نزار قباني…. الشعروالوطن /الجغرافيا والتاريخ

عادل سمارة

كتبتُ بالأمس في رحيل نزار قبّاني:

“صباح الخير نزار قباني، اليوم ذكرى رحيله عام 1998. كتبوا له وكتبوا عليه، أحبوا شعره ونقدوه. لكن ما لا يختلف عليه شريفان ان نزار بقي عروبيا وغادرنا عروبياً.

قد يقول البعض وهل هذا نقد ادبي، اقول أنا اكتفي من الشعر تذوقه ومن الأدب ناخه، لست ناقدا ادبيا، لكن الوطن أهم من النقد وليس الأدب سوى ورودا وطنية. اليوم تحديداً، يظهر معنى أن تبقى عروبيا في عصر التواطؤ من ابناء الوطن ضد الوطن ، الخيانة بالجملة خيانة الجغرافيا. لا اقول خيانة التاريخ لأن التاريخ كي يُفهم يحتاج إلى قدرة على التحليل والتجريد، بينما الجغرافيا اسهل لأنها الحضور المادي الملموس بل الذي يفرض نفسه، ومع ذلك يُخان!!! لذا أكرر ما كررت: الأصل أن تبدأ وطنيا كي تبقى وطنياً. ما اكثر الشعراء المبدعين لغويا ربما افضل من نزار لكن ما اخطر انزياحاتهم لينتهوا سياسيا ووطنيا في التطبيع والطابور السادس الثقافي، مثلا من تحرير فلسطين إلى دولة أوسلو-ستان. من مناضلين في م.ت.ف إلى سفراء لأوسلو أي خفراء للتسوية. من شعراء الوحدة إلى مطربي الانفصال. من هنا عظمة نزار.”

■ ■ ■

تساءل أصدقاء/ات  بعد الحديث عن الشاعر العروبي نزار قباني بنوع من استهجان إدخال الجغرافيا في الشعر. وقال أحدهم هل ما أوحى لك بذلك قول نزار:

“وجهك خارطتي ما عادت خارطة العالم تعنيني”

والحقيقة أنه ليس هذا البيت رغم جماليته.

الأمر اليوم،  وتحديداً محنة الوطن العربي بدءا من فلسطين وخاصة سوريا والعراق واليمن اليوم. الأمر هو جغرافيا الوطن العربي التي يتم تفكيكها وإعادة صوغها بالضد من عمقها العروبي. الحيز العربي يجري تهشيمه بأيدي الأعداء وأعدائنا المحليين لإعادة صياغته إربا إرباً. كل العالم منخرط ضدنا لأن كثيرين منا منخرطين مطايا وأدوات للآخر ضدنا.

دافع التساؤلات أنني أشرت أمس إلى الفارق وفي نفس الوقت العلاقة بين الجغرافيا والتاريخ.

 بداية من المهم الأخذ بوعي أن العلاقة بين التاريخ والجغرافيا لا تنفصم بل هما متكاملين لا ينفصمان قط. الجغرافيا هي المكان بمعناه الواسع المادي الموجود بطبيعته أو هو  الحِّيز بالمعنى الأقدم والأشمل. والتاريخ هو الوجود والحضور بل والشغل والإنتاج الواعي للإنسان في الحيز أو المكان. فالإنسان مجموعه هو تاريخه. وحين يوجد الإنسان في الحيز او المكان بوعي ومشروع  يصبح الحيز وطناً. أي ان الإنسان لا يعود محايدا تجاه الحيز/الأرض بعد ان يعمل فيها  ويُنتج ولذا لا يتخلى عنها. هذا ما تسميه لغة نزار عشق الأرض.

ومن هنا، فإن المتخلفين الذين يعيشون على الريع (حالة انظمة الريع النفطي) يحصرون الحيز في كونه مجرد مكان ولا يرتقون به إلى وطن. لأن المكان لا يكتسب معنى الوطن بغير الشغل والإنتاج والتطور والتنمية وبمجموع هذه تكون الحضارة. بل إن المتخلفين من أنظمة وقوى الدين السياسي لا يفهمون تمسك الوطني بالوطن.

 يوجد الإنسان في الحيز الجغرافي او المكان. لذا يجب ان يشعر به ان يحسه. ويعمل الإنسان في  الحيز فيحوله الى مكان عبر الشغل عبر نمط الإنتاج ومن ثم يحوله  إلى  وطن وهذه هي السيرورة التاريخية التي تفهم وتحوي الجغرافيا وهذا سر تلازمهما معا.

 يُحول الإنسان الحيز بهدف تطويعه وأنسنته. لذا الجغرافيا هي الأرض هي الأم فمن لا يشعر بها هو أقل من الإنسان أو خائن للوطن، وهذا مرتكز هام يتميز به الوطنيون والقوميون والشيوعيون عن انظمة وقوى الدين السياسي التي تكره الوطن وتعشق المال والسلطان ولو في ظل سيد يستعبدها في ظل الاستعمار. هذه تجربتنا معهم القائمة اليوم بشكل خاص.

لا ينفصل الزمان عن المكان إلا افتراضياً أن الزمان هو الإنسان الفاعل في المكان وكلما كان فاعلا أكثر كان زمانه حقيقيا وإنسانيته حقيقية اكثر. هما مقولة واحدة متماسكة ذاتيا. يكون المكان او الحيز او الطبيعة ويكون الزمان أي فعل الإنسان في الطبيعة. فالزمان من صنعنا هو إنتاجنا ارتكازا او حفرا في المكان. اما التاريخ فهوالكائن الحي الذي يحوي كل فعلنا لنتعلم منه وندفعه للأمام للتحول.

لذا، الذي لا يفهم المكان يخونه. لذا فإن انظمة وقوى الدين السياسي ومنها او في خدمتها الطابور السادس الثقافي يرى الوطن مجرد مكان هامشي بلا تاريخ فيفرط به. الوطن هو وعي الإنسان لقيمة المكان او الجغرافيا والتفريط هو التخلي عن المكان. وهل أدل على هذا أن يقوم شيخ فلسطيني في المحتل 48 بإرسال إرهابيين للقتال في سوريا استمرارا لمن قاموا بإرسال إرهابيين إلى أفغانستان وكان حينها ما كان وهو ما ولَّد داعش. لذا يرضى الكيان عن امثال هذا.

تسود اليوم ثقافة الوهابية أي البدوية التي لا تعرف الوطن بل تراه مجرد مكان يتغير بسهولة تصل ربما درجة مغادرته كلياً. تتحول الطبيعة المكان إلى وطن عبر وعي الإنسان وتاثيره شغله في الطبيعة ومن هنا يكون الارتباط وعدم التخلي. اما الريعية الوهابية فلا تنتج ولذا لا تُقيم إن لزم الأمر لأنها لم تبذل من دمها شغلا فيه.

تحاول الوهابية تعميم ثقافتها هذه في كل الوطن العربي، لذا تصطدم الوهابية بالوعي اليمين والسوري خاصة للوطن كجغرافيا اي بالصمودعلى الأرض وهاهي أي الوهابية عبر شراء ذمة نظام مصر تتسلل لتقتلع متحالفة مع الكيان وطنية الفلسطيني عابرة إلى تل ابيب بكل الذل والهوان.

باختصار، لا تحيا أمة تفصل بين الجغرافيا وبين التاريخ لأنها لن تكون في المستقبل. هذا ما تدفعنا إليه انظمة وقوى الدين السياسي.