الاقتصاد السياسي للفساد التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، د. عادل سمارة

مجلة كنعان الفصلية، العدد 105، نيسان 2001، ص ص 130-148

ملاحظة1: كُتب هذا المقال  عام 2001، وقد قررنا إعادة نشره الآن لسببين:

الأول: عاصفة كشف أوراق الفساد الجاري بغض النظر عن تعدد نوايا من يكشفون؛

والثاني: لأن توزيع كنعان كمجلة ورقية قد توقف كما أنها حوربت من اتجاهات عديدة، الأمر الذي دفعنا للاستفادة من فرصة “الفيس- بوك”  لتعميم النشر وكسر احتكار من يرعبهم النقد وخاصة الفاسدين/ات رغم مثالب هذه المؤسسة.

ملاحظة 2: بعد قراءة المقال مؤخرا، لم أجد ما يجب تعديله أو إضافته، فأبقيته كما نُشر في حينه.

استهلال

قد يهيأ للبعض أن هذا العنوان أختير بقصد الاثارة الصحفية أو المماحكة السياسية. ولا أخال أن هذا ما قصدت. لكنه العنوان الوحيد الذي انتهيت اليه لتلخيص، بله تكثيف، رؤيتي لما انتهى اليه وضع فلسطينيي الضفة والقطاع في ظل السلطة الفلسطينية. هذه السلطة التي جيء بها عبر مفاوضات مدريد واتفاق أوسلو وبقية الاتفاقات.

وفي حين تعددت تصوراتنا وتوقعاتنا، نحن فلسطينيي الأرض المحتلة لقيادة م . ت. ف فإن ما لم نتوقعه هو أن نكتشف بعد سنوات طويلة من الاحتلال والنضال الوطني أن ما جاءنا، أي قيادة الكفاح المسلح، هي قيادة تملك الملايين. وهذه الملايين هي التي تمثلت في الشريحة الرأسمالية البيروقراطية التي كانت تقود م. ت. ف وها هي تقود الحكم الذاتي في الضفة والقطاع. كان أكثرنا نقداً لقيادة المنظمة، ومنهم أنا نفسي، نعتقد أننا إزاء قيادة يمينية غير عصرية متحالفة مع يسار غير ماركسي، يُعارضها يسار في التسعينيات ماركسيته سوفييتية من الستينات، وفي أرقى أحوالها متعلقة برغائبية البريسترويكا التي هدمت الاتحاد السوفييتي. واذا بنا إزاء قيادة ومعارضة من طينة واحدة إلى حد كبير. تحالف قيادي وقع اتفاق أوسلو، ومعارضة رفضت أوسلو ودخلت إلى الأرض المحتلة عبر بوابة أوسلو نفسها. وبالتالي شطبت المدى أو الفاصل بين قابلي ورافضي الاتفاق فبات الشارع في عجب من أمره، بل من أمرها [1]

بموجب اتفاق أوسلو سلّم الاحتلال ادارة الضفة والقطاع للسلطة الفلسطينية، بطريقة أشبه بتلزيم شعب لشركة مقاولات. تجلى هذا في عدم اعتماد مؤسسات بدل الأفراد والقوى السياسية. فتم توزيع الوظائف وكأن السلطة مالك مشروع خاص هو الذي يمنح ويعين ويهب في مشروعه. أما القوى الساسية الأخرى، فبدل أن تحتج على ذلك قفزت إلى التفاوض المباشر وغير المباشر لنيل حصصها. واذا بـ “كوتا” مؤسسات م.ت.ف أي المجلس الوطني واتحاد الكتاب والصحفيين… تطبق على الضفة والقطاع. أما الشعب فكان مجرد خشبة تجري عليها “عقلية” وعلاقات م.ت.ف نفس ما كانت تقوم به في حقبة الكفاح المسلح.

لكن المتغير الأساس أنه أذا كانت م.ت.ف قبل مرحلة أوسلو سلام راس المال قد اعتمدت على دعم الأنظمة العربية التي احتوتها مبكراً بالمال، فهي قد اعتمدت في فترة سلام رأس المال على ما تجبيه من ضرائب  من المواطنين إلى جانب مساعدات الدول الأمبريالية المسماة بالمانحة. وعليه، فقد أصبحت السلطة الفلسطينية جابية لضرائب لا تنفق على من تُجبى منهم، وفي أحسن الأحوال يُدفع معظمها رواتباً لموظفين لم يتم اختيارهم حسب الكفاءة وانما حسب الولاء السياسي.

حتى الآن لا يعرف أحد ما هي أسرار اتفاقات التسوية (أوسلو، مدريد، وغيرها). فليس من الممكن لسلطة الاحتلال أن تسمح لقيادة م.ت.ف بالدخول الى الضفة والقطاع دون اتفاق على الأساسيات (حق العودة والمستوطنات والقدس). قد يزعم البعض “أن الاحتلال أدخل هذه القيادة دون شروط لأنه بعرف أن الأمور ستظل بيده، وها هو الحصار الأخير يثبت ذلك”. ربما، ولكن هذا أكثر فداحة! معنى هذا أن قيادة م.ت.ف لم تكن تعرف طبيعة هذا العدو فدخلت إلى القفص وبالتالي عليها أن تختار بين الاقرار بما يريده الاحتلال أو تسليم المفاتيح للذي منحها إياها، أي الاحتلال نفسه. وبغض النظر عن جوهر الاتفاقات، فإن الأخطر هو ما يدور على الأرض هو تعذيب جماعي للشعب كي يستسلم. أما وجود السلطة كما أبرزته ادعاءاتها وادعاءات الاعلام العالمي كأنها دولة، فيقلل من تعاطف العالم معنا. وللمقارنة، ففي الانتفاضة المغدورة باتفاق أوسلو تعاطف معنا العالم لأننا تحت الاحتلال. أما في الانتفاضة الحالية، المبتورة، فنبدو وكأن لنا دولة تحارب أخرى وجيش يحارب آخر. وهذه ليست الحقيقة.

الاقتصاد السياسي للفساد

رافق الفساد النشاطات الاقتصادية البشرية منذ الامبراطوريات القديمة وحتى البيروقراطية التحريفية للاتحاد السوفييتي السابق. انه، أي الفساد، أحد المكونات الداخلية للمجتمع الطبقي، المجتمع الذي تهيمن فيه علاقات الملكية الخاصة. وعليه، فإن الرأسمالية الاحتكارية والمعولمة أيضاً ولاحقاً، بما هي أكثر التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية “تطوراً” تكنولوجياً، تحتوي على أكثر فساد “متطور ومنتظم”.

وطالما أن نمط الانتاج الرأسمالي مهيمن على معظم التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية في كل من مركز ومحيط النظام العالمي/ وطالما أن الطبقات الحاكمة فيهما، أي المركز والمحيط، تتعاون في مختلف مستويات وأصعدة الحياة، بما فيها الفساد، يصبح بوسعنا القول أن هناك فساداً دولانياً ودولياً ومعولماً. اما الفارق فهو أن الفساد في المركز “متطور ومنظم” وبالتالي غالباً ما يصعب الإمساك به. ولكن، إذا ما أُمسك به، فإن الشكلانية القانونية لا بد أن تطبق. هذا الانتشار أو “التعولم” للفساد هو ما أجزنا لأنفسنا بموجبه أن نقارب الفساد كظاهرة اجتماعية – اقتصادية، بل حتى كنظام اجتماعي اقتصادي.

وهذا المقترب، يعكس التعامل مع الفساد باعتباره ظاهرة عرضية وهامشية. فطاما أن الفساد موجود في مختلف الأنشطة الاقتصادية للحكومات وفي القطاع الخاص والأحزاب السياسية والنقابات العمالية… الخ، فإن استخدام مفهوم الاقتصاد السياسي للفساد أمر مبرر. يتضمن هذا المصطلح فهماً غير تقليدي للفساد. فهو لا يختبر الفساد باعتباره حدثاً عارضاً وبسيطاً، بل باعتباره موجوداً في المستويين الرسمي والشعبي، على المستوى الاهلي والمستوى القومي والعالمي، في الأنظمة السياسية وفي الاحزاب السياسية … الخ

أن نتعامل مع الفساد كاقتصاد سياسي يعني أن لا نبسط الفساد ونقزمه في مجرد عملية سرقة، انه نظام سياسي و اجتماعي وبالتأكيد نظام “ونشاط” اقتصادي. وعليه، فإن انتهاك العامل الأخلاقي ليس المظهر أو التجلي الأساسي للفساد. ان التعاطي مع الفساد من منظور العامل الأخلاقي ليس مقتربا كافياً.

صحيح أن الشكل الأساسي والسائد والمؤسس للفساد هو الفساد الرسمي، السلطوي، وذلك ليس لأن من هم في السلطة هم الفاسدون، ولكن لأنهم يشيعون الفساد فيفسدون الغير أيضاً. إن افساد المجتمع مثابة حماية للنظام السياسي الفاسد. انهم مصممو نظام الفساد. يأخذ الفساد الرسمي، باعتباره المظهر الأساسي للفساد، أشكالاً عدة. من الاشكال التقليدية فساد معاملات الاستيراد وتزوير الفواتير والصفقات المعقودة في حالات التصدير مع الشركات التجارية والصناعية الكبيرة. ففي حالات الاستيراد، فإن الأسعار التي تثبت في الفواتير تكون في العادة اعلى من الاسعار التي تم الاتفاق عليها بين ممثلي الحكومة ومصدر الواردات.

