التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

رئيس التحرير: د. منذر سليمان

نائب رئيس التحرير: جعفر الجعفري

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن،  5 فبراير 2016

المقدمة

        تصدرت نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية ايوا معظم المساحات الاعلامية، رافقتها بعض الابحاث الخاصة بالتطورات الميدانية في سوريا وشمالها بشكل خاص.

        درجت الاوساط الاميركية على الاستخفاف بالقدرات العسكرية الروسية بعد نهاية الحرب الباردة، ومستوى الطمأنينة الذي اصابها نتيجة السياسات المدمرة التي انتهجها الساسة الروس السابقون، خاصة في عهد بوريس يلتسن.

سيستعرض قسم التحليل الهيبة المتجددة للعسكرية الروسية، خاصة لفشل مساعي العديد التغاضي عنها في دعم الجيش العربي السوري والانجازات الحاسمة التي تحققت على ايدي الطرفين.

        الولايات المتحدة، من جانبها، لم توقف جهودها في تحديث ترسانتها العسكرية والاخلال ببعض الاتفاقيات الخاصة بالحد من معدل حيازتها للاسلحة النووية، واستدرجت بعض اهم اقطاب حلف الناتو لتحمل بعض عبء الكلفة الاقتصادية وزيادة الانفاق العسكري، لمحاصرة روسيا خلف حدودها، على الاقل.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

تناقض الميزانية والدين العام الاميركي

        افادت احدث الاحصائيات الرسمية الاميركية بارتفاع هائل لمعدل الدين العام على الخزينة الاميركية اذ بلغ 19 تريليون دولار (19،000 مليار) مع انقضاء شهر كانون2 / يناير الماضي، متجاوزا التوقعات السابقة برفع سقف الدين العام الى 18 تريليون دولار. من ابرز المؤشرات ان مجموع الدين العام اضحى يعادل 105% من مجموع الانتاج القومي الاميركي السنويواصدر مكتب الميزانية التابع للكونغرس توقعاته بمعدلات الدين انها ستبلغ 22,6 تريليون دولار عام 2020؛ و29,3 تريليون عام 2026. اهمية هذه المقدمة تكمن في الجدل الاميركي المتصاعد حول مخصصات الانفاق العسكري مقابل مزيد من تقليص الانفاق على برامج الرعاية الصحية والتعليمية.

        وزير الدفاع آشتون كارتر صرح امام النادي الاقتصادي في واشنطن، 2 شباط الجاري، ان ميزانية الدفاع للعام 2017 المقترحة ستبلغ 582.7 مليار دولار، وتشمل زيادة 50% في معدل بند الانفاق على “محاربة داعش،” البالغ 7.5 مليار دولار.

        زعم معهد المشروع الاميركي ان موازنة الدفاع السنوية “ستبقى ثابتة دون اضافات في المستقبل المنظور” اذا لم يتدخل الكونغرس لرفدها بمزيد من الاموال. وحث صناع القرار على رفد موارد ميزانية الدفاع للاستثمار في “مجالات التقنية المتطورة .. رغم العجز المنظور لميزانية عام 2017 بمعدل 10 الى 15 مليار دولار.” واضاف ان قراءته لميزانية الدفاع لعام 2017 تشير الى “تضمنها تخفيضات اساية وهامة للبرامج والمخططات القائمة.”

http://www.aei.org/publication/2017-defense-budget-losers/

ارشادات للرئيس المقبل

        قدم معهد ابحاث السياسة الخارجية جملة ارشادات للرئيس الاميركي المقبل تخص ملامح السياسة الخارجية، مناشدا “ايجاد معادلة توازن بين طاقم مجلس الأمن القومي والدوائر الرسمية الاخرى مثل وزارتي الخارجية والدفاع .. وينبغي تقليص عدد اعضاء مجلس الأمن القومي من مستوياته الراهنة.” واوضح ان البيت الابيض في عهد الرئيس اوباما “قلد نزعة فرط الادارة المركزية التي اتبعها فريق الرئيس نيكسون وكيسنجر لشؤون السياسة الخارجية دون التحلي بالاستعدادات الجيو سياسية.” وشدد على ان تطبيق السياسات الرسمية “ينبغي ان يوكل للهيئات والدوائر ذات الاختصاص وتمتلك ادوات التنفيذ .. ورفدها بمجموعة من النخب ذات الاختصاصات المختلفة باستطاعتها التعاطي مع عدد من القضايا في آن واحد.” اما المراكز الرسمية الرفيعة “فينبغي ان تتوفر لاصحابها خبرة سياسية معتبرة في عالمنا المعاصر.”

