“كنعان”، نشرة الاقتصاد السياسي، 6 تشرين الأول (اكتوبر) 2018 ، إعداد: الطاهر المُعِز

خاص ب”كنعان”، نشرة الاقتصاد السياسي عدد 449

 

أقْوال مأْثُورَة:

“إنّ الدولة الواقعة في قبضة الاستعمار الجديد ليست سيّدة مصيرها الخاصّ. وهذا العامل هو ما يجعل الاستعمار الجديد خطراً يُهدّد السلام العالمي” – كوامي نكروما ( من كتابه “الاستعمار الجديد: آخر مراحل الإمبرياليّة” – 1965)

كوامي نكروما 1909  1972: مناضل ضد الإستعمار، وأول رئيس لجمهورية “غانا” بعد الإستقلال (1960)، وأحد مؤسّسي منظمة الوحدة الإفريقية (1963)، التي أصبحت “الإتحاد الإفريقي” حاليا، ونظم الإستعمار البريطاني انقلابًا عسكريا ضده سنة 1966، عندما كان في زيارة لفيتنام، لأن “كوامي نكروما” كان يؤكد “إن الإشتراكية هي النّمط الوحيد الذي يمكِّن الشّعب من تحقيق حياة طبيعية في ظرف وجيز… ولتحقيق الإشتراكية والإزدهار الإقتصادي وجب البدء بتنفيذ إصلاح زراعي عميق…”

دَرَس الإقتصاد وعلم الإجتماع في “بنسلفانيا” (الولايات المتحدة) ثم في لندن، وكتب عدة كتب منها “أتحدث عن الحرية” و “”الإستعمار الجديد” وكتبا أخرى عن الكونغو وعن ضرورة وحدة إفريقيا…

 

صندوق النقد الدولي، زعيم اللصوص؟ ارتبط اسم صندوق النّقد الدّولي بالقُرُوض المَشْرُوطة، وفَرْضِ ما يُسَمِّيهِ “برنامج إصلاح اقتصادي” الذي أثار سُخْطَ واحتجاجات العُمال والأُجَراء والفُقراء في عددٍ من بلدان العالم، في قَارّات أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، وفي أوروبا (اليونان) منذ أزمة 2008-2009، ويُؤَدِّي تطبيق شُرُوط الصّندوق إلى خَفْضِ الإنفاق الحكومي (التّقَشُّف) وخصخصة القطاع العام والخدمات الأساسية، وخفض قيمة العملة، مما يُؤَدّي إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التّضَخُّم وانهيار القيمة الحقيقية للرواتب والدّخل لدى فئات عديدة تُشَكِّلُ أكثَرَ من ثُلُثَيْ المُجْتمعات التي رَدّت الفِعْل وقاوَمَتْ عبر الإنتفاضات العديدة…

يتّهم العديد من المُحَلِّلِين صندوق النّقد الدّولي بالتعامل بمكيالَيْنِ، فهو يفرض في معظم الأحيان الشُّرُوط القاسية المعروفة، دون مُراعاة وضع الإقتصاد المَحَلِّي، ويوافق أحْيانًا على برامج لا تتضمن التِزامَ الحكومات المُسْتَدِينَة بتنفيذ إجراءات تقشفية حادة، فقد وافق الصندوق يوم العشرين من حزيران 2018 على قَرْضٍ (خط ائتمان) بقيمة خمسين مليار دولارا للأرجنتين على فترة ثلاث سنوات، مع صرف القِسْط الأول 15 مليار دولار بشكل فَوْرِي، ولاحظ العَدِيد من الخُبراء والمُتابِعِين قِصَرَ المُدّة بين الطّلَب (نيسان 2018) والموافقة وصرف القسط الأول من القَرْض، رغم المشاكل التي حَصَلَتْ بين الطّرَفَيْن، حيث عجزت الدولة في الأرجنتين عن تسديد ديونها سنة 2001، وكاد الأمر يَتَكَرّرُ منتصف 2014، ولكن حكومة الرّئيس الحالي “ماوريسيو ماكري” مُوالِية للولايات المتحدة وللأطروحات الليبرالية التي يُمَثِّلُها صندوق النقد الدّولي، خلافًا للحكومات السّابقة، ولذلك تعامل صندوق النقد الدولي معها بمرونة غير معهودة وبشروط أقل قَساوة، رغم الوضع السَّيِّء للإقتصاد حالِيًّا، كما أَقْرَضَ الصّندوق 32 مليار يورو لليونان خلال ثلاث سنوات (2010-2013)، إضافة إلى قروض صغيرة أخرى كان آخرها في تموز/يوليو 2017، وطلبت إدارة الصندوق من أوروبا إلغاء بعض ديون اليونان، لأن اقتصاد البلاد لم يعد قادرًا على تحَمّل عبْء الديون… كما اقترضت حكومة “أوكرانيا” سنة 2015 مبلغ 17,5 مليار دولارا على أربع سنوات من صندوق النقد الدّولي، رغم حالة الإفْلاس التي تَتَهَدّدُ الدولة، ورغم عدم اتخاذ الحكومة أي إجْراءٍ ضد الفساد المُنْتَشِر في أوساط الدّولة، ورَفْضها زيادة سعر الغاز عند الإستهلاك… لكن الأمثلة الثلاثة المذكورة حصلت في دول خارج البلدان الفقيرة أو ما يُسَمّى “العالم الثّالث”، فالأرجنتين تعتبر جُزْءًا من أوروبا، وأوكرانيا تلعب دور البيدق الأمريكي والأطلسي على حدود روسيا، أما اليونان فإنه ينتمي إلى الإتحاد الأوروبي، وفي حال إفلاسه تتضَرّرُ كافة دول أوروبا، والإتحاد الأوروبي أحدُ أَهَمِّ المُساهمين في صندوق النّقد الدّولي… أما في المغرب وتونس ومصر والأردن وبلدان إفريقيا وجنوب وشرق آسيا، فقد ارتبط إسم صندوق النّقد الدّولي (وكذلك البنك العالمي) بإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وخصخصة القطاع العام والتعليم والصحة والنقل والكهرباء، مما يُؤَدِّي إلى تسريح العاملين، وزيادة الأسعار، وَرَفَضَ الصندوق الموافقة على قَرْضٍ طَلَبَتْهُ حكومة السّودان، “لأن الحكومة لم تُقَدِّم ضمانات كافية” ولأن “الوضع غير سَلِيم”…

تُعتبر حالة مصر نُموذَجًا للدّور التّخْرِيبي الذي يَقُوم به الصندوق، ولم يشفع للنظام المَصْرِي خُضُوعه منذ 1971 للإمبريالية الأمريكية ولا تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بإخْلاص نادِرٍ (وزيادة) والمُشاركة في العدوان على العراق وفي حصار الشعب الفلسطيني في غزة، فقد قَدّر البنك العالمي (تقرير كانون الثاني/يناير 2016) حاجة مصر بحوالي 45 مليار دولارا خلال ثلاث سنوات، لكن صندوق النقد الدولي لم يوافق سوى على 12 مليار دولارا، واستغرقت المفاوضات بين الحكومات المصرية المتعاقبة والصندوق سنوات طويلة، وحَدّد الصندوق استخدام أقْساط القرض في خفض قيمة الدّين العام، واشترط على الحكومة البحث عن قُروض من دائنين آخرين بقيمة 12 مليار دولارا أخرى، شرط استخدام ستة مليارات دولارا منها لزيادة قيمة الاحتياطي النقدي في المَصْرَف المركزي، وأجّل الصندوق “الإفْراج” عن كل قِسْط “لأن الحكومة تباطَأت في تطبيق الإجراءات المُتّفق عليها…”، وكذا فعل الصندوق مع الحكومة التونسية التي اقترضت في نيسان/ابريل 2016 مبلغًا متواضعًا (2,8 مليار دولارا) لفترة أربع سنوات، بشروط مُجْحِفَة، تحت مُسَمّى “إصلاحات إقتصادية”، ونظَرًا لارتفاع “الفَجْوة التّموِيلية” (الفارق بين حاجة البلاد وما تحصل عليه من أموال من الضرائب والقُروض وغيرها) اعتمدت الدولة التونسية على الإقتراض، ليس من أجل الإستثمار، بل لتمويل باب الإنفاق العام في ميزانية الدولة، مما رفع حجم الدين الخارجي (وفق البيانات الرّسمية) ليبلغ 65 مليار دينار تونسي (28,7 مليار دولار) سنة 2016، وهي السنة التي عجزت خلالها الحكومة على تسديد مبلغ 6 مليارات دينار تونسي من الديون الخارجية التي حان أجل تسديدها، وارتفع المبلغ إلى ثمانية مليارات دولارا بنهاية 2017، وأغرقت الحكومات المتعاقبة البلاد بالدّيون، وطلبت الحكومة من مجلس النّواب خلال النصف الأول من سنة 2017  المُوافقة على تسعة عشر قرضًا خارجِيًّا، مما رفع نسبة الدين الخارجي بنحو 62% بين 2010 و 2017، وفق تصريح رئيس الحكومة…

