الهروب إلى بطن الوحش … بدل الحماية الشعبية والانسحاب إلى الداخل، د. عادل سمارة

تعبنا وسوف نتعب اكثر لفهم ما هي سياسات سلطة الحكم الذاتي في الأر ض المحتلة 1967 وخاصة بعد أن اصبحت في الضفة الغربية فقط! يُقال بان لها مطبخاً خاصا وسرياً! ويقال بان معظم هذا المطبخ من “فراخ”  بيرس وبانهم ذوو هوىً امريكي وهو الفريق الفلسطيني المشابه ل “افراخ بيرس هناك” أمثال يوسي بيلين.

وبمعزل عن الضرب في الحصى لمعرفة أدق لهذه السياسات، قد يكفي النظر في ما يُعلن.

فإنه في الفترة الأشد تحدياً في مسيرة الصراع العربي الصهيوني أي:

  • فترة هجوم العدو الأمريكي على القضيىة الفلسطينية بأكملها سواء بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو حصار الأونروا، ومحاولة نفي وجود اللاجئين، أو تقليل الريع المالي المسموم المقدم لسلطة الحكم الذاتي …الخ
  • وإعلان الكيان الصهيوني قانون “القومية- ل لا قومية” وهو أمر يستدعي تغييراً جذريا وقطعياً مع هذا الكيان من قبل كافة الفلسطينيين.
  • وفترة إعلان أنظمة عربية وخاصة الخليجية الحرب على المشروع الوطني الفلسطيني وتورطها في تطبيع علني ومتعدد الوجوه مع الكيان الصهيوني،
  • وفترة الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وارتهان كل منهما لطرف عربي و/أو إسلامي جميع هذه الأطراف تعترف بالكيان وتتبع أمريكا.

في هذا المناخ، يصبح المفترض أن تقوم السلطة والقوى الفلسطينية بانتهاج سياسة الانسحاب إلى الداخل، إلى الذات Internal-Withdrawal . وهذا أمر طبيعي في أية سلطة تتعرض لعدوان لحرب لحصار لمقاطعة…الخ

لننظر إلى الصين الشعبية والتي ليست في وضع هش بأي معنى، لكنها مع الحرب الاقتصادية الأمريكية ضدها تتجه لتوسيع السوق المحلية سواء بالانتاج أو الاستهلاك بإشراف الدولة، وتتجه لتحويل عملتها إلى بديل للدولار في أكثر متاجراتها مع الدول التي لها مع الصين حجم تبادل عالٍ، وصولا إلى توسيع إنتاج السيارات (لنتذكر الدراجات الهوائية في فترة ماو تسي تونغ)  التي لا تعمل بالنفط كي تحرر نفسها قدر الإمكان من فاتورة النفط العالية والتي أغلب مصادر نفطها من دول تابعة للولايات المتحدة. لنقل باختصار، فإن الصين الشعبية، رغم أنها لاعب رئيسي جدا في السوق العالمية لكنها تنسحب إلى الداخل حماية لاقتصادها في فترة الحرب هذه دون أن تفقد توجهها وهدفها بالسيطرة على هذه السوق بدل التبعية لها، اي اللعبة المزدوجة تناقضياً. (وهذا له نقاش آخر فيما يخص الانخراط القيادي الصيني في السوق العالمية ومدى تناقضه مع الصين كما نعرفها أو حتى كما يعرضها رئيسها اليوم) ولا تختلف السياسات التي تتبعها روسيا وإيران عن السياسة الصينية ، وإن بمستوى وقدرات مختلفة.

بالمقابل، فإن سلطة الحكم الذاتي في رام الله تتخارج أكثر مما تنسحب إلى الداخل. فالبحث عن بديل لأمريكا “لرعاية” التسوية لن يجدي لأن بوسع امريكا عرقلة كل هذا خاصة وهي تقوم بالهجوم على كامل القضية الفلسطينية. ذلك أن مهمة “الراعي” الدولي تكاد تكون حصراُ بيد امريكا نفسها لا سيما فيما يخص القضية الفلسطينية. وهذا يعني بل ويوجب القطيعة الحقيقية مع الموقف الأمريكي وليس اللجوء إلى أدواتها وخاصة العربية.

إن كافة لقاءات ما تسمى المصالحة الفلسطينية هي بإشراف المخابرات المصرية التي هي لنظام يطبق الأوامر الأمريكية  تماما وبدقة وهدوء. كما أن علاقات السلطة مع دول عربية وخاصة الخليجية هي علاقات مع عدو عربي للشعب الفلسطيني والأمة العربية. والأمر نفسه فيما يخص سلطة حماس في غزة.

وعليه، فطالما الداخل الفلسطيني مفكك متصارع وقد يصل إلى شكل من الحرب، فإن تخارج سلطتي رام الله وغزة هو مشاركة في تصفية القضية وليس انسحابا إلى الداخل في حالة من الحماية الشعبية والدفاع الذاتي.

إن الحفاظ على التنسيق الأمني مع العدو هو بيت الداء وكافة العلاقات مع الكيان وأمريكا هي هوامش لا أكثر. وكافة الخطابات والإدانات لسياسات الكيان هي “فشة خلق أو مجرد تمثيل”. إن التنسيق الأمني هو الخلل الذي يحول دون اي تماسك فلسطيني داخلي وطبعا دون الانسحاب إلى الداخل.

لذا، فإن مناكفة سلطة الكيان، بلقاءات أبو مازن مع حركة “السلام ألآن” الصهيونية والحديث عن كونفدرالية تضم الأردن والكيان وشظايا فلسطين، لن تجدي نفعا بل هي إضافة “مبادرة” على كومة ميتة من “المبادرات”. وأكثر منها بؤساً اللقاءات مع خردوات السياسة الصهيونية مثل إيهود اولمرت الذي يمثل الهزيمة الصهيونية مع حزب الله وليس مع الفلسطينيين. وعليه، فليس بوسع الدلفين الفلسطيني تعويم زعيم ميت.

