بَعض تَبِعات ولاء الإخوان المسلمين “العرب” لتركيا الإخوانية، الطاهر المعز

أمريكا وتركيا، اختلاف ثانوي واتفاق استراتيجي:

تختلف أحيانًا مصالح الحُلفاء، ولكنهم يلتقون ويتفقون في الجوهر، وهو ما يحصل بين الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، كالخلافات مع الإتحاد الأوروبي أو مع تركيا، فالولايات المتحدة لاتُعير أهمية كبيرة لمصالح وحلفائها، وتحاول إخضاع مصلحة الحُلفاء للمصالح الأمريكية، لذلك شجّعت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مليشيات الأكراد على الإنفصال، ودعمتها إعلاميا وماديا وحربيا، فيما تريد تعارض تركيا أي هامش للأكراد، ويتفق الجميع، على تقسيم سوريا (وكذلك العراق وغيرها من البلدان العربية) واحتلالها، ولذلك اتفق هؤلاء الحُلفاء على تقاسم النفوذ في سوريا والعراق، وربما في مناطق أخرى…  

أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية (12 تشرين الثاني/نوفمبر 2019) إلى العلاقات المتطورة بين الدولتَيْن وإلى المصالح الخاصة التي تربط دونالد ترامب برجب طيب أردوغان، وتربط صهرَيْهما “بيرت البيرق”، زوج ابنة أردوغان، ووزير المالية في حكومة تركيا، و”جاريد كوشنير” زوج ابنة ترامب ومستشاره المُبَجّل، وتجدر الإشارة أن لشبكة “ترامب” العقارية والتجارية مصالح هامة في تركيا، كما أشارت نفس الصحيفة أن تركيا لم تَغْزُ شمال سوريا سوى بعد موافقة الولايات المتحدة، وأعلن دونالد ترامب، خلال المؤتمر الصحفي المُشترك، يوم 13/11/2019 “إن تركيا حليف هام داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وشريك استراتيجي للولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم…”، متغاضيًا عن العلاقات التجارية والإقتصادية بين تركيا وخُصُوم أمريكا (إيران والصين وروسيا)، لأن العلاقات الإستراتيجية والعسكرية الأمريكية التركية، أهم بكثير من المسائل الأخرى، التي قد تكون ظَرْفِيّة، وليست استراتيجية…

في هذا المناخ من العلاقات الدّولية، جاء احتلال الجيش التركي، وحلفائه من المجموعات الإرهابية، لشمال سوريا، بذريعة إنشاء “منطقة آمنة”، وإبعاد المليشيات الكردية على منطقة الحدود بين سوريا وتركيا، فيما أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تواصل احتلال المناطق التي تحتوي النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة والمياه، ومواصلة حرمان الدولة السورية من ثرواتها ومن أراضيها، وعرقلة عودة اللاجئين والنازحين وعرقلة عملية إعادة الإعمار…

لمحة تاريخية سريعة عن الإخوان في تركيا:

لما أصبح “نجم الدين أربكان” (الأب الروحي لحزب العدالة والتنمية) زعيمًا سياسيا معروفًا، في تركيا الأتاتوركية “العلمانية”، منتصف ستينات القرن العشرين، تحت مراقبة الجيش، اشتهر كزعيم يمثل الإسلام السياسي (تيار فَرْعِي من الإخوان المسلمين) الذي عارض أتاتورك، من مُنطَلَق عدم استساغة انهيار الدولة العُثمانية، واشتهر أربكان وتَيّارُه الإسلامي الذي يحكم تركيا اليوم، بموالاته الدائمة، عقائديًّا، للإمبريالية الأمريكية، ضد الإتحاد السوفييتي، أثناء “الحرب الباردة” التي ترى في أي نظام أو فكر تقدّمي، أو وطني، مظهرًا من مظاهر “الشيوعية”، وكان أربكان يعتبر الشيوعية تهديدًا لتركيا والإسلام على حد السواء، واستغلت الولايات المتحدة هذه القناعات الإيديولوجية لصالحها، لتظهر في صورة المُدافع عن الحريات الدينية وعن الإسلام، وروّج آل سعود كذلك، منذ تأسيس دولتهم، هذه الكذبة، ليُبرّروا ولاءهم للإمبريالية الأمريكية، وتمويلهم لحروبها العدوانية…

الإخوان المسلمون، الولاء الإيديولوجي، قبل الولاء للوطن:

عندما فاز حزب العدالة والتنمية، سنة 2002، بالسلطة، انخرط بسرعة في المشروع الإمبريالي الأمريكي المُسمّى “الشرق الأوسط الكبير”، واعتبرته مؤسسات الولايات المتحدة (من الحزب الجمهوري، أو الديمقراطي) نموذجًا لما سُمِّي “الإسلام السياسي المُعتدل”، ووجب تسويقه ونَشْرُه في الدول العربية والإسلامية، بعد 2001، مقارنته بما تعتبره أمريكا وأوروبا “التيار الإسلامي المتطرف”، أو “الإرهابي”، الذي أسسته ودعمته في أفغانستان وباكستان وإندونيسيا ثم في يوغسلافيا وغيرها…