http://www.fpri.org/articles/2016/01/strategic-planning-next-president-part-two-recommendations-nsc-process

نموذج الديموقراطية الاميركية

        اعرب معهد كارنيغي عن مشاعر الاحباط العامة لفشل نموذج الديموقراطية الاميركي داخل البلاد، بينما يمضي ساستها في نشد تطبيقه على منطقة الشرق الاوسط. واوضح ان “اوجه قصور الحكم الديموقراطي داخل الولايات المتحدة تضخمت عددا وكثافة، بدءا من عجز الحزبين الرئيسيين العمل معا بايجابية، الى استيلاء مجموعات من نخب جماعات الضغط على المسار التشريعي، وامتدادا الى العيوب الصارخة في النظام الجنائي.” واضاف موضحا للجمهور الاميركي ان الصورة النمطية للولايات المتحدة “كمنارة عالمية للحكم الديموقراطي اضحت خارج التاريخ الى حد كبير .. ويتساءل مواطنو العالم لماذا يعتقد الاميركيون امتلاكهم اجوبة لعيوب التجارب الديموقراطية للآخرين.” وزاد في تساؤلاته ان العالم بمجمله ينظر الى النموذج الاميركي بتجلياته الراهنة ابرزها “تفكك السلطة التشريعية التي تحظى سوى بقليل احترام وهيبة، تعصب للنظام السياسي، استقطاب حاد يشل الحركة، تمويل مقلق للحملات الانتخابية، مهاترات تسجيل الناخبين، تدني مستوى اقبال الناخبين، او انتهاك الحريات من قبل القوى الأمنية؟”

http://carnegieendowment.org/2016/01/27/look-homeward-democracy-promoter/it91

سوريا

        لفت مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الانظار الى “زحف تنامي الانخلااط العسكري الاميركي” المباشر في سوريا والعراق، موجها سهام انتقاداته للاستراتيجية الاميركية التي “لم تقدم على تحديد توجه شامل لحروبها في سوريا والعراق، او الاجابة على كيفية تعاملها المقبل مع التوترات بين الاطراف العربية والكردية والتركية، او مواجهة النفوذ الايراني، او التواجد الروسي .. وتداعيات موجات اللاجئين والمهجرين وضررها البالغ الذي لحق باقتصاد كل من العراق وسوريا.” وشدد على ان ساسة الولايات المتحدة “لم يتحلوا يوما بامتلاكهم استراتيجية موثوق بها لبسط الاستقرار في العراق او سوريا .. بل ان الولايات المتحدة لا تزال تعاني من قصور استراتيجي شامل يحقق هدف الحاق الهزيمة بالقوى الاسلامية المتطرفة، حتى وان استطاعت الاطاحة بالدولة الاسلامية من دولتها النموذجية.”

http://csis.org/publication/creeping-incrementalism-us-forces-and-strategy-iraq-and-syria-2011-2016-update

        استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى السبل التي يتعين على الغرب النظر فيها والتي من شأنها “الحاق الهزيمة بالنموذج المغري للدولة الاسلامية،” مؤكدا ان جذر الأزمة هو اعلامي وكيفية التعاطي معه. واوضح انه “ينبغي على واشنطن تبني توسيع نطاق نظم التراسل غير الحكومية والمنظمات ايضا في الشرق الاوسط، بغية انشاء نظام تراسل مستدام ضد الجهاديين السلفيين.” واوضح انه لا يجوز “التغاضي عن بحر استقطاب السلفيين .. وحفز الشركاء الاقليميين التصدي للخطاب السياسي والاجتماعي الذي يعد المسرح للعنف ..”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/lining-up-the-tools-to-break-the-islamic-state-brand

        تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الكلفة البشرية للحرب الدائرة “في الشرق الاوسط، وتداعياتها على اداء الحكم والاقتصاد ..” كما بحث في دراسته “مقارنة اعداد الضحايا، والمناطق الرئيسة المتضررة من القتال، وانعكاسات اضافية على الصراع، واستعراض فروقات التناول الاعلامي بين بلد وآخر ..”

http://csis.org/publication/human-cost-war-middle-east-graphic-overview

 

الكرد

        حذر معهد الدراسات الحربية صناع القرار من “فرط اعتمادهم على الاكراد” في سياق الحرب على الدولة الاسلامية “نظرا للمطبات الكامنة التي تشكل تحديا لاهداف الأمن القومي الاميركي الاوسع.” وزعم المعهد ان الغارات الجوية الاميركية في سوريا “توفر دعما لحزب العمال الكردستاني .. مما يهدد بابتعاد تركيا عن التعاون الاشمل مع جهود التحالف المناهض لداعش؛ ويشكل مغامرة للولايات المتحدة بتأجيج الصراعات الاثنية طويلة الأمد في كل من العراق وسوريا.” وخلص بالقول ان مجمل تلك “المطبات قد تعزز عدم الاستقرار الاقليمي في المستقبل وتحرم الولايات المتحدة من تقويض وتمير الدولة الاسلامية بفعالية.”

http://www.understandingwar.org/backgrounder/pitfalls-relying-kurdish-forces-counter-isis

تركيا

        استعرض صندوق مارشال الالماني السياسة التركية حيال سوريا قبل التئام مفاوضات جنيف، معتبرا انها تتسبب بتصدع علاقاتها مع الولايات المتحدة خاصة وان “معدل خيبة الأمل من السياسة الاميركية في ارتفاع متسارع.” واعتبر ان السياسة الاميركية مسكونة باحراز تقدم مهما كان “وينظر الى جهوزيتها لتقديم تنازلات لمحاولات روسيا فرض قراءتها المشوهة لمسار فيينا وفصله عن اطار جنيف-1.” واضاف ان التدخل الروسي المباشر في سوريا “شكل عامل تغيير اللعبة باتجاه سلبي بالنسبة لانقرة .. واضحت واشنطن تعتمد على روسيا كعامل قوة ايجابي وحيد باستطاعته تحقيق حل سياسي بشكل ما.”

http://www.gmfus.org/publications/between-hard-place-and-united-states

        بينما اعتبر معهد هدسون السياسة التركية في سوريا “تسببت في اطلاق ازمة داخلية” لاعتبارات توفيرها المأوى للاجئين السوريين والذين اضحى “عدد منهم ينافسون الاتراك في فرص العمل .. واعرب عدد ضئيل منهم عن نيته العودة الى بلده ان بقي الاسد في السلطة.” واضاف ان الادارة الاميركية تردد باستمرار انه ينبغي على تركيا “اغلاق حدودها مع سوريا لوقف تدفق داعش .. مما يعني تورط الاتراك كداعمين لداعش واحراجهم للاقدام على اتخاذ اجراءات ترغبها واشنطن حقا.” وخلص بالقول انه دون توفر الدعم من تركيا فان “قوى المعارضة لن يكون بوسعها شن حرب ضد الاسد وحلفائه الايرانيين والروس.”

http://www.hudson.org/research/12160-turkey-s-syria-problem

        استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى المديات التي يمكن لتركيا الذهاب اليها لاغلاق حدودها المشتركة مع سوريا “لحمايتها من تنظيم داعش.” واوضح ان لتركيا عدة اولويات في تلك المنطقة من سوريا “1- تعزيز الدعم المقدم لقوى المعارضة .. 2- حرمان “حزب الاتحاد الديموقراطي” من ربط جيب القرى في عفرين واعزاز بالمناطق الاخرى .. واعاقة تشكيل منطقة كردية تقع تحت سيطرة حزبي الاتحاد الديموقراطي والعمال الكردستاني .. 3 – القضاء على تنظيم “داعش” في سوريا.” وتعتبر انقرة ان افضل السبل بالنسبة لها “تعبئة الجانب السوري بالقوات الصديقة لتركيا .. منها التركمان.” ودعا المعهد تركيا الى تشديد اجراءاتها ضد داعش الذي اضحى “يشكل تهديدا للتقدم الاقتصادي والأمني في البلاد،” بعد تحميله مسؤولية التفجير في مدينة اسطنبول مؤخرا.

