سنة مَضَتْ وأُخْرى حَلَّتْ (من 2016 إلى 2017)

الطاهر المعز

 

تُشَكِّلُ نهاية عام وبداية عام جديد نُقْطة رمزية فاصلة، وفرصة لمُراجَعَة بعض الأحداث (كما يراها كل منا) التي نعتبرها هامة أو فاصلة على الصعيد الشخصي أو على صعيد مجموعة ما ونحاول إلقاء نظرة شخصية سريعة وغير موضوعية على أحداث العام الماضي 2016… هيمنت الإمبريالية الأمريكية على العالم بشكل شبه مُطْلَق منذ ثمانينيات القرن العشرين، أي عند استشعار قادتها بداية انهيار الإتحاد السوفييتي، وزاد صَلَفُ قادة الإمبريالية وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وصَدَّقُوا ان التاريخ انتهى بانتصار نهائي للرأسمالية (نهاية التاريخ)، وأعلن “وارن بافيت” بكل عنجهية: “إنها الحرب الطبقية ولكن طبقتي، طبقة الرَّأْسماليين هي التي انتصرت في هذه الحرب”… ارتفعت وتيرة الإحتجاجات في الولايات المتحدة سنة 2015 وتواصَلَتْ هذه الحركة الإجتماعية الإحتجاجية سنة 2016 بإضرابات مُدَرِّسي مدينة “ديترويت”، احتجاجاً على خفض الإنفاق على التعليم وعلى البنية التحتية للمدارس، وتوسعت حركة الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات في الولايات كافة، بالتزامن مع انهيار تاريخي (مُؤَقَّت) لأسواق الأسْهُم، كما حطمت الشرطة الأمريكية رقمًا قياسيا في عدد من قَتَلَتْهُم “خارج إطار القضاء”… في الخارج، صَعَّدَتْ الإمبريالية الأمريكية من لهجتها ومن هجوماتها (مع حُلَفَائِها) على مُنافِسين (لم يبْلُغُوا درجة “الخُصُوم”)، لم يطرحوا بديلاً للرّأْسمالية وإنما لمجرد رغبتهم في تقسيم عالمي جديد للأسواق ولمطالبتهم بنصيب أكبر من ثروات العالم التي تريد أمريكا وأوروبا احتكارها ولو باستخدام القوة العسكرية، وفي مُقَدِّمَة المُنافسين الصين وروسيا، ومجموعة “بريكس”، ما اضطر هذه القوى الدولية الصاعدة- وعلى رأسها روسيا والصين-  إلى تعزيز علاقاتها الثنائية ومتعددة الأَطْرَاف لمواجهة العقوبات والحظر الأمريكيين بداية من سنة 2015 وتدَعَّمَتْ هذه العلاقات سنة 2016 باستبعاد الدولار الأمريكي من المبادلات الثنائية لروسيا والصين، وشكّلَ إطلاق “المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية” (16/01/2016) قَضْمًا لجُزْءٍ من النفوذ الأمريكي في العالم، وفي منتصف العام (24/06/2016) انضمّت الهند وباكستان إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، ما خَفَّفَ من حِدَّة التَّوَتُّر بين الدولتين، وسحب بضعة أوراق من حسابات الولايات المتحدة… في أوروبا التي بدأت في التَّوَحُّد اقتصاديا، دون أن تُشَكِّلَ قوى سياسية، تواصلت “التبعية النِّسْبِية” وبقي الإتحاد الأوروبي موضوعيا وعَمَلِيًّا “قوة رديفة” في خدمة الإمبريالية الأمريكية (التي تتجسَّسُ على قادة حُلَفَائها)، فيما استفحلت الأزمات الداخلية الاوروبية من اليونان إلى انفصال بريطانيا، إضافة إلى صعود القوى الفاشية ومُزايدة أحزاب “الإشتراكية- الديمقراطية” على اليمين بشأن تقْويض مكاسب العمال والأجراء، فيما فشل ائتلاف “سيريزا” في اليونان و”بوديموس” في اسبانيا في التعبير عن طموحات العمال والكادحين والفقراء الذين منحوهم أصواتهم وأَوْصَلُوهم إلى الحكم، لأن هذه القوى التي رفعت بعض الشعارات التقدمية لم تخرج عن إطار المنظومة الرأسمالية وحاولت مُعالجة الوضع “بالتي كانت هي الدّاء”، أي بالقُروض من المؤسسات المالية الإمبريالية ذاتها (صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية للإتحاد الأوروبي)، وبشُرُوطٍ مُجْحِفَة يتضَرَّرُ منها ناخؤبُوها بالدّرجة الأولى، وشهدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا (إضافة إلى اليونان والبرتغال) إضرابات قطاعية عديدة، احتجاجًا على “إصلاح قوانين العمل” أو من أجل تحسين ظروف العمل وزيادة الرّواتب، كما شهدت أوروبا مُظاهرات عارمة (خصوصًا في ألمانيا) ضد مشروع “اتفاق تحريرالتجارة عبر الأطلسي”، الذي يُشَكِّلُ إحدى ركائز الإمبريالية الأمريكية لتعزيز التحالف الإقتصادي ضد الصين وروسيا ومجموعة “بريكس”… ضَمَّت الإحتجاجات العُمّالية عمال الشركات متعددة الجنسية في أمريكا منها “ماكدونالدز” و”كوكاكولا” و”وولمارت” من أجل رفع الحد الأدنى للأجور من 7,25 دولار في الساعة إلى 15 دولار… في الوطن العربي زادت دُوَيْلات الخليج من الإنفاق على السّلاح (أمريكي الصُّنع) ومن حِدَّة العدوان على اليمن وسوريا والعراق، رغم انخفاض أسعار النفط وإيرادات الدولة وعجز الميزانيات، وفرضت الأُسَرُ الحاكمة مجموعة من إجراءات التقشف وخفض دعم المواد الأساسية وزيادة أسعار الوقود والكهرباء والماء والضرائب غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة أو الضريبة على الخدمات، كما واصلت القُوَّتان المتحالِفتان ضد الشعوب (أمريكا وأوروبا) تخريب وتقسيم حدود “سايكس بيكو” الضيقة لتفتيت ليبيا والسودان واليمن وسوريا والعراق وتكثيف الحرب مُباشرة أو بواسطة السعودية وأخواتها، بالإضافة إلى التّقَدُّم خُطْوةً في التطبيع العلني مع العدو الصهيوني الذي أوْكَلَ جُزْءًا من أمن مُسْتَوْطِنِيه إلى سلطة أوسلو، وأدّى الصّلف الأمريكي إلى رد فعل مُعاكس من ححكومة روسيا التي كثفت حضورها العسكري في سوريا، مع مناوراتها (المناهضة لطموحات النظام في سوريا وكذلك لحكام إيران) للعودة بقوة إلى الساحة الدولية ومُبادراتها (غير الصائبة في معظم الأحيان) الهادفة إلى استخدام نتائج الإنتصارات العسكرية الجُزْئِيّة للجيش السوري وحلفائه (وفي مقدمتهم روسيا) لتعزيز موقع روسيا، وليس لتحرير سوريا من الإحتلال الأمريكي والتركي (والأطلسي عمومًا)، وتمكّنت روسيا (بفضل تدخلها العسكري في سوريا) من استعادة بعض من قُوَّتِها الدبلوماسية في العالم (مع اليابان وأوروبا وأمريكا وتركيا)… حققت الإمبريالية الأمريكية بعض الإنتصارات في أمريكا الجنوبية سنة 2016 بفضل دَعْمِها القوي لقوى اليمين في الأرجنتين والبرازيل وفي فنزويلا… شهدت سنة 2016 احتجاجات غير مسبوقة منذ أكثر من أربعين سنة في أمريكا ضد الميز العنصري لأجهزة النظام (الشرطة والقضاء) ضد الشرائح الأكثر فقرًا (السود)، كما شهدت مدينة شيكاغو أكبر إضراب للمعلمين منذ 40 عاماً، احتجاجاً على الأجور المتدنية، وتظاهر المواطنون بكثافة في البرازيل والأرجنتين ضد البرنامج اللإقتصادي لقوى اليمين التي حكمت بعد “انقلابات دستورية” بدعم أمريكي، كما عرفت فنزويلا استقطابًا للقوى بين اليمين واليسار لم تشهد مثلها منذ نحو 15 سنة… تظاهر المواطنون في معاقل الإمبريالية الأمريكية (اليابان وكوريا الجنوبية) ضد القواعد العسكرية الأمريكية وضد الفساد (كوريا الجنوبية) وضد اتفاقيات التجارة العابرة للمحيط الهادئ… تُمَثِّلُ هذه النِّضالات في كافة مناطق العالم بعض نقاط الضّوء في الأجواء المُظْلِمَة التي تَنْشُرُها الرأسمالية، عبر الشركات متعددة الجنسية وصندوق النقد الدولي والترسانة العسكرية الأمريكية والأطلسية، وإن كانت الأنظمة الرأسمالية لا تتهاوى بفعل تأثير احتجاجات (غير مُنَسَّقَة) أو بعض الإضرابات فإن العمال والأجراء والفقراء لم يسْتَكِينُوا ولم يُسَلِّمُوا أمرهم للّه أو لقوى اليمين المُتَطَرِّف أو لليمين المُلْتَحِف بغلاق يساري (مثل سيريزا أو بوديموس)، ويُعْتَبَرُ ذلك أمرًا إيجابيًّا يمكنه أن يُشَكِّلَ مُنْطَلَقًا لنضالات أكثر جذرية تهدف إقامة نظام يَطْلُبُ من كلٍّ جُهْدًا حسب قُدُراتِهِ ويَحْصُلُ فيه كُلٌّ حسب حاجاته… (استعنتُ بورقة نشرتها صحيفة “قاسيون” السُّورية – 19686 – 2016 – في إعداد هذا الجرد الجُزْئي والذّاتي لبعض أحداث 2016)

  • ·       الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها حصراً ولا تعبر بالضرورة عن رأي نشرة “كنعان” الإلكترونية أو محرريها ولا موقع “كنعان” أو محرريه.