لا لتوثين الطبقة العاملة

عادل سمارة

تلت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نقاشات متعددة ولا شك أن أخريات سوف تتبع.

أناقش هنا مظهرا من مظاهر هذا الحدث الكبير، اي موقف الطبقة العاملة البريطانية من الاتحاد الأوروبي.

لكنني لن اناقش الدوافع والأسباب وراء موقف هذه الطبقة تجاه عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

في مقالة بالإنجليزية نشرتها في موقع كنعان الإلكترونيةذكرت بان الطبقة العاملة البريطانية عنصرية. ولكن بالتأكيد ليست كل هذه الطبقة عنصرية. بل ربما هناك بعضا من البرجوازية ليست عنصرية.

لقد بالغ بعض الرفاق في دفاعهم/ن عن موقف ونضال الطبقة العاملة البريطانية جاعلين منه حالة وردية جداً.

وبالطبع لست متأكداً من نسبة اولئك من العمال الذين صوتوا مع البقاء أو ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي وما دوافع كل فريق.

على ان ما يهمني هنا هو امر آخر، وهو ميل بعض اليساريين إلى توثين الطبقة العاملة فقط لأنها طبقة عاملة، وهذا موقف يبدو منطقيا، ولكنه في جوهره خادع.

فما من طبقة يمكن اعتبارها طبقة دون ان تتمتع بوعي سياسي، وموقف وممارسة طبقية.
إن الطبقة العاملة هي طبقة ثورية احتمالا او محتملة وإنها الأكثر، وربما الوحيدة، المفترض أن تكون طبقة ثورية، ولكن ليست جميعها وليس في كافة الأوقات و المراحل. لعله حقيقي بأن الطبقة العاملة هي الطبقة الثورية الوحيدة التي تدفع بالثورة إلى مآلها النهائي.ولكن طالما هي تمنح صوتها الانتخابي للبرجوازية، فهي لا شك مغرَّبة.

ليس هذا مكان الإشارة إلى كثير من المجادلات  من مثقفين (مركوزة، جيرتس …الخ) التي تنفي كون الطبقة العاملة هي الطبقة الثورية المحتملة، بل الجماعات، الإثنيات، النوع (الجندر)، السمر، الأمم المضطهَدة…الخ إلا أن هذه مجرد مماحكات ثقافوية من مثقفي البرجوازية الصغيرة بهدف خلق تنظير بديل للماركسية.لعلها رياضة ذهنية جيدة، لكنها ليست بديلا للطبقة الثورية الحقيقية أي الطبقة العاملة بما هي الطبقة الوحيدة مع فقراء الفلاحين، التي هدفها النهائي هو الاشتراكية.

في حالة الطبقة العاملة البريطانية، لا تتوفر هناك وحدة الوعي  والموقف والممارسة. بعض هذه الطبقة يقبل بدخول عمال من شرق اوروبا ، ولكنه ضد المهاجرين بل اللاجئين العرب والمسلمين. بعض هؤلاء العمال مع البقاء في الاتحاد الأوروبي والبعض لا. بعضهم يعتبر الاتحاد الأوروبي جهازا بيروقراطيا متخضما ومشروع أعمال للشركات متعددة الجنسية، وبعضهم يراه اممياً!

في ردي على بعض الرفاق ذكرت بأن معظم الجنود في جيوش الغزو الاستعماري هم من الطبقة العاملة.

كلنا يعرف الدعاية البرجوازية والتبرير القومي للاستعمار كدفاع عن “الأمة” البريطانية وغيرها من الأمم الاستعمارية  وحتى الادعاء بأن هناك استعمارا إيجابيا.

ولكن، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومجرم الحرب توني بلير قد اعترف بأن المشاركة في غزو العراق عام 2003 كان خطئا وأعرب عن اسفه  على ذلك الغزو لأنه هو الذي قاد ذلك. ولكنه لا شك اعتذار فارغ على تدمير بلد عربي باكمله كمقدمة لتدمير الأمة العربية كلها.

فمن جهة، اعتذاره مجرد كذبة كبيرة، ومن جهة ثانية، لماذا لا تقوم الطبقة العاملة البريطانية بقيادة تظاهرات واسعة الآن رفضا ونقدا لجرائمه الحربية، وأن تطالب بمعاقبته هو وحكومته وحزبه وكل من دعم  وشارك في تلك الحرب؟

نحن لا نطالب الطبقة البرجوازية بأن تحتج، ولكن من المتوقع ويجب ان تقوم الطبقة العاملة البريطانية بما هي الطبقة العمالية الأقدم إثر التحول البريطاني من الإقطاع إلى الراسمالية من جهة وهي الطبقة العاملة في بلد هو أكثر من قام بتدمير أمم وآخر ذلك تدمير الأمة العربية الجاري الآن.

بدوره،فإن رئيس وزراء استراليا يجادل بأن الحرب على العراق كانت ضرورية، حيث شاركت فيها بلاده.  وعليه، فإن السؤال نفسه يوجه إلى الطبقة العاملة في استراليا كذلك.

من الصحيح بان أي اشتراكي لا بد أن يدعم نضال الطبقة العاملة بل ويشارك فيه ضد أي نظام راسمالي. ولكن توثين اية طبقة عاملة، حتى وهي تمارس الدور الثوري هو خطأ، فكيف حين توثينها وهي منقسمة إلى درجة أن جزءا منها، ربما النصف، متذيلا للبرجوازية المجرمة من جهة وجنودا في جيوشها لغزو الأمم الأخرى من جهة ثانية؟

وأخيرا، إذا ما قام مثقفون، ماركسيون، شيوعيون، اشتراكيون في الغرب الرأسمالي  بتوثين أية طبقة عاملة، إن الخطر جدا هو قيام نظرائهم في المحيط بالعمل او الموقف التوثيني نفسه. وذلك على الأقل لأن أولئك الذين في المحيط هم ابناء ضحايا جيوش الاستعمار وهم لا يزالون ضحايا محتملين للغزو الاستعماري طالما لا يزال ممكنا بل تتم ممارسته حاليا في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان…الخ.