تقتضي سياسة صندوق النقد الدولي إرسال بعثات عديدة للإقامة في البلد المُقْتَرِض بهدف مراقبة جميع الحسابات والقرارات الإقتصادية والإجتماعية وبالتالي السياسية، ويطلب أعضاء البعثة الإطلاع على كافة الوثائق وقراءة كافة محاضر جلسات مجلس الوزراء وغيرها، مما يُجَرِّدُ الدول المُسْتَدِينَة من سيادتها على البلاد، وتفويض صندوق النقد الدولي للإشراف وللموافقة (أو رفض) على كل قرار تتخذه الحكومة، وبعد الإقامة هذه الوفود ثلاثة أسابيع (في المتوسّط) على حساب المواطن عدة مرات في السنة، تُقَدّم تقريرًا يُجِيزُ أو يُؤَجِّلُ أو يرفُضُ تسديد قِسْطٍ أو أَقْساطًا من القرض، ثم يَدّعِي الصندوق “إن الحكومة (التونسية أو المصرية أو غيرها) هي التي أقرت برنامج الإصلاح الاقتصادي، وما دور الصندوق سوى المُصادقة على البرنامج”، وفق ما ورد في موقع صندوق النّقد الدّولي… عن موقع صندوق النقد الدولي + “بروجكت سنديكيت” 30/06/18  

 

تناقُض رأس المال والعمل: ارتفعت قيمة المكاسب التي حصل عليها أصحاب الأسهم في الشركات العابرة للقارات المطروحة للتداول في البورصة بنسبة 12,9% خلال الربع الثاني من سنة 2018، مقارنةً بالربع الثاني من سنة 2017، وبلغت قيمة هذه الأرباح الصافية 497,4 مليار دولارا (خلال ثلاثة أشهر فقط)، بحسب نتائج الدراسة الدورية التي تنشرها شركة الإستشارات المالية والمصرفية “يانوس هندرسون” كل ثلاثة أشهر، وتأتي الشركات الأمريكية في المقدمة (كنتيجة منطقية لزعامة الولايات المتحدة للرأسمالية العالمية) إذْ وَزّعت على مساهميها أرباحًا بقيمة 117,1 مليار دولارا (خلال الربع الثاني من سنة 2018)، أما في أوروبا فإن التناقض صارخ بين انخفاض حصة العمل (وخاصة رواتب العاملين بأجْر) وارتفاع حصة رأس المال، مع تطبيق سياسات التّقَشُّف وتسريح العاملين، وزيادة الضرائب على الرواتب مع خفضها أو إلغائها للشركات، باسم “تحفيز الإستثمار”، ولم تنشر الدراسة بيانات عن توزيع أرباح الأسهم في الإتحاد الأوروبي كَمجموعة، بل نشرت بيانات عن كل بلد، ويُسْتَنْتَجُ منها ارتفاع حصة أصحاب الأسهم بمعدل 25% لنفس الفترة، في حين لم تتجاوز نسبة النّمو 0,8% في دول مجموعة اليورو (19 دولة داخل الإتحاد الأوروبي) وبلغت نسبة البطالة لدى الشباب (أقل من 25 سنة) 15% خلال الربع الثاني من سنة 2018، وفي فرنسا انخفضت استثمارات أكبر الشركات المُدْرَجَة في البورصة “كاك 40” (أكبر 40 شركة) من 75 مليار يورو سنة 2007 إلى 69 مليار يورو سنة 2017، ولكنها زادت من استغلال العُمّال ومن خفض قيمة الرواتب، لترتفع حصة أصحاب الأسهم من الأرباح بمتوسط 23,5% خلال نفس الفترة 2007 – 2017 بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات” + منظمة “أوكسفام” 21/08/18

 

نضالات عُمّالية: نورد على صفحات هذه النّشرة أخبارًا عن الفقر وعن الإضرابات وعن وضع الُعمال في الدول الرأسمالية المتطورة، بهدف إبراز التناقضات في هذه البلدان فأهلُها ليسو كُلُّهُم أغنياء، إذ يُمَثِّلُ الأثرياء دائمًا قِلة في كافة البلدان، وجمعوا ثرواتهم من استغلال عرق العُمّال والفلاحين، وفي هذه الفقرة بعض أخبار النضالات العُمالية، من مواقع نقابية مُختلفة…

في نيوزيلندا، تُشغل شركة “سِيسْتِيما بلاستيك” (وهي فرع من الشركة الأمريكية “نِوِيل بندس”) حوالي خمسمائة عامل في أحد مصانعها في مدينة “أوكلاند”، لصنع عُلب بلاستيكية، وتُشَغِّلُ مهاجرين من جزر المحيط الهادئ ومن الهند والفلبين، يَفِدُون إلى البلاد بتأشيرة عمل صالحة لمدة سنة واحدة، وتَفرض على العمال شروطًا مجحفة، ومن بينها ستين ساعة عمل براتب لا يتجاوز الحد الأدنى (بدل أربعين ساعة عمل أسبوعيا)، دون احترام عدد من القوانين المتعلقة بفترات الراحة والتأمين على المرض وغيرها، مما يُوفِّرُ لها أرباحًا صافية بقيمة نصف مليار دولارا، في مصنع واحد، جرّاء سرقة جُهْد هؤلاء العمال، ورفضت التفاوض مع نقابة العُمال التي تُطالب بعقد عمل جماعي (اتفاقية مُشْتَرَكة) يَضْبُطُ حقوق وواجبات العُمال… نَظّمت نقابة عُمّال المصنع حملة إعلامية تعاطفَ معها عديد المواطنين، مع التَّلْوِيح بتصعيد وسائل الإحتجاج مُسْتَقْبَلاً، وتضامنت معها بعض نقابات عُمّال الصناعة في أوروبا وفي أستراليا…

في أستراليا، أضرب 1600 عامل في مصانع شركة “أَلْكُوَا” (أمريكية المَنْشَأ) لصناعة الألمنيوم في أستراليا التي تُمثل حوالي 8% من الإنتاج العالمي، ضامن معهم عُمال نفس الشركة في مقاطعة “كيبيك” بكَنَدا، وعمال نفس الشركة في إسبانبا والنرويج وأمريكا، وعمال استخراج المعادن في استراليا، وتَجَمّع حوالي 1200 مواطن أمام المصنع، دَعْمًا للمُضربين، وأضرب عُمّال أستراليا بعد فشل مفاوضات طويلة دامت عشرين شهرًا مع إدارة مصنع الشركة في أستراليا الغربية، وتهدد إدارة المصنع بطرد العُمّال المُضربين، بدون أي تعويضات، وفرض ظروف عمل سيئة ورواتب مُتَدَنِّيَة للعمال الذين سيواصلون العمل لديها… وردت هذه الأخبار في مواقع نقابية عالمية أو محلية، أما الترجمة فهي غير احترافية   

 

مصر – روسيا: تُعْتَبَرُ مصر أكبر مُسْتَوْؤِدٍ للقمح في العالم (تَلِيها الجزائر)، وتستورد جُزءًا هامًّا من روسيا، فيما ارتفعت صادرات مصر من الإنتاج الزراعي (خُضار وفواكه) والملابس نحو روسيا، بعد التّوتّر الذي حصل في العلاقات الروسية التّركية، بسبب الحراب ودور تركيا في تأجيج العدوان على سوريا، وبلغ التّوتّر ذروته بإسقاط الجيش التركي (عضو حلف شمال الأطلسي) طائرة حربية روسية فوق الأراضي السّورية، فقاطعت روسيا المُنتجات التّركية التي كانت تستوردها، واستغلت حكومة مصر الفرصة لتتفاوض مع حكومة روسيا، فارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا بنسبة قاربت الثُّلُثَيْن، خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2017، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2016، ولكنه بقي ضعيفًا بقيمة تقِلُّ عن 5,4 مليارات دولارا سنويا، وفق تقديرات الحكومتيْنِ، وبلغت استثمارات روسيا في مصر 4,6 مليارات دولارا سنة 2017، منها 60% في قطاع النفط والغاز الطبيعي، وأَقَرّت الحكومتان (بنهاية سنة 2017) مشروع إقامة منطقة صناعية روسية، وإقامة مُفاعلات نووية لتوليد الطاقة، لتصل استثمارات روسيا في مصر إلى سبعة مليارات دولارا، خلال عشر سنوات…

أعلن ناطق باسم شركة “ميرسك” الرّوسية، أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، إن الشركة تتهيّأُ (بداية من أيلول/سبتمبر، دون تحديد تاريخ مضبوط) لإرسال أول سفينة شحن من شرق آسيا إلى أوروبا عبر ممر بحر الشمال الروسي، كمسار بديل عن قناة السويس، التي لا تزال تُعْتَبَرُ أقصر طريق للتجارة البحرية يربط بين أوروبا وآسيا، لكن روسيا تعمل على تطوير الممر الشمالي، لتعتمده الشركات للتجارة بين أوروبا وآسيا… تُشكل إيرادات قناة السويس موردًا ماليًّا هامّا للدولة، وتتمَيّز القناة بموقعها الإستراتيجي، بين منابع النفط الخليجي والبحر الأبيض المتوسط، وكذلك بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، لكن شركات النّقل البحري تَدْرُسُ تكلفة نقل الشّحنات وعُمْقَ واتِّساع الممرات البحرية، وزمن الإِبْحار، والخدمات المُتَوَفِّرَة، بالإضافة إلى العوامل الأمنية، على الطريق وفي الموانئ… تنطلق سُفُن شركة “ميرسك” من ميناء “فلاديفوستوك” شرقي روسيا، إلى شمال شرقي الصين عبر مضيق “بيرينغ”، لتعود إلى ميناء بطرسبورغ الروسي، وستكون الرّحلات الأولى تجريبِيّة، لجَمْعِ البيانات، ولكن هذا الممر يختصر زمن الرحلات التجارية بين آسيا وأوروبا إلى النصف، لكن الرحلات لم تكن مُتاحة خارج فصل الصيف، فيما منحت عملية الاحتباس الحراري (التي تسارعت بنهاية القرن العشرين) التي أذابت كميات الثلج المتراكمة تحت القطب الشمالي، فرصة الإبحار عبر هذا الممر على مدار السنة، وكان العُلماء الرّوس يدرُسُون تأثيرات ظاهرة الإحتباس الحراري على البيئة والإقتصاد، واستغلت الدولة الرّوسية الحدث السّلْبِي لوضع خطة “تطوير القُطْب الشّمالي”، وهي منطقة تحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز والمعادن، وتتنَزّل خطّة تنمية “المَمَر الشّمالي” ضمن هذا البرنامج… قامت الدولة المصرية بحملة دِعائية واسعة لتعداد محاسن ما أسمته “قناة السويس الجديدة”، وهي عبارة عن “تَفْرِيعة” لقناة السّويس، نفذتها شركة مقاولات تابعة للجيش، ووقع افتتاحها في شهر آب/أغسطس 2015، ومكنت التفريعة الجديدة من خفض زمن انتظار السفن قبل المرور، وورد في دِعاية الحكومة إن ما أسمَتْهُ “القناة الجديدة” ستُضاعف إيرادات الخزينة من العملات الأجنبية، وبعد ثلاث سنوات، لم ترتفع الإيرادات بشكل ملحوظ…

