قراءة في تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية[1] بشأن سوريا، عادل سمارة

ملاحظة: صدر هذا التقرير عام ٢٠١٧، وقد حصرت الرد في التقرير نفسه طبقا لزمانه بعيدا عن التطورات من حينه حتى اليوم، وخاصة بعيدا عن تراجع أهمية العدو الأوروبي في الأزمة التي خلقها العدوان المعولم ضد سوريا.

واضح أن التقرير:

  •  من ناحية سياسية مثابة رؤية كتلة راسمالية استعمارية لم تغادر دورها الاستعماري بعد على الأقل  من حيث الخطاب وليس من حيث القوة ، لكن التطورات الأخيرة وخاصة سقوط الوضع العربي تغريها بتجديده.
  • ومن ناحية الخطاب الثقافي هي نظرة استشراقية ترسم لغيرها رؤيتها له.

وبين الموقفين، أي يتوسطهما، موقف هو الأخطر بل مرتكز رؤية الاتحاد الأوروبي كعدو للعرب مجسداً في تجاهل زرعه للكيان الصهيوني في فلسطين. وبالطبع، فإن هذا التجاهل ، الآن تحديداً، مرتكز على تهافت الوضع العربي، ذلك لأن ما يحدد السياسات ليس فقط قناعة دولة او كتلة ما بما ترى وبما تمليه عليها مصالحها، بل كذلك موقف وظرف وتحديداً قوة كل من له علاقة بالمسألة قيد العرض.

لذا، يُجيز الاتحاد الأوروبي لنفسه المطالبة بتغيير اسم سوريا بحيث تُحذف كلمة عربية من إسم سوريا. وفي اعتقادي أن هذا الطلب ليس مبعثه “إنصاف” الإثنيات الأخرى في سوريا بمقدار ما هو منطلق من أن الإعتداء على سوريا بإلغاء عروبتها يعني:

  • فك علاقة سوريا بفلسطين المغتصبة
  • وفك علاقة أي قطر عربي بسوريا كي يدعمها لتحرير ارضها المغتصبة سواء الإسكندرون أو الجولان مما يجعل أمر تحريرهما أشد صعوبة بل دفعه ليكون مستحيلاً.
  • وفك علاقة أي قطر عربي بآخر له أرض مغتصبة كالمغرب والعراق ومصر ولبنان واليمن…الخ

وبهذا المعنى، فإن الورقة هي ورقة معادية مهما حاولت في بعض المواضع إدعاء الحيادية أو الرزانة.

تُصر الورقة على تسمية ما حدث في سوريا  ب “إنتفاضة شعبية”. وهذا رغم تزايد تسريب ونشر مواقف وخطط امريكية وبريطانية ضد سوريا منذ أعوام 2005 و 2007، هذا إن لم نقل بأن الغرب الراسمالي كان ضد سوريا منذ استقلالها.

وفيما يتعلق بزعم ان ما حصل في سوريا كان انتفاضة شعبية، لا بد من السؤال: ما معنى انتفاضة شعبية؟ فعلى فرض أن هناك حراكا كان في درعا، فهل هذا يعني كل الشعب؟ هذا مع العلم بأن ما حصل في درعا كان منذ البداية مسلحاً حيث تم نصب كمين أدى إلى استشهاد 60 جنديا من الجيش العربي السوري[2]. أليس التعميم  مقصود به التضليل والتهويل؟ وعلى سبيل المثال، فإن حراك السترات الصفراء في فرنسا لم يتم وصفه بانتفاضة شعبية رغم استمراره واتساعه منذ خمسة أشهر!

وفيما يخص الكرد السوريين ، فقد تجاهل التقرير أمورا هامة منها:

  • الوجود الكردي في سوريا ليس اصليا، بل وجود مهاجر لاجىء في معظمه إثر مذابح تركيا ضدهم بعد أن شاركوا في المذابح ضد الأرمن خدمة للطورانية. ولأن هذا الوجود ليس أصلياً فإن دعاوى الانفصال هي نزعة استيطانية. تخيل مثلا، لو أن كل من هم من أصول قومية في الولايات المتحدة حاولوا الانفصال، كم دولة ستحل محل كل ولاية من ولايات الولايات المتحدة!. علماً بأن كل جنوب الولايات المتحدة يطالب بالانفصال بما هي أرض مكسيكية محتلة.
  • يتوزع الكرد في كل سوريا، وحتى المناطق التي توجد فيها كثافة سكانية كردية لا يشكلون هم انفسهم أكثرية فيها. وحسب الموقع الإلكتروني للحزب القومي السوري الاجتماعي “أورهان” فهم في أكثر مناطق تواجدهم لا يزيدون عن 40 بالمئة من عدد المواطنين هناك.
  • وفي حين يطالب الكرد، ليس جميعهم، بالانفصال أو الفدرالية…الخ فهم يقومون بقمع العرب وغير العرب هناك مما يبين بأنهم ليسوا امناء على أن يحكموا غيرهم حتى لو كان غيرهم أقلية. اي لم يقدموا نموذجا تقدميا. فعلى سبيل المثال هم كما تشير المعلومات من هناك يمنعون على العرب تدريس اللغة العربية.
  • وعليه، فإن دعم مطالبهم:

o       يعني إما عملية تطهير عرقي مدمرة تقوم على تشتيت الملايين

o      أو الذهاب إلى حرب جديدة.

