أسئلة حول عملية العريش الأخيرة

أحمد الخميسي

تطرح العملية الأخيرة التي وقعت في العريش يوم الخميس 29 يناير عدة أسئلة مهمة:
– الأول : أن العملية كانت عنيفة جدا لدرجة أن ماجرى في منطقة ” الضاحية ” حطم بأثر الصوت زجاج نوافذ البيوت في منطقة أخرى تبعد نحو عشرين دقيقة بالسيارة. وأن العملية ليست فقط عنيفة، لكنها نقلة نوعية في حركة الإرهاب إلي مستوى القصف بقذائف الهاون أو ما يشبه من صواريخ. وهذه إشارة إلي أن مخطط عزل سيناء عن مصر مازال نشطا وأن ذلك المخطط على رأس جدول الاستعمار الأمريكي وقاعدته العسكرية إسرائيل.
– ثانيا : أن تدمير القسم الحدودي من مدينة رفح بدعوى مكافحة الإرهاب، لم يؤد إلي أي شيء، لسبب بسيط أن الإرهاب لم يكن في رفح، أولم يكن قاصرا عليها، وأن مساحات عمل الإرهاب أكبر وأوسع من رفح. فيم إذن كان هدم كل تلك البيوت وتشريد الأهالي ودفع تعويضات لبعضهم من أموال وقوت الشعب؟. فيم كانت الكرة من هدم ممتلكاتنا بأيدينا ودفع تعويض من جيوبنا عما فعلناه؟ كان تقديري منذ البداية أن هدم كل تلك البيوت كان مجرد خدمة للأمن الإسرائيلي لاعلاقة لها بمكافحة الإرهاب في مصر.
– ثالثا : تطرح العملية الإجرامية الأخيرة السؤال عن كيفية مواجهة النظام للإرهاب، وفهمه لتلك المواجهة. هل يمكن لنظام يعتقل أبناءه ويسجنهم ويقتل بعضهم أن يواجه الإرهاب؟ بمن ؟ مواجهة الإرهاب خاصة من النوع المطروح على الساحة تحتاج لرص صفوف الشعب وليس لتفريقها بالضرب والاعتقال وسن القوانين المتعسفة التي تسلب المواطن أحد أهم حقوقه الرئيسية أي حق التظاهر والتعبير. وقد أثبت نظام السيسي إلي الآن أنه فاشل في تلك المواجهة، لأن العمليات الإرهابية لم تتوقف داخل القاهرة وآخر تلك العمليات كانت تلك التي جرت في المطرية على نطاق واسع، كما أن عملية العريش الأخيرة تثبت أيضا فشله في مواجهة الإرهاب خارج القاهرة. مواجهة الإرهاب داخل القاهرة وفي المدن تحتاج لأوسع ديمقراطية وحرية تسمح برص الصفوف للتوحد في مواجهة الخطر. أما مواجهة الإرهاب في سيناء فتحتاج أولا وقبل كل شيء لتنمية سيناء ومد مناطقها بالمرافق والمياه والكهرباء وتعميرها وتخضيرها. لكن طالما أن النظام يتعامل بالقبضة العسكرية مع أبنائه ، ويتجنب مهمة تعمير وتخضير سيناء الثقيلة، فإنه لن ينجح في مواجهة الإرهاب: لا هنا ، ولا هناك. أخيرا ، تحتاج مواجهة الإرهاب إلي تطهير صفوف الدولة ووزاراتها وأجهزتها ومناهجها التعليمية من كل جذور الإرهاب الفكرية وهي أكثر من أن تحصى. أما تكرار الحديث عن أننا ” نواجه الإرهاب” والاكتفاء بذلك الإعلان فإنه لن يحل شيئا. السؤال هو : هل هذا النظام بوضعه الراهن قادر على مواجهة الإرهاب حقا؟
أخيرا فإن ذلك الفشل المتكرر في مواجهة الإرهاب يأتي في سياق كامل من التراجعات تمثلت في تبرئة علاء وجمال مبارك، وكل رموز النظام الإجرامي السابق، واعتقال العديد من الشباب في الوقت ذاته، واعتماد المواجهات العنيفة مع المتظاهرين وصولا إلي إطلاق الرصاص عليهم، وتشديد القبضة على الحريات العامة، وترسيخ منهج التبعية الاقتصادية للغرب، ومواصلة رفع الأسعار. الفشل في مواجهة الإرهاب هو الوجه الآخر للاستمرار في سياسات مبارك وهو استمرار لم تنجح في إخفائه كل الابتسامات والتصريحات اللغوية العاطفية. الفارق الوحيد بين نظام مبارك والسيسي، أن مبارك كان حين يتحدث عن اهتمام الدولة بالفقراء ومحدودي الدخل كان يتحدث بجهامة كأنه يعني مايقول، أم السيسي فيتحدث بعاطفية كأنه يحب مايقول.
الرحمة وجنة الخلد لكل الجنود البسطاء الشهداء الذين قتلوا في العملية الإجرامية الأخيرة والصبر لأهاليهم وذويهم.

  • أحمد الخميسي. كاتب مصري