التطبيع بين السياسة والشهامة:

من ناجي العلي إلى إيلان هليفي إلى اعتراف الريماوي

عادل سمارة

من يعتقد ان التطبيع في الأراضي المحتلة أو الوطن العربي المحتل ايضا هو نزوة فردية سواء بشكل شخصي أو فكري او سياسي او اقتصادي او جنسي أو نفسي …الخ فهو بسيط وطيب فوق العادة.

التطبيع مؤسسة ضخمة عالمية ومعولمة، تقودها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ومعظم الأنظمة العربية وسلطة الحكم الذاتي. ولأنها كذلك فهي ذات أسلحة نارية، وقانونية ومالية ومخابراتية ومعلوماتية وحتى معرفية وربما لها حتى “عرَّافين/ات” يضربون في الرمل ام يسرون من تحت جلودنا ولا ندري.

وإلا، ما معنى أن يأتي اي شخص أو فلس من قطر أو أي بلد عربي معترف رسميا بالكيان أم لا…بعد، أن يأتي إلى رام الله ؟ هل فلوس قطر ، إذا أتت!!! هل أتت بتحويلة من السماء؟ مائدة مالية مثلا، نقول هذا في ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.

مواجهة التطبيع حرب، ولكنها فن ايضاً. أي لا تنفع فيها الشهامة، كما لا تنفع فيها الثقة العمياء بمن يتحدثون ضد التطبيع وينعمون في علاقاته ونِعمه ودفئه. والمقصود بالفن هو متى نستخدم هذا السلاح أو ذاك ضده.

مثلاً، لا يمكن اليوم أن تنعت شخصا بالتطبيع ولا يتمكن من كسب قضية تشهير ضدك؟ إلا إذا أمسكت به بالجرم المشهود. هذا  إذا كان التطبيع جُرماً؟ وحتى الوثائق قد  لا تنفع، فقد يحولونها إلى رُقىً !

لذا، من غير الله تعالى يعرف كم وصل من مال مسموم إلى هذا البلد الضحية والذبيحة، ناهيك عن: اين ذهبت!؟

لا أحد. وهذا الخفاء والاختفاء يسمح لهم بالانتقام منك لو قلت كلمة.

التطبيع هو قاتل ناجي العلي  عام 1987أمام عيوننا، وهو مصلوب حتى اليوم. وقد يكون قاتله في المقهى او مؤسسة أو مسجد أو بيت قرار أو بيت المجانين،، أو…الخ

في قضية ناجي كان الحل برصاصة واحدة، واحدة فقط دخلت من وسط عنقه وخرجت من خده الأيسر فقطعت مركز تجمع الشرايين الموصلة للدماغ وخاصة التي توصل الأكسجين للدماغ. في اليوم الثاني لاغتياله قال لي الحاج أحمد الهوني رئيس تحرير جريدة العرب في لندن: ” كيف صاحبك؟ قلت طالما بقي حيا 24 ساعة أعتقد انه بخير. قال: لا يا استاذ، قالت لي المخابرات البريطانية أن قاتله محترف، وبأن أي شخص لا يتطلب أكثر من رصاصة واحدة”. وفعلا هكذا كان. هل كانت المخابرات البريطانة تعرف القاتل وتنسق مع سادته؟ إذا كان لا يزال حيا فليعترف اليوم؟. المهم ان بريطانيا العظمى تواطأت مما يؤكد أن التطبيع معولم. ترى هل يفهم ذلك الذين يترددون على المجلس الثقافي البريطاني وأمثاله؟. أما القاتل فهو عالي التدريب والمهارة.

بعد اغتيال ناجي العلي دارت معركة سياسية وطنية ولا وطنية قومية ولا قومية مع المطبعين، الفلسطينيين والعرب. وحينما اشتد أوارها، أرسل لي الراحل إيلان هليفي سيدة والتقتني حيث احضرها موشيه ماخوفر في لندن، قالت أتيت لك خصوصا يقول لك إيلان هليفي إذا كنت تكتب ضد قاتلي ناجي العلي كي تصبح مشهوراً فأنت مشهور ولذا اسمك على قائمة القتل. إيلان يهودي يمني ماركسي ماوي عمل ضد الكيان بكل الأشكال وهرب إلى باريس عمل مع الراحل ابو جهاد، وعاد بعد اوسلو، وكما علمت توفي ولم أعرف وكنت أود لو عرفت كي ارثيه. بعد اللقاء المذكور أعدت عناية والصغار سمر ويزن إلى الأرض المحتلة وغيرت مكان نومي لدى صديق لبناني كان يضع على الحائط فوق راسي صورة الإمام الخميني ويقول مازحا: ” سوف يحميك”.وعدت بعدها إلى الأرض المحتلة. اليس غريباً أن تحتمي من رصاصة بزخات رصاص!!!  متمثلا قول المتنبي:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا…وحسب المنايا أن يكن أمانيا

