محمود فنون: حول التطورات في غزة وبيان حماس

(1) يفاوضون حماس على صفيح ساخن

(2) مناقشة خاصة في بيان حماس

(3) قصف غزة عدوان ولكنه مفاوضات ساخنة

 ■ ■ ■

(1)

يفاوضون حماس على صفيح ساخن

حماس على صفيح ساخن، من المهم أن نعرف كيف وصلت إلى هذا الواقع ولكن فبلا تعالوا لنرى الصورة:تقف على الصفيح ويحرق كفوف قدميها ولا أحد يرش عليها ” ندعة ” ماء.

يقولون لها: ” بدلا من هذا الكي، تعالي عندنا، إلى  “المستنقع ” هنا أفضل ومن حولنا نقيق الضفادع، أليس هذا أفضل من الإحتراق ؟

ما هو المستنقع ؟ في السياسة يستخدم “المستنقع” كتعبير عن الهوان السياسي والتراجع والتنازلات وبيع القضية  التي يناضل من أجلها الحزب السياسي. هنا أمن الأشخاص والقيادات ورفاههم، هنا تبتعدون عن غضب السيد وتندمجوا معنا، ولا أحد أحسن من أحد.

المقيمون في المستنقع يفضلون ان تكون كل القوة التي تفضح استخذاؤهم وهوانهم، معهم، وينقون معا مع الضفادع.

من خلال هذه الصورة نفهم  لماذا تسعى النظم العربية الطيعة في يد الغرب الإستعماري والمتواطئة مع إسرائيل، تسعى وتضغط من أجل أن تندرج حماس في النظام العربي الرسمي. وسبق لها ان نجحت في استجلاب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى مستنقعها ولماذا تسعى إلى إلحاق حماس بمنظمة التحرير.

هل لهذا أساس ؟ وهل سبق وجروا حماس في الإتجاه نحو المستنقع سياسيا ؟

نعم ! لو راجعنا اتفاق مكة، والدوحة، والقاهرة  بشأن تشكيل حكومة موحدة بين فتح وحماس، للاحظنا بنود الإتفاق ينص على:

ثالثًا: المضي قدمًا في إجراءات تطوير وإصلاح (منظمة التحرير الفلسطينية)، وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استنادا لتفاهمات القاهرة ودمشق..

وكل الإتفاقات والتفاهمات نصت على اتخاذ الترتيبات لضم حماس للمنظمة، وأعلنت حماس التزامها بما وقعت عليه المنظمة علما ان المنظمة وقعت ما عرف باتفاقات أوسلو.

كما أعلن خالد مشعل رئيس حماس في حينه واسماعيل هنية رئيس وزراء حماس في حينه عن استعدادهما لقبول دولة في الضفة والقطاع يقيمها المجتمع الدولي أي بالتسويات.

واليوم يرون فرصتهم مواتية أكثر لجر حماس جزئيا أو كليا إلى مستنقعهم.

الحصار المستمر والقصف وكل ما تبذله إسرائيل ومصر من مضايقات، والتفاوض الحالي في القاهرة، كل هذا يشكل مناخا مناسبا في نظرهم لحرق أقدام حماس وإغوائها لتقفز إلى المستنقع.

رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في القطاع، ورفع الحصار، وحماية القيادات من الإغتيال وتأمين مصادر تمويل حماس ( توقفت حماس عن قبول تمويل إيران من زمان  وجففت قطر والسعودية الكثير من المساعدات ) هذه عناوين مستعملة  مع تهديد هذه الأنظمة وتلويح اسرائيل بالإجتياح المحتمل دوما.

إن إسرائيل لا تريد العودة إلى القطاع ولذلك تكتفي بالحصار والقصف والإغتيالات وكل أشكال المضايقة الممكنة التي وصلت إلى قاع الجماهير.

