البديل حماية شعبية: من سيكون”سيف الله المسلول”؟ حلقة ( 2من2)، عادل سمارة

البديل حماية شعبية
من سيكون”سيف الله المسلول”؟

حلقة ( 2من2)
عادل سمارة

كشف الحراك الشعبي اللبناني عن تقاطب موضوعي في المجتمع يقترب من وعي الذات ولكن لم يحققه برنامجيا وتنظيميا وقياديا. والتقاطب هو بين الطربوش الطبقي الحاكم/المالك وبين الجسد الاجتماعي الطبقي المنتج والحامل والمتألم.
وكشف بالطبع عن تبادل المنافع بين الجزء السياسي الحاكم من الطربوش والجزء المالي المصرفي بما في ذلك المصرف المركزي وكيف كان هؤلاء يديرون الاقتصاد بما يخدمهم ويُخدِّر الحامل الحقيقي للإقتصاد.
ليس من الواضح بعد إن كان الحراك التحتي قد وصل إلى قرار خلع الطربوش نهائياً، ومن ثم هل سيفرز قيادته، أم هو يبحث عن من يقوده، لنقل عن سيف الله المسلول؟
وبالتأكيد، لن يكون هذا السيف هم الخبراء والمحللون حتى لو أخذوا صلاحيات حقيقية لأنهم عاشوا الفترة والمناخ الذي أوصل البلد إلى هنا. وليس شرطا انهم كانوا فاسدين ولا جهلة، لكنهم لم يثيروا اعتراضا حقيقياً كما يبدو لاسيما وأنهم يثيرون اليوم الكثير من القضايا الفعلية والعميقة ويطرحون عليها نقدا فعلياً!
لقد طرح أكثر من اقتصادي توصيفاً للمرحلة التي أدت إلى الوضع الحالي المأزوم والممتدة منذ بداية التسعينات ومنها:
• عدم وجود غطاء ذهبي للعملة اللبنانية باعتباره في وضع مجهول لدى الإمبريالية الأمريكية،
• التورط في تخفيض الحمايةَ الجمركيّةَ على الصناعة والزراعة من 18% وسطيًّا إلى 5% في أواسط التسعينيّات، وهذا بالطبع انفتاح ابواب السوق او تخليع ابوابه
• تحويل الاقتصاد بربطه بمحددات الاستهلاك المعتمد على الاستيراد والمحتكر من شريحة كمبرادورية تتشارك الإستفادة مع السلطة.
• أدت هذه سواء بالضرورة أو الصدفة إلى تراجع الإنتاج المادّيّ والاستثمارُ المنتِج وهذا تبعه بالطبع تراجع القدرة على التصدير السلعي، وتم “تعويض” ذلك بتصدير قوة العمل نظرا لتزايد البطالة .
• عدم الاستفادة من الخريجين المتعلمين رغم المقادير الهائلة من الإنفاق عليهم من الثروة المحلية حيث تم طردهم إلى الخارج.
• التوسّع في الإنفاق الجاري غير المنتِج مما قاد إلى عجز مالي بعدآخر.
• ومن ثمّ راهنتْ السلطة على مراكمة العجوزات الماليّة عامًا بعد عام،
• لعبت المصارف دور المموِّل النهائيّ لعجوزات الدولة بمساهمتها في شراء سنداتِ الخرينة، سواء بالليرة اللبنانيّة أو الدولارِ الأميركي. وخرجت المصارفُ والدولةُ رابحةً من هذه الأزمة: إذ تمكّنت الأولى من مراكمة
الفوائد والأرباح ورؤوس الأموال الخاصة، ووجدت الثانيةُ مَن يموِّل إنفاقَها غيرَ المنتِج، وسط غياب الموازنات النظاميّة لأكثر من 11 عامًا. وضاعت عمليًّا ودائعُ المواطنين بين هذيْن الفريقيْن!
• تحويل الاقتصاد إلى أنبوبة تلقي وراجع للريع بالدولار عبر تلقي التحويلات والسماح بإعادة إخراجها لتحقق فوائد اعلى.
• سياسةَ القروض السكنيّة المدعومة كانت تذهب إلى المتنفّذين بدلًا من أبناء الطبقة الوسطى وما دونها.
• تضخم الجهاز الوظيفي 300 ألف موظّف إرضاء لقيادات الطوائف بدلا من توسيع قطاعات الإنتاج لتشغيل منتجين لا توظيف طفيليين.
• كان سلامة بعد 1993 يعرض فوائد عالية جدا ليجلب ودائع من الخارج فقد أعطى فائدة عالية على الليرة وفائدة اقل على الدولار وحيث يعطي قروضاً بالدولار على 5 بالمئة فيضعوها بالليرة على 10 بالمئة فيربحوا.