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/a-turkish-friendly-zone-inside-syria

التحليل        

دعاة الحروب يحرضون للرد

على النجاح الروسي في سوريا

تعديل بوصلة الاعداء

        انشغلت المؤسسات الاميركية، الرسمية والنخبوية والاعلامية، في تسليط الاضواء على “خطر الارهاب،” ورفعه الى صدارة قائمة الاولويات الاستراتيجية. تعريف الارهاب لم يتم حسمه للحظة، ليس لناحية قصور استيعاب العقل البشري، بل لما يترتب عليه من مخططات وتخصيص امكانيات وموارد، ونسج تحالفات اقليمية ودولية.

        ووقع الاختيار مرحليا على “خطر داعش،” بكل ما يمثله من “تهديد للقيم الغربية،” خاصة بعد بروزه الدموي على الساحة الاوروبية. وتم حشد القوى والامكانيات الاقليمية تحت يافطة فضفاضة وجهتها الحقيقية تقويض الدول المستقلة والكيانات القومية، واستحضار مخططات التقسيم والتفتيت بعناوين مموهة.

        وسرعان ما استعادت المؤسسة الاميركية الحاكمة “توازنها” واستدارت نحو اعتبار روسيا مصدر الخطر الوجودي لبلادها – بعد سلسلة من تصريحات سابقة مغايرة.

        احدث تلك التعبيرات جاءت على لسان مدير وكالة الأمن القومي، جيمس كلابر، قائلا دون مواربة ان “روسيا” تشكل العدو الرئيس لاميركا “العدو الشرس والخطر المميت للولايات المتحدة ليس تنظيم الدولة الاسلامية، الذي باستطاعته الحاق الضرر وقتل مواطنينا.” (شبكة سي بي اس المحلية، 4 شباط الجاري).

        واردف كلابر ان “تنظيم الدولة الاسلامية لا يمتلك الامكانيات المدمرة التي تتوفر لروسيا،” منوها الى الترسانة النووية الروسية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والقاذفات الاستراتيجية. واستدرك كلابر لطمأنة الجمهور الاميركي قائلا ان الاجهزة الاستخباراتية الاميركية “تستبعد توفر النية لدى روسيا استخدام ترسانتها النووية لالحاق الضرر بالاراضي الاميركية.”

غرور يصطدم بمرارة الواقع

        اطلق لواء الجيش المتقاعد، بوب سكيلز، تصريحات قاسية العام الماضي يصف فيها القوات العسكرية الروسية بانها “ضعيفة جدا خارج نطاق الترسانة النووية، بينما تمتلك الولايات المتحدة قوة عسكرية قوية ذات بأس.” اللواء يعمل كمستشار ومحلل عسكري في قناة “فوكس نيوز.” بالطبع لم يكن ينطق اللواء سكيلز عن هواه الشخصي بقدر ما كان يعكس نظرة متأصلة داخل المؤسسة العسكرية الاميركية.

        سرعان ما اضطرت المؤسسة العسكرية الاميركية “تعديل” تقييمها للقوات الروسية التي كانت بمثابة مقياس للقوات الاميركية عينها خلال فترة الحرب الباردة، واضحت تشكل “تهديدا قويا” لمخططات حلف الناتو. الفضل يعود الى الاداء البارز والمميز لروسيا في سوريا، او بعضه على الاقل، منذ شهور اربعة.

        اجرى معهد راند، وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية الاميركية، دراسة مقارنة بين قوات حلف الناتو والقوات الروسية، بين عامي 2014-2015، خلصت فيه الى القول بأن قوات الحلف “اضحت غير فعالة امام القوات الروسية .. بل ان جهدا مشتركا للقوات الاميركية ودول البلطيق يدعمه سلاح الطيران الاميركي سيجد نفسه عديم الفعالية لوقف اي تقدم روسي.”

        ومضت راند في استفزاز المؤسسة العسكرية الاميركية قائلة انه باستطاعة القوات الروسية “اكتساح مشارف عواصم دول البلطيق في غضون 36 الى 60 ساعة واحتلال قواتها المدرعة عاصمتي ايستونيا ولاتفيا .. خاصة وان قوات حلف الناتو البرية لا تشكل ندا للقوات المدرعة الروسية.”

        في اعقاب اسقاط تركيا القاذفة الروسية سو-24 نهاية العام الماضي، اوضحت المجلة العلمية الرصينة “بوبيولار مكانيكس،” 25/11/2015، ان روسيا “تتوق لمعركة” مع حلف الناتو او احد اقطابه؛ موضحة ان التقنية الروسية تتفوق على نظيراتها الاميركية في اربعة مجالات قد تصدم الغربيين: علم الصواريخ، تقنية الدفاعات الجوية، القتال الجوي، وتقنيات بالغة التطور في تطويع الطاقة الذرية.

        واضافت المجلة الاسبوعية ان المؤسسة العسكرية الاميركية دأبت النظر بازدراء للقدرات العسكرية الروسية، ابرز اسبابها ان روسيا تنفق 12% مما تنفقه الولايات المتحدة على الشؤون العسكرية، مما يعزز اعتقاد القادة العسكريين بأن الصناعات الروسية “متخلفة” عن نظيرتها الاميركية، وانها لم تفلح في تخطي مرحلة التطور التقني لعقد السبعينيات من القرن الماضي.

        وتدرجت النظرة الاميركية صعودا لتجد افضل تجلياتها في الساحة السورية. وافردت يومية واشنطن بوست، 3 شباط الجاري، مساحة اقرار متأخر “للرئيس فلاديمير بوتين الذي استطاع تعديل اداء القوات السورية .. والتي اضحت في موقف الهجوم وسجلت (امس الثلاثاء) اهم انتصار لها باستعادة مدينة الشيخ مسكين من القوات المدعومة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.”

        بالمقارنة، بدأت تتضح معالم الاستراتيجية الاميركية وحلف الناتو والتحالف الدولي في الزعم بمحاربة داعش وتمدد الدولة الاسلامية التي لم تصمد امام انجازات التدخل الروسي، بقوات محدودة عدديا، وتطور اداء حلفائه السوريين والقوى الرديفة.

        في هذا السياق يستطيع المرء تلمس مصادر قلق الغرب، وحلف الناتو بالتحديد، كما جاء في دراسة معهد راند، التي ذكرت بعدم قدرة قوات الحلف على المواجهة او الصمود امام قرار روسي بالتحرك نحو دول البلطيق، ان تتطلب الأمر، دون ان يلقى مواجهة فعالة.

قلق غربي له ما يبرره

        وجاء في دراسة “راند” ان “.. الاستنتاجات والدروس أتت دون لبس او ابهام: في ظل الوضع الراهن فان حلف الناتو لن يقوى على الدفاع عن اراضي تتبع اعضائه المكشوفين (جغرافيا).”

        من بين الثغرات التي حددتها دراسة “راند” نقص العربات والقوة النارية المطلوبتين لمواجهة العسكرية الروسية “التي ابقت على ترسانتها من العربات المدرعة والدبابات .. (اما) قوات الناتو الارضية فتعاني ايضا من نقص في معدات المدفعية المضادة للطائرات في مسرح دول البلطيق.”

        كما لفتت “راند” الانظار الى ان مسألة المعدات ليس هي الوحيدة التي يعاني منها حلف الناتو، بل ايضا في طبيعة القوات المرابطة على تخوم الحدود الروسية التي لا تكفي للقيام بمهام قتالية طويلة، خاصة في مواجهة “جيوش روسية مؤللة.”

        في هذه الشأن، يمضي الجدل في المؤسسة العسكرية الاميركية حول افضل السبل لتنشيط المؤسسة وامدادها بافضل المعدات. واتسم عهد الرئيس اوباما ونظرته للمؤسسة العسكرية بالاقلاع بعض الشيء عن الاستثمار في المعدات الميكانيكية التقليدية واستبدالها بوحدات قتالية اصغر حجما تتمتع بقدرة اوفر على الحركة ورفدها بوحدات من القوات الخاصة.