أرسلت شركة صينية منذ قرابة سنة سفينة نقل إلى الموانئ الروسية عبر ممر بحر الشمال الروسي،  لإيصال معدات إلى روسيا، كما تستخدم الصين طريق القطب الشمالي في نطاق خطّتها “حزام واحد طريق واحد” والهادفة للربط التجاري بين الصين وآسيا وأوروبا، والإلتفاف على أي عقوبات أمريكية مُحْتَمَلَة، كما إن المؤسسة الدنماركية “مؤسسة كوبنهاغن للأعمال” قد نشرت دراسة سنة 2016 تُظْهر  “إن الشحن عبر خط البحر الشمالي سيصبح أقل كلفة سنة 2040 إذا استمرت وتيرة تلاشي الغطاء الجليدي”، وأبحرت خلال الأسبوع الأخير من آب/أغسطس 2018 سفينة شحن دنماركية تحمل 3600 حاوية، من ميناء مدينة “فلاديفوستوك”، الواقعة قريبًا من الحدود بين روسيا والصين، في رحلة تجريبية لتعبر القطب المتجمد الشمالي عبر الممر البحري الروسي التجريبي (من مضيق بيرنغ – بين روسيا وآلاسكا – إلى النرويج)، لتصل إلى ميناء مدينة “سانت بطرسبورغ” الرّوسية خلال فترة زمنية تقل أُسْبُوعَيْن عن المُدّة التي تستغرقها الرّحلة عبر الخط الجنوبي (أي مُرُورًا بقناة السّويس)، وكما أسلَفْنا فإن استخدام هذا الخط مُتاحٌ حاليا في فصل الصيف، بفعل الإحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، وكإجراء احتياطي، تُرافق كاسحة جليد نووية (باهظة الثمن) الرحلات التّجريبية، لكن روسيا صنعت سفينة ناقلة للغاز الطبيعي المُسال بطول 984 قدماً، خصيصاً لأجل قطع هذه الرحلة، وأبحَرَتْ بالفعل عبر هذا الطريق دون مرافقة… عن “فايننشال تايمز” + رويترز + بي بي سي 22 و 23/08/18

 

فلسطين: كانت الفصائل الفلسطينية تُعْلِن قبل أكثر من أربعة عقود “إن ثالوث الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية” يُمثّل عَدُوًّا للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، ولكن رئيس منظمة التحرير كان يَرْتَشِي ويُرْشي كافة الفصائل الفلسطينية من مال النفط الخليجي ومن دعم الأنظمة العربية الرّجعية، ومن أموال العاملين الفلسطينيين في الدول العربية (ضريبة إضافية على رواتبهم، تُحيلها الحكومات العربية إلى حسابات منظمة التحرير) ولم يَدْعَم القضية الفلسطينية بالفعل سوى فُقراء وتَقَدُّمِيُّو الوطن العربي ومناهضو الإمبريالية في العالم، وانخرط التّقدميون من كافة أرجاء الوطن العربي ومن أوروبا واليابان وأمريكا الجنوبية وغيرها في النّضال الفلسطيني السّياسي والثقافي والعسكري، وقَدّم ياسر عرفات رشوة مالية لمجموعة “نائف حواتمة” لتفتيت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من الدّاخل، عبر الإنفصال وتأسيس الجبهة الديمقراطية (باعتراف أعضائها القياديين)، وحاول رئيس منظمة التّحرير الحصول على اعتراف الإمبريالية الأمريكية به مُبَكِّرًا (عبر محمود عباس وإدوارد سعيد – صديق دنيس روس – وعصام السّرطاوي، وغيرهم)، وكان مؤتمر مدريد (1991) ومحادثات أوسلو التي أسفرت عن “سلطة أوسلو” (الحكم الذاتي الإدراي في رام الله وضواحيها) من نتائج هذه الإتصالات وما رافقها من تنازلات للكيان الصهيوني، خصوصًا منذ برنامج “النقط العشر” ثم تصفيق عرفات لإعلان السادات زيارة القدس المحتلة، فتحولت قيادات منظمة التحرير إلى أداة محلّيّة لقَمع الشعب الفلسطيني عبر قوات شبه عسكرية مُدربة ومُسَلّحَة من قِبل أجهزة الإستخبارات الأمريكية (يُسَمِّيها الفلسطينيون قوات الجنرال الأمريكي “دايتون”) تعمل على توفير الأمن للمستوطنين الصهاينة، وعلى “وِقاية” العدو من أي عمليات فلسطينية، وهي سابقة تاريخية لم يَعْرِف البشر لها مثيلاً، وتُمَوِّلُ أوروبا وبعض الدول الأخرى (أمريكا واليابان…) ميزانية هذه السلطة التي لا تُسَيْطِرُ على شبر واحد من أرض فلسطين، وبذلك يَتَنَصّل الإحتلال من مسؤولية الإنفاق على الشؤون اليومية للشعب الواقع تحت الإحتلال (البنية التحتية والنقل والصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي وباقي الخدمات…)، كما تَنُصُّ “المُعاهدات الدّوْلِية”…

بعد إضْعاف المقاومة بشكْلِها السابق، والمتمثل في الفصائل المُسَلّحة المُنْخرطة في برنامج تحرير وطني، ضغطت الإمبريالية وسلطات الإحتلال من أجل التنازل العلني والصّريح عن حق العودة وعن كامل التراب الفلسطيني، وخفضت قيمة الرّشوة المُقَدّمَة لقيادة منظمة التحرير (التي عَوّضَتْها سُلطة الحكم الذاتي الإداري) وبدأت تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أنروا” التي تُشَكِّل شاهدًا على نتائج “النّكبة” واحتلال فلسطين سنة 1948 (وليس سنة 1967)، وشكل المال الوسيلة الأساسية للإمبريالية الأمريكية للضّغط على الشعب الفلسطيني، والحصار الوسيلة الأساسية للكيان الصهيوني (بدعم من الكُمبرادور العربي، في مصر والأردن والخليج وغيره)، وبعد خفض قيمة “المُساعدة” المُقَدّمة ل”أنروا” التي أعلنت تسريح 250 موظف (كدفعة أولى)، أعلنت الولايات المتحدة إلغاء “مُساعدات” لسلطة أوسلو بقيمة 215 مليون دولارا، وإعادة توجيهها نحو برامج أمريكية في مناطق أخرى من العالم، وأوردت وكالات الأنباء العالمية تَصْرِيحًا لحنان عشراوي، عضو منظمة التحرير وإحدى أعضاء الوفد التّفاوضي في مؤتمر مدريد، وإحدى المُبادِرات لترويج وتوقيع بيان يُنَدِّدُ “بالعنف الفلسطيني المُسَلّح” سنة 2000، ووصفت حنان عشراوي هذا القرار الأمريكي ب”الإبتزاز”، وهذا ليس رأيها الشخصي وإنما رأي القيادات التي يسمح لها الكيان الصهيوني بالتّنَقُّل عبر القدس والضفة الغربية وبالتعبير عن وجهة نظر من يَصِفُهُم “المُجتمع الدولي” بالقيادات الفلسطينية “المُعْتَدِلَة”، أي التي كانت تنتظر الحصول على مناصب من حل “الدّوْلَتَيْن”، بضمانة أمريكية، قبل أن ينسف الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية هذا الطموح ذا السّقف الهابط، وإعلان كل فلسطين أرضًا ل”شعب الله المُختار”، وهو ما أعلنه مُؤَسِّسُو الحركة الصهيونية منذ النصف الثاني من القرن التّاسع عشر… عن رويترز + أ.ف.ب + وكالة “وفا” (بتصرف) 25/08/18

 

سوريا: تسبّب اعتداء صهيوني على سوريا (17/09/2018، في محافظة اللاذقية) في إسقاط طائرة روسية وقتل خمسة عشر ضابطاً وخبيراً روسياً، رغم “الاتفاق الامني للتنسيق” بين رُوسيا والكيان الصهيوني الذي يحتل أراضي سورية والذي ما انفَكّ يعتدي على الأرضي والمُنشآت السورية، كلّما حقق الجيش السّوري تقَدُّمًا على حجافل الإرهاب المُسلّح، واستفاد جيش الإحتلال الصهيوني منذ 2015 من هذه الإتفاقيات وحقق مكاسب ميدانية، على حساب الجيش السّوري وحلفائه…