  ولكن هذا مجرد مثال، وإن كان مثلاً تأسيسياً للفساد. ففي حالات كثيرة يجري قبول وحتى “امتداح” الفساد من قبل الاقتصاديين البرجوازيين، والمؤسسات المالية الدولية، وبلدان المركز الإمبريالي. تنسب هذه الأطراف الى الفساد دور في عملية “تنمية” أو نمو اقتصادات بلدان المحيط. أما المثال النموذج لهم فهو كوريا الجنوبية، على الأقل، قبل الانهيار المالي التي ضربها عام 1997. ولكن نفس هذه الأطراف (الأنظمة و المؤسسات المالية الدولية) التي امتدحوا النمو بالفساد في كوريا الجنوبية، قد غيروا تفكيرهم لاحقاً ونسبوا الأزمة المالية فيها وفي بلدان ما اسميت “النمور الآسيوية” لنفس الفساد والمحسوبية التي امتدحوها بالأمس.

لكن الفساد في محيط النظام العالمي لا يخرج عن نطاق الاقتصاد السياسي للتبعية اذا ما نظرنا اليه بالمعنى الواسع للتنمية. فإذا ما حصل نمو في هذا البلد أو ذاك، فليس سوى استثناء. كما أنه ليس تنمية بالطبع. لقد حاز النمو بالفساد على إطراء عندما قورن بأنظمة فاسدة أخرى لم تحقق أي نمو قطعا، لنقل مقارنة كوريا الجنوبية بزائير محكومة بموبوتو وحاشيته. فأنظمة الفساد المطلق مطاردة دائما بقلق أن ما سرقته أو بزلته من فائض لا بد ان تسترده الطبقات الشعبية في حالة اي تغير اجتماعي. لذا، تعتقد مدرسة إكلا ECLA ، في نظريتها حول الفساد، انه ما من سبيل لبلد يحاول احراز تنمية بأساليب غير الفساد سوى بالفساد نفسه، (انظر لاحقاً).

يوجد الفساد في كل مكان، لكنه موجود بشكل حرون على الازالة في البلدان الفقيرة مثل مصر، لبنان، شبه الصحراء الأفريقية، وبالطبع أمريكا اللاتينية[2] كما انه مستفحل في البلدان المصنعة حديثاً ووصل الى حالة خطرة في البلدان التي سقطت فيها أنظمة الاشتراكية المحققة.

يختلف الفساد القائم في البلدان العربية ومنطقة الحكم الذاتي الفلسطيني عنه في امريكا اللاتينية بأن الفساد في امريكا اللاتينية مموه ب “ديمقراطيات” شكلية. ففي العقود الثلاثة الأخيرة، تحولت الأحزاب الشيوعية واليسارية التي استدخلت الهزيمة طبقياً واجتماعياً وعقائدياً، هناك الى اتجاهات برلمانية. أما في الوطن العربي والحكم الذاتي، فإنها تفتقر حتى الى هذا النظام الحزبي والبرلماني. ففي الوطن العربي يتخذ الفساد حالة تقشيط معلنة. ففي حين يتواجد أعلى مستوى للفساد في البلدان التي تمر بتحولات اقتصادية وسياسية سريعة (مثلاً، روسيا وشرق أوروبا في نهاية القرن الماضي)، أو بلدان تحكمها انظمة طغيانية (كالوطن العربي)، فإن حالة مناطق السلطة الفلسطينية تحمل السمات الأكثر سوءاً في النموذجين. تدعي وسائل الاعلام الغربية أن روسيا إنما تمر بعملية تحول ديمقراطي، مع أن هذا ليس موقع اختيار فيما اذا كانت الديمقراطية سوف تجد فرصتها للتنفس في مناخ الفساد. اما في مناطق السلطة الفلسطينية فقد كان نشر بيان من صفحة واحدة ضد الفساد كافيا لاعتقال الموقعين عليه [3].

 إيديولوجيا السوق الحرة أدنى من سياسة رأسمالية

 في سياق الدعاية للخصخصة[4] قامت السلطة الفلسطينية بتشجيع الاحتكارات على ابتلاع اقتصاد مناطق الحكم الذاتي إما على يد شركات أجنبية أو شركات فلسطينية. فالسلطة الفلسطينية منحازة، بل منتمية، إلى القطاع الخاص، سواء الفلسطيني أو الأجنبي، بل انها في الحقيقة انما تنحاز لصالح القطاع الخاص الأجنبي على حساب المحلي[5]. ويتخذ الانحياز للقطاع الخاص منحىً خطيراً. فهو يفتح المجال كي يحوز مقدمي أعلى العطاءات كل ما يستطيعونه، وهذا ما يسمح لعائلة تجارية واحدة بالاقتراب من الاستحواذ على اقتصاد البلد بأكمله، عائلة المصري مثلاً (انظر مقتطفاً من مجلة نيوزويك لاحقاً) هذا مع أن رفض الاحتكار الى هذه الدرجة مرفوض حتى في الولايات المتحدة نفسها وهو ما توضحه حالة بيل جيتس صاحب شركة النوافذ للكمبيوتر.

في انهماكها في اتباع ايديولوجيا السوق الحرة، ووصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أخفقت السلطة الفلسطينية في تطبيق سياسة تنسب إلى الدولة، اي الى نفسها، دوراً حيوياً في بناء الاقتصاد، مثلاً، النموذج الكينزي، أن هدف السلطة الفلسطينية هو الحفاظ على الدخل العالي لنخبتها السياسية وليس لتنمية البلد. لقد حولت الناس الى مجرد حالمين بالحصول على سيولة نقدية وسيارات فارهة، سواء من المنظمات غير الحكومية او من الدول الإمبريالية “المانحة” أو مؤسسات الاقراض او المؤسسات الدولية. وهذا انعكس بالطبع على التوجه الانتاجي للعمل الاجتماعي ولا سيما زيادة إهمال الأرض. فبالنسبة لكينز، فإن الدولة هي الذراع القوية القادرة على توليد ازدهار من خلال زيادة معدلات النمو، وتقليل معدلات الفائدة، وزيادة معدلات الاستثمار وزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية. وحيث أن المشرف والموجه للسلطة الفلسطينية هو الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي والصندوق الدولي) فإن السلطة الفلسطينية تطبق السياسة الاقتصادية الراسمالية الجديدة التي تقوض كلاً من دور الدولة، ومراقبة نمو العرض وإعادة تضبيط الأسواق. وهذا ما يسمى عموماً اللبرالية الجديدة كنفي او مغادرة تامة للنموذج الكينزي.

الفساد الحكومي كمسألة طبقية

يقول مشتاق خان: ” لكي نفهم مدى ومضامين الفساد السياسي في مختلف البلدان فإن علينا تحديد الطبقات والمجموعات المعينة المنخرطة في الفساد السياسي وقوتها التساومية في سياقات محددة  ان الفساد كاقتصاد سياسي غير محصور في النخبة الحاكمة، وفي مسار تحوله الى اقتصاد سياسي، لا بد أن يستشري على يد النخبة الحاكمة الى كامل النسيج الاجتماعي، أي الطبقات و الشرائح والنخب السياسية والأفراد… الخ. وفيما يخص انتشار الفساد ليصبح سلوكاً اجتماعياً، إلى جانب كونه يدمر المجتمع بالطبع، يصبح هو نفسه حماية غير مباشرة للطبقة الحاكمة، فمثلاً، يتم ذلك عبر تغييب ومن ثم الغياب، النسبي والمؤقت، للمعارضة السياسية الطبقية وبالتأكيد ايضا، الصراع الطبقي حيث تنخرط حتى قيادات المعارضة في الحصول على نصيبها من كعكة الاقتصاد السياسي للفساد.

والفساد كأية ظاهرة اجتماعية لديه مشتركات عالمية. ولكن هناك خصوصية في حالة السلطة الفلسطينية تتسم بها بعيدا عن النظم السياسية الأخرى. عموماً، تتطلب فترة بناء دولة building –Nation  ، توفر مصداقية ومساءلة. وبما أن السلطة الفلسطينية بدون سيادة فعلية، فإن النجاعة والادارة المالية يجب ان تتصدر أجندتها. بمعنى ان الافتقار الى السيادة لا بد أن يُعوض بلون او اداء اقتصادي وسياسي مميزين. وعليه، فان بلداً في مرحلة بناء دولة يجب ألا يعتنق الوصفات المدمرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي[6]. لكن مثار العجب  ان هذا الاقتصاد هو اول اقتصاد في العالم يبدأ لحظة وجوده الأولى بتطبيق وصفات الصندوق والبنك الدوليين، في حين أن اقتصادات المحيط التي طبقتها قامت بذلك بعد مراحل من تأسيس دولها بعد الاستقلال. وباعتبارها بلداً غير موهوب بالثروات، فإن مناطق السلطة الفلسطينية يجب ألا تسمح لعدد محدود من العائلات بخلق احتكارات لمجرد كونها قدمت العطاءات الأعلى للمشاريع. هذا اضافة الى تبعية هذه السلطة للدول “المانحة” التي لها أجندتها الخلفية للدعم وهي تسخير كامل عملية سلام رأس المال لصالح تثبيت عدو الشعب الفلسطيني وهي الدولة الاشكنازية [7]. وبكلمات أخرى ان اقتصاد السلطة الفلسطينية اقتصاد مفتوح ويفتقر إلى قاعدة انتاجية. ورغم هذا كله، فإن نظامها السياسي نظام فاسد.

