“اعترافات” و”اعتذارات” بعد خراب مالطة

الجزء (3) والأخير

 أ.د.محمد أشرف البيومي

نائب رئيس جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية

 أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعتي الإسكندرية وولاية ميشجان (سابقا)

 إن اعتراف الإبراهيمي باستخدام جبهة النصرة الارهابية للسلاح الكيمائي في سوريا جاء متأخرا جدا. كاد أن يؤدي سكوت الابراهيمي وعدم إعلانه بالحقائق إلي غزو الدول الغربية المباشر لسوريا وتدميرها لولا تدخل روسيا باقتراح نزع السلاح الكيمائي.

 وهذا يذكرنا باعتذار كولن باول وزير الخارجية الاسبق الامريكي عن كذبته المشهورة بالانبوبة البيضاء التي حوت حسب زعمه من بودرة الأنثراكس التي يمكن ان تقتل الملايين والتي يمتلكها صدام حسين الرئيس العراقي السابق. ما قيمة هذا الاعتذارالذي لم ينقذ طفل واحد بريء؟ يقول البعض أن اعتذاره فضح الأمور وبين الحقيقية ولكن الحقيقة كانت واضحة لمن يريد رؤيتها ولم يحتاج أو ينتظر عموم الشعب إعتراف باول، اللهم إلا القلة من الذين يدعون الثقافة والمعرفة.

مثال آخر للاعترافات المتأخرة جاء بعد 12 عاماً في مقابلة علي برنامج “الديمقراطية الآن” بالولايات المتحدة الأمريكية والمذاع يوم 23 ديسمبر الماضي. جاء الاعترف علي لسان كولونيل لورانس ويلكيرسون مدير مكتب كولن باول من 2002 حتي 2005، والذي ساهم في اعداد خطبة باول سيئة السمعة في الأمم المتحدة التي زعمت وجود أسلحة دمار شامل في العراق والتي استندت الحكومة الأمريكية عليها من أجل غزو العراق وتدميره. أقر ويلكيرسون  أنه علم مبكرا منذ إبريل ومايو 2002 بمحاولات لاستخدام “وسائل تحقيق المعززة” – مصطلحات منمقة تعني التعذيب المبرح. استهدف التعذيب انتزاع اعترافات تعزز وجود علاقة ملفقة بين بغداد والقاعدة وأن هجوما مشابها ل 11سبتمبر سيحدث. كما أفصح ويلكيرسون عن الضغوط الهائلة التي مورست من قبل ال  CIA من أجل تضمين الخطاب هذه الأكاذيب. علي النقيض من ذلك فإن ربتشارد كلارك المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب قدم استقالته عام 2003 عقب الغزو الأمريكي للعراق. وجدير بالذكر أن كلارك صرح بأن بوش الابن أراد أن يضع مسئولية أحداث 11سبتمبر علي عاتق العراق.

أما اعتراف العربي أمين جامعة الدول العربية فقد جاء علي لسان الابراهيمي مؤخرا علي إحدي قنوات التليفزيون حيث قال أن العربي كان غير موافق علي طرد الدولة السورية من الجامعة. أليس هذا مثالا لتغيير المواقف بعد الصمود الاسطوري لسوريا وبطولة وحنكة جيشها ؟ فلماذا خضع العربي للضغوط التي مورست عليه من قوي الرجعية العربية وقوي الهيمنة الغربية؟ ولماذا لم يستقيل لتجنب مشاركته في هذا القرار المشين ويبريء نفسه وتاريخه من هذه الجريمة؟  وما قيمة أي من هذه الاعترافات أوالاعتذارات التي جاءت بعد “خراب مالطة”؟ هناك اعترافات خطيرة أخري تتعلق بجرائم التعذيب الرهيبة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في سجون جوانتانامو والتي تستحق مقالاً آخر.

إن الذي يجمع بين هؤلاء “المشاهير” والذين يعتبرهم عموم الشعب المصري البسيط
“عجينة واحدة” هو التتمتع بقدر من الذكاء و بقدر هائل من القدرة علي اغتنام الفرص علي أمل اكتساب الزعامة والشهرة حتي وإن كانت علي حساب الشعوب. إن هدف هذا المقال الأساسي ليس فضحهم فلقد انكشف أمرهم بدرجة كبيرة وإنما  التحذير من الانجرار وراء مثل هذه الشخصيات والانخداع بهم في المستقبل.

يُتَهم الذين لم ينخدعوا  بالبريق الزائف لهؤلاء “المشاهير” بأنهم أعداء النجاح، وكأن النجاح هوالحصول علي الشهرة أو تبوأ مناصب كبيرة في حد ذاته بصرف النظر عن استخدامات المنصب أو الشهرة.  إننا نرحب ونسعد بأي “نجاح” شريطة ألا يكون علي حساب المباديء الوطنية والانسانية وإلا يصبح نجاحاً خير منه الرسوب.