لذا، تتمسك بهم الولايات المتحدة ولم يتراجعوا بعد رغم انكشاف هذه العلاقة الخيانية. وفي الحقيقة، فإن كل الغرب يدعمهم. خذ مثلا ألمانيا[3]. بل اليسار الألماني الذي يزعم بأنهم، أي الكرد، يقيمون كيانا ثوريا اشتراكيا…الخ. بينما على الأقل هم توابع للولايات المتحدة على مستوى العلاقات الخارجية وطبعا التسليح والحماية  ويمنعون عن العرب اللغة العربية داخل المنطقة التي يحتلونها! ولاشك يمنعون الإثنيات والأديان الأخرى. 

وكل هذا يقوم في الأساس على موقف عدواني ضد الشعب السوري بعامته، موقف  ارتكز على الحرب العدوانية ضد سوريا، اي أن ما يقوم به الكرد ويدعمه الغرب والكيان الصهيوني هو مؤامرة وخيانة.

من اللافت استشراقياً استخدام التقرير بشكل كبير للخطاب الديني في وصف الحالة السورية مما يبين طابعه الرجعي والمتخلف لأن الدين ليس سوى جزء من مكونات الثقافة، واعتماد هذا الخطاب هو تجديد للرؤية الاستعمارية للمنطقة حيث تقرأها قصدا على اساس الدين وليس القومية ولا على أساس علماني.

توجد في التقرير مواضع عدة لافتة ومثيرة للشك والخطورة، أوجز منها ما يلي:

“…إن تدمير شرقي حلب،حيث سيطرت المعارضة على نصفها مع نهاية عام 2013 وأوائل 2014 هو أمر يُعتقد بانه نتيجة تخوف النظام من الإدارة الأولية التي أخذت تتطور في ذلك الجزء من المدينة بأن يبرز كبديل للسلطة”.

هذا وصف معادٍ، فأية حرب أهلية يلحقها تدمير معين، وماذا على الدولة ان تفعل حين تحاول تحرير جزء مغتصب من أرضها؟. بينما لا يذكر التقرير التدمير المجاني الذي قام به الإرهابيون في تدمر والأضرحة أي دون قتال. وطبعا تاريخ الورقة سابق على تدمير الرقة.!

“…أحد ملامح الإدارة في مناطق  المعارضة بأنها محفوزة إلى حد كبير من المانحين. وفي الحقيقة فإن هذه المنطقة لم تصلها معظم المساعدات الدولية المرسلة من الأمم المتحدة وهي ايضا المناطق التي انصبت فيها نقود الخليج لصالح المجموعات المسلحة –وعلى اية حال فإن أموال الخليج قد ساهمت بشكل ملموس في المساعدات الإنسانية”

نفاق هائل من أوروبا بأكملها المتفاخرة بالديمقراطية، فالخليج الذي يمول الإرهاب علانية[4] ليس مرشحا ابدا لدور إنساني على الأقل لأن هذه الأنظمة ليست إنسانية داخل اراضيها نفسها تجاه رعاياها. وبالطبع لا داع للحديث عن جهاد النكاح وعن الاغتصاب وعن انتقاء النساء بحيث يشتريهن اثرياء وشبه اثرياء الخليج مستغلين الجوع والتشريد. 

“… في مناطق المعارضة، على اية حال، حيث بدايات ظهور المجتمع المدني، لأول مرة منذ خمسين عاماً يتمكن سوريون من المشاركة في انتخاب قادتهم، على الرغم من أن هذا فقط على المستوى المحلي وفي ظروف غير مناسبة”.

وهل بهذه السرعة تكون تراث وتقاليد مجتمع مدني؟ يكاد المرء يتخيل أنه في الغوطة سابقا و إدلب اليوم ديمقراطية أثينا! نحن بانتظار ارسطو إدلبي!

“…وفي النهاية، فإن الدولة السورية هي حصيلة خمسون عاما من بناء الأمة/الدولة على يد حزب البعث. إن عقودا على اقتصاد التخطيط المركزي، وتطوير المؤسسات القومية، وتبني مساق مدرسي واحد، ودعاية خبيثة من النظام قد تركت جميعها بصماتها على المجتمع السوري”.

في كل نظام حكم قرار بتاصيل ثقافته وعقيدته، بما في ذلك الخبث، ولعل أعرق الخبث هو في المركزانية الأوروبية. وإلا، من اين يمكن للعالم ان يتعلم الخبث؟ أليست ثقافة الغرب الراسمالية هي الأكاديميا المعولمة للخبث؟ هنا نلاحظ الدس بطريقة كان يمكن للمرء استبعاد هبوط الاتحاد الأوروبي إلى هذا المستوى. لكنها، بلا شك، ثقافة الاستعمار.