ان كل نظام سياسي حاكم هو بالأساس نظام طبقة مهيمنة، بالرغم من تحالفها مع طبقات هامشية أخرى متمفصلة مع الطبقة المهيمنة. ان الطبقة الحاكمة هي الطبقة الأكثر استفادة على المستويات السياسية والاقتصادية حيث يأتي الكثير من هذه الفوائد عبر الفساد. وطالما أن النظام السياسي غير ديموقراطي، فإن الحزب الحاكم، أو الطبقة، ستكون أكثر فساداً. ان السلطة الفلسطينية حالة مطابقة هنا. فمعظم الوظائف بدءاً من الوزارة وانتهاء بمعلمي رياض الأطفال هم أعضاء أوأنصار أو معارف حركة فتح، الحزب الحاكم. وباعتبارهم أعضاء في هذا الحزب، فقد مُنِحوا هبة الوظائف الهامة في النظام. وفي حالات كثيرة، فإن عدداً كبيراً من قد عُيّنوا في مكاتب لا شواغر فيها.

” في فترة 1998-99 أنفق 58 بالمئة من مصاريف السلطة الفلسطينية الجارية على الرواتب، في حين ان متوسط ذلك في الشرق الأوسط وشمال افريقيا هو 45 بالمئة (أي الوطن العربي- الكاتب)، وضعف المعدل العالمي. وطبقاً لمسودة ميزانية السلطة الفلسطينية لعام 2000، فإن هذه النسبة سوف تزداد لتصبح على الأغلب 60 بالمئة[8].

يقول وزير الزراعة في السلطة الفلسطينية، حكمت زيد، “نحتاج الى مزارع كبيرة لتشغيل عدد كبير من قوة العمل.. فلا بد لنا من دخول عالم التصدير .. وهذا أفضل من أن نحشر الناس في مباني الوزارة مما يضعهم في مشكلة ويجعلهم غير ذوي جدوى.. ان الميزانية المخصصة للوزارة من الميزانية العامة التي قررت هذا العام هي 1.3%. وهذه ليست كافية للقطاع الزراعي وللأمن الغذائي[9]. تقلد السلطة الفلسطينية في هذا السياق الأنظمة العربية التي تعلق أكثر عدد ممكن من قوة العمل بالجهاز البيروقراطي للدولة لعزلهم عن المشاركة في أنشطة معارضة. فهم إما أن يبقوا مستفيدين، أو مفسدين في مراتبهم العليا، أو مقموعين ومشلولي الدور في مراتبهم الوسيطة والدنيا. وحيث أن الرواتب في المراتب الدنيا متدنية، يقوم الكثيرون منهم بتعويض ذلك بالارتشاء. وكلما ارتشت أجهزة السلطة أصبحت مكروهة من الناس. وهذا الكره العفوي بدروه يدفع بموظفي الدولة ليصبحوا أكثر ولاءً لها باعتبارها مثابة حماية لهم. وطالما أن “المانحين يدفعون معظم ميزانية التطوير، فإنهم أي المانحين يسهلون تجنيد السلطة عدداً أكبر من الموظفين حولها بطريقة فاسدة. مع أن الحصة الكبرى لميزانية السلطة يجب أن توجه لخلق وظائف انتاجية ثابتة نظراً لضرورة ذلك في بناء بلد، ولأن ما يسمى سلاماً من الدولة الاشكنازية هو في الحقيقة طبعة أخرى من الحرب. هذا ما لم تُبقِ سياسة الكيان الاشكنازي في تدمير اقتصاد الضفة والقطاع خلال انتفاضة الأقصى أي شك تجاهه.

وعلى العموم، فإن السلطة الفلسطينية تمنح الوظائف على أساس حزبي. ولذا، تعطى الأولوية لفئتين أساسيتين: العائدين من المقاتلين الفلسطينيين والمحليين الذين اعتقلوا خلال فترة الاحتلال المباشر حتى لو لم يكونوا بحاجة لذلك. ولكن داخل هاتين الفئتين تعطى الأولوية القصوى لأعضاء منظمة فتح على أساس تمييزي ضد الأكثرية، أي الناس العاديين. وأعضاء المنظمات الأخرى. وهذه السياسة هي مكافأة ومحاباة على النضال الوطني أكثر مما هي تقديم حقوق ورعاية للمناضلين. وعليه، ليست مجرد فساد، انها تفكيك معنوي للناس عن القضية الوطنية. وحتى لو كان للناس حق في المكافأة على النضال فلا بد لهذا أن يُقاس طبقاً لكفاءة الشخص. أما الذين لا كفاءات أو تخصصات لديهم، ولا يمكن إعادة تأهيلهم لمهن أخرى، فلهم الحق في الحصول على مرتبات تقاعدية مناسبة. وهناك فئة العقداء التي جرى فرضها على المؤسسات المدنية مثلاً، جرى تعيين عقداء مسؤولين عن النقابات العمالية. وكذلك المراتب القيادية العليا من فصائل م.ت.ف الأخرى بما فيها المسماة المعارضة (التي تدعم اتفاق أوسلو مباشرة أو لا مباشرة) مستفيدة طبقاً لدرجة اتفاقها واخلاصها للتسوية السياسية التي تمثلها السلطة الفلسطينية. حيث يتحسن وضع ورواتب هذه القيادات طالما أثبتت للسلطة أنها تلجم منظماتها من الداخل بحيث لا تشكل معارضة جذرية لسياسات السلطة في مستويي التسوية والوضع الداخلي. وهذا قد يفسر لماذا ظلت النجاعة متدنية في مؤسسات السلطة. ولذا، يظل الفساد فردياً وطبقياً وحزبياً وسياسياً. وحيث لا يتم الوقوف في وجه أشكال الفساد هذه، وحيث يتم الحديث عنها بشكل فكاهي شعبياً، أو ناعم من قبل الدول المانحة التي تدعم النظام الحاكم رغم كل ممارساته، فهذا يعني أن هناك اجندة مشتركة بين المانحين و الطبقة الحاكمة لكي يعيدوا تثقيف المجتمع بقيم وأخلاقيات متدنية المستوى.

تجدر الاشارة هنا إلى أن تجربة القائد المطلق في منظمات م.ت.ف المسلحة تسهِّل عملية الفساد. فطوال ثلاثة عقود من نشاط م.ت.ف، كان تقديم التقارير المالية ضئيلاً جداً طالما أن مصادر التمويل غير معلنة ولا موثقة. وهذا ما جعل الانفاق غير موثق أيضاً. كانت القيادات حرة تقريباً في الانفاق دون أن تقدم فواتير إما لأن مناصبهم العليا تسمح لهم بهذا التجاوز، أو تذرعاً بالعمل السري لحركة المقاومة الفلسطينية بشكل عام.

لقد تكرر التصرف نفسه عندما أصبح الناس أنفسهم، فصائل م.ت.ف هم النخبة الحاكمة في الضفة والقطاع. ولذا، فإن هذه السلطة هي الوحيدة التي لها ميزانيتان، واحدة عادية ومعلنة وأخرى موجودة ولكن غير معلنة لا يوجد ما يمنع استخدامها من اجل الولاء السياسي. لقد ساهمت علاقة م.ت.ف مع الأنظمة العربية في عدم مساءلة القائد عن انفاقه المالي وذلك عبر المساعدات التي كانت تقدمها هذه الأنظمة للمنظمات الفلسطينية. كان هدف الأنظمة إفساد م.ت.ف واحتواءها بالمال كي لا تكون نموذجاً ثورياً يهدد بنشر الثورة في الوطن العربي. كما كان دافع الضرائب الفلسطيني في الشتات أحد مصادر تسهيل افساد م.ت.ف بعدم المساءلة. وقد يعود سبب عدم المساءلة من جانب دافع الضرائب إما لجهله بحقه في المسائلة، أو لثقته العمياء بقياداتها، وكلا التفسيرين تدمير في النهاية.

ما لم تستوعبه جيداً السلطة الفلسطينية هو حقيقة مختلفة في الضفة والقطاع مفادها أن السكان فيهما مختلفون عن رعايا م.ت.ف في بيروت الذين هم كوادر واعضاء المنظمات أو سكان مخيمات معتمدون على نفقات م.ت.ف عليهم. فقد أهمل أو فقد اعضاء المنظمات، آنذاك، تخصصاتهم وتعليمهم نظراً لتفرغهم السياسي والنضالي وأصبحوا معتمدين كلية على القيادة. وعليه، فعندما قررت القيادة المساومة السياسية ودخول سلام رأس المال وجد هؤلاء أن ليس أمامهم سوى القبول.  

