«داعش» على أبواب بغداد !

ثريا عاصي

لم تُفلح بعد، الأحلاف الإسلامية والغربية والشرقية جميعاً، على وقف المدّ «الداعشي» الذي بلغ، على ذمّة وسائل الإعلام، ضواحي عاصمة «الدولة العباسية». في هذا الوقت لا يزال جيش الإسلام السعودي في محيط دمشق، عاصمة سورية، ومن المحتمل أن يبقى الوضع على حاله فترة من الزمن، فلقد أُعلن مؤخّراً عن اتّفاق لوقف إطلاق النار. للتذكير، مدينة النبي ومكة مهد الرسالة المحمدية في عهدة خادم الحرمين! تنامى إلى العلم مؤخّراً خبر عن زيارة وفد من المستعمرين الإسرائيليين إلى الرياض عاصمة آل سعود. ربما يكون هذا الوفد عرّج بالرياض في طريقه إلى الدوحة! في الدوحة «إمام» جاء من مصر، و«مفكّر» أتى من فلسطين، كمثل عبد الله عزام الفلسطيني الذي استجاب إلى نداء الجهاد في أفغانستان. يصلّي ويفكّر «الثوار» في الدوحة ليل نهار! في الدوحة الإمام والمفكّر والأمير!
بصراحة، يصعب عليّ الغوص في الأزمة العراقية، فأنا لستُ خبيرة في شأن هذه البلاد العزيزة، ولكن محدوديّة الاطّلاع لا تمنع، من وجهة نظري، المراقبة عن بعد مسافة ليست كبيرة، وتفحّص الشكل. يُقال ينضح الإناء بما فيه، ولا سيّما أنّ عملي يكاد أن يقتصر على محاولة فهم مظاهر الأمور. فما حملني على كتابة هذا النص هو في الواقع التباس المشهد العراقي عليّ، الذي لا أعتقد أنّي أُحسن قراءته جيداً. لم أتمكّن، على سبيل المثال، من فهم «الشّكل» الذي ظهر به أبطال الفاجعة العراقية في اللقطات التالية:
ـ في الحرب العراقية ـ الإيرانية: 1980 ـ 1988: التسليم بوجود تناقضات بين الحكومة العراقية آنذاك من جهة، وبين الثورة الإسلامية في إيران، بعد أشهر من انتصارها على نظام الشاه من جهة ثانية. لا يعني أنّ هذه التناقضات هي نفسها التي كانت بين إيران من ناحية، والولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى. هذا لم يمنع حكومة صدام حسين من أن يُحارب إيران مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية ومن آل سعود، مثلما يحارب اليوم العثمانيون الجدد وآل سعود سورية تحت نفس الغطاء الأميركي!
ـ 1991 أزمة الكويت، «عاصفة الصحراء». لم أفهم مبرّرات حركة التمرّد التي أُطلق علـيها وقتئذ «الثورة الشيعية»، بينما كانت بلاد ما بين النهرين، شعباً وجيشاً وطنياً وبُنية تحتيّة، تئنّ تحت وطأة قنابل طائرات حلف الأطلسي ـ بتغطية خليجية. حدث مثله في ليبيا! «الثورة» التي يحرّكها العدو، هي حرب على البلاد بالوكالة عنه. هذا ما يجري في سوريـة ـتحت عنـوان «الثـورة السـنيّة».
ـ يرزح العراق في الراهن، من وجهة نظري طبعاً، تحت الاحتلال الأميركي. اعتمادي في ذلك على مُعطى يُفيد بأنّ حكام العراق هم من المتعاونين مع الغزاة الأميركيين. الشخصيات والأحزاب التي جلست مع الحاكم الأميركي بريمر حول طاولة «مجلس الحكم» ما تزال في السلطة، لم تعترض على احتلال العراق! لم تحاسب.

ـ لم أفهم لماذا أُعدم السيد صدام حسين، في صباح عيد الأضحى! من قِبَل سلطة يغلب فيها التمثيل المذهبي الشيعي؟ هل كان الرئيس العراقي قبل 1990، يفرّق في بطشه وقسوته بين معارض يتبع هذا المذهب أو ذاك؟ لا علم لي بذلك! أظنّ أنّه كان لا يتسامح بالمطلق مع من يعترض على سياسته، حتى لو كان أخاً شقيقاً له! ألم يُقتل حردان التكريتي في الكويت؟
ـ لم أفهم مهزلة الزرقاوي باسم تنظيم القاعدة في العراق؟ من يدّعي أنّه سياسيٌ على مذهب من المذاهب الدينية، إذا جاز التعبير، أو على عقيدة فلسفية، يتوجّب عليه الدفاع عنها، بالقوة أو باللسان، وإلا اعتُبر صمته حيال التشويه والتزوير الذي ينال من عقيدته أو مذهبه، خيانة أو جبناً، وادّعاؤه انتهازية!
ـ لم أفهم كيف يذهب داعية، ديني وسياسي، من العراق إلى إنكلترا بحِجّة العلاج، رغم أنّ إنكلترا تحتلّ بلاده وتقمع شعبه! المجد لعمر المختار الليبي!
ـ نسمع في العراق اليوم عن شخصيات، بعضها خرج من المشهد، وعن آخرين ما يزالون، أكاد أن أقـول، يستـمرّون منـذ أن دخل الأميركيون إلى العراق، في ممارسة أدوارهم التي تشبه الأدوار التي يمارسها بعض السياسيين في ظل الذين يحتلّون بلادهم.
ـ كيف يرضى العراقيون ألا يكونوا عراقيين، فيتمايزون جماعات مُتَمذهبة. لهذه الجماعة عدد من النوّاب والوزراء، ولها جيشها، ولتلك مثل ذلك. أين المسيحيون العراقيون؟ أين الأزيديون؟ أين الصابئة؟ العراق مهد ثقافتنا! أولا..
ـ لا أفهم، لماذا هذه المسيرات الحاشدة، نحو «العتبات المقدسة» في كربلاء؟ لا أفهم هذه الهيستيريا الجماعية! دفاعاً أم تخويفاً .. أم تمايزاً عن الآخرين؟
ـ وأخيراً، إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تحتلّ العراق، كل العراق، تحتلّ الكرد والشيعة والسنّة. وإذا كان الجميع متعاونين معها، يستنجدون بها، فلماذا يحتربون في ما بينهم؟ أم أنّ الولايات المتحدة الأميركية، تتسلّى تتلهّى، تنظّم الصراعات بينهم حتى تختار الأفضل؟ هل ستحتلّ داعش بغداد؟!

:::::

“الديار”