بالمُقابل، رفضت روسيا منذ سنة 2013 تزويد الجيش السّوري بمنظومة دفاع جوي، قادرة على تمييز الطائرات والصواريخ “الصديقة” من “العدوّة”، كما رفَضَتْ تسليم منظومة الصواريخ “إس – 300” لسوريا (منذ 2013) وكذلك لإيران التي سددت ثمنها، بما يُعادل 250 مليون دولارا للوِحْدَة، منذ سنوات (قررت مُؤَخّرًا تسليمها لإيران)، وأعلنت حكومة روسيا أنها ستُسَلِّمها لسوريا، دون ذكر تفاصيل: متى، وأي طراز ستحصل عليه سوريا، ومن سيقوم بالإشراف على تَشغيلها؟ (أهم الضبّط الرّوس أم السوريون؟)، كما أعلنت روسيا تزويد الجيش السّوري بشبكة رادارات حديثة للرصد والتعقب…

ذَكَرْنا سابقًا، وفي عدة مناسبات، إن مَهَامّ تحرير أراضينا المحتلة ومحاربة الإرهاب، هي مهمتنا نحن العرب بدرجة أولى، سواء في فلسطين أو في سوريا، واليمن وليبيا والعراق وغيرها، لكن ضُعْفَنا ووجود عُملاء بيننا، مُمَثِّلِين للإحتلال وَمُمَوِّلين ومُسَلِّحين للمجموعات الإرهابية، يجعلنا نبحث عن أصدقاء، وهؤلاء الأصدقاء (المؤقتين) لهم برامجهم ومخططاتهم وتحالفاتهم وحساباتهم، وهو أمر طبيعي، ولِروسيا حساباتها مع تُرْكيا (رغم إسقاط طائرة عسكرية روسية) التي تحتل أراضي عربية سورية من لواء إسكندرونة إلى الأراضي التي احتلها جيشها خلال السنتين الماضيتين، ولها حساباتها مع الكيان الصهيوني، رغم دعمه جيش جورجيا ضد روسيا سنة 2008 واليمين المتطرف في أوكرانيا ورغم العلاقات المتطورة مع حكومات دول الإتحاد السوفييتي السابق، المناوئة لروسيا…

تركّز روسيا اهتمامها على جمع الأضداد، عبر التركيز على الوسائل الدبلوماسية والحل السياسي، كما تُركّز على كتابة دستور لسوريا ما بعد الحرب، وهو من المُفْتَرَض أن يكون شأنًا يَخُصُّ السُّورِيِّين وحدهم… روسيا تُدافع عن مَصَالِحِها، وهذا أمرٌ طبيعي، وهي ليست معنية بتحرير “الجولان”، فهو شأن السّورِيِّين والعرب والتقدّميين والمناهضين للإستعمار والصهيونية، ولكنّ العدوان الأخير ناتج عن الإتفاقيات المذكورة آنفًا، والتي ساهمت في تَيْسِير حركة الطيران الصهيوني المُعادي للشعب السّوري، في المناطق التي لا توجد بها قواعد روسية، وكذلك نتيجة المُماطَلَة منذ سنوات في تسليم منظومات دفاع جوي حديثة، تَرْدَع الطيران المُعادِي، أما الحد الأدنى المطلوب من حليف مثل روسيا، فلا يجب أن يَقِلَّ عن تضْيِيق هامش طيران العدو الصهيوني فوق سماء سوريا…  

كتبت صحيفة “كوميرسانت” الروسية إن الصناعات العسكرية الأمريكية تعاونت مع الكيان الصهيوني منذ أكثر من عقديْن لتطوير نظام تضليل وتشويش على منظومة “إس – 300” ونشرت وكالة “رويترز” للأخبار تقريرًا مفاده إن المناورات المشتركة بين اليونان والكيان الصهيوني ( التي تَكَثّفتْ خلال فترة حكم ائتلاف “سيريزا”) ثم مع حلف شمال الأطلسي في اليونان أيضًا اختبَرتْ خلال المناورات المُشتركة في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2015 نظام التشويش، بهدف توجيه نظام الدفاع الروسي نحو أهداف وهْمِيّة…

إن دوافع روسيا، ومحافظتها على العلاقات الودية مع الكيان الصهيوني، قبل وبعد إسقاط الطائرة الروسية، تخضع لاعتبارات تتجاوز الساحة السورية، أما الدور الصهيوني فهو في تكامل مع الإحتلال العسكري الأمريكي لجزء هام وثري بالموارد الطبيعية والأراضي الخصبة في سوريا، عبر قُوى محلِّية وفي مقدّمتها مليشيات العشائر الكُرْديّة…

 

اقتصاد الرّيع – نموذج الخليج: اقتصاد الريع أو الإقتصاد الرّيعي ( Economic Rent ) للدول، هو مُصْطَلَح في الإقتصاد السياسي، يُشير إلى اعتماد الدولة على إيرادات دَوْرِيّة وثابتة، وتحتكر إدارتها والإشراف على التّصَرُّف بها، مُتَأَتِّية (الإيرادات) من مصادر طبيعية كالنفط والغاز أو من تأجير الأراضي والثروات الباطنية، أو من الدّعم المالي الخارجي لقاء خدمات تقدمها دولة اقتصاد الريع للدول الإمبريالية، أو من الرّسوم على تجارة السّلع التي تعبر أراضي الدولة، وهي إيرادات لا تحتاج إلى تطوير البحث العلمي ووسائل الإنتاج والتصنيع وغير ذلك، وعادةً ما تستخدم السُّلَطة الحاكمة هذه الإيرادات لرشوة بعض فئات المجتمع، بهدف المحافظة على السلم الإجتماعية (أي المحافظة على الحُكْم)، ويتميز الإقتصاد الرّيعي بالهشاشة وبالتّعرّض لانخفاض الإيرادات لأسباب سياسية أو اقتصادية خارجية، أو “جيو- استراتيجية”، مثلما يحصل عند انهيار أسعار النفط أو الفوسفات والمعادن الأخرى، كما يتميز بعدم قُدْرَتِهِ على الصُّمُود بسبب هشاشة البُنْيَة الإقتصادية، وضُعْف القطاعات الإنتاجية، وتُعْتَبَر الدول العربية النّفطية كالجزائر والعراق وليبيا ودُوَيْلات الخليج، دُوَلاً ريعية، وكذلك شأن المغرب والأردن، لأنها تعتمد على ريع الفوسفات والموارد الطبيعية، بشكل رئيسي، وعلى الزراعة والصناعة بشكل ثانوي، وتبيع هذه المواد الأولية (طبيعية) دون تصنيعها وتحويل الإنتاج الخام إلى إنتاج مُصَنّع، أو إضافة قيمة زائدة لهذه المواد الخام، ما يتطلب إنشاء مصانع وشراء أو تصنيع مُعدّات، وتتطلب عملية التصنيع خبرات ومَهارات بشرية، ويعتمد الأردن (ودول أخرى في العالم) على نوع آخر من الرّيع يتمثل في “المساعدات” و”المعونات الخارجية”، لقاء خَدمات (قواعد عسكرية وعدوان على الجيران…)، وتعتمد الدول ذات الإقتصاد الرّيعي على استيراد كل احتياجات الدولة والمواطنين، مما يُعَسِّرُ عملية التّراكم، ويُيَسِّرُ حدوث الأزمات، في حال انخفاض الطلب العالمي، أو انخفاض أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، وبالتالي انخفاض موارد الدّولة، أو نُضُوب حقول النفط والغاز (مثلما يحصل في الجزائر)، وبانخفاض هذه الموارد تعجز الدولة عن استيراد السّلع وتلبية حاجيات المواطنين، ونورد في الفقرة الموالية مثال مشيخات الخليج، والبيانات الأساسية الواردة ضمنها مُقتبسة، بتصرف، من وكالة “بلومبرغ” (ملك رئيس بلدية نيويورك الأسبق، وهو يميني “مُحافظ”) ومن صحيفة “الأخبار” اللبنانية (مملوكة لرئيس وزراء لبنان الأسبق، الملياردير “نجيب ميقاتي”)… (ط . م)

في السعودية، تتحكم أُسْرة (أو جناح من أسرة) آل سعود في البلاد والعباد، وسَمّت البلاد باسمها، أما مصدر موارد الدولة – الأُسْرة المالكة فهو من النفط (قرابة 200 مليار دولارا سنويًّا)، وبدرجة أقل من أموال مُسْلِمِي العالم (السِّياحة الدّينيّة)، ويُعاني فُقراء السعودية ومتوسّطُو الدّخل من أزمة سَكن خانقة، فيما تعاني فِئَة الشباب من ارتفاع نسبة البطالة، وازداد الوضع سوءًا بعد انخفاض أسعار النفط (منتصف حزيران 2014) وانخفاض إيرادات الدولة التي أقَرّت برنامج تقشف ورفعت سعر الوقود والكهرباء، وأقرت ضرائب غير مباشرة (ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات) بنسبة 5%، سترتفع تَدْرِيجِيًّا إلى 10%، وسحبت مبالغ هامة من احتياطي الأصول، واقترضت أموالاً من الخارج، بهدف سد عجز الميزانية، لكن نظام السعودية يُؤَدِّي وظيفة كَلّفته بها الإمبريالية (الأمريكية بشكل أساسي) تتمثل في تفتيت البلدان العربية والإعتداء على شُعُوبها (ليبيا وسوريا واليمن…) في عمل مُكَمِّلٍ لمهام الكيان الصهيوني، مقابل “الحماية” العسكرية الأمريكية، لكن التناقض يكمن في زيادة قيمة الإنفاق على الأسلحة بعد انخفاض الإيرادات النفطية (رغم هذه “الحماية” الأمريكية والأوروبية)، وأصبحت السعودية ثالث أكْبر دولة تُنْفِقُ على السّلاح المُسْتورَد من الدول الصناعية، بمُعدّل ثمانين مليار دولارا سنويًّا (زمن الأزمة وانخفاض الموارد والتّقَشُّف المَفْرُوض على الرّعايا)، إضافة إلى إنفاق مليارات الدولارات سنويا على شراء العقارات والسفن السياحية والفنادق في الخارج…