ان سكان الضفة والقطاع مواطنون معتمدون على عملهم كمجتمع. ليسوا مجرد محترفي سياسة او كفاح مسلح. ولذا، فليس شرطا أن يقبل سكان الضفة والقطاع بسلوك السلطة بشكل أعمى. تنبع من هذا نتيجتان: الأولى: شعرت السلطة الفلسطينية انها عاجزة عن كسب ثقة الشعب. وهذا ما دفعها للجوء إلى سياسة الفساد كآلية لتجنيد موالين. وهذا ما انتهى إلى خلق جهاز بيروقراطي هائل من موظفي السلطة الفلسطينية حيث يحوي قرابة 150 الف شخص. والثانية: بعملها هذا، تم خلق تقسيمات جديدة في البلد، تقسيمات تنم عن تخلف ثقافي ووطني هائل: ذوو امتيازات ومجردون منها، محليون و عائدون، شمال وجنوب الضفة الغربية وحتى غزة وضفة غربية… الخ. ولا شك أن هذه التقسيمات قائمة بل ناتجة عن المنافع المادية المباشرة. وطبقا لماركس، يحدد كل نمط انتاج أنماط تدوير وتوزيع واستهلاك وكل لحظة من لحظات وحدته” [10] لعل سؤالنا هنا هو كيف يتم التوزيع في مناطق السلطة الفلسطينية؟. طالما أن الانتاج متدنٍ، وحتى هامشي، فانه  لم يكن ذات مرة المصدر المالي الأساسي لدخل النظام السياسي للسلطة الفلسطينية. أن ما يتم  توزيعه من قبل السلطة هو الهبات. ولذا اتخذ توزيعها شكلاً فاسداً. وطالما أن دخل النظام ليس ناتجاً من المجتمع وحده، أي من الضرائب و/أو مشاريع قطاع عام، وطالما أن مستلزمات فساد السلطة ممولة أو مغطاة، حتى بشكل غير مباشر، من المانحين الذين يمولون بعض الوظائف التي على السلطة الاضطلاع بها، فإن هذه العوامل تسهل على نظام السلطة الفلسطينية الامعان في الفساد.

كانت الأحزاب الحاكمة في البلدان الاشتراكية المنهارة فاسدة متحكمة بالاقتصاد نيابة عن الطبقة العاملة، منتجة القيمة الزائدة، وبقية مجموع الشعب. كما أن دور حكام البلدان المنتجة للنفط مشابه، حيث يعتبرون النفط جزءاً من ملكية الأسرة الحاكمة. ولكن في حين أن المثالين المذكورين يتحكمان بثروة قومية، فإن حالة السلطة الفلسطينية مشابهة لهما من حيث إدارة أو التصرف بالمال العام، لكنها مختلفة عنهما فيما يخص مصدر الثروة. فالثروة التي بين يدي السلطة الفلسطينية هي غالباً من الضرائب، والاحتكارات الحكومية (مدخول ضرائب شركات استيراد النفط والسجائر …) ومنح الدول الامبريالية التي تدفع السلطة مقابلها ثمناً غير مباشر “ريع سياسي” وهو الريع الذي يشجع او يسهل على السلطة تقديم مساومات سياسية على الصعيد التفاوضي مع الكيان الاشكنازي. ومرة ثانية، فإن المستغرب هو حقيقة أن المانحين لا يحتجون على فساد السلطة الفلسطينية. وهذا دليل على أن الدول المانحة كدول مركز رأسمالي تتسامح مع فساد السلطة طالما أن السلطة مستمرة في تسوية رأس المال التي تتقاطع مع مواقف وسياسات المانحين، وهي مواقف يشكل تقويض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتسهيل التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الاشكنازي الصهيوني حجرها الأساس. وهو الأمر الذي ينتهي إلى اندماج هذا الكيان اندماجاً مهيمناً في الوطن العربي.

ان المنح التي تقدمها السلطة الفلسطينية لمؤيديها مقتطعة من النقود التي يجب تسخيرها للتنمية وخلق فرص عمل أو التي يفترض دفعها لتحسين الرواتب المتدنية لقطاعات عديدة من المجتمع، معلمي المدارس على سبيل المثال. هذه السياسة فاسدة، وبالتالي موجهة لشراء الولاء للنظام على حساب التنمية. وطالما أن السلطة متمسكة بسياستها الاقتصادية الحالية، فإن مزيداً من المنح أو الهبات و/او القروض تعني مزيداً من التخلف ومزيداً من الاعتماد على الديون ومنح المانحين التي هدفها الأساس خدمة الكيان الصهيوني وتصفية حق العودة. انها ريع سياسي مقابل تنازلات السلطة الفلسطينية سياسيا.

تمظهرات اقتصادية – اجتماعية للفساد

تحديث الفساد التقليدي: فساد القطاع و الطبقة

ليس الفساد بالظاهرة الجديدة على المجتمعات التقليدية، كالمجتمع الفسطيني في الضفة والقطاع، فالبنية البطريركية مشجعة للفساد بطبيعتها. فالواسطة دور وعلاقة مقبولة في هذه المجتمعات رغم انها اثبات مباشر على عدم قيام موظف الحكومة بدوره. انحدرت الواسطة خلال الحكم الأردني من القيادة الاجتماعية التقليدية التي تبدأ من المختار في القرية وتنتهي الى أعلى بالحكومة. وقد تغيرت هذه المراتبية في ظل فترة الاحتلال المباشر بحيث مُنحت للمتعاملين معه حيث سهل هؤلاء على الاحتلال استحلاب الناس. وكان للتعاون مع الاحتلال مراتبيته الخاصة به أيضاً، مثل سماسرة العمل، والمتعاقدين من الباطن، والأغنياء ورجال الأعمال الذين يسهل لهم الاحتلال مصالحهم أكثر من الباطن والأغنياء ورجال الأعمال الذين يسهل لهم الاحتلال مصالحهم أكثر من غيرهم .. الخ.

أما في فترة السلطة الفلسطينية، فإن رموز الواسطة مختلفون تقريباً. فهم من كبار موظفي السلطة، فقد منحت الواسطة الكوادر الكبرى في السلطة وجهازها البيروقراطي الذين أصبحوا من النخبة العليا اقتصادياً إلى جانب كبار موظفي او مالكي المنظمات غير الحكومية وشرائح الكمبرادور. وهكذا، فقد حلت الواسطة و النخبة الكمبرادورية في ظل السلطة الفلسطينية محل، أو تقاسمت المكاسب مع، سابقيها من الواسطة في فترة الاحتلال المباشر. لا يعرف أحد عدد أولئك الذين حصلوا بالواسطة على رخص للاستيراد كامتياز لهم، وحين حاول أحد أعضاء “المجلس التشريعي” معرفة عددهم من خلال سكرتير هذا المجلس رفض الأخير توفير القائمة له [11]

لوثت هذه البيئة المفسدة المناخ الاجتماعي، يتحدث الناس عن الفساد بطريقة نقدية ، وحتى بالأسماء. ولكن في النهاية، فإن الكثير من المواطنين يذهبون الى بيت او مكتب الواسطة مقدمين لهم الرشاوى. لقد وصلت الرشاوى إلى المؤسسات المدنية وليس الرسمية وحسب . كما كان المثقفون من بين الشرائح الاجتماعية التي شلها الفساد. فقد قامت أطراف اتفاق سلام راس المال و المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الدولية بتجنيد الكثير من المثقفين بدفع رواتب عالية لهم. وبهذا تكون هذه المؤسسات قد سحبت من المجتمع ومن النشاط السياسي تلك القوة الفكرية الناقدة لما يحصل وحولتهم الى مستكتبين لصالح التسوية [12]. وكما أشرنا أعلاه، فان السلطة توزع الوظائف على أسس من الولاء السياسي والتمييز مما جعل أداءها متدنياً، وهو الأمر الذي يجعل الموظف الضعيف أكثر إطاعة للسلطة كمصدر لمعيشته الى جانب عجز كفاءته. وحيث أتى الكثير من هؤلاء الموظفين من أسر فقيرة ومتوسطة، فهم مأخوذون بالاثبات لأسرهم أنهم أصبحوا في ظل السلطة شيئاً ما. وهكذا، يصبح الوطن آلية للوظيفة وتحسين الوضع الأسري واشباع الرغبة الاستهلاكية. ومن هنا يتضح تأثير قيام الحزب الحاكم بتوفير وظائف لكافة عناصر تنظيمه ومؤيديه في عملية تشغيل سياسي وليس تشغيلاً طبقاً لمتطلبات الاقتصاد نفسه. وبالمقابل، يُلقي بالطبقة العاملة ، اي اكثرية قوة العمل، في أحضان البطالة، فعليهم ايجاد طريقهم نحو الوظائف، بالواسطة أو العمل داخل الخط الأخضر، أو التهريب أوالهجرة. فوضع اقتصادي يطفح بالبطالة، ودرجة نموه سالبة، والأسعار عالية ويعاني ركوداً تضخمياً، هو مثابة قوة دفع للشباب لمغادرة البلد وهذا حلم الاحتلال اللامتناهي. لعل من أسباب تمكن السلطة من كسب ولاء سياسي هو التخلف الاقتصادي للبلد الأمر الذي جعل منها مصدراً للتشغيل، ولكن ليس على أساس قطاع عام انتاجي بالمعنى المألوف. وتتضح أهمية هذا الأمر من حاجة المواطن الى أمن اقتصادي حيث يترتب عليه أمن اجتماعي وأسري تحديداً. أما الأكثرية التي حرمت من الفرص او التسابق الطبيعي على فرص العمل فتجد نفسها وقد ارتدت الى الولاء الأسري والحمائلي للدعم الاقتصادي والحماية الاجتماعية. وهذا ما يفسر انتعاش العلاقات الاجتماعية التقليدية.

 كما يقود الفساد لزيادة الافتقار إلى الأمن الاجتماعي والاقتصادي و الشخصي طالما أن الولاء للسلطة هو معيار الحصول على وظيفة.

 لا يختلف مؤيدو السلطة عن مؤيدي م.ت.ف عموماً في أن دعمهم للسلطة وللمنظمة لا يتسع لأي نقد. ولذا، عجز هؤلاء عن التقاط حقيقة أن القيادة في الحالتين قررت اقتسام الوطن مع العدو في فترة مبكرة تعود على الأقل الى عامي 1972-73. وعاما بعد عام إثر ذلك، انتهى شعار “سلطة وطنية” الذي رفع عام 1972، إلى تطبيع كلي مع العدو واعتراف بالاحتلال على نفس أرضهم وهذا ما تم باعلان “الاستقلال” عام 1988. إلا أنه انحدر لاحقاً.