 هذا عن المستوى الأول من الهروب إلى بطن الوحش السياسي والأمني. أما المتسوى الآخر، فهو في الوضع/البنية الاقتصادية الداخلية والتي ترافقت مع اتفاقات أوسلو والتي تجلَّت في تقويض -سواء بقرار أو بدون- قطاعات الإنتاج بربط اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بالريع المتأتي:

  • إما من الدول المانحة وجميعها اجنبية وعربية معادية للشعب الفلسطيني وللأمة العربية.
  • أو من منظمات الأنجزة والمؤسسات الدولية الأجنبية والتي هي ايضا تابعة لدول عدوة للعرب والفلسطينيين.

هذا الاعتماد الريعي أدى إلى ظهور حالة انتفاخ اقتصادي في الضفة الغربية تحديداً والتي تباهى بها د. سلام فياض حامل ومطبق وصفات الصندوق والبنك الدوليين كما تباهت بها كلتا المؤسستين (في اعوام 2009-2010) بأن النمو في الأرض المحتلة 1967 وصل 9 بالمئة وحتى أكثر.  وهو نمو، إن كانت الأرقام صحيحة، متأتي من تلقيم الاقتصاد المحلي حقنا من الريع وليس من تزايد الإنتاج المحلي.

ما ترتب على حقن الريع هو:

  • شره استهلاكي عالي يتناسب مع حجم الدخل الريعي للفرد والطبقة على حد سواء.
  • استسهال الإنفاق الترفي لأن الدخل لم يتأتى من عمل وشغل الشخص نفسه ولا حتى من شغل عمال يستغلهم كراسمالي.
  • تكوين شريحة طبقية راسمالية كمبرادورية محلية هي وريث الشريحة التي أفرزها الاحتلال نفسه ما بين 1967-1993، والشريحة السابقة لها في فترة الحكم الأردني، أو تداخل الشرائح الثلاثة.
  • تكوين عملاء سوق محليين مدمنين على استهلاك المنتجات الصهيونية والمستوردة وخاصة التركية على حساب المنتجات المحلية التي تتراجع لمختلف الأسباب السابقة. اي انكماش السوق المحلية مما يقود دوما لانكماش الإنتاج ومن ثم الاستثمار…الخ.

هذا ما يسمى في الدول المستقلة النمو غير التشغيلي بمعنى أنه دخل لم يتم استثماره في مشاريع تشغيلية محلية لقوة العمل المحلية بل يحول الفائض نفسه إلى الخارج سواء كارصدة أو مساهمات في شركات متعددة الجنسيات.

في حالة الضفة الغربية فالوضع مختلف جدا وأشد سوءا بمعنى أن الدخل المتأتي في هذه الحالة في معظمه ريعاً مما جعل التوجه الاقتصادي عامة سواء الاستثمار، الإنتاجي أو الاستهلاكي بيد المال الخارجي.

وعليه، فإن هذا النمو الانتفاخي غير التشغيلي هو في التحليل الأخير تهجيري لأنه يُشعر المتلقي بأن علاقته بالبلد معتمدة على بقاء هذا المصدر. ولأنه يتوقع بأن هذا المصدر ليس دائماً من جهة، بل ها هو يكشف عن كونه ليس دائماً، فإن هذا المتلقي لا بد ان يتجه للرحيل أو ترحيل اولاده. ومن هنا نجد تزايد حالات الرحيل العائلي. هذا دون أن نتحدث عن تراجع عدد وأوضاع المنتجين المستقلين وعزوف الشباب عن العمل في الزراعة بحثا عن الوظائف مما أوصل هذا القطاع إلى اعتماده على العمالة العجائزية.

لقد أدت هذه السياسات إلى ظهور شكلين من التجمع الاجتماعي :

  • مجتمع بنية السلطة والأنجزة المعتمد على الريع ليصبح مجتمع هيكل وظيفي جاهز للرحيل ولا يعنيه  النشاط الوطني.
  • وبقية المجتمع الذي تتناقص مداخيله ليصبح في حالات من العوز الأشد.

أما الهروب الثالث، فيتضح في هجوم السلطة السياسية على كل من:

  • السلطة “التشريعية- وهي لا تشريع لها على الأرض” حيث لا دور لمجلس الحكم الذاتي قطعيا، بل التهمت السلطة التنفيذية كامل دوره،
  • والسلطة القضائية حيث يتم “تقييم” القضاء من خارجه!! وتتم عسكرة القضاء المدني!.

هذا على الرغم من أن البلد تحت استعمار استيطاني اقتلاعي أي بلا سيادة لأن السيادة تماما بيد العدو اي الكيان الصهيوني. فما معنى عسكرة اي مستوى حياتي إذن سوى زيادة كابوس القمع والتطفيش أي إيصال المواطن إلى قرار الانزياح فالرحيل؟ أنظر الرابط المرفق:

http://m.maannews.net/Content.aspx?id=961954

 

وفي النهاية، هل هذا الهروب المتواصل منذ  عام 1993 والذي وصل قمته اليوم  هو باتجاه الصمود والمقاومة؟ بالطبع لا. ذلك لأن الممكن الوحيد للصمود والمقاومة هو في:

  • الانسحاب إلى الداخل
  • التنمية بالحماية الشعبية.

أما سياسيا على مستوى كامل القضية والإقليم فليس أمام  الفلسطينيين سوى الانتقال ولو معنوياً إلى محور المقاومة.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.