يوسف … أعرض عن هؤلاء، عادل سمارة

هادىء هو بل صامت، منشغل في داخله عن محيطه الصغير، وممتد بذهنه وفكره وقلبه على مساحة فلسطين الوطن والفقراء حتى لو بالفقراء سذاجة وطيبة تُمكِّن اللصوص والفاسدين ومشايخ الدين السياسي والمال السياسي من امتطائهم، بل إنها فيهم. يحيد ذهنه عن ذوي المال والاستهلاك وكأنهم في لاس فيجاس، بل يذهبون إلى هناك كثيراً وإلى الحج كما لو كان كذلك.

 لا يحصر فلسطين في المحتل 1948 ولا المحتل 1967 ولا المنقسمة بين يمين ودين سياسي، بل يراها القطر العربي الذي ينزًُّ دماً، ويرى دُمى السلطات العربية تحمل في قبضاتها خناجر صهيو-أميريكة وتنهال على وطنه الصغير. ويرى جُند العدو ومستوطنيه يعبثون بتراب قريته ويلوثونه حتى بالزِنى.

ماذا كان سيفعل؟

ينسلُّ كل صباح جمعة رمضانية، ويتسلل إلى القدس ليخلق مهمته  ويغيب إلى الأبد.

ولكن لماذا اختار القدس؟ هل نظرا لإسمها؟ ربما. هل لأن في عينيها الأقصى؟ ربما. هل لأن المطبعين “قوَّدوا” عليها من السادات حتى حكام التبعية  ومشايخ النفط والمال؟ ربما.

ولكن، هل لأن أوسلو-ستان عزلت ما بين الناس وبين العدو فلم يعد هناك من تماس إلا مع دوريات مؤللة مسلحة وحذرة ، وهو لا يملك سوى ثمن قطعة معدنية ما كان اللجوء إليها لو كان له الوصول لأفعَلَ منها. فالصيد صعب، وليس الأمر بالنسبة له مجرد انتحار.

لا تشغل عقلك كثيراً، فلهذا السبب  أو ذاك، أو لكل الأسباب ، هو قرر وانتهى الأمر.

هل كان محظوطا أن جاء إلى الحياة في مناخ العمليات الفردية، قد يكون منتميا لفصيل، أو في مناخ فصيل، أو بلا انتماء وبلا مناخ فصائلي، فهو من مناخ الوطن والتحدي.

لا يمكنك التيقُّن أنه عالج المسألة بالتحليل القائل: إن العمليات الفردية رافعة للوصول إلى النضال الجماعي. ربما نعم وربما لا. لكن الأكيد أن هذا العمل مقدمة لذاك الهدف سواء بالعفوية أو بالوعي.

يسمونه فرديا، انتحاريا، حاقداً اضاع عليهم لحظة المتعة بالاستهلاك من مالٍ لا شك سرقوه سواء من استغلال أمثاله أو تشغيل إخوته أو أبيه، أو نهبوه من المال الريعي المسموم أو الممنوح من الغرب الراسمالي القاتل أو من الذهب العصمللي. لا يهم اصل أموال هؤلاء، بل المهم أنهم ليسوا اهل يوسف ولا جمهوره، ليس منهم وليسوا منه حتى لو دمغوه.

على يفاعته، لم يقتنع بان ما كان ثورة ولا حركة مقاومة، بل بعض الشرفاء ابتلعتهم دوائر الأوغاد. نعم أيها الفتى، هكذا كان. ولا يعبىء كثيراً بالعنتريات اليوم من نمط: نحن لدينا ونحن سنفعل إذا فعلوا”. لكن لسان صباه يقول: “وإذا لم يفعلوا فهل نترك لهم ما اغتصبوا!. لكنه فعل فعلاً. وربما قرأ ما كتبه إبراهيم طوقان عن الشهيد:

“وأخو الحزم من تكن…يده تسبق الفما”

ربما على صباه يقول: إذا كنتم في غير جاهزية كافية، فاكتفوا بالقليل التالي:

  • مشروعنا يبدأ بتقويض كافة مكونات التطبيع والخيانة

  • مشروعنا عروبي لتحرير كل شبر من فلسطين والوطن العربي

  • وحين نتمكن سنفعل.

درس الفتى بل حكمته تقول، بينما يتآمرون في الصالات وعلى الهواء، وبينما تنام عشرات الملايين ملىء جفونها وبطونها وغرائزها التي لا تشبع، يكفي أن يبرز كل يوم فارس العمليات الفردية ليصفع ذوي الصالات وينهز النيام ويقول للعدو نحن ننبنت من جذع الزيتون نناجزكم نطاردكم كل شيء لنا، الأرض والماء والهواء والسماء.

أيها الفتى، وحدك انت عرفت الطريق، رسمت الطريق، تجاوزت كل خسيس يتاجر ويتنعم بالمال على حساب التراب. فليقرأك الجيل القادم جيداً كي لا يعطي قياده إلا للوطن والعمل. 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.