2- الفساد القضائي

 ان الفساد القضائي هو مظهر آخر للفساد حيث يخضع الجهاز القضائي للسلطة التنفيذية، بعكس ما هو في النظم الديمقراطية. وعليه، فالسلطة التنفيذية حرة في نقض قرارات السلطة القضائية. ولعل من الغريب انه رغم عدم احترام السلطة التنفيذية للسلطة القضائية، وللمحكمة العليا، فإن أعضاء هذه المحكمة لم يقرروا الاحتجاج او الاستقالة [13]. ولسوء الحظ، دفعت هذه الأمور المواطنين للتفكير بأن من يحكم البلد ليس القانون وإنما الفساد مما دفعهم للبحث عن طرق للتواصل معه!. وهكذا، تفشى الفساد الى الدرجات الدنيا من المجتمع.

يمثل أنصار الحزب الحاكم أكثرية أعضاء المجلس التشريعي [14] ولذا، فعندما صدر تقرير رسمي من السلطة عن الفساد الوزاري منحت اكثرية المجلس التشريعي الثقة للحكومة المتهمة رسمياً بالفساد واستمرت في دورها. وفي هذه الحالة لا يمكن القول أن المجلس يمثل الشعب، انه يمثل الحزب الحاكم الذي اشتكت اطراف رسمية في السلطة بأن وزراء في حكومته فاسدون، لكنهم محميون من نفس المجلس!. وعلى الرغم من أن مدة هذا المجلس قد انتهت قبل أكثر من عامين، فإن أحداً من أعضائه لم يستقل من أجل هذا السبب. فقد قبل مختلف اعضاء المجلس تمديد فترته من قبل السلطة التنفيذية، وهذا شاهد على أنهم لا يمثلون الشعب، وإنما الحكم.

وعندما تكون الحكومة، والمجلس التشريعي والحزب الحاكم بين فاسد ومتساهل مع الفساد، فإن هذا يدفع الناس للبحث عن آليات للتساوق مع الفساد. لذا، أصبح الفساد هو الوضع الطبيعي الذي يمس مختلف الأفراد باستثناء من قد يعزلون أنفسهم عن المجتمع وهذا امر اكثر شذوذا.!

لقد قبل المجلس التشريعي دولة بميزانيتين، وأقر الميزانية التي سمح له بالاطلاع عليها، ومع ذلك، فإن 35 بالمئة من الميزانية المعلنة هي لمصلحة الشرطة والأجهزة الأمنية، واذا أخذنا بالاعتبار تلك الأعداد الضخمة من الموظفين في السلطة ( 150 الفاً) وحتى عددهم المتزايد، يصبح واضحاً أن قرابة ثلث المجتمع معتمد في مصدر رزقه على نظام الحكم الذي لا بد أن يدعموه مهما كان توجهه.

3 – الفساد يلتهم حصة التعليم

 بما أن معظم الشعب الفلسطيني من اللاجئين، هناك شعور تقليدي في اوساطهم مفاده أن التعليم هو الضمانة الوحيدة لمواجهة متطلبات الحياة. بالمقابل، فإن المعلمين الذين هم أصحاب دور أساسي في العملية التعليمية يعيشون أوضاعاً متردية للغاية في فترة السلطة الفلسطينية خاصة.. تتراوح رواتبهم ما بين 300-400 دولار شهرياً. لذا، فإن أي مدرس اذا ما وجد فرصة لعمل إضافي في ساعات بعد الظهر أو المساء أو أيام العطل يكون سعيداً بذلك [15]. وهذا يؤثر على عطائه بالطبع.

ان تضاؤل ميزانية الرواتب يعني تضاؤل فرص تدريب وتأهيل المعلمين وبالتالي تدني مستوياتهم العلمية من جديد. كما تضم الصفوف المدرسية أكثر من 35 طالباً ويتم التعليم في كثير من المدارس على ورديتين. وهذا يزيد عبء المعلمين، ويربك الحياة اليومية للطلبة. ورغم ذلك، هناك منافسة حادة للحصول على وظيفة معلم. وهذا عائد الى البطالة العالية حتى قبيل انتفاضة الأقصى وما تبعها من إغلاق لمجالات العمل داخل الخط الأخضر وبالطبع في منطقة الخليج العربي. أما سياسة السلطة في التوظيف فقد خلقت قطاعاً غير ضروري مما التهم جزءاً كبيراً من الرواتب التي كان من المفترض أن تذهب للمعلمين.

لهذه الأسباب كان قطاع المعلمين الأول في البلاد الذي قام بسلسلة من الاضرابات مطالبين بتحسين رواتبهم. أما السلطة الفلسطينية فقد لعبت نفس دور النظام الرأسمالي المفسد من حيث تقسيمها المعلمين وخاصة بارغام المعلمين من أعضاء حزبها على خلخلة اضراب المعلمين واعتقال قادة الاضراب وتجهيز عدد كبير من العاطلين عن العمل ليكسروا اضراب المعلمين. أما المعارضة اليسارية فقد فشلت في دعم اضراب المعلمين ويعود هذا الى حد كبير الى تمكن السلطة من احتواء كوادرها القيادية العليا.

ليس وضع الجامعات بأحسن حالاً من وضع المدارس. فقد أضرب المحاضرون مرات عدة مطالبين برواتبهم، وبنفقات تشغيلية للمختبرات والمكتبات.. الخ. لقد عرض متبرع سعودي عشرة ملايين دولار لسد عجز جامعة القدس مشترطاً تغيير أعضاء في مجلس الأمناء لأن وضعهم خلافيّ، الا أن السلطة الفلسطينية رفضت العرض مؤكدة دعمها لهؤلاء الأعضاء كونهم موالين لها.

4- الفساد والطبقة العاملة

لعل من أهم سمات اقتصاد الضفة والقطاع في فترة الاحتلال المباشر اختلال معادلة عمل/رأسمال. عموماً، فإن رأس المال المحلي مفترض أن يخلق فرص تشغيل تستوعب (تستغل) قوة العمل المحلية. ترتكز هذه الفرضية على النظرية الكلاسيكية بأن لبرجوازية أي بلد مصلحة في الهيمنة على سوقها المحلية. لكن هذه المعادلة تم كسرها خلال الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع، حيث احتجز تطور هذه المناطق، الذي كان معاقاً في الأصل. فقد ظل قرابة 40 بالمئة من قوة العمل في الضفة والقطاع مستوعبة في اقتصاد الاحتلال، وربما قرابة نفس النسبة كانت مستوعبة في بلدان النفط العربية.

كان من المتوقع أن تتبع السلطة الفلسطينية سياسة تنموية تحمي قوة العمل الفلسطينية أو تقيها حاجة الاعتماد على العمل داخل الخط الأخضر وما يتبعه من إهانات قومية وإنسانية. وكان متوقعاً أن تتجاوز السلطة الفلسطينية تراث م.ت.ف الفقير الى الفهم وبالتالي السياسة التنموية، وأن تصمم سياسة تنموية تقوم على التنمية بالحماية الشعبية أو على الأقل أن تظل ملتزمة بتعهدها بأن تخلق من الضفة والقطاع سنغافورة أخرى.

نص اتفاق باريس الاقتصادي على أن تقوم اسرائيل باصدار تصاريح عمل لـ 100 ألف عامل فلسطيني. وهو نص يؤكد على استمرار تبعية مناطق الحكم الذاتي للاقتصاد الصهيوني. ومن المدهش أن السلطة الفلسطينية طالما استندت إلى هذا النص متشكية أن اسرائيل لم تفِ بعهدها، أي أن السلطة ركنت الى هذا كمصدر للتشغيل، بدل أن تخلق بديلاً تشغيلياً كمتطلب للاستقلال، أما الحصار الذي تلا انتفاضة 2000، فأوضح كم كانت التنمية بالحماية الشعبية ضرورية وعملية سواء في ظل الاحتلال أو السلطة التابعة.

“خلال هذه الفترة تضاعفت البطالة ثلاث مرات، من معدل 5.6% من قوة العمل في 1990-93 الى معدل 18.3% ما بين 1994 -98” [16].

ولكن السؤال، هل حقاً أن نسبة البطالة كانت قبل اتفاق اوسلو 5.6% فقط؟ هذه النسبة هي النسبة الرسمية التي تبنتها سلطات الاحتلال. وحتى لو قبلنا ذلك، فهل نعتبر حقاً الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر أو في البلدان العربية خارج أرقام البطالة بمعنى (مدى قدرة السوق المحلية على تشغيلهم)؟ فليس وضعاُ طبيعياً أن تكون أكثرية قوة عمل بلد ما خارج اقتصاده.

والحقيقة أن قوة العمل الفلسطينية كانت مستغلة وممتطاة من كل من رأس المال الصهيوني ورأس المال المحلي. ففي حين كانت مستغلة طبقياً وقومياً لدى الاحتلال، كانت مستغلة طبقياً داخل الضفة والقطاع ومخدوعة سياسياَ ايضاً. فطوال فترة الاحتلال كانت الطبقة العاملة مجرد اداة للقوى السياسية الفلسطينية  في م.ت.ف  التي هي بين برجوازية  صغيرة او مثقفين ليسوا اشتراكيين بأي حال.