بين مرحلتين، تكرار أم تجاوز؟

ولكن، بعيدا عن التوصيفات والتوصيات من قبل هذا الاقتصادي أو ذاك، يواجه لبنان اليوم لحظة تفصل ما بين مرحلة مضت وأخرى في مخاض. فهل تنطبق هنا مقولة غرامشي : ” الأزمة حيث أن القديم لم يمت بعد وأن الجديد لم يولد بعد”. أم أن الأمر مختلف بمعنى أن القديم يصر على البقاء وتجاوز اعراض
الموت رغم أزمته، وبأن الجديد يصر على التخلص من القديم ولكنه لم يبلور مخرجا ما.
لقد أكد الحراك الدخول إلى لحظة انفكاك جمهور الطوائف عن قياداتها، وهذه حالة تقاطعات طبقية تتجاوز الانتماءات الطائفية. ولكن ما ليس مؤكداً بعد:
• مغادرة قواعد الطوائف لزعامات وقيادات وأحزاب الطوائف
• واستمرار هذه المغادرة إلى حد القطيعة.
• مدى قدرة قيادات الطوائف على لجم الخروج القاعدي باللجوء إلى مشاحنات
فاشية عبر توتير المناخ الطائفيّ.
• وحدود تماسك الحراك من داخله ومدى تعرضه للاختراق وحتى الإنزياح
• إيجاد قيادةٍ ممثلة للحَراك وتحظى بإجماع ما.

