بوابات الأقصى … الدروس والعبر، محمد العبد الله

   أسابيع أربعة أكملت دورتها هذا اليوم على تفجر انتفاضة القدس في وجه حكومة العدو الصهيوني، التي واجهت فيها قوى الشعب الفلسطيني المجتمعية والروحية والسياسية، عملية “أسر واعتقال” المسجد الأقصى من خلال التحكم بمداخله، لضبط وإخضاع وإذلال جمهور المصلين، عبر”البوابات والكاميرات ” التي تأتي في سياق خطة حكومة المستعمرين في تحقيق ماتسعى إليه “التقسيم المكاني والزماني” مابين العرب المسلمين واليهود الصهاينة لدخول المسجد ، خاصة، والآن بات الحرم عملياً مقسّماً زمانياً بعد أن أصبح دخول اليهود إليه والصلاة فيه سلوكأ “طقساً ” يومياً وتحديدًا مابين الساعة السابعة صباحاً و الحادية عشرة قبل الظهر.

   أحدثت “عملية الأقصى”البطولية 14/7/2017 التي نفذها الشبان الثلاثة من عائلة “الجبارين” القادمين من مدينة أم الفحم المحتلة منذ عام 1948 ،الذين استشهدوا بعد اشتباك مسلح مع عناصر شرطة العدو( قُتل اثنان منهم) عند باب الأسباط، وامتدت إلى ساحات المسجد، لتكون الصاعق الذي فجر برميل البارود الذي كان جاهزاً للانفجار في كل يوم بسبب سياسة واجراءات حكومة الغزاة المحتلين ضد الشعب الفلسطيني. وقد وفرت عمليات القمع والاعتقال، ومصادرة البيوت وهدمها  (حوالي 50 الف منزل في المدينة المقدسة لا يوجد لها تصاريح ويمكن لسلطات المستعمرين الغزاة أن تهدم ما تريد منها في الموعد الذي تحدده) . أما المسجد الأقصى فقد استمرت عمليات استباحته من قطعان المستعمرين وعساكر المحتل، خاصة بعد العملية الفدائية البطولية وقرار سلطات العدو إغلاق المسجد و العبث بكل محتوياته  التي أكدها “وزير الأوقاف الفلسطيني” بقوله (أن المسجد الأقصى تعرّض لأكثر من 140 اعتداءً على أيدي قوى الأمن “الإسرائيلية”، 116 منها وقعت ما بين 14 و27 من تموز الماضي. وسلطات الاحتلال أغلقت الأقصى في الرابع عشر من تموز إغلاقاً تاماً وحاصرته، وعكفت خلال اليومين التاليين للإغلاق على تخريب وتفتيش دقيق لأركانه، محطّمةً وعابثةً بمقتنياته وتراثه ومخطوطاته…كما قام الاحتلال بقصّ الشجر واقتلاع الأحجار وسرقتها وتنفيذ عمليات المسح عند باب القطانين، وفي باب الأسباط).

  الكف يقاوم المخرز

   واجه المقدسيون، وعموم الشعب الفلسطيني في مختلف مواقعه، خاصة، الجزء المحتل منذ عام 1948 “مدينة يافا، مثالاً” إغلاق بوابات المسجد ورفضهم المعمد بالاصرار والإرادة والدم لدخولهم لأداء الصلاة عبر بوابات التفتيش الالكترونية أو بإخضاعهم للتصوير بالكاميرات، بوحدة مجتمعية وكفاحية فاجأت وأذهلت قادة العدو العسكريين .”غادي أيزنكوت” رئيس أركان جيش الغزاة المستعمرين، قال”نحن أمام تصعيد مختلف كليًا عن هبة أكتوبر 2015. الآن نتكلم عن دافع إضافي لما كان عليه الوضع حينذاك، وهو الدافع الديني”.