اما الإجتياح فهو يستهدف قلع حماس عسكريا وجمع سلاحها  ولكن إسرائيل لم تستطع الإتفاق مع أي دولة عربية لإدارة شئون القطاع كما صرح باراك:

“…المحللين العسكريين الاسرائيليين الذين طالبوا الجيش الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة من جديد، بالتأكيد أنه من ناحية تقنية بالإمكان احتلال قطاع غزة من جديد والدخول بقوات برية الى القطاع المحاصر، بل أكد “باستطاعة الجيش الاسرائيلي احتلال قطاع غزة في غضون أيام معدودة، ولكن حينها سنعلق بمشكلة أخرى. لا يمكن القضاء على حماس دون احتلال القطاع

وأوضح أنه درس الفكرة في الماضي، وفحص اذا ما كانت ستقبل أي دولة عربية ادارة شؤون القطاع في حال احتلتها اسرائيل بدلًا من السلطات العسكرية الاسرائيلية، وأشار الى أنه فحص الموضوع مع السلطة الفلسطينية، قطر، ومصر، وجميعها رفضت “

والبديل الذي تستخدمه إسرائيل هو وضع حماس على صفيح ساخن لتتخلى عن المقاومة والسلاح وتندرج في مستنقع المنظمة وهذا ما يلاحقه العرابون خلال السنوات الماضية منذ عام 2005 م.

لا نصير لحماس المقاومة مع الأسف وهي الآن في مناخات آسنة وطرق مغلقة إلا الطريق التي تقود إلى المستنقع.

في التحقيق: يكون المعتقل تحت ضرب الفلقة والدوس على الرأس والأطراف وتحت التهديد ويفتحون له خيارات السلامة بتقديم الإعترافات. ليس أمام المناضل سوى طريق واحدة في نظرهم سوى أن يخون ويكشف الخلايا والسلاح والأسرار.

أما المناضل الوطني الصلب فهو لا يرى أية خيارات سوى اتجاه واحد لا ثاني له هو ” الصمود ” والصمود فقط.

إما أن يصمد، وإما أن يخون  ويبدأ في الدحرجة. وكلما قدم معلومة يعصرونه مجددا ليقدم المزيد.

فإما حماس المقاومة وإما حماس المساومة ولا قيمة لأي تبريرات خادعة. ومسار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من واضح وأكثر من درس.ويجب ان ننتبه أن حماس جاءت للسلطة في ظل أوسلو وكان شارون قد أخلى المستوطنات والمعسكرات بشكل نهائي فليس لها أي فضل في ذلك كما انها تعجز عن إدارة القطاع  في ظل المضايقات المحيطة والناس يتدبرون ليس بفضل أية سلطة، ولم تتقدم القضية الفلسطينية سنتمترا واحدا،وتضع نفسها اليوم في خيار التنازلات.

الضغوطات والتهديدات هي للقيادة.والصمود هو فقط وفقط دور القيادة فإما ان تصمد وإما إلى المستنقع الآسن وهناك تنق مع الضفادع.

(2)

 مناقشة خاصة في بيان حماس

بيان صادرعن المكتب السياسي لحركة حماس

 المنعقد في مدينة غزة في الفترة من 2/8/2018 حتى 7/8/2018 على مدى أربعة أيام متواصلة، وللمرة الأولى منذ تأسيس الحركة، اجتمع المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة في الفترة الواقعة بين 2 أغسطس 2018 وحتى 7 أغسطس 2018،.

شرح البيان أشياء كثيرة ومواقف كثيرة كلها روتينية وتتكررغالبا في البيانات التي تصدرها حماس.

ولكن هناك شيئان جديدان:

الأول: هي اللحظة السياسية التي عقد فيها اجتماع المكتب السياسي والمسبوقة باجتماعات في القاهرة  وفي غزة والتي تتناول موضوع التهدئة والهدنة طويلة الأجل بين حماس وإسرائيل  وما أثير حولها. وتناولها لمبادرة مصرية قطرية بمشاركة اسرائيلية وأمريكية.

ليكن معلوما أن نظامي مصر وقطر غير نزيهين بل أن مهمتهما الإبرز هي الضغط على حماس لقبول  شروط إسرائيل والتخفيف من شروط حماس، والسعي لدمج حماس في النظام العربي كما تم مع منظمة التحرير الفلسطينية سابقا.

إن النظام العربي الرسمي وأجهزته الأمنية هما عرابان لإسرائيل وأمريكا ومطايا لهما ولا ثقة بهما.

والثاني:هي عبارة واحدة جديدة هي البيان و وردت في البيان تكشف عن الموضوع كله:” وأكد المكتب السياسي أنه يتعامل مع هذه الجهود المبذولة من كل الأطراف المعنية بعقل وقلب مفتوحين؛”

 

كان ورود هذه العبارة هو الهدف من البيان كله وما حولها هو حشو لا أهمية له.