مقترح رؤية لمخرج

مصطلح الاقتصاد الوطني مجرد طربوش يغطي تناقضات وتعقيدات متشابكة مع بعضها كما تتشابك الأفكار المتصارعة في الراس اي تحت الطربوش الذي يبدو مستقرا على الرأس. لذا، فالحديث الدافىء عن الاقتصاد الوطني ليس سوى تطمين او تخدير للفقراء كي يباركوا للأغنياء ما بهم من “نعمة” أي نهب
واستغلال نفس الفقراء كمنتجين .
يكون مصطلح اقتصاد وطني قريباً من الصحة حين النضال الحقيقي ضد الاستعمار سواء الاستيطاني الاقتلاعي، العسكري الاقتصادي المباشر أو بالتبادل اللامتكافىء، فالمجتمع ليس اسرة واحدة إلا حين المقاومة وحتى بالكاد. اما عموما فالبرجوازية تمثل مصالحها هي وتخضع الطبقات الشعبية لتلك المصالح
وكل هذا عبر عملية الاستغلال الاقتصادي في مواقع الانتاج حيث تتم تغطيته بخطاب بليغ عن الوطن والمصلحة القومية وتطوير الاقتصاد الوطني والتسابق مع الأمم الأخرى والحرص على الاقتصاد وضرورة الاستقرار واحترام القانون والنظام واطاعة اولي الأمر …الخ. وهذه جميعا تلخص في مسالة مركزية هي
مصلحة البرجوازية في الاستمرار في السلطة والملكية الخاصة.
أما التضليل بالأرقام فيتضح في الحديث عن تسجيل معدلات النمو وعن متوسط دخل الفرد. فأساس اي نمو حقيقي هو من شغل العمال بل كل العاملين/ات ليس المالكين، كما أن النمو بعوامل خارجية هو نمو انتفاخي غير مضمون الاستمرار، كما هو حال لبنان اليوم، أما متوسط دخل الفرد فهو خدعة سينمائية حيث يتم تقسيم الناتج القومي الإجمالي على عدد السكان فيظهر دخل الفقير الذي هو 100 دولار شهريا مساوياً لدخل ملياردير، حيث الفرد هو الفرد. أي نكون أمام خدعة بأن دخل عامل نظافة في عشوائيات بيروت هو نفس دخل رياض سلامة حاكم المصرف المركزي.
وعليه، لا يكون الاقتصاد وطنيا حقيقيا إلا في ظل نظام اشتراكي، ولذا، فإن ما يمكن الشغل عليه اليوم في لبنان هو التنمية بالحماية الشعبية كمقدمة لفك الارتباط وهذا يعني وجود اقتصادين في آن، اقتصاد الحماية الشعبية المنسحب إلى الداخل، والاقتصاد الرسمي المتخارج لصالح وضعه في مراتبية النظام العالمي الذي هو:
• تحالف رأ سالمال من المركز من أعلى مع
• كمبرادور المحيط.
مما أوصل الاقتصاد العالمي إلى وضعية قطاع عام راسمالي معولم لصالح راس المال من المركز.
والحماية الشعبية بإيجاز هي اشتغال الناس انفسهم في تحديد متطلباتهم وإنتاجها تعاونياً باكثر ابتعاد ممكن عن النظام الاقتصادي الطفيلي بحيث يقللوا قدر الإمكان إخضاعهم لقانون القيمة فيه والذي هو قانون معولم. اي ان يخلقوا قانون قيمة محلي/وطني في شغلهم وتبادلهم وإنتاج كفايتهم.
صحيح أنه لا يمكن الانعزال/الفكاك بين اقتصاد الحماية الشعبية وبين الاقتصاد الرسمي، ولكن ما هو ممكن هو عدم الخضوع لمنطق الاقتصاد الرسمي الذي هو خاضع لمنطق السوق الراسمالية العالمية.
فالحماية الشعبية هي مشروع عمل منتج من ولصالح المنتجين أنفسهم، وبالتالي هو مشروع تشغيلي اساساً وليس مشروع اعتماد على ريع آت من الخارج.
يعني حديثنا هذا أن الأقرب إلى الواقع هو وجود اقتصاد طبقي لكل طبقة على حدة، رغم تداخلات هذه جميعا في “الاقتصاد المحلي” وهي تداخلات التناقض والتنافس…الخ.
ربما لهذا شهدنا الحراك الحالي في لبنان، اي حراك القاعدة الشعبية لمختلف الطوائف والأحزاب احتجاجا على القشرة الطبقية العليا الحاكمة/المالكة.
ولكن كذلك شهدنا احتواء أو محاولات احتواء هذا الحراك من الثورة المضادة بمخططيها الدوليين وأدواتهم المحلية.
استغرب كثير من اليسار اللبرالي الأحمر وتمفصلات او أحفاد الشيخ القتيل تروتسكي وماركسيي الأنجزة، نقدنا للحراك بعد يومه الثالث، ذلك لأن هؤلاء حاملين ليافطة الماركسية بينما هم عمليا تحت وبامتطاء البرجوازية والفاشية والدين السياسي.
وحتى بعد تجربة “الربيع العربي” لم يفهم هؤلاء بأن الثورة المضادة اغتصبت معظم الحراك الطبيعي ذلك لأن الثورة المضادة تحت جلد البنية الاجتماعية الاقتصادية، لا بل هي قوية. (أنظر كتابنا: ثورة مضادة إرهاصات أم ثورة 2012…).
ما يحصل حتى الآن هو هز النظام الاقتصادي البرجوازي بأيدي قاعدته الشعبية. ولذا، فإن ما يجب أن يحصل هو توجه القاعدة الشعبية نحو التبلور الطبقي لمواجهة طبقية مع راس المال عبر مشروع التنمية بالحماية الشعبية اي خلق مواقع العمل والإنتاج والتوزيع الطبقي بعيدا عن الاقتصاد الرسمي كي تجبره على اللحاق بها أو تصل لحظة الصراع الطبقي المباشر معه.
صحيح ان الاقتصاد الرسمي هو جزء من النظام العالمي سواء في الإيديولوجيا أو العلاقات، استيراد، تصدير…الخ، ولكن هذا يبقى جزءا من الطربوش بحيث يمكن للطبقات الشعبية إدارة اقتصادها بأعلى درجة من عدم الارتباط به. وهذا يتطلب اقتصاد الحزب. أي أن اقتصاد الطبقة يشترط اقتصاد الحزب.
فالحزب هو الحامل الاجتماعي السياسي الثقافي لاقتصاد الطبقة في موديل الحماية الشعبية. انه التطور الأعلى للحزب كحامل سياسي للتنمية. والحامل السياسي للتنمية ليس مجرد تراكم اعضاء ومراتبيات بل بنية متفاعلة تبدليا وافقيا وعاموديا. لأن التنمية عمل وانتاج على اساس تعاوني في الحد الأدنى. وبهذه البنية وطبيعة هذه البنية يتكون اقتصاد الحزب السياسي الذي يتحول الى خلية مجتمعية نموذجية تعتمد على ذاتها.(انظر عادل سمارة، مقدمات في التنمية، في مجلة كنعان، العدد 148 شيتاء 2011 ص ص 6-24)
لن يكون الحزب السياسي مثالا يحتذى ما لم يكن قادراً على كفاية نفسه. فحينما يرتهن الحزب معيشيا للدولة او للمساعدات الاجنبية او تمويل الأنجزة لا يمكن ان يقيم تنمية حقيقية لأنه سيكون مرهونا لتلك المصادر.
وبما ان الحزب فريق /فرق من الناس لديها عقيدة ورؤية لليوم والمستقبل، فلا بد ان يكون له ذلك الانسجام الداخلي الذي يؤصل روح العمل والتضحية ومن ضمنها التنمية على اساس التعاون والحماية الشعبية .
ليس غريبا ان التبعية الإقتصادية تقود الى التبعية السياسية ومن ثم الفكرية والبرنامجية. وإذا كان هذا ينطبق على الدول والأفراد فهو منطبق لا محالة على الحركة السياسية . وما لم تعتمد الحركة السياسية على نفسها فإنها لا شك سوف تُفرغ من شحنتها الثورية وانتمائها للتغيير وحمل مشروعه بالطبع.