  على الرغم من “الدافع الديني” ودوره التحريضي/ التحرري/ الكفاحي في مواجهة المستعمر لكونه أحد العوامل المشكلة للموقف الوطني والقومي من الغزو الاستعماري للوطن، الناتج عنه خضوع الأرض والشعب للاحتلال بكل مايحمله من كوارث . وقد أثبت الجزء الأكبر من رجال الدين الإسلامي”المفتي وخطيب المسجد، كنموذجين” درواً بارزاً في الحفاظ على الموقف الرافض للإغلاق ولشروط الدخول للصلاة، وفي تصليب وتثوير التوجه في مواجهات بضعة موظفين من رجال الدين(للأردن دور أساسي في توجههم)، حاولوا جس نبض قادة الهبة الوطنية، من قادة الحراك الشعبي ووجهاء المدينة وعلماء الدين، للتعامل بـ” عقلانية وحكمة وتفويت الفرصة على المحتل بمنعنا النهائي من دخول المسجد، فيكفي حصولنا على إزالة البوابات،وإبقاء الممرات الحديدية والكاميرات، فيمكننا التفاوض بشأن إزالتها لاحقاً ولكن لايجوز أن نبقى خارج مسجدنا !!”.لكن جماهير الشعب المنتفض من خلال القيادات الميدانية استطاعت لجم هذا الدور وإسقاطه وتوجيه رسالة “واضحة المضمون” لمن يروج لمثل هذا التنازلات. 

لا أنصاف حلول

 أدى قرار القيادات الروحية “الإسلامية والمسيحية”، والشعبية والسياسية المدعومة والمنطلقة، من وضع شعبي متحد، رفض الخضوع لكل المساومات التي لعبت فيها قيادات سلطة المقاطعة في رام الله المستباحة، والنظام الأردني بالتنسيق والتفاهم مع نظام آل سعود والكيان الصهيوني، التي حاولت جميعها تجيير النصر لدورها “المتواضع حيناً والمتواطىء مع العدو أحياناً كثيرة”. إن الإصرار على إقامة الصلاة في الطرقات المؤدية للمسجد وعلى بواباته، أسقط من يد المستعمر وأدوات الضغط المحلية والإقليمية، مايمكن أن يضع الشعب الفلسطيني على طريق التنازلات، لإن تلك القوى الشعبية، غير الخاضعة لأدوات التنسيق الأمني القمعية – مدينة القدس خارج سيطرتها وسلطتها الذاتية المحدودة – والمصرة على تحقيق هدفها، بدون تقديم أية تنازلات، حققت على الأرض، انتصارها في هذه الجولة من الحرب المفتوحة مع العدو. لقد استطاعت هذه الجماهير وقياداتها الوطنية والروحية المنبثقة من المعارك الشعبية المتتالية والتي راكمت عبر تجاربها وتضحياتها، خاصة، منذ أكتوبر/ تشرين أول 2015 وللآن،وعياً معرفياً، حصّنها كي لايحقق المستعمر مايعمل لأجله:الذهاب لصراع/ حرب دينية. لقد أبدع المقدسيون في معركتهم بالدفاع عن المسجد الأقصى، الذي تحول من خلال المدافعين عنه، ليس مكاناً للصلاة وممارسة الشعائر الدينية فقط، بل إلى رمز وطني، كجزء من الوطن المستعمر والخاضع لظلم وفاشية المحتل، وأكدوا بأن منع تهويده بند أساس في جدول الأعمال الكفاحية لتحرير الوطن المحتل من الغزاة المستعمرين. ولهذا، فالصفة الدينية تأخذ أهميتها من خلال وجودها الطبيعي في المعركةالوطنية/القومية أولاً، والسياسية ثانياً، من أجل تحرر الوطن وكرامة المواطن.

خاتمة

  إن ماتحقق بفعل صمود وإرادة وتضحيات الشعب الفلسطيني في القدس وعموم نقاط الاشتباك مع العدو على امتداد الوطن المحتل تحت عنوان ومهمة محددة “حرية الدخول والصلاة بالمسجد الأقصى” يجب أن لايغيب عن عقلنا للحظة، ونحن نعيش فرحة الانتصار في “معركة البوابات والكاميرات” ،أننا في حرب مفتوحة مع المستعمر الفاشي الذي يحتل الأرض الفلسطينية. لهذا، فإن دروس المعركة الكفاحية التي شهدها النصف الثاني من شهر تموز/يوليو الفائت، يجب أن تشكل لنا جميعاً ، إلهاماً وعِبَراً للجولات القادمة، وفي المقدمة منها: وحدة الشعب ووحدة الهدف تحت قيادة وطنية، صلبة، منبثقة من صفوف الجماهير، تستند لبرنامج كفاحي مقاوم، وتمتلك المصداقية والشفافية والاستقلالية والصلابة في مواجهة العدو وأدواته.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية.