حول قانون “القومية” و”يهودية” الكيان الصهيوني

عبداللطيف مهنا

يقول واقع الحال في حلبة الصراع على السلطة في الكيان الصهيوني، إنك إن تبتغي حظاً أوفر للفوز في أي من سباقات اعتلاء سدة الحكم، أو التمكن من الامساك طويلاً بناصية القرار، فلا عليك سوى اعتماد  ذاك المجرَّب من معهود تلكم السبل التي ثبت أنها الأسهل والأقصر والأضمن للوصول بك لهذا المبتغى…إنها لا تتطلب منك أكثر من تصعيد محموم للعربدة التهويدية، والمغالاة في الولوغ في مستباح الدم الفلسطيني، والمزايدة على منافسيك بالتفنن في إثارة كوامن الجنون العدواني لدى جمهورك الحاقد ضد كل ما يرمز للوجود الفلسطيني مادياً ومعنوياً…تاريخ الصراع، وراهنه على وجه الخصوص، يضع مثل هذه الحقيقة بمنزلة المسلَّمة لدى مختلف الألوان والعناوين التي تضمها تشكيلة المستوى السياسي الصهيوني، من يسارها إلى يمينها، بمعنى، من متطرفها إلى ما هو الأشد تطرفاً، وخصوصاً في راهن هو الأكثرمواتاةً لممارستهم لمثل معهودهم المجرَّب هذا، فلسطينياً وعربياً ودولياً…

لكنما، ونحن نستحضر هذه المسلَّمة، فإن من الخطأ الاقتصار عليها فحسب ونحن نتوقَّف أمام إقرار حكومة الكيان الصهيوني بأغلبية الثلثين لما سُمِّي بقانون “القومية”. كما أنه من الخطأ أيضاً، ونحن نتابع تجليات هذا السعار “القانوني” الصهيوني، أوما يثار حوله من الجدل داخل الكيان نفسه، أن ننظر اليه كمجرد تعبير عن مجرد جموح يميني عنصري مغال يركب بنيامين نتنياهو موجته ويوظِّفه للأمساك بالسلطة، ويعارضه في ذلك كل من يائير ليبيد وستبي ليفني من داخل حكومته، ومن خارجها بقايا حزب العمل، وبعض ممن يتيسر من قوى اليسار الصهيوني الهامشية المعارضة. ذلك لأن كل ما تقدم ماهو إلا من السمات الملازمة حكماً لكيان في مثل طبيعة هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني الاحلالي، والمنسجم تماماً مع جلي استهدافات الاستراتيجية الصهيونية تاريخياً، والتي لطالما تعرضنا لها وقلنا وسنظل نقول أنها ظلت الثابتة، والتي لم ولن تتبدل أو تتغير ومنذ أن رسمت منذ أكثر من قرن. بمعنى أنها مضمر الخطوة التي سوف يقدم عليها هذا الكيان حين يرى أن فرصتها قد سنحت، وبغض النظرعمن يتسنَّم سدة القرار فيه، أو ما هو مسماه، سواء اكان نتنياهو أم ستبي ليفني، أو أي اسم آخر، ولعله ليس بافضل من مثل هذه الحقبة العربية المنحدرة لتشجيعه على الإقدام عليها…فيما يتعلق بالجدل الدائر الآن بين الغالبية المجمعة على إقرار القانون والأقلية التي تتخذ دور المعارضة له سوف نؤجل حديثنا قليلاً لصالح ما لابد لنا من الإشارة اليه قبلها وهو، أن هذا القانون ينص فيما ينص على أن فلسطين المحتلة هى “الوطن القومي للشعب اليهودي”، وإن ما دعاه “الحق القومي في تقرير المصير في دولة اسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي”…ماذا يعني هذا؟!

أولاً: قوننة ما تدعى “يهودية الدولة”، أوما كان، واشرنا اليه في مقالنا السابق، مطبقاً فعلياً منذ النكبة وقيام الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة. وتالياً، ما يترتب على هذه القوننة، أي ما يعني تلقائياً شطب حق العودة، ونفي المسؤلية عن النكبة، ودفن لوهم حل الدولتين الأوسلوي، ثم ما يستتبع، من شطب للغة العربية كلغة رسمية، إلى جانب ترجيح اليهودية على مزعوم “الديموقراطية”، واعتبار الحقوق الجماعية في الكيان، رسمياً وليس ممارسةً فحسب، حكراً على يهوده، أما ما خلاهم، أي الفلسطينيين، ففردية…واستطراداً، اعتبار القضاء التوراتي ملهماً لكل من المشرِّع والقضاء…والأهم، أنه القوننة الممهدة لما باتوا يرون اقتراباً لأجله، أي تنفيذ ما امكن من مخطط الترانسفير المبيَّت بحق من تبقى من الفلسطينيين على ارضهم المغتصبة، ومحاولةً لفرض الرواية والرؤيه الصهيونية للصراع وحله، أو الإجهاز نهائياً على فلسطين الوطن والهوية والإنسان.

وبالعودة إلى معارضي القانون الصهاينة، نجد لزاماً علينا التنبيه إلى أن جوهر معارضتهم، وجميعاً وبلا استثناء، تنطلق من الحرص على صورة الكيان في العالم اساساً، بعده يأتي توقيته، أومخاطر تسببه في ازدياد مستويات اندلاع الغضب الفلسطيني، يليهما توظيف نتنياهو له انتخابياً، واجمالاً هى بغالبها معارضة لاتخرج عن نطاق معهود المماحكات السياسية المتبعة، أوما قد تستدر لأصحابها من مردود انتخابي…مثلاً: لم ير فيه يائير ليبيد، أهم معارضيه “بصيغته الحالية”، سوى أنه “يجعل 300 الف روسي (ممن لم يعترف بيهوديتهم) من الدرجة الثانية”، أما اسحق هيرتزوغ زعيم حزب العمل فعنده إن “الانشغال بقانون القومية اشبه بعقد جلسة لحكومة نتنياهو في الحرم القدسي، واثارة الأمن في وقت أمني وسياسي فائق الأهمية والحساسية ، هو انعدام مسؤولية، ويمكن أن يزيد اللهيب اشتعالاً في المنطقة”…أي لا محل هنا للحديث عن اصحاب الأرض المغتصبة المستباحة دمائهم والمهددون بالترانسفير…

هذا القانون، الذي تصفه حتى “النيويورك تايمز” بالعنصري المدمر والذي “ينطوى على ابعاد مشابهة لقوانين العبودية التي كانت سارية في الولايات المتحدة”، لحقه مشروع قانون آخر بمسمى “مناهضة الارهاب”، يهدف لطرد المقدسيين المنتفضين إلى غزة، عبر اجازة سحب هويات عائلات الشهدائهم والأسرى، وهدم بيوت ذويهم، وطرد اسرهم، بل وامكانية عدم تسليم رفاتهم، ناهيك عن بلوى التهويد المتسارع، والانتهاكات المتعمدة والمتواصلة للحرم القدسي واعتبار المصلين المرابطين فيه تنظيماً محذوراً، وقبله محرقة غزة وبعده مواصلة محاصرتها…كلها أمور ليس من شأنها أن تدفع سلطة “أوسلو ستان”، التي احتجز المحتلون موكب رئيس وزرائها بذريعة مخالفته لقوانين السير، للكف عن تلكئها المزمن في تنفيذ تهديداتها التليدة باللجوء للأمم المتحدة والانضمام للمعاهدات الدولية، وانشغال ناطقيها بتوصيف تلكئها هذا تارة بالتأجيل وأخرى بالتجميد!!!