“…إن الحروب ضد إسرائيل، وسنوات من العقوبات الاقتصادية والسياسية، قد ساهمت هي ايضا  في الوحدة الوطنية. ظل السوريون فخورين بتاريخهم، والدور المركزي لقطرهم المركزي في العالم العربي، ودوره كحامل فخور للعروبة. كل هذا يجب أخذه بالاعتبار في سياق التوجه أو اخذ البلد إلى المجهول. وبعد كل هذا فإن تدميراً امتد لخمس سنوات، إلى جانب المثال العنيف لحالة تفكك العراق  يرعب الجميع.”

هنا يتضح النفاق والوقاحة. فالفقرة تنطلق من وترتكز على أن الكيان الصهيوني بلد طبيعي ومسالم ويتم الاعتداء عليه من سوريا! وهذا بالطبع تشويه وقح لحقيقة سوداء صنعتها اساسا اوروبا نفسها وخاصة الغربية منها. أما عن الدمار، فالدعم الأوروبي للإرهاب وإرسال إرهابيين إلى سوريا يبين ان لهذا الاتحاد أسهم هامة في شركة معولمة لتدمير سوريا. إن الموقف من الكيان الصهيوني هو الحاسم في معرفة أهداف من يتعاطى مع الشأن السوري بل حتى اي شأن عربي. ولا شك أن موقف الاتحاد الأوروبي المضاد للشعب الفلسطيني يستفيد كثيرا من تهافت التطبيع العربي.

“…ونظراً لحجم الجماعة الكردية وتركزهم الجغرافي، ونظرا للتهديد الملحوظ للوحدة الوطنية، فقد تم التمييز الواضح  ضدهم. ومع بداية ، الانتفاضة، فإن الأقليات الأخرى قد طرحت مطالب باعتراف بها،  بمن فيهم المسيحيين الآشوريين والتركمان، والشركس والأرمن.”

مجددا، أثبتت الدراسات وخاصة من موقع “اورهان/التابع للحزب القومي السوري الاجتماعي” عدم وجود مناطق يتركز فيها الكرد بمعنى اكثرية، وهذا ينسف محاولاتهم الانفصال، ولذا يقومون بتطهير عرقي وقمع وخاصة ضد العرب. أما التمييز ضد الكرد فلم يكن ضدهم ككرد ولكن ضد من يتسربون من تركيا بشكل غير شرعي. ومع ذلك منحت سوريا مع بداية الأحداث ربع مليون بطاقة هوية لهؤلاء. يمكن للمرء الحديث عن تمييز طبقي في سوريا وخاصة بعد تطبيق سياسة السوق الاجتماعي، ولكن ليس تمييزا عرقيا أو طائفياً. 

النظام السوري، وكل نظام،  ليس مثالياً أبدا، ولكن تقييمه لا يمكن تسليمه للعدو عامة والأوروبي خاصة، وهذا سر معاناة سوريا اليوم فيما يخص مسألة الدستور وبشكل خاص إصرار الغرب الأمريكي –الأوروبي على تمكين تيار الدين السياسي في الحل المقبل لسوريا وهو التيار الذي مارس الإرهاب والذي هو برأي هذا الغرب قوى ظلامية. هذا لنرى النفاق.

“…وفيما يخص الدول والمؤسسات الأوروبية، وخاصة نلك الناشطة في الدبلوماسية الدولية في سوريا، – فإن الدول الأوروبية السبع الأعضاء في مجموعة أصدقاء سوريا: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، إسبانيا، بريطاينا والاتحاد الأوروبي- يدركون ان لا عودة عن اللامركزية، حيث في مدخلهن مضامين هامة لتسوية الصراع”.

غني عن القول أن هذه الدول والاتحاد هم أعداء سوريا وليسوا اصدقائها، وهم كانوا قرابة ستين دولة في بداية العدوان ، طبعا، باوامر امريكا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، جميع هؤلاء ليسوا مدعوين للمساهمة في حل الأزمة السورية لأنهم من منشئي الأزمة. وبمعيار “صداقتهم” لسوريا تنقصهم عضوية الكيان الصهيوني. إن تسمية “اصدقاء سوريا” تعني صداقة هؤلاء لكل سوريا! لعل هذا التعبير دليل افضل على نفاق وتمويه الخطاب المركزاني الأوروبي.

 

[1] https://www.ecfr.eu/publications/summary/no_going_back_why_decentralisation_is_the_future_for_syria7107

[2] انظر تفصيل أعمال القتل ضد الجيش العربي السوري منذ بداية المؤامرة  وسيرورتها إلى حرب: See, Sharmine Narwani: Syria:The hidden massacre. You can follow her on Twitter at @snarwani

Published time: 7 May, 2014 14:36Edited time: 26 Sep, 2014 12:41

 

[3]  Germany and Syria by Thierry Meyssan VOLTAIRE NETWORK | DAMASCUS (SYRIA) | 20 JUNE 2018

 [4] رغم أن ما صرح به وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم مثير لرعب حيث انفقت قطر 137 مليار دولار لتمير سوريا، فإن هذا هو فقط ما سُمح له بالحديث عنه.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.