يتمثل الدور الوظيفي لمَشْيَخات الخليج في تحويل أراضيها وسواحلها إلى قواعد عسكرية جوية وبحرية أمريكية وأطلسِيّة، بهدف السيطرة على منابع النّفط وعلى المَمَرّات التّجارية بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وبهدف مُحاصرة المنافسين (الصين) والخُصُوم (روسيا) والأعداء (إيران) وحماية الأصدقاء (الكيان الصّهيوني)، فيما تتكفل أموال الرّيع النّفطي والإستغلال الفاحش للعمال المهاجرين بشراء ذمم الرّعايا، وتشغيلهم في الوظائف الحكومية برواتب مرتفعة، وتَجْنِيبهم الأعمال اليدوية أو الوقوف أثناء ساعات العمل الطويلة، في قطاعات البناء والإنشاء، والتنظيف (جمع القمامة)، والخدمات (التجارة)، وخدمة المنازل، برواتب منخفضة… لو استفاد الرعايا الخليجيون من الريع النفطي، لَهان الأمر، لكن الخطر الأكبر للريع النفطي الخليجي يتمثل في الإنفاق السّخي على تسليح وتدريب وتمويل المجموعات الإرهابية لتخريب ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وللتآمر مع الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية (وغير العربية) الأخرى… عن وكالة بلومبرغ” + “الأخبار” (بتصرف) 25/08/18

 

السعودية: عَبّر وزير خارجية ألمانيا، باسم حكومته، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، عن إدانة سياسات السعودية التي وَصَفَها ب”المغامرات في الشرق الأوسط” في إشارة إلى درجة الوحشية التي بَلَغَها العدوان على شعب اليمن (نيابة عن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي)، واعتبرت حكومة آل سعود آنذاك هذه التّصْرِيحات “مُثِيرة للإشمئزاز”، ثم استدْعَتْ سفيرَها من برلين، وتحولت المسألة إلى أزمة بين الدّولَتَيْن، وتدخّلت المستشارة الألمانية بهدف تهدئة الوضع والحد من تداعيات الأزمة، لكن السعودية فرضت حَظْرًا على عدد من الشركات الألمانية ومنها شركات إنتاج الأدوية التي مُنِعَت من المشاركة في المزادات والعطاءات بالسعودية، وفَرَضَتْ قُيودًا على مبيعات الأدوية والأجهزة الطبية الألمانية، مما أثار قَلَقَ اتحادات صناعة الأدوية الأوروبية والأمريكية التي وَجّهت رسالة تحذير إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (لأنه الحاكم الفعلي، باسم أبيه)، واحتمال تأثير فرض مثل هذه القيود  على الإستثمار في السعودية، وصرّح أحد المسؤولين في غرفة التجارة والصناعة الألمانية “إن قطاع الصحة يتكبد خسائر ملموسة، حيث تواجه شركات الرعاية الصحية الألمانية على مدى الأشهر الستة الأخيرة صعوبات في العمل بالسعودية”، وأعلن ناطق باسم فرع الصحة في مجموعة “سيمينس” الألمانية المُعَوْلَمَة، إن الأنشطة التجارية – لفرع الشركة المختص بإنتاج الأجهزة الطبية- تضررت في السعودية جراء هذا الخلاف، ولجأت الشركة إلى السلطات الأمريكية، طَلَبًا للمساعدة في احتواء الأزمة، منذ حزيران 2018، لكن لم يتحَسّن الوضع، بل رفضت السعودية كل الوساطات، لحدّ الآن، مما يُهدد بتوسع الأزمة إلى الإتحاد الأوروبي، تَضامنًا مع ألمانيا… عن رويترز23/08/18

 

السعودية: أكّدت صحيفة “فايننشال تايمز” تجميد أو إلغاء خطط الطرح العام الأولي (العالمي والمَحَلِّي) لشركة النفط “أرامكو السعودية”، والذي كان سَيُعَدُّ الأضخم من نوعه في التاريخ، رغم نَفْيِ وزير النفط السعودي خبر الإلْغاء، وأن الصندوق السيادي السعودي بصدد اقتراض ما يصل إلى 12 مليار دولار من مصارف عالمية، ويُشارك 16 مصرف في عملية الإقْراض، وأن حكومة السعودية تدرس استحواذ “أرامكو” على حصة استراتيجية في مُصنع البتروكيماويات المحلي الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”… راجت أخبار مُسَرَّبَة في السعودية عن تسريح المستشارين الماليين لإدراج “أرامكو”، مما يعني إلغاء الطّرح الأوّلي في المستقبل المنظور، وتشكّل خَصْخَصَةُ 5% من أسهم “أرامكو السعودية” رُكْنًا أساسِيًّا من “برنامج الإصلاح” و”إعادة هيكلة اقتصاد السعودية” الذي أعدّته شركة الإستشارات الأمريكية “ماكنزي”، بطلب من “محمد بن سلمان” وأُعْلِنَ عنه سنة 2016، لكن خبراء قطاع الطّاقة عبّرُوا عن احترازهم من القيمة التي أعلنتها السعودية لشركة “أرامكو” والمُقَدّرَة بنحو تريليُونَيْ دولارا (ألفين مليار دولار)، وكانت هذه المسألة أحد عوامل عَرْقَلَة عملية إعداد الطرح الأولي، الذي كان محلّ تنافس بين المراكز المالية الكُبْرى (البورصات) من بينها نيويورك ولندن وهونغ كونغ، خاصة وأن السعودية طرحت برنامجًا واسِعًا لخصخصة القطاع العام في عدد من المجالات، مثل البُنية التحتية للمطارات والتعليم والرعاية الصحية والمستشفيات، وغيرها، وما خصخصة 5% من “أرامكو” سوى الجانب البارز إعلاميًّا… عن صحيفة “فايننشال تايمز” + رويترز 22 و 23/08/18

 

تركيا: أَشَرْنا مرّات عديدة لِلُجُوء رُؤوس الأموال إلى الإقتصادات “النّاشئة” (ومن بينها اقتصاد تركيا) عند حدوث الأزمات (وآخرها أزمة 2008 – 2009) لأن المصارف المركزية في الدول الرّأسمالية المُتَطَوِّرَة تُخفِّضُ سعر الفائدة، بهدف تشجيع اقتراض الشركات والأفراد، ضمن برنامج “تَحْفِيز” الإقتصاد، وتلجأ رُؤُوس الأموال مُؤَقّتًا إلى دول مثل روسيا والبرازيل وتركيا والهند ومصر وغيرها، حيث يمكنها المُضارَبَة وتحقيق أرباح أعلى من المُضاربة في بورصة نيويورك أو لندن أو فرنكفورت، أو طوكيو، ولكنها لا تتوجه نحو الإستثمار في مشاريع اقتصادية مُنْتِجَة أو مُفِيدة لاقتصاد هذه الدول “الناشئة”، وبدأت هذه الإستثمارات بالخروج والعودة إلى مَهْدِها، عندما بدء الاحتياطي الفدرالي الأميركي (المصرف المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة، مما رَفَعَ قيمة الدّولار أمام العملات الأخرى، ولم تَشُذَّ تُركيا عن القاعدة، حيث خرجت الأموال المُسَمّاة “ساخنة”، بينما ارتفعت ديون الدولة والشركات التركية بالعملات الأجنبية التي كانت “أَرْخَصَ” وتهاوى سعر الليرة التّركية بعد ارتفاع أسعار الفائدة في أمريكا الشمالية وأوروبا، بالتّوازي مع إعلان الرئيس الأمريكي حَرْبًا تجارية على معظم بلدان العالم تقريبًا، وتَتَهَدَّدُ الأزمة عددا من الدول، من بينها أوكرانيا والأرجنتين وجنوب إفريقيا وتركيا، التي تشترك في وقوعها ضحية ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض قيمة عُملاتها، مما خلق أزمة دُيُون في هذه البلدان، ولم يصمد الاقتصاد التركي بسبب ارتفاع تكلفة التمويلات الخارجية بالدّولار واليُورو، فانهارت الليرة التركية بين شهر شباط/فبراير ومنتصف شهر تموز/يوليو 2018 بنسبة تراوحت بين 30% وفق المصادر الرسمية التركية و40% بحسب مصادر من خارج الحكومة، وخسرت الليرة 20% من قيمتها خلال الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس 2018 … تُضاف إلى هذه العوامل الإقتصادية والمالية، الأسباب السياسية للأزمة، فقد اختلفت مصالح نظام تركيا مع تكتيكات وخطط الولايات المتحدة في سوريا التي تحتل كل منهما (وهما عُضْوان في حلف شمال الأطلسي) مناطق في شمال سوريا، إذ اعتمدت أمريكا على مليشيات عشائر الأكراد فدربتها ومولتها وسلّحتها لتحقيق أهدافها على الأرض، بدون المغامرة بحياة الجنود الأمريكيين، مما جعل هذه المليشيات تحتل مناطق شاسعة واستراتيجية (حقول النفط والغاز والسّدود ومناطق زراعية خصبة، ومناطق حدودية مع العراق وغير بعيد عن تركيا…) بينما تعتبر تركيا حزب أكراد سوريا المهيمن فرعًا من حزب العمال الكردستاني في تركيا الذي يُحاربه الجيش التركي بلا هوادة، كما اختلف حليفا حلف شمال الأطلسي بشأن الموقف من محاولة الإنقلاب المشبوه والفاشل منتصف تموز 2016، وتعدّدت الخلافات (وهي غير جوهرية) فأقَرّت الولايات المتحدة عقوبات ومضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب التركي إلى 50%، لأنها “تشكّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي” بحسب ادعاء وزير التجارة الأمريكي، ولم تكن هذه القرارات الأمريكية سَبَبًا في أزمة الإقتصاد التركي وإنما عاملا “دافِعًا” أو “مُحَفِّزًا” للأزمة ( Catalyst أو Catalyseur ) بلغة الكيمياء، فقد أدّت الحملة القَمعية (بعد محاولة الإنقلاب) إلى اضطراب جوانب عديدة من الحياة في البلاد، بعد فصل عشرات الآلاف من الموظفين (قُضاة وضُبّاط جيش وشرطة وأساتذة جامعة…) واعتقال عشرات الآلاف أيضًا وإطلاق مليشيات الحزب الحاكم في نواحي البلاد، وتوظيف أعضاء الحزب وعائلاتهم في وظائف لا تُمكنهم مؤهلاتهم وخبراتهم من تأديتها على أحسن وجه، مما أعاق الإستثمار، لأن رأس المال يُفَضِّلُ الإستقرار لزيادة الأرباح، بل وعجّل بعض المستثمرين والمُضارِبِين (محلِّيِّين وأجانب) بإخراج أموالهم من تركيا، وعمدت الحكومة إلى زيادة حجم القُروض للشركات والأفراد “لِدَعْم الاقتصاد”، مع عدم زيادة معدّلات الفائدة، رغم ضعف الليرة وارتفاع نسبة التّضَخّم، في بلد يعتمد على الإستثمارات الواردة من أوروبا وأمريكا، وتفوق قيمة الواردات إجمالي قيمة الصادرات (أي يوجد عجز تجاري، حتى قبل انهيار سعر الليرة)، وزادت دُيُون الشركات التركية عن قيمة إجمالي أُصُولِها بأكثر من 200 مليار دولارا بالعملات الأجنبية، ويتوجّب على المصارف والمُؤَسّسات المالية تسديد ديون بالعملات الأجنبية تستحق سنة 2019، بقيمة 51 مليار دولارا، بالإضافة إلى ديون قصيرة الأجل للشركات غير المالية بقيمة 18,5 مليار دولار، وتشكل مديونية الشركات نحو 62% من الناتج المحلي الإجمالي، ونصفها بالدولات واليورو والعملات الأجنبية الأخرى، وحصل هذا الإرتفاع في الديون حين خرجت رؤوس الأموال من البلاد وانخفضت قيمة احتياطي البلاد من العُملة الأجنبية، وفي حال تخلّف المصارف التركية عن سداد دُيُونها، ستتكبد بعض المصارف الأوروبية (المالكة لبعض المصارف التركية) خسائر فادحة… 