وعندما نقل الاحتلال الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية إثر اتفاق أوسلو، تسلمت السلطة الفلسطينية طبقة عاملة مدجنة وطيِّعة. لذا، بهتت النقابات العمالية خلال فترة السلطة. واتبعت السلطة سياسة الامتطاء مع النقابات كما كانت تفعل في فترة م.ت.ف، حيث رشت القيادات العمالية لتصبح ضمن مؤيديها. وقامت السلطة بتعيين عقداء كقادة للنقابات العمالية. وحينما قام المعلمون باضراباتهم وقع قادة عماليون بياناً يشجب اضراب المعلمين!.

وقع أمين عام النقابات العمالية، مدعوماً من السلطة، اتفاقاً مع اتحاد العمال الاسرائيلي (الهستدروت) باسم العمال وتسلم 8 ملايين شيكل كدفعة أولى عن المقتطع من أجور العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر. وطبقاً لهذا الاتفاق، سوف يستمر الكيان الصهيوني بدفع دفعات شهرية على حساب هذه المقتطعات. ولكن، إضافة إلى أن هذا سلوك تطبيعي ضد قناعات الشعب، فإن الأمين العام لاتحاد العمال تصرف على أساس فوقي. فلم يستشر القادة الآخرين، ولا طواقم فنية في الامر[17].

وإمعانا من سلطات الاحتلال في تمكين السلطة الفلسطينية من فساد اكثر، وافقت سلطات الاحتلال على تخويل السلطة الفلسطينية بأن تحدد العمال الذين يسمح لهم بالعمل داخل الخط الأخضر، وهذا سيعطى قطاعاً آخر من موظفي السلطة فرصة للتكسب من خلال اعطاء تصريح لهذا وحرمان ذاك، فالحصول على فرصة عمل داخل الخط الأخضر مثابة امتياز للعامل الفلسطيني حيث الأجور تصل إلى ثلاثة أضعاف نظيرتها في مناطق السلطة الفلسطينية، ومع ذلك كانت فرص العمل غير متوفرة فيها حتى بدون الحصار المفروض في انتفاضة 2000.

الاستثمار مقابل الفساد

 قد يكون من قبيل المبالغة عقد علاقة بين التنمية و الفساد. ولعلها مبالغة أقل البحث عن علاقة بين الفساد والنمو. و التنمية بمعناها الأساسي هي خدمة مصالح الطبقات الشعبية باعتبارها الضحية الأولى للفساد. انها في خدمتهم لأنها توفر لهم حق المشاركة في التخطيط للانتاج، والقيادة والتغيير والحصول حسب مساهمتهم في العمل. وببساطة فإن التنمية تعني حق الشعب في التمتع بحق العمل والمساهمة وعدم التهميش في مجمل النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية.

يبدي المفسدون ميلاً ضئيلاً للاستثمار والتنمية، سواء من حيث ميولهم أو نمط تفكيرهم. فهم قد يفضلون الاستثمار في الخارج وليس محلياً. لا بد لهم أن يطمئنوا على استقرار واستمرار النظام السياسي. كانت مجموعة مدرسة (اكلا) في أمريكا اللاتينية هي أول من طورت سياسة إحلال الواردات. وقد حاججت هذه المدرسة لعدة سنوات بأن المعدل العالي لنمو الواردات لعب دوراً مميزاً في الحفاظ على سياسات نمو اقتصادي دائمة، وأن بلدان أمريكا اللاتينية قد استمرت في الاحتفاظ بدعم خارجي قوي لكي تتمكن من تغطية خدمة المدفوعات. يجمع هذا المفهوم بين سياسة احلال الواردات في انجاز التنمية وبين نوايا طيبة للمساعدات الاجنبية!. وهذا أمر أخلاقي  وموضع تساؤل. وبما هي مدرسة اصلاحية، فقد حاولت (إكلا) حتى عقد مصالحة بين التنمية و الفساد. ان مجادلة (اكلا) الرئيسية هي أن هذا اللون من “الرشاوى” قد لا يلحق ضرراً بالتنمية طالما أن الطبقات المهيمنة لن تقوم بإعاقة عملية التنمية. هذا الموقف الايجابي المفترض من جانب الطبقات المهيمنة مرده اعتقاد (اكلا) أنه طالما كانت الطبقات المهيمنة مستفيدة من النمو، فإن بعضاً من اقتصاديات التساقط سوف تذهب الى الفقراء وبالتالي تساهم في تخفيف التوتر الاجتماعي وتسهل التنمية. ولكن، من ناحية عملية، فإن جزءاً ملموساً من رأس المال لا بد أن يتدفق الى أمريكا اللاتينية على شكل قروض تنموية يهرب بدوره من الأبواب الخلفية ويجد طريقه إلى الحسابات الخاصة في البنوك الأجنبية[18]. ان التجربة الروسية هي أحدث وأوضح التجارب على هذا. ان اية اعمال تهريب غير ممكنة بدون تعاون من مدراء البنوك الدولية. وفي هذا الصدد هناك تجربة حية لما اسمي اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة التي عملت من عمان لمساعدة سكان الضفة والقطاع منذ عام 1978 وحتى اوائل الثمانينات. فقد وضعت شروطاً للقروض لا يمكن لأقل من ابناء الطبقة الوسطى أن يوفروها مثل امتلاك طالب القرض قطعة ارض للبناء عليها بجوار المدينة. أما القروض التي قدمتها لأصحاب المصانع، فبقيت غالباً في حسابات هؤلاء خارج الأرض المحتلة. فقد كان هدف هذه اللجنة هو كسب ولاء فلسطينيي الضفة والقطاع حيث تنازعت ذلك كل من القيادة الأردنية وقيادة م.ت.ف كان ولاء الطبقة الغنية هو المطلوب، وهي الطبقة التي لم تكن التنمية، بل زيادة الثروة هي مركز اهتمامها [19].  

بالامكان فهم الكثير من طريقة استخدام السلطة الفلسطينية لأموال المانحين، وباختصار، فإنه لا السلطة، ولا المانحون مهتمون حقاً بالتنمية أو حتى النمو. فقد انتهت السلطة الفلسطينية الى نظام فاسد يسهل تحويل الفائض المنتج محلياً الى الخارج. كما لم يكرس المانحون مساعداتهم للتنمية ولم يراقبوا سياسة السلطة الفلسطينية غير التنموية، آخذاً بالاعتبار أن المانحين يحرصون على التصرف بما يقدمونه هم بانفسهم ولكنهم يستهلكون نسبة تصل الى 70 بالمئة من ميزانيات هذه المساعدات الفنية لصالح موظفين من البلد المانح نفسه[20]

استمرت تقاليد م.ت.ف الفقيرة للمنظور وللنوايا التنموية عندما أتت الى الضفة والقطاع، لعل المشكلة في حالتنا سيف ذو حدين هما: الافتقار الى منظور تنموي، وتجربة الفساد والحصول على أموال من مصادر غير محلية.

ففي رسالة لوزير التجارة والاقتصاد الفلسطيني، ذكر التجار الذين يستوردون سلعاً أستهلاكية من الأسواق الأوروبية، طبقاً لرخص رسمية صادرة عن السلطة الفلسطينية، أن السوق مشبعة ببضائع مهربة من الأردن وخاصة الحليب والأجبان. وتبلغ الضرائب على منتجات الأجبان 80% بينما هي في البلدان المجاورة معفاة من الضرائب [21].

5- الاستهلاك والفساد

لم تكن الاستهلاكية ظاهرة جديدة في المناطق المحتلة فرغم أنها تقلصت كسلوك ونزعة مستفحلة، خلال الانتفاضة 1987، الا انها ظلت كامنة. ورغم السقف الأخلاقي/القومي العالي الذي خلقته الانتفاضة المذكورة، الا ان الشرائح الغنية و العليا من المجتمع لم توقف استهلاكها للمنتجات الإسرائيلية، والأجنبية بالطبع.

 وفي ظل السلطة الفلسطينية وعلى الرغم من التدهور في مستوى المعيشة وتدني المداخيل، فإن الاستهلاكية قد توسعت، فقد تم تمويلها من الدول المانحة، والمنظمات غير الحكومية والفساد المستشري في المراتب العليا لكوادر السلطة التي تتضمن وزراء ومسؤولين كباراً ومكاتب المانحين والقناصل ومكاتب المنظمات غير الحكومية والوكالات الدولية. ومع ذلك فهذا لا يعني أن نقلل من شأن عاملين آخرين:

 الأول: الميل التقليدي للمجتمع نفسه في الافراط في الاتفاق كطريق للبروز الاجتماعي.

 الثاني: جانب النقص في القوة الثقافية المقاومة للاستهلاك.

إن مزيدا من الاستهلاك يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار، وبمعنى آخر مزيداً من التعذيب الاقتصادي للطبقات الشعبية. يقود توسع الاستهلاكية الى تقلص أكثر للأسواق المحلية لأن النقود تصرف على شراء السلع المستوردة من الكيان الصهيوني والأسواق الخارجية. وكبرهان على هذا، فإن مناطق السلطة الفلسطينية كمنطقة فقيرة مليئة بالسلع الأجنبية الثمينة، ومنها السيارات الجديدة و الفارهة وكل هذا عامل على خنق الصناعات المحلية الفتية بما فيها التي تنتج الحاجات الأساسية.