إن هذه العبارة هي ما سوف تقرأها مصر وقطر واسرائيل وأمريكا

وهي عبارة متفق عليها مع قيادة حماس من قبل عقد الإجتماع.

وقد وردت مغلفة ومنمقة في بند ثالثا:

“ثالثاً: ناقش المكتب السياسي الجهود المختلفة التي تبذلها عدة أطراف ولا سيما الأشقاء في مصر لتحقيق المصالحة ورفع الحصار، وتنفيذ المشاريع التنموية والإنسانية في قطاع غزة، وحماية شعبنا من الاعتداءات الصهيونية المتكررة، وأكد المكتب السياسي أنه يتعامل مع هذه الجهود المبذولة من كل الأطراف المعنية بعقل وقلب مفتوحين”

المهم القلب والعقل المفتوحان.

وتتداول الأخبار مضامين ما سوف يتوافق عليه بل ما سوف يفرضونه على حماس  وبمباركة فتح وفصائل أخرى بحيث يظهر الأمر وكأنه إجماع وطني.

هو إجماع ولكن ليس دفاعا عن الوطن والقضية بل خذلان لها.

(3)

 قصف غزة عدوان ولكنه مفاوضات ساخنة

في سياق المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الوصول إلى الهدنة  والتي تديرها المخابرات المصرية والقطرية ومبعوث دولي، شنت القوات الإسرائيلية المعتدية غارات على قطاع غزة وقتلت شخصين، ثم تجدد القصف وكما “قال المتحدث باسم جيش الاحتلال إنه تم قصف أكثر من مائة هدف في قطاع غزة. وبحسبه، فقد تم قصف عشرة مواقع عسكرية لحركة حماس على طول قطاع غزة، بينها “مواقع إنتاج، ومواقع أخرى لتعزيز قوة حركة حماس، ووسائل قتالية متطورة، وقدرات خاصة”

كما جاء أنه بين المواقع التي استهدفتها الطائرات الحربية التابعة لجيش الاحتلال “مقرات قيادية وعسكرية ومواقع تدريب ومواقع إنتاج وتخزين وسائل قتالية وأنفاق، وذلك في جباليا وشمال مدينة غزة، وشمالي ووسط القطاع، ودير البلح، ومواقع إنتاج أخرى ذات صلة بإقامة الأنفاق تحت الأرض” عن سما الإخبارية في 8/9/2018م

هذا ولا زالت أوساط الجيش الإسرائيلي تتحدث عن استعدادات لعمليات أخرى، وكانت المقاومة الفلسطينية قد اطلقت 150 صاروخا كما رصدت قيادة الجيش الإسرائيلي في بيانها أعلاه واوقعت بعض الإصابات وتم اعتراض 25 منها.

ما معنى هذا ؟

أولا إن السياسة الإسرائيلية عدوانية باستمرار على شعبنا ويطال عدوانها كل الوجود الفلسطيني بالقصف والقتل واستهداف أشخاص واعتقالات واستيلاء على أراضي مع كل أشكال المضايقات الفردية والجماعية والإجراءات الجماعية تحت عنوان العقاب.

ويأتي القصف على قطاع غزة كإحدى ترجمات هذه السياسة الهادفة  والدائمة.

ثانيا: وبشكل مخصوص هذه المرة يأتي القصف كجزء من المفاوضات الجارية من أجل إخضاع الفلسطيني مهما كانت  هويته السياسية.

لقد حددت إسرائيل إهدافها مرات عدية تجاه القطاع، فهي بالإضافة إلى سياستها العامة، تريد أيضا إخماد المقاومة في القطاع مع استمرار ذات النهج العام كله. وهي تريد إملاء شروطها على المقاومة والقوى السياسية الفلسطينية بما فيها إطلاق سراح أسراهم كحالة خاصة. هذا جوهر الأمر الخاص، في السياق العام. ولا تغيير في ذلك مهما كانت التدخلات المحيطة بالموضوع.

هناك أمران:

أريد أن اتحدث فلسطينيا وبما هو واقع القوى الفلسطينية السائدة حاليا وبعد تثمين كل محاولات المقاومة في الضفة والقطاع.

أولا: القوى الفلسطينية لتحرير فلسطين لا تخضع لشروط إسرائيل في كل الأحوال. أما القوى الفلسطينية للتسويات والمساومات، فإن هذا القصف هو جزء من الحوار وهي تتفهمه هكذا وتتعاطى معه هكذا كما الحصار وكل الممنوعات.