        ايضا في ظل التواجد العسكري “غير المتناسق” في منطقة بحر البلطيق، يسود القلق داخل المؤسسة العسكرية الاميركية لتعزيز روسيا حضورها المسلح في جيب كاليننغراد على بحر البلطيق، المنطقة الواقعة بين بولندا وليتوانيا، كما لنوايا روسيا انشاء قاعدة جوية جديدة في روسيا البيضاء المجاورة، جنوبي حدود الجيب المذكور.

        وعزز قلق الدوائر العسكرية بعضا مما جاء في استنتاجات دراسة “راند،” وذكرت في احداها “على العموم، وجدت قوات مشاة حلف الناتو نفسها غير قادرة على اتمام عملية تراجع ناجحة (وافتراضا) سيجري تدميرها في مرابضها.”

        دراسة “راند” استندت الى فرضية توفر سبع كتائب عسكرية في المنطقة، منها ثلاث كتائب للمدرعات الثقيلة، تعززها قوة نارية من سلاح الجو والمدفعية كي تستطيع “منع احتلال سريع لدول البلطيق.” اما القوات الاضافية المطلوبة تصل كلفتها الى نحو 2,7 مليار دولار سنويا.

        على ضوء ما تقدم، باستطاعة المرء قراءة تصريحات وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر بمنظار ادق، خاصة لنيته الاستثمار في الاسلحة الثقيلة والعربات المدرعة لاستبدال المخزون الحالي في دول اوروبا الشرقية، بغية التوصل لاعداد مجموعة من لواءين مسلحين بمعدات ثقيلة للحفاظ على الحدود الشرقية لحلف الناتو.

        القوات الاميركية الراهنة المتواجدة في اوروبا تشمل كتيبتي مشاة للجيش الاميركي، احداهما في ايطاليا والاخرى في المانيا، لكن رقعة الانتشارهما متباعدة. بند الميزانية المخصص لتلك المهمة، كما اوضح كل من وزير الدفاع والبيت الابيض، مقداره 3,4 مليار دولار، من شأنه اضافة كتيبة اخرى للاعداد الراهنة، قوامها جنود اميركيون يتناوبون كل بضعة اشهر.

        تجدر الاشارة الى ان تواجد كتيبة دائمة المناوبة تتقلص فعاليتها بالمقارنة مع كتيبة مماثلة مرابطة بشكل دائم، ولا تشكل الاولى بديلا ثابتا عن الاخرى في مواقع متقدمة؛ فضلا عن ان المعدات الثقيلة الموكلة بالكتيبة المعنية المتوفرة، مثل المدرعات التي سبقتها لساحات القتال، ينبغي ان ترافق القوات المخصصة قبل نشوب ازمة للاستفادة القصوى من امكانياتها المتاحة.

        لا يغفل عن العسكريين ان تلك المعدات المخصصة لاراضي اوروبا الشرقية ستكون عرضة لاول ضربة عسكرية روسية قبل ان يتم نشرها، مما يتطلب من الولايات المتحدة زيادة اعتمادها على جسر جوي للامداد العسكري يعوض الخسارة، وبدرجة اقل الاعتماد على ما يمكن توفره في مخازن الناتو الاوروبية.

        مهام اختراق اراضي اوروبا الشرقية قد توكل للفرقة 82، التي باستطاعتها انزال نحو 2،000 عنصر من قوات المظليين، وعربات مدرعة، ومدافع الهاون من طراز 155 ملم، على شريط جغرافي يمتد ثلاثة أميال بهدف السيطرة وتوفير الحماية لمهبط جوي يمهد لاستقبال مزيد من التعزيزات، بما فيها وحدات “سترايكر” المدرعة المحمولة جوا، واتخاذ مواقعها القتالية على الفور.

        التعديلات التي طرأت على الاستراتيجية الاميركية وحلف الناتو تدل بوضوح على مدى الاولوية التي يوليها البيت الابيض والبنتاغون لتهديد عسكري مصدره روسيا. اضافة لما تم الاعلان عنه من تحديث القوات المدرعة والثقيلة، اعاد البنتاغون الى الخدمة اسراب الطائرات المقاتلة المخصصة لقتال المدرعات من طراز A-10، والتي ستستمر في الخدمة الفعلية لعام 2022.

        الوصفة التقليدية لسد الفجوات بضخ مزيد من الموارد المالية باتت لا تقنع اصحابها. وحذر عدد من الخبراء العسكريين “لسوء الحظ، فان تخصيص مزيد من الاموال لن تكفي لردع (الرئيس) بوتين عن شن عدوان جديد. القوات العسكرية لحلف الناتو في اوروبا لا تكفي. وفي حين ان تخصيص مزيد من الانفاق قد يصلح الاوضاع، الا انه لن يكون حاسما.”

        ويسود اعتقاد جازم بين اوسط كبار المؤسسة العسكرية ان “تردد الرئيس اوباما،” في اتخاذ موقفا اكثر تشددا حيال ازمة اوكرانيا والاسلحة الكيميائية السورية شكل عاملا “حافزا لعدوان بوتين .. الذي يدفعه في نهاية الأمر قناعته باستطاعته اعادة احياء موقع القوة العظمى لروسيا – في اوروبا والشرق الاوسط.”

        وامعانا في طمأنة النفس، اضاف اولئك “في تلك الاوضاع، فان نشر الدبابات، وتخصيص مزيد من الاموال، والزج بمزيد من القوات لن يكون كافيا. يتعين على اوباما تحدي بوتين بقسوة والتوضيح له انه عازم على تصعي التحدي وتعزيزه بنشر مزيد من الكتائب المدرعة في اوروبا الشرقية .. وامداد دول اوروبا الشرقية باسلحة حديثة.” يشار الى ان ايستونيا تلقت معدات وصواريخ مضادة للدروع من طراز “جافلين” لتعزيز قدراتها التصدي لهجوم روسي مدرع.

        ويواجه الرئيس اوباما ضغوطا متصاعدة من قادته العسكريين الذين يطالبونه “بممارسة ضغوطه على دول حلف الناتو لزيادة معدلات الانفاق على الشؤون العسكرية – خاصة في مجالات معدات ثقيلة ومؤللة للمشاة.” الاحصائيات المتوفرة تفيد بأن حصة الولايات المتحدة من ميزانية حلف الناتو العسكرية تعادل 72%.

        في اوج الحرب الباردة، نشر حلف الناتو نحو 20 فرقة عسكرية مؤللة بمعدات ثقيلة في اوروبا بمواجهة قوات الاتحاد السوفياتي، كان نصيب المانيا منها نحو 2،200 دبابة؛ تم تخفيضها لنحو 250 دبابة بعد نهاية الحرب الباردة. في ذات السياق، تنوي بريطانيا سحب ما تبقى لها من لواء مدرع مخصص لحماية قيادة الحلف من القارة الاوروبية.

        القادة العسكريين الاميركيين، والصقور منهم بوجه خاص، يحبذون مراجعة بلادهم لاولويات الانفاقات العسكرية لحلف الناتو، لا سيما بعد انضمام ونية انضمام دول اوروبا الشرقية سابقا الى مظلة الحلف، وتخصيص موارد كافية لاقامة منشآت جديدة داخل حدود تلك البلدان على تخوم الحدود المشتركة مع روسيا، واغلاق بعض المنشآت القائمة في الشطر الغربي من القارة الاوروبية.

        ويدعون ايضا الى ضرورة زيادة الولايات المتحدة من معدلات صادراتها النفطية ومصادر الطاقة الى القارة الاوروبية، من نفط خام والغاز الطبيعي، بغية تقليص اعتماد اقطارها على واردات الطاقة الروسية وتعزيز قدراتها على المواجهة والحسم.

        وفق تقديرات تلك المجموعة من القادة العسكريين فان رسم معالم استراتيجية فعالة لمواجهة “عدوانية روسيا” تتطلب رفدها بلواء عسكري اضافي في اوروبا، والاستثمار في معدات عسكرية مدرعة مرتفعة الكلفة ووحدات مؤللة، وتوفير معونات ملموسة لمعظم دول اوروبا الشرقية، ودعم توجهات استقلالية في مجال الطاقة لدول حلف الناتو.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

الموقع: www.thinktankmonitor.org

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com