وطبقاً للعقلية التقليدية هناك تنافس على الاستهلاك حتى في أوساط الطبقات الشعبية. وهذه واضحة في عادات الانفاق العالي على الزواج، وشراء صحون الفضائيات، والسيارات الجديدة بالدين … الخ. وعليه، فان الفلسطينيين الذين أضاعوا الهدف السياسي/ القومي في أعقاب سلام رأس المال، أي أضاعوا عامل التوحيد والتجميع القومي كحافز لتحرير فلسطين، انحط كثيرون الى مهوى التفاخر التقليدي بتوافه الاستهلاك. وهذا السلوك يعني، على أية حال، أن الاستهلاكية التي تتجاوز الدخل لا بد ان تبرر في التحليل الأخير إما التعايش مع أو ممارسة الفساد.

 لعل الأمر أبعد من هذا . فقد أدى الحصار الحالي من قبل الاحتلال إلى ورود مساعدات من الخارج الى الأرض المحتلة. وهذه كشفت عن خلل قيمي في المجتمع. فهناك انتظار شبه عام لتلقى المساعدات. انها حالة من إعادة “ايديولوجيا” بطاقة المؤن كنقيض للتوجه لعمل انتاجي في الزراعة مثلاً. يقف الناس في طوابير للحصول على مواد تموينية “تبرعات” تساوي مئة وخمسين شيكلا في أفضل الحالات. يقف غير المحتاج قبل المحتاج في عتبات ولاء لإيديولوجيا بطاقة المؤن[22] .

أدت الدعاية الهائلة عن المنح والمانحين الى اعتقاد المواطنين أن على السلطة اطعامهم وهم نيام. لذا، تقدم طلبات الى السلطة لتحصيل وظائف، أو منح أقساط جامعية، أو علاج… الخ. وهذا إنعاش للواسطة. وبما أن السلطة تسعي لكسب ولاء الناس وتشجع الفساد، فهي بين متهمة بالقبض من المانحين، ربما التهمة اكبر من خيال الناس، وربما مضطرة للقبض من المانحين أيضاً لتلبي ذلك الوحش الانتفاعي الذي ساعدت على زرعه في مخيلة الناس. وتكون النتيجة ككرة الثلج، طمعاً ساذجاً لا يتوقف وتهماً للسلطة بأنها تقبض، ويتناسى الناس أن ضغطهم على السلطة لتحصيل منافع، لا حق لهم أو حاجة بها، انما يرغم السلطة على الاستجداء أكثر!!

 النظام العالمي والاستهلاكية

 2-النظام العالمي كراع للفساد

من الصعب تصور نظام فاسد محصور في نطاق سيادته القومية، فمختلف أنظمة بلدان المحيط المضمخة بالفساد ذات علاقة بطريقة او اخرى، بل وتعمل بالتأكيد لصالح مركز رأسمالي. وبكلمات أخرى، فإن بلدان المركز الامبريالي تدعم صناعة الفساد في المحيط كجزء من انتاجها القومي الاجمالي طالما أن الفساد في المحيط يعني تحويل جزء من الثروة من المحيط الى المركز. وفيما يتعلق بالربح، فإن رأس المال لا ينظر أبداً الى الأخلاق والديمقراطية. لذا، فإن الفساد ليس مجرد جزء تكميلي من العمل الاقتصادي للعولمة.

أن المثل الأكثر حداثة هو دعم المزكر للخصخصة في روسيا حيث بيعت المجمعات الصناعية الكبرى بأسعار تافهة. أما ما اسميت تجربة تحول روسيا الى الديمقراطية والرأسمالية فتدهورت الى فساد منظم. تكمن اسباب دعم الرأسمالية والاستعمار والامبريالية للأنظمة الفاسدة حقيقة أنها، اي الأنظمة، امتداد للاستعمار في  أشكال ومستويات جديدة من علاقة التحالف الطبقي بين المركز والمحيط. وبعبارة أخرى، النظام الرأسمالي العالمي في وضعية إعادة الاصطفاف الطبقي.

لا بد من الذكر أن عملية الفساد في المركز مختلفة عنها في المحيط. فالفساد في المركز، كمجتمعات تم تحولها الرأسمالي مبكراً ومعمقاً، فهي تشكيلات اجتماعية متماسسة وأيضاً مدعومة بنهب الفائض من المحيط مما يساعد أكثر على استقرارها. ان أحد النتائج الايجابية لتحويل الفائض من المحيط الى المركز، هي تقليل اضطرار النخب الحاكمة في المركز لممارسة الفساد. وبناء عليه، فإن الفساد في النظام العالمي هو أحد أشكال الظاهرة المهيمنة في العالم، أي العولمة.

يعمل الفساد في التشكيلات المحيطية بشكل مفتوح ويتدرج من الشرائح العليا في المجتمع الى الطبقات الشعبية. وعليه فإن النضال ضد الفساد في هكذا تشكيلات، ربما أكثر صعوبة من النضال ضد الاحتلال.

تصر السلطة الفلسطينية على تبني سياسة الأسواق المفتوحة، ورفع الحماية الاقتصادية وسن قوانين تحابي رأس المال الأجنبي على المحلي على الرغم من ادعاء السلطة الفلسطينية أنها تدعم القطاع الخاص، لدرجة أصبح معها اقتصاد الحكم الذاتي الفلسطيني أصبح مثابة اقتصاد تحت الطلب. هذه هي السياسة الاقتصادية التي أعطت الأولوية لاقامة كازينو على التنمية والتشغيل المكثف وارساء قواعد اقتصادية لانتاج الأسياسات.

وبما هو اقتصاد تحت الطلب، فإن اقتصاد مناطق السلطة الفلسطينية يتجه نحو اعتماد أكثر على الخدمات. وهذه الخدمات لن تظل محصورة في اقتصاد الكازينو. تتوقع السلطة دوراً اقتصادياً ناشطاً للسياحة، وهي صناعة تحتاج الى سلسلة خدمات لكنها ليست انتاجية. هذا اضافة الى أنه طالما افتقرت السلطة الوطنية الى السيادة على المعابر والقدس، فإن السياحة الأجنبية ستستمر في التدفق الى اسرائيل أولاً من حيث المنام وترتيبات التنقل والعودة أخيراً الى الفنادق الاسرائيلية.

من اللافت للنظر أنه في حين تقر السلطة الفلسطينية بوجود فساد، فإن سفير أمريكا في اسرائيل ، اليهودي الاسترالي الأصل مارتن انديك، قد امتدح أداء السلطة الفلسطينية: “أكد السفير الأمريكي في اسرائيل، مارتن انديك، أن السلطة الفلسطينية نجحت في التغير والتطور إلى الأفضل في مجالات اقتصادية مختلفة مشيراً إلى منطقة غزة الصناعية” [23]. في حين ورد في تقرير لمجلة نيوز زيك أن :” الرئيس الفلسطيني كان حراً في توزيع الاعطيات النقدية لأولئك الذين يمشون في الثلم. ويبدو أنه بعد ثلاث سنوات من ضغط المجموعات المانحة مثل صندوق النقد الدولي في اقناع عرفات بتحويل هذه الأموال عبر وزارة ماليته. كما دفع صندوق النقد الدولي عرفات الى الكشف عن شركات الأعمال الكبيرة التي تحتكرها السلطة، ولكنه ما زال يحتجز تقرير مراقب الحسابات من شركة برايس ووترهاوس كوبرز”[24]  ولكن، ما السبب أن تقرير صندوق النقد الدولي هذا مرن وناعم ومتأنٍ مع السلطة الفلسطينية على الرغم من استمرار الفساد، في حين هو حاد وصلف وفظ تجاه السيد موجابي رئيس زيمبابوي على الرغم من حقيقة قيام زيمبابوي بدفع أقساط وخدمات ديونها للصندوق الدولي في مواعيدها. وعندما احتج موجابي على تأخير الصندوق لدفعة القرض الثانية لبلاده لم يتردد الصندوق في القول أن شرط ذلك هو سحب قواته من الكونغو التي تساعد حكومة كابيلا الراحل في الكونغو الأمر الذي دفع موجابي لوصف الصندوق بأنه “حيوان متوحش”. وحتى النظام المصري فقد وقع تحت ضغط كبير من الصندوق الدولي لتخفيض عملتها على الرغم من الخدمات التي تقدمها حكومة مصر “كمشرفة” على السلطة الفلسطينية في الاستمرار في عملية التسوية.[25]

لقد دفعت الدول المانحة في حالات كثيرة رواتب الشرطة الفلسطينية، أحياناً من خلال الأنروا، ولكن أحداً من هؤلاء المانحين لم يفكر في دفع رواتب معلمي المدارس.