تقع تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي وحليف الكيان الصهيوني) جغرافيًّا في “منزِلَة بين المَنْزِلَتَيْن” (على رأي مُفَكِّرِي “المُعتَزِلَة”)، فهي بين آسيا وأوروبا، وهي وريثة الدولة العُثْمانية التي احتلت مُعظم البلدان العربية لأكثر من أربعة قرون، وكذلك وسط أوروبا (بلغاريا ومنطقة البلقان…)، وسياسيا وعسكريا تنتمي تركيا إلى معسكر أعداء العرب وشعوب المنطقة، ورغم حُدُودها الطويلة مع العراق ومع سوريا وإيران ودول آسيا الوُسطى (الإتحاد السوفييتي السابق)، فإن تعاملاتها التجارية تتم أساسًا مع أوروبا، حيث يبلغ حجم التجارة مع الإتحاد الأوروبي 45% من حجم تجارتها الخارجية ومع الولايات المتحدة نحو 6% وتتعامل تركيا باليورو بنسبة 48% وبالدولار الأمريكي بنسبة 42% من إجمالي تجارتها الخارجية، مما يجعل عنتريات “أردوغان” والدعوة للتعامل بالليرة التّركية وبالعملات المحلية، دعوة غير عَمَلِية على مدى قريب وحتى متوسط، وغير واقعية ومُفْرَغَة من أي محتوى، كما تلعب تركيا دور الشرطي (إلى جانب الكيان الصهيوني) ضد الشعوب العربية، وضد شعوب منطقة القُفْقاز (القُوقاز)، لفائدة الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ليرتبط استقرار الوضع في الإتحاد الأوروبي باستقرار الوضع الإقتصادي والسياسي في تركيا، مِمّا يُؤَشِّرُ إلى ضرورة أو حَتْمؤيّة دعم الإتحاد الأوروبي لحكومة تركيا، مهما كان اسم الحزب الحاكم، مع التّذكير إن الإتحاد الأوروبي يُسَدِّدُ حوالي 6,5 مليارات يورو سنويّا لتركيا، لتشغيل (استغلال) اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان في مزارع ومصانع تركيا برواتب “لا تُسْمِنُ ولا تُغْنِي من جُوعٍ”… عن موقع محطة “بي بي سي” + موقع مجلة “إيكونوميست” 25/08/18

 

اليونان: انتخب الشعب اليوناني ممثلي ائتلاف “سيريزا” (الحاكم منذ بداية 2015) وفق برنامج مُعارض لشروط صندوق النقد الدولي والتقشف الحكومي وتسريح الموظفين وخصخصة القطاع العام والخدمات الأساسية، وأكّدُوا ذلك في استفتاء عام (بعد الإنتخابات) ولكن ائتلاف “سيريزا” الذي ادّعى انتماءه “لليسار” قبل الإنتخابات طبّق شروط الدّائنين (صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي وأدواته مثل المصرف المركزي الأوروبي) وزاد عليها، ليجد العمال اليونانيون أنفسهم في وضع أسوأ مما كان تحت حكم اليمين الواضح واليمين المُتَسَتِّر (الحزب “الإشتراكي”)، وعزز ائتلاف “سيريز” تبعية اليونان للإتحاد الأوروبي وللحلف الأطلسي، وأجرى الجيش اليوناني عدة مُناورات مع الجيش الصهيوني، في عملية استفزاز مُتكَرٍّ للشعب اليوناني الذي يُعتبر من أكبر أنصار القضية الفلسطينية في أوروبا وفي العالم، وعانى المواطنون اليونانيون طيلة عشر سنوات من وطأة أَطْوَل وأسوأ برنامج تقشف عرفته أوروبا في تاريخها، ولا تزال البلاد تحت رقابة الدائنين، رغم إعلان “خروج اليونان رسميا من برنامج الإنقاذ المالي”، الذي دام ثماني سنوات طويلة، تحت الإنتداب ووصاية الدّائنين الذين كانوا يُشرفون مباشرة على ميزانية البلاد وعلى أبواب إنفاقها، ونُذَكِّرُ بحكومة البرتغال التي رفضت شروط صندوق النقد الدولي وحققت نتائج إيجابية بشأن خفض نسبة البطالة وزيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع نسبة النمو وغيرها من المؤشرات (ذكرنا ذلك في عدد سابق من نشرة الإقتصاد السياسي)، أما في اليونان، ورغم الإعلان عن نهاية “الوصاية” فإن ديون اليونان فاقت 350 مليار يورو، وستتواصل برامج التّقشف وخفض الرواتب والخصخصة وتسريح العاملين، حتى 2060، إذا ما لم يضع الشعب اليوناني حَدًّا لهذا الإبتزاز، لأن الشعب اليوناني لم يستفد من هذه القروض التي أنفقتها حكومة “اليسار” المُزَيّف على تسديد ديون المصارف الأوروبية، وبدل الإشراف المُباشر على إنفاق الميزانية، ستحل بعثة من الدائنين كل ثلاثة أشهر، للإقامة في اليونان على حساب العُمال والفُقراء، لمراقبة مدى التزام الحكومة بتطبيق سياسة التقشف ومدى قُدْرَتِها على تسديد القُروض، وكانت الحكومة قد تعهدت (تحت الضغط) بتحقيق فائض سنوي في الميزانيّة (بعد تسديد الدّيون)، مما يتطلب حِسابِيًّا 42 سنة أخرى من التقشف الذي لم تعرف له أوروبا مثيلاً في تاريخها، وتعميق الضرر الذي بدأ منذ عشر سنوات ليشمل الدّخل والرواتب وجرايات المعاش والصّحة وتعليم الأبناء، وكشفت نقابات الأُجَراء إن الإنفاق الحكومي على المستشفيات العمومية تراجع بنسبة 50% خلال عقد من الزمن، وانخفض معدل رواتب العاملين بأكثر من 23% خلال ثماني سنوات، وانخفضت رواتب التقاعد لأكثر من نصف اليونانيين إلى ما دون خط الفقر، وبداية من 2019، سيخسر نصف المتقاعدين حوالي 400 دولارا شهرياً، بينما ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 20% وإلى 45% بين الشبّان الذين تَقِلُّ أعمارهم عن 25 سنة، وهاجَرَ نصف مليون يوناني  (من أصل 11 مليون نسمة) إلى أمريكا وأوروبا، بعقود هشة أو بدون عقود أَصْلاً، ويعمل أكثر من مليون يوناني في وظائف موقتة وتحت الطلب من دون أيّ ضمانات، ويعتمد أكثر من نصف مليون مواطن على الجمعيات الخيرية لتناول وجبة طعام…

استغل أثرياء ومُتَوَسِّطُو الدَّخل والمتقاعدون، من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول شمال أوروبا وغيرهم من الأوروبيين، الوضع المُزْرِي للشعب اليوناني، لشراء شقق ومنازل، أو لكراء مساكن بأسعار يعتبرونها منخفضة، لكنها مرتفعة جدّا بالنسبة لمعدل الدّخل في اليونان، ونتج عن هذا “الإجتياح السياحي” ارتفاع كبير في إيجارات الشقق في أثينا والمدن السياحيّة، ويشكو المواطنون اليونانيون من انخفاض الدخل الحقيقي بنسبة فاقت الثُّلُث، بينما أدّت الخَصْخَصَة إلى ارتفاع إنفاق المواطنين على التعليم والصحة والنقل… عن أ.ف.ب + رويترز 24/08/18

 

أمريكا – الدولة في خدمة رأس المال: التزم الرئيس الأمريكي خلال حملته الإنتخابية سنة 2016 وخلال توليه منصب الرئاسة سنة 2017 بخفض برنامج الدعم للفلاحين بنسبة 21%، ولكن شيئًا من ذلك لم يَحْصُل، حتى أعلن الرئيس “الحرب التجارية” وسياسة الحماية الجُمْرِكية، وما ألْحَقَتْهُ من أضرار بصادرات الذرة وفول الصويا واللحوم وغيرها من الإنتاج الزراعي الأمريكي، وقررت الحكومة تعويض خسائر كبار الفلاحين (أو جزء من هذه الخسائر)، وأعلن وزير الزراعة الأمريكي ( يوم 24/07/2018) تخصيص الحكومة 12 مليار دولارا من الميزانية الإتحادية لِدَعْم كبار الفلاحين المتضررين من الحرب التجارية التي تشنها حكومة بلادهم ضد كل بلدان العالم، ويتمثل الدعم في مساعدات مالية مباشرة وحوافز تجارية وشراء أغذية لتوزيعها على الفُقَراء في إطار برنامج “قسائم الغذاء” (تُمثل هذه القَسائم دعما مباشرًا لكبار المُزارعين، عبر شراء الفائض من الإنتاج، ودعمًا غير مباشر لأرباب العمل الذين يُشغلون العمال بعقود هشة وبدوام جُزْئِي وبرواتب منخفضة، ولكي لا يثور الفُقَراء العامِلُون، ولا يُطالبوا بزيادة الرّواتب، تُخصِّصُ لهم الدولة المركزية حِصصا من المواد الغذائية، بعد بحث اجتماعي مُهِين)، وأعلن نفس الوزير يوم الإثنين 27/08/2018، وهو من عائلة فلاحين كبار ومُربِّي الأبقار، وكان حاكمًا سابقًا لولاية “جورجيا”، في شهر تقديم 4,7 مليارات دولار بصيغة “مدفوعات مباشرة للمزارعين للمساعدة في تعويض الخسائر” الناجمة عن فرض رسوم جمركية على الصادرات الأمريكية خلال الموسم الحالي، ويؤول القسم الأكبر من هذا المبلغ (3,6 مليارات دولارا) لمزارعي فول الصويا (وهو إنتاج معدّل وراثيا ويحتل مساحات شاسعة جدا في أمريكا والأرجنتين)، وكانت الصين تشتري سَنَوِيًّا حوالي 60% من صادرات فول الصويا الأمريكية، لكنها خفضت كثيرًا من وارداتها، ورفعت من قيمة الرُّسُوم الجمركية منذ فرضت الولايات المتحدة رسومًا على وارداتها من السّلع الصِّينِيّة، وأعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستواصل سياسة الدّعم المُباشر، إذا اقتضت الضّرورة…

نُشير إن الولايات المتحدة قدمت دَعَاوَى قضائية ضد منافسيها كالإتحاد الأوروبي واليابان والصين، بذريعة دعم هؤلاء المُنافسين لصناعة الطائرات (أوروبا) والسيارات (اليابان) والصلب والألواح الشمسية (الصين)، وفرضت عُقُوبات وغرامات على عدد من المصارف والشركات الأجنبية التي تُحاول زيادة حصتها من السوق الأمريكية، كما إن منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي  (بالإضافة إلى الدول الرأسمالية المتقدمة) يَحْظرون بشكل صارم على الدول الفقيرة دعم الزراعة بشكل خاص أو دعم أسعار الوقود والخبز وغيرها، لأن ذلك “مُخالف لقواعد المنافسة الحرة ولحقيقة الأسْعار…” وغير ذلك من التّعلاّت، أما حكومات الدول الإمبريالية فإنها تُعْلِنُ دَعْمها المُباشر للشركات والمزارع الخاصة من المال العام، بمبالغ تفوق الميزانيات الحكومية السنوية لعدد من البلدان الفقيرة في العالم، وهو ما يُسَمّى بتطبيق سياسة المِكْيَالَيْن… الخبر الأصلي الخام من رويترز 24/07/18 و28/08/18

 

أمريكا– ديمقراطية أم “هَمَجِيّة مُوَجّهة“؟ نشأت الولايات المُتّحدة على جماجم السكان الأصليين، وحصل فيها التراكم البدائي لرأس المال من عرق ودماء سكان إفريقيا الذين اصطادهم سلاح ال”واسب” (البيض الأوروبيون البروتستنت) وجلبوهم بالسفن ليعملوا حتى الموت في مزارع الأمريكيين الأوروبيين البيض… هذه بدايات الولايات المتحدة، أما حاليا، فيتشَدَّقُ رُؤساؤُها ومنظماتها وزعماء أحزابها بالديمقراطية ويريدون تلقين العالم دُرُوسًا في الديمقراطية، ولكن المجتمع الأمريكي أحد أعنف مجتمعات العالم، حيث تتعمّق الفجوة بين الأثرياء والفُقراء، ويعتبر معظم الأمريكيين (نتيجة التظليل وفرض الإيديولوجيا السّائدة على العُقول) إن شراء وحمل السلاح النّاري ممارسة حضارية لِلْحُرّيّات الفَردية، مما يُثْرِي صانعي وبائعي السلاح الفردي، ويدعم الحركات اليمينية والعنصرية المتطرفة…

بلغ عدد سُكان الولايات المتحدة حوالي 320 مليون نسمة سنة 2014 وأحصت الدولة (الإتحادية) 371 مليون قطعة سلاح فردي لدى الأفراد ورجال الشرطة، أو نحو 89 قطعة سلاح لكل 100 مواطن أميركي، ما يعادل نسبة 35% من الأسلحة الفردية في العالم، فيما لا يُشَكِّلُ سكان الولايات المتحدة سوى 5% فقط من إجمالي عدد سكان العالم، ويُمكن شراء الأسلحة النارية الفردية من متاجر مُختصّة، مرخص لها أو بواسطة موزعين خصوصيين. أنتجت مصانع السلاح 5,5 ملايين قطعة سلاح فردي سنة 2011 بيعت نسبة 95% منها في السّوق الدّاخلية الأمريكية، وصَدّرت 5% إلى الخارج، وكانت 31% من الأسر الأمريكية تمتلك سلاحًا في المنزل سنة 2014، وهي أدنى نسبة منذ 40 عاما، وارتفعت النسبة كثيرًا منذ انتخاب “دونالد ترامب” رئيسًا، وتحتكر نحو 20% من مالكي السلاح نحو 65% من الأسلحة الفردية في البلاد، وتتفق جميع المصادر على عدم تدقيق الباعة في السجل القضائي للأشخاص الذين يشترون السلاح، ونتيجة لهذا الإنتشار الكبير للأسلحة النّارية، حَدَثَتْ 14249 جريمة قتل في الولايات المتحدة خلال سنة 2014 من بينها 9675 بواسطة الأسلحة النارية أي 68% من هذه الجرائم، ووقعت 5,9 مليون جريمة عنف في الولايات المتحدة سنة 2014 وارتكب 10% منها أي حوالي 600 ألف جريمة، جناة كانوا يحملون أسلحة بشكل ظاهر عند ارتكابها، فيما ارتكب ذَوُ السوابق العدلية باستخدام السلاح الناري 56% من جرائم الاعتداء و 30% من السرقات و 39% من جرائم الاغتصاب و 65% من جرائم القتل التي تم إبلاغ الشرطة عنها سنة 2014 ارتكبها أشخاص معروفون لدى السلطات القضائية الامريكية، وتشير بيانات سنة 2011 إلى سقوط  33 ألف شخص ضحية جرائم بواسطة السلاح الناري أي بمعدل 268 شخص في اليوم الواحد، وبلغ معدل ضحايا السلاح (سنة 2011)  اكثر من عشرة أشخاص من بين كل 100 ألف أمريكي، ومعظم الضحايا من المواطنين السود، وتُشكل النساء الأمريكيات 95% من ضحايا السلاح الناري في العالم، ورغم ارتفاع عدد الضحايا، ارتفعت نسبة المدافعين عن اقتناء الأسلحة الشخصية من 30% منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى 50% بعد عقدَيْن (سنة 2015)… وردت هذه البيانات عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المُخدّرات والجريمة وعن وكالة “أسُّوشيتد برس” 04/10/2017

 