أصبحت الأحزاب الإسلامية العربية (الإخوان المسلمون)، بما فيها حركة “حماس”، تدين بالولاء لتركيا، كقيادة عُليا (أو مَرْجَع) للإخوان المسلمين، بدل الولاء لأوطانها أو لشعوب بلدانها، وخصوصًا بعد 2011، حيث دعمت هذه الأحزاب مواقف تركيا العدوانية تجاه الدول والشعوب العربية، وفي مقدمتها سوريا، وأعلنت الأحزاب الإخوانية الحاكمة في مصر وتونس (2012 و 2013 في مصر) انخراطها في سياسات التّطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا زالت الوثائق المكتوبة والمَرْئية والمسموعة تشهد على ما أعلنه راشد الغنوشي ومحمد مرسي، كرمْزَيْن لتيار الإخوان المسلمين، وبايعت حركة حماس أمير المؤمنين “رجب طيب أردوغان”، وساعدت حماس المجموعات الإرهابية التي تدعمها تركيا، على احتلال وتخريب مخيم اليرموك الفلسطيني، في دمشق، مما جعل أردوغان يعلن أنه سوف يُصلِّي قريبًا في مسجد الأمويين، الواقع في قلب دمشق، عاصمة سوريا، واتخذ الإخوانُ المسلمون مواقفَ داعمة لتركيا الأطلسية، سواء كانوا في تونس أو مصر أو اليمن ولاحقاً أو في ليبيا…

هل ترتبط تركيا الإخوانية، بحلف شمال الأطلسي وبالعلاقات المتطورة مع الصهاينة، وبالعداء لكل ما يُعْتَبَرُ عربيا، في ذِهْن ووَعْيِ الناخب التونسي أو المغربي أو المصري، الذي يُصوت لصالح الإخوان المسلمين الذي يدينون بالولاء لتركيا الإخوانية، ضد مصالح بلادهم وشعوبهم، سياسيا واقتصاديا، ففي تونس، على سبيل المثال، تستورد شبكة متاجر تركية (يُديرها أحد زعماء الإخوان المسلمين التونسيين) مواد غذائية تركية، تُنافس الإنتاج المَحلّي…

عملت تركيا العثمانية ثم الأتاتوركية فالإخوانية، ما في وسعها لتَنْفِير مواطني البلدان العربية، عرب وغير عرب (كالأكراد)، من سياساتها، عبر العداء للحرف وللخط العربي، وعبر الإعتراف السريع بالكيان الصهيوني، وعبر الإنتماء للحلف الأطلسي، وعبر العدوان على البلدان والشعوب العربية، في سوريا والعراق، واحتلال أجزاء منها، وعبر تكثيف التجارة والعلاقات العسكرية مع الكيان الصهيوني، رغم الثرثرة والتظاهر بدعم الشعب الفلسطيني… لكن كلما أمعنت تركيا الإخوانية في عدوانها، زاد ولاء زعماء الإخوان المسلمين لها، إلى درجة دعوة المواطنين دعم الليرة التركية، بينما يغراق المغرب وتونس ومصر والأردن، وغيرها في الدّيون الخارجية، وتسبب الإخوان المسلمون في تونس في انهيار اقتصاد البلاد، وارتفاع الدّيون الخارجية، التي سوف تتحمل أعباءها أجيال لاحقة من التونسيين، بينما أصبحت مظاهر الثراء بادية على زعماء حركة النهضة وما تَفَرَّعَ عنها، واعتَبَر زعماء النهضة الدولة والبلاد والسلطة “غنيمة حرب”، وجب اقتسامها فيما بينهم…

 خاتمة:

يحظى نظام تركيا بدعم مُطلَق وغير مَشروط من قوى سياسية “عربية” (الإخوان المسلمون)، ضد سيادة دولة عربية (سوريا أو العراق)، وتَحْكُمُ هذه القوى بعض الدول العربية كُلِّيا أو جُزْئِيًّا، في المغرب وتونس وليبيا واليمن، ما يدعو إلى الحيطة، وإلى التّنديد بأي موقف يدعم احتلال أي جزء من الوطن العربي، وأي احتلال لأي منطقة من العالم… لكن التنديد لا يكفي، إذا لم يقترن بحملة تُبيِّنُ الطبيعة الرجعية للإخوان المسلمين، وموالاتهم للإمبريالية ولتبعيتهم للقوى الأجنبية منذ تأسيهم سنة 1928، ونقد سياساتهم المتذيلة للإمبريالية الأمريكية ولمخططات وبرامج صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، والشركات العابرة للقارات…

إن الجدل بشأن العلمانية والدولة الدينية وغيرها نقاش فلسفي، وعقائدي وسياسي هام، ولكن الجدل بشأن واقع الإقتصاد وحال المواطنين والفقر والبطالة ومستوى الأسعار والتضخم، أهم بكثير، وأقرب إلى اهتمامات المواطنين، من الجدل بشأن الدولة المدنية والدولة الدينية، ومن دَوْر، بل من واجب القوى التّقدّمية، بمختلف مشاربها، التركيز على برنامج (ليس بالضرورة برنامج انتخابي) بديل للواقع الحالي، مع التفكير في وسائل تطبيقه، والتمويلات الضرورية ومصادرها، وغير ذلك، لكي لا ينحصر النقاش في طبيعة الحكم وطبيعة المُجتمع، أو في جَرْد لما تحقق أو لم يتحقق، خلال فترة معينة (ما بعد 2011 في مصر وتونس، على سبيل المثال)، ولكي لا يشعر المواطن (وكذلك المناضل) باليأس وبالتّسْليم بالأمر الواقع… من حق المجتمع علينا أن نوافيه ببرنامج ثوري بديل، قابل للإنجاز…  

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.