ان للبنوك الدولية دوراً في فساد المحيط، ففي أعقاب انفجار أزمة الديون في الثمانينات، قامت البنوك التجارية والبلدان المتقدمة بتقليص قروضها الى بلدان المحيط رغم توفر فوائض مالية ضخمة فيها. فقد كانت معظم القروض للبلدان النامية قد استهلكت بالفساد، وقد اعيدت في النهاية الى بلدها الأم كأرصدة للحكام الفاسدين وحاشيتهم. تقدر مسروقات الرئيس الاندونيسي السابق سوهارتو بـ 40 بليون دولار. ومن المعروف أنه كان مدعوماً من المركز ولا سيما الولايات المتحدة منذ أن قام بانقلاب دموي ضد سوكارنو عام 1965 حيث ذبح ستمائة ألف شيوعي ماوي. مروراً باحتلال جزر تيمور، وانتهاءً باسقاط بلاده في الأزمة المالية عام 1997. كما تقوم البنوك التجارية مؤخراً بغسيل الأموال غير الشرعية في بلدان المحيط بمساعدة حكوماتها طبعاً. وبالمناسبة، تعتبر اسرائيل أحد هذه الأوكار.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

[1]  كان لي موقف نقدي من م. ت. ف منذ منتصف السبعينات، وهي الفترة التي غادرت صفوفها التنظيمية لقناعتي بأن هذه المنظمات لن تحرر فلسطين، وبأنها سوف تنتهي الى التسوية، وبأن الاتحاد السوفييتي، حليفهما، أو حليف يسارها، ليس دولة اشتراكية وليس حليفاً حقيقياً بمعنى أنه محكوم بسياسة دولة لا ثورة. وهذا ما عرضني للكثير من النقد والعداء فصائل م. ت. ف ومن البرجوازية المحلية لدرجة لم أتمكن معها منذ ذلك الحين وخلال فترة سلطة الحكم الذاتي من العمل كمحاضر في الجامعات المحلية، أما بالنسبة للسلطة الحكم الذاتي فلم ارغب بدوري العمل في أي من دوائرها. وكل هذا ليس غربياً. لعل الغريب هو أنه بعد أن اكتشف الكثيرون أن نقدي، الذي وصف بالمتطرف، كان في جوهره معتدلاً، سواء تجاه م. ت. ف أو الاتحاد السوفييتي السابق، فقد انتهت م.ت.ف الى تقاسم وطننا (حتى الضفة والقطاع) مع العدو وتفكك الاتحاد السوفييتي كاشفاً عن جوهر نظام حكم لا اشتراكي، إلا أن من هاجموا موقفي لم ترَ أعينهم حتى هذه الحقائق.

[2]  فيما يخص الفساد في مصر، انظر، شحادة صيام، ما بعد اللبرالية : بنية عقل الراسمالية المصرية. مطبوعات رامتان، القاهرة 1996. وانظر حول لبنان جلال أمين، الدولة الرخوة في مصر، منشورات سيناء، القاهرة، 1993.

[3]  نقصد هنا بيان العشرين الذي صدر في نوفمبر 1999 في الضفة وغزة، و الذي ينقد الفساد في السلطة الفلسطينية

[4]  لا توجد في مناطق السلطة شركات عملاقة بالمفهوم العالمي بحيث تستحق الخصخصة. لكن اعلام السلطة يمتدح الخصخصة والسوق الحرة والقطاع الخاص… الخ رغم أن هذا لا يخدم بلداً في مرحلة بناء دولة. وفي حين أن اسرائيل تتغاضى عادة عن تقصيرات حلفائها، إلا أنها نشرت تقريراً في أعقاب الانتفاضة الأخيرة، يحرض ضد السلطة الفلسطينية فهو يلوم السلطة الفلسطينية على الأزمة الاقتصادية الحالية ويردها الى سوء الادارة الداخلي والى المحسوبية وربط الاحتكارات الكبيرة بيد المستشار الاقتصادي للسيد عرفات وهو محمد رشيد، وعائلة المصري في نابلس التي تتحكم بأكبر شركة استثمارية (باديكو) وكذلك بشركة بنت لها تتحكم بالمنطقة الصناعية في غزة… الخ (نيويورك تايمز، 21 نوفمبر 2000.

[5]  انظر بهذا الصدد عادل سمارة،

Globalization. The Palestinian Economy and the “ Peace Process”, in Journal Of Palestine studies, Volume XXIX/2- November 2000.

[6]  أهداف وسياسيات الدول المانحة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والنرويج..الخ، هو توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم. ومع ذلك، فمساعداتهم ليست مفيدة بحجم ما تحاط به من دعاية: “بين تفحص سريع لمشاريع هذه الدول ان معظم الأموال التي تظهر وكأنها صرفت من المانحين انما تنتهي غالبيتها أخيراً الى بلدها الأم، على منظماتها غير الحكومية أو خبرائها الفنيين، ورغم عدم توفر تفاصيل ادعى مسؤولون من السلطة الفلسطينية أن 79% من ما يدفعه المانحون تنفق على رواتب الخبراء والأجانب وأشكال أخرى من المشتريات الأجنبية. ويزعم باحثون فلسطينيون أن 90% من المساعدات الفنية تنفق على الموظفين الأجانب من الدول المانحة أو في هذه البلدان”. انظر، تقرير البنك الدولي: النجاعة في الضفة الغربية وغزة، لعام 2000 المقدمة.

[7]  نفس المصدر، المقدم.

 [8]  مثال على هذه الوصفات التدميرية، الدعاية للسوق الحرة، والقطاع الخاص واقامة مناطق صناعية حرة.

[9]  “نتيجة لهذا فإن 14% من قوة العمل الفلسطينية الكلية تعمل حالياً في القطاع العام، ((16% بما في ذلك الاونروا) مقارنة مع 12% في مصر، و10% في الأردن (بما فيه الاونروا) و 10% في تونس. وفي عام 1998-99 كان 58% من النفقات الجارية للسلطة الفلسطينية مكرسة للرواتب وهذا أعلى من المتوسط للشرق الأوسط وشمال افريقيا. تقرير البنك الدولي 2000، مصدر سبق ذكره ص 88. “وتجدر الاشارة اضافة الى ذلك أن رواتب الخدمات المدنية متدنية بشكل عام، وأنها تتآكل بالمعنى العملي منذ تأسيس السلطة الفلسطينية. واذا ما أخذ مستخدمو القطاع العام زيادة على رواتبهم كما اقترح قانون الخدمة المدنية عام 1998 فإن حصة الأجور من الميزانية الجارية سوف تزداد أكثر”. تقرير البنك الدولي 2000 مصدر سبق ذكره، ص88.

[10]  كارل ماركس، راس المال، المجلدين 1 و 2 منشورات موسكو باللغات الأجنبية ص 266

[11]  مقابلة مع عبد الجواد صالح عضو المجلس التشريعي

[12] لعب تدهور المعارضة اليسارية الفلسطينية دورا كبيرا في إضعاف الاحتجاج ومقاومة سياسات السلطة الفلسطينية.

[13]  أصدرت المحمة العليا الفلسطينية 48 حكما بالافراج عن سجناء اغلبهم من الحركات الاسلامية ولكن رئيس السلطة الفلسطينية رفض ذلك. أما القضاة فبقوا في مناصبهم

[14]  حصلت حركة فتح على معظم المقاعد لأن القوى الاسلامية والقومية اليسارية رفضت المشاركة في الانتخابات لانها تعارض اتفاق أوسلو

[15]  وفي حين ان تقرير البنك الدولي يتعاطى مع معظم القطاع التربوي، فإنه لم يذكر المعلمين ابدا، واذا ما وضعنا بالاعتبار أن البنك الدولي كثيرا ما يتشدق بالتنمية المستدامة، وخاصة التنمية البشرية، فان هذا يقود الى الاستنتاج أن البنك الدولي يتجاهل الأوضاع المتردية للمعلمين، وهذا أمر مستهجن

[16]  تقرير البنك الدولي 2000، ص 13

[17]  هذه المعلومات من ورشة عمل قامت بها مجموعة من النقابات العمالية في رام الله في 13 آب 2000. كما ورد في منشور لنقابات العمال ايضا بتاريخ 21 كانون الثاني 2001 اتهام للأمين العام لاتحاد العمال بالفساد والمحسوبية . ودعا نفس المنشور الى انتخابات جديدة للهيئة التنفيذية للاتحاد.

[18]  Between July and November 1976 the government of Argentina deposited in the Chase Manhattan Bank on New York over $ million a month, for which the average interest rate received was five per cent. However, in the month of July of the same year, the Central Bank of Argentina renewed for 90 days a loan of $30 million granted by the same bank at the rate of 8.75 per cent… Jacob Schatan, World Debt, Who is to Pay, Zed Books, p49. 1987 “

[19]  في هذا المستوى، كان رأيي بان على اللجنة المشتركة أن تقرض الناس المستعدين لاقامة قرى صغيرة على قمم الجبال التي يمكن أن يستوطن عليها الاحتلال. وقد اسميته “اعادة التوطين الفلسطيني مقابل الاستيطان العبري” انظر كتابنا اقتصاديات الجوع في الضفة والقطاع، منشورات دار العامل ومفتاح 1979 كما أرسلت نفس الاقتراحات الى م.ت.ف في بيروت حينها، ولكن لم يؤخذ بها، هذا اذا كانت قد قرأت أصلاً، وبالفعل جرى الاستيطان اليهودي على قمم الجبال كما توقعنا.

[20]  انظر مثلا تقرير البنك الدولي 2000 مصدر سبق ذكره، المقدمة، و ص107

[21]  جريدة القدس، 2 حزيران 2000

[22]  يوم 24-2-2001، التقاني رجل في الخمسينات أمام مكتب مجلة كنعان برام الله وسألني (هان بيوزعوا المصاري) يقصد نقابة العمال المجاورة وبعد مئة متر سألتني سيدة: هون نقابة العمال التي توزع مصاري، فأشرت لها الى المكتب المجاور لمكتب كنعان، فقالت: “لا هادا زرناه” هناك مكتب تاني”!  

[23]  نيوز ويك، 22 ايار 2000

[24]  نفس المصدر

[25]  انظر عادل سمارة، كتاب أفكار حبيسة (بالانجليزية)، منشورات مركز المشرق العامل للدراسات الثقافية والتنموية، رام الله 1998 ،الفصل الثالث دور مصر كمرشد ل م.ت.ف والسلطة الفلسطينية في التسوية، وكيف أن الامبريالية قد أعفت مصر من 7 مليار دولار من ديونها مقابل هذا الدور واشتراك مصر في العدوان على العراق عام 1991