الدولار أحد أدوات الهيمنة الأمريكية: تستخدم الولايات المتحدة ترسانتها العسكرية الضّخمة للهيمنة على العالم، وتستخدم أيضًا (بالتوازي مع السلاح) أدوات أخرى، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، بعضها سياسي (منظمات الأمم المتحدة و”حقوق الإنسان” و”المُساعدة الإنسانية”، وتمويل ما يُسَمّى “المجتمع المدني”…) وبعضها اقتصادي ومالي، ومن ذلك هيمنة الدولار، سواء لمّا كان مرتبطًا بالذهب أو بعد فك هذا الإرتباط، سنة 1971، الذي فرضته الولايات المتحدة ليصبح “العملة المعيارية” شبه الوحيدة (أو هي الأولى) التي تُحدّد قوة وضعف باقي العُملات في العالم، بالإضافة إلى ارتباط سوق الطاقة وعملات الخليج وغيرها بالدولار، ومن مظاهر هذه الهيمنة، تَتِمُّ 85% من عمليات التجارة الدّولية بالدولار، الذي يُمثِّلُ كذلك أكثر من 60% من احتياطات الأرصدة المالية في العالم، ولهذين السَّبَبَيْن (وغيرهما) يتأثر الإقتصاد العالمي وحركة التجارة الدّولية وأرصدة المصارف المركزية ودُيون الدّول والشركات، بأي تقلّب أو تذَبْذُب يحصل على سعر الدولار، وتتحول وجهة رؤوس الأموال (الإستثمارات) الباحثة عن الرّبح ولا شيء غير الربح، بحسب قرار الإحيتاطي الإتحادي الأمريكي (المصرف المركزي) رفع أو خَفْضَ سعر الفائدة، فتحدث أزمات بسبب خروج الأموال “السّاخنة” من ما يُسَمّى الإقتصادات “النّاشِئة” عند رَفْع الإحتياطي الأمريكي سعر الفائدة، وهو ما يحدث حاليا في تركيا (رغم وجود أسباب أخرى للأزمة)، مما يُسَبِّبُ خفض قيمة العُملة المَحَلِّية وارتفاع الأسعار ونسبة التّضخم (لأن المواد المُسْتَوْرَدَة مُقَوّمة بالدولار، ولأن الدولار يمثل 85% من العُملات المُتداولة في التجارة الدّولية) ونسبة البطالة، وغير ذلك من التّداعِيات، ومما يزيح الشّرْعِية عن هذا النّظام الإقتصادي العالمي، الذي تتلاعب به الولايات المتحدة، وفق مصالح شركاتها العابرة للقارّات…

بَدأ دور الدّولار يتراجع قليلاً لصالح اليورو الأوروبي، لكن الإتحاد الأوروبي مرتبط في نفس الوقت بالولايات المتحدة وحلفها العسكري، حلف شمال الأطلسي  – “ناتو”، وللولايات المتحدة قواعد عسكرية ضخمة في أوروبا (إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا واليونان…)، أو يتراجع لصالح عملات أخرى كالين الياباني واليوان الصيني، لكن حصة هذه العُمُلات مجتمعة ضعيفة، من حجم التبادل التجاري الدولي وحجم احتياطي العملات في المصارف المركزية… تستخدم الولايات المتحدة الدولار كأداة هيمنة على التجارة الدّولية، فهي تُخَفِّض قيمته وتُخَفِّضُ سعر فائدة قروض الشركات، بهدف خفض سعر التكلفة وزيادة حجم صادرات الولايات المتحدة في العالم، وخفض العجز التجاري المُسْتَمِر والمتزايد، وتُمثل زيادة حصة الولايات المتحدة من التجارة الدولية إحدى أسباب “الحرب التجارية” الحالية التي أعلنها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ضد الحلفاء ( إن كان للولايات المتحدة حُلفاء) والمنافسين والخصوم، ومن تعتبرهم “أعداء”، أي ضد كل العالم، وهو ما يفسِّرُهُ البعض كتعبير عن بداية انهيار القُوّة الأمريكية، وإذا كانت أمريكا في حالة انهيار فسيكون بَطِيئًا جِدًّا قد يَدُوم عُقُودًا طويلة، لكن لفائدة من؟ أو أي قُوّة سَتحتل مكان الولايات المتحدة؟ وما مدى استفادة الشعوب المُضْطَهَدَة والطبقة العاملة وصغار المُزارِعِين والحِرَفِيِّين في العالم، وفي الولايات المتحدة من هذا الإنهيار، إن حَصَل؟

هناك تَغْيِير (بوتيرة بطيئة) في موازين القُوى الإقتصادي في العالم، وتَرَاجُعٌ في ثقل حصّة الدّولار، إذْ انخَفَضَ نصيب الدولار من الاحتياطي العالمي للعملات خلال الربع الأول من سنة 2018 إلى أدنى مستوى خلال السنوات الأربع الماضية، بينما زادت حصة اليورو واليوان والجُنَيْه الاسترليني، وفق بيانات صندوق النّقد الدّولي، وانخفضت هذه الإحتياطات (بالدولار) من 6,49 تريليون دولار أو ما يعادل 62,47% في الربع الأول من سنة 2017، إلى 6,28 تريليون دولار في الربع الأول من سنة 2018 أو ما نسبته 62,72% من الاحتياطات العالمية، مما يعني انخفاضًا طفيفًا في جاذبية الدولار كملاذ آمن (مثل الذّهَب) للمُسْتثمرين والمُضارِبين (رأس المال الطّفيْلِي والمُضارب، وليس رأس المال المُنْتِج)، بسبب عدم استقراره، وبسبب بعض القرارات السياسية الأمريكية التي قد تُؤَدِّي إلى حرب اقتصادية أوْسَع مما نراه حاليا، ويأمل المُشْرِفُون على أسواق الأسهم الأوروبية واليابانية (حُلَفاء أمريكا) استغلال الفُرْصَة للنمو، عبر الإستحواذ على أي حِصّة تخسرها أسواق الأسهم الأمريكية، وتشير البيانات المتوفرة منذ بداية العام الحالي (2018) إن أسواق الأسهم في الإتحاد الأوروبي واليابان اقل تَوتّرًا وأكثر استقرارًا من أسواق الولايات المتحدة، مما يخدم مصلحة هذه الرأسماليات على مدى متوسط أو طويل، إلى جانب الصين وربما الهند وروسيا، لكن من يحْمِي مصالحنا نحن، فُقراء وكادحو العالم، وشعوب الوطن العربي والبلدان الواقعة تحت الهيمنة. هل نكتفي باستبدال هيمنة بأخرى مِثْلها أو أسوأ منها؟ عن صندوق النقد الدّولي + “الإقتصادية” 27/08/18

 

بيئة – “مونسانتو” وصناعة الموت: أشرنا في عدد سابق إلى حُكم قضائي تاريخي صادر في أمريكا ضد شركة “مونسانتو” ومبيداتها الضّارة بالحشرات والنبات وبالمحيط والمناخ، وخاصة بالإنسان، لأنها تُسَبِّب أمراضًا خطيرة عديدة، أهمُّها السّرَطان، ويتلخص حكم محكمة “سان فرنسيسكو” يوم العاشر من آب/أغسطس 2018 في فرض غرامة على شركة “مونسانتو” (التي اشترتها مجموعة “باير” الألمانية مقابل 63 مليار دولارا) بقيمة 289 مليون دولارا لفائدة المُزارع “دواين لي جونسون” الذي أُصِيبَ بالسّرطان (غير القابل للعلاج) جراء استخدامه مادّة “غليفوسات” الضارة (أحدى مكونات مُبيد الحشرات “رونداب”، أكثر المُبِيدات مَبيعًا في العالم)، ووافق القضاء الأمريكي على النّظر في دعوى جماعية قَدّمَها 350 مُتَضَرِّر، ثم بلغ عدد الشّكاوى ثمانية آلاف، بسبب عدم إعلام الشركة للمستخدمين الأمريكيين عن خطر استخدام المُبيدات التي تُنتجها (“رونداب” بشكل خاص، الذي يحتوي مادة “غليفوسات”)، رغم علمها بذلك، لكن هذه المادة الخطيرة لا زالت تُباع وتُسْتَخْدَمُ من قِبَلِ مُزارِعِي أوروبا، أما في بلدان “الجنوب” فإن حياة المُزارِعين لا تُساوي شيئًا، ولا تهتم الحكومات والنّقابات بذلك… انخفضت قيمة أسهم شركة “باير” (التي اشترت مونسانتو) في بورصة “فرنكفورت” بألمانيا، بنسبة 20% منذ بداية سنة 2018 إلى يوم 23/08/2018، وخسرت شركة “باير” حوالي عشرة مليارات يورو من قيمة أسهُمِها في البورصة، بعد ساعات قليلة من إعلان قرار محكمة “سان فرنسيسكو” يوم العاشر من آب/أغسطس 2018، مما أجبر شركة “باير” على تنظيم حملة إعلامية تدعو مُعارضي استخدام المُبيدات الضّارّة إلى الحوار، في محاولة لإقناع مسؤولي المنظمات المدافعة عن البيئة بحصول تغيير في سلوك هذه الشركة الإحتكارية… 

زاد استخدام المبيدات والمواد الكيماوية الضّارّة في قطاع الفلاحة، مع استحواذ رؤوس الأموال على الأراضي الزراعية، لاستغلالها في زيادة الإنتاج واحتكار شبكات التّوزيع والتّسويق للإنتاج الزراعي العالمي، وأنشأت الشركات الإحتكارية، سواء في مجالات الزراعة أو الصناعات الكيماوية، “مجموعات ضَغْط”، تتمثل مُهِمّتُها في شِراء ذِمَمِ العُلماء والباحثين والصحافيين والسياسِيِّين من النواب أو أعضاء ومُسْتَشَارِي حكومات العالم، والتزمت بعض الحكومات الأوروبية، قبل عشر سنوات، بخفض استخدام المُبيدات والمواد الكيماوية الضارة بنسبة 50%، وبعد عشر سنوات، ازداد استخدامها بنسبة فاقت 20%، وفق مراكز البحوث، وبعض البيانات الحكومية القليلة…  عن أ.ف.ب 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.