تجار السلاح هم الرابحون الوحيدون في حروب الشرق الأوسط

واشنطن-سعيد عريقات

كثيرا ما يضيع في مآسي  ومآزق الحروب التي لم تنقطع في المنطقة العربية لعقود طويلة دور صناعة السلاح، خاصة الأميركية التي حذر منها الرئيس الأميركي السابق دوايت آيزنهاور ولقبها ب”المجمع الصناعي العسكري” (دون أن تجرؤ المؤسسة الحاكمة في واشنطن آنذاك التصدي له لأنه أحد أهم أبطال الحرب العالمية الثانية)، وما تجنيه من كم هائل من الأرباح التي تتحقق على حساب مقتل مئات الآلاف من الأبرياء وتدمير ديارهم.

كما يلاحظ غياب بحث موضوع دور”صناعة السلاح والتجارة به” تقريباً بالكامل من محاور البحث سواء في وسائل الإعلام (المكتوبة والمسموعة والمتلفزة) أو حتى في مراكز البحث العديدة في العاصمة الأميركية التي تعتبر حروب منطقة الشرق الأوسط شغلها الشاغل.

وفي حين أن الشركات الأميركية الشهيرة مثل “جنرال داينامكس” و “نورثروب غرامن” و “بوينج” تحظى بالأضواء والأثر البالغ في الكونجرس الأميركي، إلا أن المئات من الشركات الأقل شهرة والأصغر حجماً تجبي أرباحاً طائلة، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضاً في إسرائيل، وأوروبا الغربية وروسيا وأوروبا الشرقية وبلدان أخرى في العالم حيث  تعد تجارة السلاح ظاهرة عالمية كما أن تهريب الأسلحة يشكل تجارة كبرى ومربحة في جميع أنحاء العالم، حيث يوفر فائض المال دوماً وجود  محفزات للفساد والربح من الاسترزاق بحياة الأبرياء، مما يجعل من  تجار السلاح في العالم، الكبار منهم مثل “جنرال داينامكس”  نزولاً إلى بعض التجار العرب مثل السوري منذر الكسار واللبناني الأصل سركيس، واليمني فارس مناع والسعودي عدنان خاشفجي، ملوك الحرب وسادتها  الحقيقيين الذي يتحكمون ويمولون صراعات وحروب لا تفتك سوى بالأبرياء في كل مكان.

وقد فاقت كلفة الأسلحة الأميركية التي أنفقتها الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان أكثر من 967 مليار دولار حتى نهاية عام 2012 بحسب قول الباحث أندرو فاينشتاين الذي نشر كتاب “عالم الظل: داخل تجارة السلاح الدولية” الذي بحث فيه تجارة السلاح التقليدي من المسدس إلى الطائرات المقاتلة والأسلحة الثقيلة الأخرى، “ناهيك عن التجارة بالذخائر، وهو موضوع أكبر من أن يغطيه مؤلف واحد” مهما كبر حجمه، في ضوء محدودية المراجع واختصارها بحسب الكاتب.

وفي حين أنه من المبكر البت في أرباح الشركات الأميركية، والأوروبية من حروب الشرق الأوسط التي نتجت عن الاحتلال الأميركي المباشر مثل العراق التي مر عليها 12 عاماً أو الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ ربيع 2011 إلى كافة الحروب الأخرى التي انبثقت عن ما لقب ب”الربيع العربي” في ليبيا واليمن وأماكن أخرى مثل الصومال والقرن الأفريقي ونيجيريا، إلا أن “هناك مؤشرات تدل على انتعاش ربحي ملحوظ في الصناعة العسكرية الأميركية بسبب الحروب الدائرة  أو الخوف من حروب محتملة (إيران)” بحسب معهد “كاتو” في واشنطن الذي يطالب بوقف التدخل الأميركي في الحروب الخارجية.

وقد أقر الكونجرس الأميركي قبل أسابيع دعم “المعارضة السورية المعتدلة ب500 مليون دولار من السلاح والتدريب”.

يشار إلى أن كل صاروخ كروز (الصواريخ الذكية) تطلقه الولايات المتحدة يكلف دافعي الضرائب الأميركيين 1.67 مليون دولار في حين تكلف الصواريخ المطلقة من الطائرات بدون طيار 500 ألف دولار.

وقد شنت الولايات المتحدة منذ بدء قصفها الجوي لمواقع داعش في العراق وسوريا في شهر أيلول الماضي 780 غارة جوية حتى الآن بحسب البنتاغون.

ويقول دوف زخايم، وهو يهودي أميركي متدين، وعمل مراقب مالي (مدير شراء) لوزارة الدفاع الأميركية في عهد الرئيس السابق جورج دبيو بوش “إن صناع الدرونز (الطائرات بدون طيار) يشعرون بنشوة الربح” بسبب الحروب الدائرة خاصة شركة “جنرال أتوميكس” وشركة “نانو هامينغبيرد” وشركة “ديجيتل غلوب” حيث أن “الولايات المتحدة باتت تعتمد كثيراً على هذا السلاح الذي يمكنها بإرسال طائرة بدون طيار لتدمير هدف ما في العراق أو اليمن أو سوريا أو أي مكان في العالم يوجهها عسكري أميركي دون ترك مكانه في ولاية كولورادو الأميركية” بحسب قول الطيار المتقاعد مارك كونزينغر.

كما تستخدم الولايات المتحدة الكثير من الدرونز الإسرائيلية الصنع (والتي قامت الصناعة العسكرية الأميركية في تأسيسها) وهو ما يدر بمئات الملايين من الدولارات من الأرباح لصناعة السلاح الإسرائيلية.

وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر زبون لصناعة الأسلحة الأميركية بعد وزارة الدفاع الأميركية نفسها (البنتاغون) حيث وقعت المملكة مع شركة “جنرال داينامكس” الأميركية لوحدها في بداية عام 2014 صفقة بمبلغ 14 مليار دولار لتزويد السعودية ب”المدرعات الخفيفة” كما وقعت عقوداً مماثلة مع شركة “نورثروب غرامن” لم يكشف عن حجمها.

يشار إلى أن المملكة العربية السعودية تتكتم على حجم مشترياتها العسكرية إلا أن سجلات المبيعات الأميركية التي يصعب الحفاظ على سريتها تشير إلى أن “المملكة أنفقت 67 مليار دولار على الأسلحة الأميركية (والبريطانية المرتبطة بها)، أو بما يزيد بنسبة 14% عن عام 2012” بحسب تقرير “مؤسسة ستوكهولم للسلام” وهو الإنفاق الأكبر في العالم على السلاح.

كما تعتبر دول مجلس التعاون الأخرى (باستثناء عمان) من “الزبائن المهمين للصناعة العسكرية الأميركية” بحسب المؤسسة.

وقد كشف المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون في فيلمه الوثائقي “تاريخ الولايات المتحدة غير المروي” الذي عرض عام 2012 أرباح شركات السلاح الأميركية الهائلة التي تجبى بهدوء وبدون تحقيق من قبل الإعلام الأميركي.

:::::

“القدس”، رام الله المحتلة