القوى الفلسطينية لتحرير فلسطين تضع شروطاَ تهم المسألة الفلسطينية وتتعلق بها، أما القوى الفلسطينية للمساومات فإنها تكتفي بشروط تتعلق بتحسين المعيشة وسلامة القيادة مع بقاء كل شيء على حاله.

الأمر الثاني: أن المفاوضات هذه المرة عنوانها الفلسطيني حركة حماس وهي التي عليها أن تقرر ما إذا كانت حماس لتحرير فلسطين أو حماس التسوية والبقاء.

وهي تريد أن تصل إلى المواقف بغطاء الكل الفلسطيني وعلى الأغلب هذا أيسر الأمور.

إسرائيل لا تتراجع عن هدفها النهائي لتعلق الأمر باستمرار وجودها في فلسطين وحماية هذا الوجود وتمكينه أكثر فأكثر، إنها هي هكذا، وهي تريد إخضاع الفلسطينيين قوى وأفراد ومؤسسات إخضاعا تاما مع معرفتها بصعوبة الأمر. وهي على أية حال حققت وتحقق نتائج ملموسة على هذه الصعد. وهي من جانبها فعنوانها الأبرز الآن وبصورة غير مباشرة  هو حماس دون إهمال الباقي.

الهدنة بتحديد زمني وبغير تحديد هي المطلب الأول ولا قيمة للتحديد الزمني حيث أن المطلوب هو إلزام المقاومة بالهدنة وأن تقوم المقاومة نفسها بحماية هذه الهدنة وبضمانات من حماس بشكل خاص. وحماس أعلنت بشكل متكرر رغبتها في الهدنة وتبحث عن شروط ومطالب.وكرست هذه المطالب في تحسين المعيشة بترجمات منشورة في الصحف بما فيها تغيير شكل الحصار وفتح المعابر بشكل أكبر وتسهيل دخول السلع والخدمات  وكل ما يتعلق بالإستيراد والتصدير. وبرأيي فإن إسرائيل مستعدة لإدارة هذا الأمر في حدود نهجها كاحتلال مسيطر على قطاع غزة.ولكنها في الأمور الرسمية لا توافق على التقابل مع ممثلي حماس، فإما ممثلين مجتمعيين مثل التجار والحالات الإنسانية أو ممثلي سلطة رام الله.

والهدف النهائي هو تجريد القطاع من سبل المقاومة وتجريد حماس والقوى الأخرى من أي دور مقاوم.

ملاحظة: ما دامت حماس تضع بيضها في سلة المخابرات المصرية والنظام المصري ومعه قطر والدول العربية الرجعية، وما دامت لا سند لها في هذا الوضع فإن “حماس المقاومة” في مأزق وهي تخضع للضغوط وينقلوا لها الضغوط الإسرائيلية والتهديدات الإسرائيلية والأمريكية بالإضافة لكل الضغوط التي نتجت عن حالة الحصار وحالة الإنقسام بين الضفة والقطاع. ومن المهم الإنتباه للضغوط الناتجة عن إغلاق معبر رفح بواسطة قوات مصرية والتي تلتزم بإرادة العدو الإسرائيلي.

إنني مع حماس المقاومة وضد حماس المساومة بوضوح لا لبس فيه وإنني أخشى على حماس المقاومة من حماس المساومة التي بداخلها وأخشى من الدرجة الكبيرة التي وصلتها حماس في سياق إعادة التأهيل لتصبح جزءا من المنظمة ومن النظام العربي الرجعي الداعم لإسرائيل، وهذه القيادة التي أصبحت أقرب إلى التدجين هي التي ستقرر النتائج ولا ألتفت للعبارات الجوفاء التي ستقال إحاطة بالموقف الهابط موقف أن حماس” تتعامل مع الوساطة المصرية بعقل وقلب مفتوحين ” وهناك تركيا تضغط على حماس وحماس تسلم نفسها لهم. فلم تعلن حماس رفضها لهذه الوساطات وشروطها.

ليظل في بالنا  ما حصل للمنظمة وكيف تساوقت قيادتها حتى تركت القضية وذهبت إلى أوسلو فالقيادتان الحاليتان من نفس الطينة.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.