هل يرتقي حزب الله للمهمة

بعيداً عن الثرثرة والشتائم و “كلن يعني كلن” أو ملابس نساء الجنوب ورش الأرز على العدو قبل رش الرصاص…الخ فإن الحزب الذي يواجه أشد التحديات هو حزب الله بمعنى :
• التمسك بالمقاومة وهو الأمر الذي كلفه تحمُّل حلفاء ليسوا حلفاء حقيقيين
• زعم البعض أن هذا الحزب تحمَّل اللاحلفاء طمعا في السياسة وكعكتها
ووصول البعض إلى اتهام الحزب بالفساد
• تحدي موقف الحزب من الحراك
• قدرة الحزب على أن يكون حزب المقاومة والحماية الشعبية؟

من حيث المبدأ ومنطق الأشياء، فإن قاعدة المقاومة مرشحة لتبني موديل الحماية الشعبية لأنها تضحوية ومن الطبقات الشعبية. فهل يمكن للحزب فتح قاعدته الشعبية لتحتوي /تندمج/تتحد مع القاعدة الشعبية في عموم لبنان، حتى لو حصر القاعدة القتالية في وضعها الحالي؟ ويبرز هنا السؤال كيف يمكن، وهل يستطيع الحزب نقل الوعي التنموي لقواعده هو والمجتمع كقواعد شعبية فقيرة؟
قد يقول البعض بأن قاعدة الحزب كطائفة لا يمكنها الانفتاح على قاعدة مختلف الطوائف، اي القاعدة المجتمعية. ربما، وهذا خاضع لتجربة الحزب نفسه. ولكن إذا كانت هذه القاعدة سابقا قبيل ثورة حزب الله، اي حينما كانت فقيرة ومنهوبة ومهملة وربما مُهانة قادرة حينها أن تكون جزءاً من الجماهير الفقيرة والمفقرة، فلماذا لا تتمكن من الانفتاح وهي في وضع طليعي؟
ولكي نتجاوز على الانحصارية، فإن ما يجري في لبنان قاعديا يتطلب تبلور الحزب الثوري لحمل موديل الحماية الشعبية، وليس الأمر مشروطاً بحزب الله بالطبع.
إن حديث السيد نصر الله عن البدء في مطاردة الفساد برجال/نساء حزب الله هو مؤشر على جاهزية الحزب لفك التحالف على الأقل مع الفاسدين. وعليه، فهو ينتقل خطوة باتجاه الحراك، وهذا يُقنع قطاعات من الحراك بالانتقال باتجاه الحزب على اساس العمل المشترك او الاندماج التنموي…الخ.
المهم، أن لا تمضي التجربة إلى الاختزال مجددا في ترقيعات النظام المأزوم.
سيجادل البعض بأن الحزب ديني طائفي غير اشتراكي…الخ. ولسنا هنا بصدد المماحكات، فلنرى ماذا سيفعل الحزب نفسه مع العلم بأن المقاتل الفقير هو مادة التنمية بالحماية الشعبية. أما هل هو موجود في ذاته أو لذاته، فدعنا نرى.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.