 والتطبيع هو الذي حاكم الفنان الأردني الزعبي منذ 15 سنة بتهمة وصف مسرح في القدس بالتطبيع والزعبي لم يجد اية وثيقة او خبر يوثق تطبيع ذلك المسرح! بحثت له ولم أجد.. تصوروا كيف تتغير الظروف. اليوم نقول مسرح ولا نقول فلان، لأن فلان من قوة التطبيع بحيث يدخلنا السجن. ربما لهذا الموقف وأمثاله قال الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو: “السجن هو المكان الطبيعي لشاب حر في أمة مستعبدة”.

التطبيع اليوم أقوى بكثير لا يحتاج للرصاص، وإن أحتاج لن يتردد ولديه ترسانة هائلة . التطبيع اليوم بوسعه شراء طبقات بأكملها، وصحف وفضائيات لكي يبدو أبيض من حمام مكة المكرمة. لديه قوانين ودساتير وأجهزة، وحتى يستخدم جزءا من القرآن الكريم فيما يخص بني “إسرائيل”. ولا يهتم إن كان هؤلاء الكنديين والبولنديين …الخ هم بني إسرائيل أم بني الرأسمالية في حقبة العولمة.

لذا، مواجهة التطبيع تحتاج إلى فن ايضاً. فبما هو قوي هكذا، لا بد من حرب غوار  سياسي فني لمواجهته. لم تعد تنفع شهامة ناجي العلي، بل من حينها لم تعد تنفع.

تحتاج مواجهته إلى توثيق، وتحتاج إلى ابطال تضحية.

لماذا؟ لننظر ما نُشر أمس ،

See more at: http://alhadath.ps/article.php?id=83dcc9y8641737Y83dcc9#sthash.CQy8KiT5.dpuf

فقد تم اتهام السيدة ناديا حبش بأنها رئيسة مجلس إدارة مركز بيسان وبالتالي هي متهمة  بتشويه مشروع روابي بأنه مشروع تطبيعي.

كان ذلك حينما نشر المناضل اعتراف ريماوي من مركز بيسان تقريرا يصف روابي بالتطبيع. والمثير واللافت أن الرجل اعتقله الاحتلال بعد ذلك فوراً. وعند الاحتلال الخبر اليقين: لماذا!لا يعرف أسباب الاحتلال سوى الراسخين في العلم والتطبيع. ولكن من يدري لماذا تم الصمت على الأمر حتى تم تناسي اعتقال الرجل؟ الله أعلم أيضاً.

 أنا لا اعرف ماذا ورد في التقرير الذي نشره المناضل اعتراف ريماوي، ولا ما ورد في توضيح مركز بيسان إثر ذلك، ولا ما قالته السيدة ناديا حبش للشرطة في رام الله.

ولكنني أعتقد أن ما نشره المناضل اعتراف ريماوي هو قراره الشخصي. ولو كنت مكانه لحملت القضية شخصياً.

ولتكن إذن محكمة يحمله جند الاحتلال إلى الجلسات إلى رام الله ليحاكمه قاضي فلسطيني  وتحضر الناس، ثُم يُخرج من الجلسة ويتم تسليمه إلى جند الاحتلال، يدا بيد إن شاء الله، ويُعاد إلى زنازين الاحتلال. وليكن ذلك فيلماً واقعياً تحضره الناس  قبل أن تراه.

لا أعتقد أن الشهامة هي الحل من قبل السيدة ناديا وبيسان، بل المطلوب التضحية من قبل المناضل اعتراف ريماوي.

فالتطبيع خبيث حتى وهو قوي لأنه يحمل فيما يحمل الخبث التاريخي للصهيونية، فلا أقل من مواجهته بمرونة وخاصة لأن ما صدر  كان كما اعتقد بقرار من اعتراف الريماوي دون الرجوع لزملائه.