلى أنها مشمولةٌ بمعاهدة الدفاع اليابانية الأميركية.

وبكل الأحوال، وبالرغم من أن اوباما، حرص خلال خطاباته الآسيوية الى عدم استفزاز الصين مباشرة، لكن لا يمكن الحديث عن خطة التوجه الأميركي نحو الشرق الأقصى، بدون الحديث عن رغبة أميركية أكيدة في القيام بعملية “إحتواء” للقوة الصينية المتصاعدة، علمًا أن هذه الخطة تثير بعض الملاحظات حول آداء السياسة الخارجية الأميركية وعقلانيتها، وخدمتها للمصالح الأميركية:

أولاً: لقد ظهر جليًا من خلال الأزمة السورية، أن هناك تقاربًا جيدًا بين كل من الصين والروس في نظرتهم الى القضايا الشرق أوسطية، ولكن الصين – بطبيعة الحال- قد لا ترغب في رؤية عملاق روسي على حدودها، وعلى الساحة الدولية يعيد تجربة القطبين خلال الحرب الباردة، لذلك إن ما يقوم به الأميركيون من محاولات في الشرق الأقصى قد لا تترك للصين العديد من الخيارات، وبالتالي تدفعها الى الحذر من السياسات الأميركية، والتوجه أكثر الى توطيد الحلف مع الروس.

ثانيًا: إن القلق الأميركي من الخطر الصيني، أو الهيمنة الصينية قد يكون مبالغًا فيه، فبالرغم من أن الصين تشكّل عملاقًا اقتصاديًا، إلا أنها تعيش مشكلات داخلية كبرى، منها تباطؤ النمو الاقتصادي، والمشاكل الاجتماعية الكبيرة، والتحديات البيئية المتفاقمة، لاسيما تلوث الهواء والمياه، بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني لتطهير صفوفه من الفساد، بعد سلسلة من الفضائح التي تثبت تورط مسؤولين كبار في السلطة، ما يحدّ من قدرتها على تشكيل عملاق عالمي مهيمن.

ثالثًا: إن التحديات العالمية والداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة، بالإضافة الى المشاكل الاقتصادية الداخلية، التي باتت تفرض سياسة  أكثر تقشفية في الانفاق على الدفاع، يجب أن تدفع الأميركيين الى اقناع كل من حلفائهم الأوروبيين والآسيويين، بتحمّل المزيد من المسؤوليات المرتبطة بالدفاع عن أنفسهم؛ حينها فقط سيعتمدون سياسات جوار  أكثر عقلانية تقوم على المنافع المتبادلة بدل التحدي الدائم، متّكلين على قوة “العضلات” الأميركية في هذا المجال.

لكل هذه الأسباب وغيرها، قد يكون من المجدي للإدارة الأميركية إعادة تقييم السياسات الخارجية التي تتبعها، خاصة في الشرق الاقصى، حيث تلوح في الأفق نُذر الحرب في العديد من الدول، والتي قد يؤدي التدخل الأميركي فيها الى صب الزيت على نار الانقسامات والأطماع، والنزعات القومية.